وصايا هامة مع افتتاح العام الدراسي الجديد

كـَيْفَ تـَدْرُس؟

تفضّل الله عزّ وجلّ على البشر عامّة بنعم عظيمة وثمينة، وبها كرّمهم على سائر خلقه، وإحدى تلك النِّعم الباهرة نعمة الذاكرة، فقد ظنّ العلماء قديماً أنّ عمل الذاكرة لا يتعدّى إجراءات بسيطة تقوم بها لتخزين المعلومات الّتي يكتسبها الإنسان، لكنّهم عادوا ليكتشفوا أنّها تقوم بعمليّات معقّدة لتثبيت وحفظ المعلومات.  وكثير من النّاس إذا أراد أن يدرس كتاباً ما، فإنّه يصادف مشكلات في دراسة ذلك الكتاب، فيجد صعوبة في حفظه أو فهمه.  وربّما يحفظه، وبعد مدّة من الزّمن لا يذكر منه شيئاً.  في الحقيقة إنّ لديه خللاً ما في طريقة دراسته، لذلك عليه اتّباع أساليب أكثر فائدة، تعينه من أجل الاحتفاظ بالمعلومات وقتاً طويلاً، إن لم يكن الحياة كلّها.

 



لماذا تدرس؟ ثمّة اختلاف بين دارس وآخر من حيث الغاية من دراساته، فعدد كبير من الطّلاب عندما يكونون في المراحل الأولى من دراستهم، يشجّعهم أهلوهم على التّفوّق في دراستهم، من أجل الحصول على شهادة تُعلي شأن الأب والابن معاً في المجتمع، أو الحصول على شهادة تؤهّله للعمل ضمن وظيفة معيّنة لكسب رزقه، أو الوصول إلى مناصب رفيعة … وغايات دنيويّة كثيرة تجعل كلّ همّ الطّالب العلامة لا العلم.  لكن ما هو الهدف الرّاقي من الدّراسة، ولماذا نبذل جهودنا في تحصيل العلم؟ علينا أوّلاً قبل أن ندرس أن نفكّر في غاية سامية ندرس من أجلها، بل هي أسمى الغابات، إنّها التّقرب من الله عزّ وجلّ، وإرضاء ذاته العليّة، علينا أن نطمح في الحصول من خلال دراستنا على عمل صالح ندّخره عند الله عزّ وجلّ، لينفعنا عند الوقوف بين يديه، علينا أن ننوي طاعة الله، واستخدام العلم الّذي اكتسبناه في خدمة عباده، فأنتَ كطبيب يجب أن تكون غايتك التّعرّف على عظمة الله،  من خلال التّفاصيل العميقة الّتي تدرسها في كلّيّة الطّبّ، وعليك أن تعالج الخلق راجياً بذلك مرضاة الله عزّ وجلّ، وعليك مساعدة كلّ محتاج وفقير بتخفيف تكاليف المعالجة عليه.  وأنتِ كمدرسة عليك أن تضعي في الحسبان أنّ أمامك مهمّة عظيمة في تربية الأجيال على طاعة الله ورسوله وحبّهما، وأن تَجهَدي في تدريسهم، وتعملي على تزويدهم بالمعلومات المفيدة لهم في دراستهم، لا أن تجلسي على كرسيّك، وتضيّعي معظم الحصّة الدّرسيّة مطمئنّة بأنّ أحداً ليس على علم بإهمالك، وتنتظرين راتبكِ الشّهريّ دون تعب أو عناء.  إذاً الهدف الأسمى والأرقى من دراستنا هو التّعرّف على الله عزّ وجلّ، والتّقرّب إليه بعمل صالح نبتغي به وجهه الكريم.

