نماذج في الإدارة ونظرياتها وأنماطها ومعوقاتها، وسبل تطبيق النماذج الإدارية على المؤسسات التعليمية (المدرسة)

بدأت المحاولات الهادفة إلى صياغة فروض نظريَّة بهدف وضع نماذج تفسير الممارسات التطبيقية في الإدارة،  وتنظيم النشاطات على أسس مدروسة. ومن أهم النظريات والنماذج:

 



أولاً: النموذج البيروقراطي

قدَّم عالم الاجتماع الألماني "ماكس فيبر" هذا النموذج القائم على فروض نظريَّة مشتقة من فحصه للمنطلقات التي تستند إليها السلطات المختلفة في استصدار الأوامر وتمريرها، وكان يرى أن السلطة مستمدة من وضع القيادة الاجتماعي أو التأثير الشخصي للقيادة، أو القوانين والتعليمات. لقد وجد كثير من الباحثين أن هذا النموذج منطقي ضمن القواعد والروتين وتطابق مخرجاته المواصفات المتوقعة إلَّا أنه ينتقد لمبالغته في المركزية وحرفية النصوص بعيداً عن التطوُّر والتغيير.

 

ثانياً: نظريَّة الإدارة العلميَّة

إنَّ العمليَّة الإداريَّة يمكن أن تخضع للدراسة العلميَّة، وإنَّ الإنتاجيَّة في أي مُؤسَّسة يمكن أن تكون مُتغيِّراً تابعاً لمُتغيِّر آخر وكان هذا المُتغيِّر الأخير حسب "فردريك تايلر" مؤسس حركة الإدارة العلميَّة هو المورد البشري التنفيذي. كان تايلر فنياً في منشأة صغيرة في أمريكا ثم أصبح كبير مهندسي شركة كبرى ثم أصبح مديرها، وهو يرى أن الإنتاج سيأتي من خلال الأداء الاقتصادي للعمال، مما يسوِّغُ تخصيص حوافز لهم تتناسب مع زيادة المهارة في العمل والتي تظهر في كميَّة الإنتاج والمواصفات.

 

ثالثاً: نظريَّة العلاقات الإنسانيَّة في الإدارة ونماذجها

انطلقت هذه النظريَّة من نماذج العلاقات الإنسانيَّة من مدخل التأثير الجوهري للعوامل النفسيَّة والاجتماعيَّة المتاحة والتي تتوافر في بيئة العمل على الإنتاجيَّة في العمل، أي مدخل العلاقات الإنسانيَّة في العمل كسبيل لزيادة الإنتاجيَّة. هنا مراعاة الأبعاد النفسيَّة والاجتماعيَّة التي تجعل العاملين يؤدون دورهم بدون مراوغة ومقاومة للسلطة والتركيز على تفاهم مشترك مع الإدارة بحيث لا تكون الإدارة على علاقات شخصيَّة بالأفراد بل تزداد وجوه التكامل فيما بين الإدارة والفريق الواحد.

 

رابعاً: نظريَّة الإدارة من كونها عمليَّة اجتماعيَّة

يرى "جيتزلز" أن النظر إلى أي مُؤسَّسة في إدارتها لوظائفها تماماً كالنظر إلى أحد الأنظمة الاجتماعيَّة، (كالأسرة أو النظام الديني، أو التربوي أو السياسي)، فسلوك العاملين في المُؤسَّسة محكوم ببعدين هما:

  1. ما يتعلَّق بتنظيم المراكز والأدوار والتوقعات المرتبطة بها.
  2. البعد الشخصي والذي يعكس طبائع الأفراد وحاجاتهم وظروفهم.

 

خامساً: نظريَّة الإدارة من كونها عمليَّة اتخاذ قرار

هو أهم جانب إداري في أي تنظيم، لأن عمل أي تنظيم يوجه بأنواع مختلفة من القرارات من مستويات متباينة تمتد من قمة النظام إلى قاعدته، لا بد من الرجوع إلى النظام القيمي الذي يحكم التنظيم يضمن للقرار أن يكون قابلاً للتنفيذ بشكل لا يتعارض مع قدرات أخرى. فالإدارة من منظور "جريفيش" عمليَّة ضبط وتوجيه للعمل في التنظيمات التي تتكون من جماعة أو أفراد يمارسون أنشطة هادفة مرتبطاً بعضها ببعض وتكون مهمة الإدارة هي تنظيم عمليَّة اتخاذ القرارات بصورة رشيدة.

 

سادساً: نظريات الإدارة من كونها وظائف ومُكوَّنات

إنَّ طبيعة الإدارة مستمدة من طبيعة الوظائف والعمليات التي تقوم بها، ولا تخرج وظائف الإدارة عن:  التخطيط، والتنظيم، والتوجيه، والتنسيق والرقابة، وقد ذكرت بالتفصيل سابقاً.