فيما يأتي عدد من النّصائح الّتي إذا ما اتّبعناها   فبإذن الله تكون عوناً لنا في تسهيل الدّراسة، والاحتفاظ بالمعلومات المدروسة:

  استعن بالله: على الطّالب أن يتوجّه إلى الله، ويدعوه ليعينه في دراسته، سواء وجد صعوبة في ذلك أم لم يجد، حتّى الطّالب الذّكيّ عليه ألا يعتدّ بنفسه، فيعتقد أنّ تفوّقه يكون بعقله وشطارته، فالله عزّ وجلّ هو المعين، وهو الميسِّر، وهو الّذي منحك الذكاء الّذي يوصلك للتّفوّق.

  اعتمِد على نفسك في دراسة الموادّ العلميّة: عادةً ما يدرس الطّلاب مزيجاً من الموادّ العلميّة والأدبيّة، فإذا واجهتَ صعوبة في دراسة مادّة الرّياضيّات، أو الفيزياء، أو غيرها، ووجدت أنّك لا تستطيع فهم هذه الموادّ وحلّ مسائلها، فعليك ألا تيأس.  ربّما تلجأ دوماً لأهلك وإخوتك لطلب المساعدة، وهذا سبب لزيادة الخمول في تلك الموادّ، كن متأكّداً أنّك عندما تستعين بالله، وتحاول مرّات عديدة التّفكير في المادّة العلميّة الّتي تدرس، وحلّ ما يصعب فيها من مسائل، فبإذن الله ستنجح في محاولتك، لا مانع من الاستعانة بالأهل وغيرهم، لكن لا تضع كلّ اعتمادك عليهم، وسأذكر لإخوتي الطّلاب الّذين يجدون صعوبة في فهم الموادّ العلميّة، وفي حلّ المسائل منها خاصّة،  أذكر لكم تجربة حدثت مع إحدى الطّالبات : فمنذ التّعليم الابتدائيّ، لم يكن معلّموها ذوي كفاءة ليساعدوا طلابهم في الاعتماد على أنفسهم في حلّ المسائل، كان معظم الطّلاب يكتبون الوظيفة بأيديهم، لكن من عقول غيرهم، وفي المذاكرات والامتحانات تكون المسائل المطروحة حرفيّة كما في دفتر الطّالب، ولا يحدث في الأسئلة أيّ تغيير يختبر فهمه، ممّا يزيد من خموله، فيكتفي بحفظ حلّ المسألة دون فهمها.  هذه الطّالبة كانت أحياناً كباقي الطّلاب، إذا صادفتْ مسألة صعبة ولم تعرف حلّها، فإنها تيأس من البداية، وتوقِن بعدم قدرتها على إيجاد الحلّ، فتلجأ لإخوتها طالبةً الإعانة في حلّ تلك المسألة، وعندما وصلت إلى الثّانويّة العامّة، أحسّت بالخطر الّذي لم يكن الأساتذة ينبّهون إليه، الأسئلة هذا العام ستصدر عن الوِزارة، وبالتّأكيد لن تكون بشكل حرفيّ، كيف ستواجه الأسئلة ؟ وكيف ستتعامل مع المسائل الّتي لم تعتد حلّها ؟ كان موقفاً محرجاً بالنّسبة لها، وشعرت بالنّدم لما فاتها من أشياء لم تفهمها في السّنوات الماضية، وطبعاً الآن عليها الاعتماد على نفسها في حلّ المسائل والتّمرينات، وإلا لن تتفوّق هذا العام، وفي إحدى أبحاث الرّياضيّات، صادفتْ مسائل صعبة الحلّ، وتحتاج إلى التّفكير، فقرّرت مواجهة تلك الصعوبة، والتّغلّب عليها.  عمدت إلى حلّ إحدى تلك المسائل، لم تستطع الوصول إلى نتيجة إيجابيّة في البداية، لكنّها استعانت بالله وعزمت وأصرّت على حلّها، فكّرت وفكّرت في جميع جوانب المسألة، وفي النّهاية توصّلت للحلّ الصحيح، ثمّ حاولت حلّ مسألة أخرى، ونجحت في ذلك، ومنذ ذلك الحين بدأت تعتمد على نفسها في حلّ المسائل، بل وتستمتع بذلك.  أيضاً أذكر لكم جانباً مهمّاً: أحياناً كانت تلك الطّالبة تبدأ حلّ المسألة، وتنسى أن تسمّي بالله في البداية، فتجد تعسيراً، ثمّ تذكر الله، وتسمّي، وتعاود الحلّ من جديد، وفوراً تجد حلاً للمسألة.  فسبحان الله! إنّها بركة عظيمة أن تقول " بسم الله الرّحمن الرّحيم " في بداية أيّ عمل تقوم به! ضربتُ لكم ذلك المثل، كشاهد حيّ ومُؤكِّد على أنّكم أيّها الطّلاب إن اعتمدتم على أنفسكم، ووثقتم أنّكم بعون الله تستطيعون الوصول للنّجاح، فستصلونه، وسيهون كلّ صعب، ولا تنسوا أنّ الممارسة لها دور كبير في ذلك الأمر.