 

أنماط الإدارة المدرسيَّة

إن المفاهيم العديدة للإدارة أوجدت أساليب مُتعدِّدة وأنماطاً إداريَّة مختلفة منها:

  1. الإدارة الأوتوقراطية (الديكتاتورية أو التسلُّطية): تٌعَدُّ الإدارة الأوتوقراطية السلطة الإداريَّة مفوضة إليها من سلطة أعلى منها مستوى، وأن المسؤوليَّة الضمنية قد مُنِحت لها وحدها، ولم تُفوَّض إلى غيرها. ويضع مدير المدرسة من هذا النمط في ذهنه صورة معينة لمدرسته، ويقدر ما يجب أن يعمل ويعتقد أن المُعلِّمين كسالى، ويعتقد بأنَّ الحزم والقوانين والفاعليَّة هي وحدها تسير بالمدرسة، وعلاقته مع المُعلِّمين هي صاحب السلطة وعليهم الطاعة، فيُصدر قرارات هامة دون اللجوء لغيره.
  2. الإدارة الديمقراطيَّة: هذا النمط يأخذ بمبدأ المشاركة الجماعية في اتخاذ القرار وتنفيذه، ويقوم المدير قبل اتخاذ القرار بتزويد العاملين معه بالمعلومات الأساسيَّة التي تساعدهم على دراسة القرار، ويهتم المدير الديمقراطي بالعاملين أكثر من اهتمامه بالعمل، فالديمقراطي يقود المُعلِّمين في جو الأمن والطمأنينة ويمتاز هذا النمط بالمرونة والتعاون والإنتاجيَّة.
  3. الإدارة المتساهلة: يمتاز هذا النمط من الإدارة بشخصيته المرحة المتواضعة، وبمعلوماته الغنية في المجالات المُتعلِّقة بمهنته وتظهر شخصيته على طبيعتها في معظم الأوقات، ويتحدث مع كل فرد من أفراد أسرة المدرسة، ويحترم الكل، ويتجنَّب تعريف الناس بوجهة نظره وذلك لعدم رغبته في تقييد حريتهم أو فرض نمط ما عليهم وتنعدم السيطرة عليهم وهنا تنعدم القيادة وروح العمل، وهذا ما يجعل يجعل المدرسة في حالة من الفوضى والتسيب.

 

الفرق بين الإدارة والقيادة

تُعَدُّ القيادة أكثر محدودية من الإدارة، وذلك لأن الإدارة تتضمَّن كل العمليات المرتبطة بتحقيق المُنظَّمة لأهدافها، على حين أن القيادة أكثر محدودية في تحفيز الآخرين إلى تحقيق الأهداف فهي تمثل وظيفة فرعيَّة من وظائف الإدارة. وبمعنى آخر تمثل القيادة جزءاً من مهام الإدارة أي أن العلاقة بينهما علاقة الخاص بالعام حيث تعني الإدارة عمليَّة توجيه الأشخاص والبيئة بقصد الوصول إلى نتائج أكثر فاعليَّة في مواقف العمل أو الإنتاج أو غيرهما في حين تقتصر القيادة على عمليَّة توجيه الأشخاص لتحقيق أهداف الجماعة أو المُنظَّمة وعلى ذلك تكون الإدارة أعم من القيادة ولأنَّها تمثل واحدة من مهام الإدارة.

الإدارة معنية بالحاضر بينما القيادة تعنى بالتغير حيث إنَّ رجل الإدارة يحافظ على الوضع الراهن دون تغيير وذلك لاستخدامه وسائل وأساليب قائمة بالفعل من أجل تحقيق الأهداف. والقيادة هي انفتاح على الفكر الجديد وتشجيع المرؤوسين على الإبداع والإنجاز واكتساب المعرفة والخبرة، فالقيادة عمليَّة ديناميكيَّة حية يمكن من خلالها أن تقوم بأدوار مختلفة وفقاً للموقف، فليس في استطاعة المدير أن يكون قائداً ناجحاً، أو أنَّ المدير الناجح قائداً ناجحاً ولكن ليس شرطاً أن يكون القائد الناجح مديراً ناجحاً، وهذا يُوكِّد على متانة العلاقة بين القيادة والإدارة.

 

معوقات الإدارة

  1. مشاكل إداريَّة:
    • عدم وجود أسلوب إداري يتم من خلاله ممارسة الإدارة بشكل منظم.
    • عدم وجود قواعد وقوانين إداريَّة تكفل حسن سير العمل بنظام
    • انعدام الرقابة والمتابعة لسير العمل في أثناء الإدارة الذاتيَّة.
    • انعدام الحوافز والمكافآت المعنوية.