أحبب المادّة الّتي تدرس، وكن مهتمّاً بها: إذا كنت تدرس مادّة معيّنة وأنت تكرهها، فكرهك لها لن ينفعك بشيء، لن تنجح في دراستك ما دمت تكره ما تدرس، فاعلم أنّك في أيّ مجال من العلوم إن درست دراسة سطحيّة، بالتّأكيد لن تحبّ المادّة، وستملّها، وإن تعمّقت بها فستحبّها كثيراً، وستجد متعة كبيرة في دراستها.  إذاً اهتمامك بما تدرس مهمّ جدّاً في تسهيل الدّراسة.

  ضع في حسبانك أنّ ما تدرسه يجب ألا تنساه: نلاحظ دوماً أنّ معظم الطّلاب يذكرون ما حفظوا من موادّ حتّى وقت الامتحان، وعند الخروج من قاعة الامتحان ينسون كلّ ما درسوا، ولا يكادون يذكرون منه شيئاً والسّبب في ذلك هو إدراكهم أنّهم سيُسألون في تلك الموادّ، فقرّروا الاحتفاظ بها حتّى وقت الامتحان فقط، لذلك عليك أن تقرّر الاحتفاظ بالمعلومات الّتي تدرسها.  وتخيّل أنّك معرّض مستقبلاً وفي وقت لا تعلمه لإجراء امتحان فيما درست.  وقد أُجرِيتْ تجرِبة على فئتين من الطّلاب: أُلقِيَتْ معلومات معيّنة على كلتا الفئتين، وذكِر لإحداهما أنها ستجري امتحاناً بالمعلومات الّتي تلقّتها في وقت حدّده القائم بالتّجربة، وتُرِكت الأخرى دون تنبيه.  وبعد مدّة أجري الامتحان للفئتين معاً، فكانت النّتيجة أنّ الفئة الّتي قرّرت الاحتفاظ بالمعلومات، قد احتفظت فعلاً بكميّة من المعلومات أكبر من الكمّيّة الّتي احتفظت بها الفئة الأخرى، وبناءً على ذلك، فنيّتك وعزيمتك على الاحتفاظ بالمعلومات المكتسبة أمر ضروريّ لتثبيتها في الذّاكرة.

ضع مخطّطاً للنّصّ الّذي تدرس بعد فهمه: إنّ الكثير من الطّلاب عندما يقومون بحفظ مادّة نظريّة، يحفظونها بصماً دون فهم، وهذا ما يدعو لنسيان المادّة بشكل سريع، لذلك عليك أن تفهم المادّة الّتي تدرسها.  فمثلاً عندما تقوم بحفظ نصّ ما، ضع مخطّطاّ لذلك النّصّ متّبعاً الخطوات الآتية:

  1. اقرأ النّصّ أكثر من مرّة لتفهم محتواه، وتستوعبه جيّداً.
  2. قسّم النّصّ إلى وحدات وأجزاء رئيسة، وضع عنواناً لكلّ جزء.
  3. أوجد العلاقات والرّوابط بين تلك الأجزاء.
  4. وحّد واجمع الرّوابط في تلك الأجزاء.