 

  1. مشاكل تنظيميَّة:
    • عدم وجود خطة مُنظَّمة لسير العمل.
    • عدم وجود هيئة عامة تعنى بالعمل والمُؤسَّسة وتزيد في الإنتاجيَّة.
    • عدم توزيع الأدوار على العاملين في المُؤسَّسة على نحوٍ يكفل المساواة وتساوي الفرص والعدالة.
    • عدم التنسيق بين الإدارة والجماعة.
    • التعارض بين الإدارة والعمل الأساسي للمُوظَّف مما يؤثر سلباً في الإنتاج.

 

  1. مشاكل ثقافيَّة:
    • ‌عدم الوعي الكامل لدور الإدارة.
    • ‌انعدام قنوات الاتصال لدى الإدارة.
    • عدم فهم الأهداف العامة والخصائص الهامة لدى الإدارة.
    • التسلُّط والسيطرة وحب التملك.

 

  1. مشاكل اجتماعيَّة:
    • السيطرة المفروضة من قِبَلِ شخص معين على جهاز إداري.
    • الاعتماد على الآخر والاتكالية.
    • انتشار الفساد والمحسوبية والرشوة من قِبَلِ فئةٍ ما.

 

  1. مشاكل فنيَّة:
    • عدم التدريب والخبرة والدراسة والكفاءة الكافية للإدارة.
    • عدم حضور دورات وندوات والتطبيق العملي للإدارة.
    • بالإضافة إلى عدم التخطيط الجيد وعدم الرقابة وعدم التنسيق والتنظيم الجيد والمركزية في اتخاذ القرار وعدم قبول التغيير.

 

أبرز التحوُّلات الأساسيَّة للتغيير

  • زيادة الاهتمام بالكيف بدلاً من الاهتمام بالكم.
  • الانتقال من السيطرة الطبيعيَّة إلى الانسجام معها.
  • الانتقال من الاستقلالية إلى الاهتمام المتبادل.
  • الانتقال من المنافسة إلى التعاون، ومن السلطة إلى التعاون والمشاركة، ومن الوحدة إلى التنوُّع، ومن السيطرة على الإنتاج إلى العدالة.
  • الانفتاح ذهنياً واجتماعياً.
  • الإيمان بنفسه وخبرته والاستفادة من خبرات غيره.

 

الإدارة على مستوى المدرسة (School – Based Management) أثبتت هذه الدراسة التي استمرت ثلاث سنوات والتي شملت مجموعة من المدارس في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وهي دراسة الهدف منها الإصلاح المدرسي على مستوى الإدارة واللامركزية وأن تكون المدرسة قائمة إدارياً بذاتها  أي بمديرها ومعلميها وطلبتها وأولياء الأمور والمجتمع المحلي وأحياناً الطلبة، ومسيطرة على الأنشطة والرقابة على الفعاليات.

 

وشملت الدراسة (40) مدرسة تم خلالها مقابلة (400) شخص من مختلف عينات المدرسة والمجتمع المحلي، وقد تبين أن دوافع هؤلاء في الإدارة على مستوى المدرسة فيما يأتي:

  • دمج جميع الفئات المعنية وذات العلاقة في عمليَّة إدارة المدرسة.
  • تعزيز مسؤوليَّة المدرسة ذاتها عن مستوى الأداء المدرسي فيها بشكل عام.
  • رفع كفاءة المدرسة وزيادة قدرتها على التحسين والتطوير.
  • إتباع هذا المنحنى في الإدارة يساعد على تسهيل عمليَّة اتخاذ القرار.

 

أما نتائج البحوث والدراسات التربويَّة فهي:

  • أن مجموعة المدارس الأكثر فاعليَّة، كانت قادرة على إعادة تنظيم نفسها.
  • أن العاملين في موقع المدرسة يجب أن يكون لديهم سلطات وصلاحيات واسعة كالموازنة وإدارة شؤون العاملين والمناهج المدرسيَّة.
  • التغيير والتجديد المستمر.
  • أن المدارس الأقل نجاحاً في تطبيق "الإدارة على مستوى المدرسة" كان همها التركيز على السلطة والروتين.

 

الاستراتيجيات العامة المشتركة:

  • نشر السلطة وتوزيعها.
  • التأكيد على تحقيق النمو المهني.
  • نشر المعلومات.
  • اختيار المدير المناسب.
  • تكوين رؤيا واضحة.
  • مكافأة الإنجاز المتميّز.

 

إن فهم شيء ما يعني، عموماً أن يكون لدى الفاهم القدرة على التمييز وقد قمت بالتفريق بين عدة مصطلحات ومفاهيم كانت تبدو للبعض مترادفة أو متساوية في المعنى، على الرغم من أنَّ الفرق بين الإدارة التعليميَّة والإدارة المدرسيَّة جلي، والفرق بين القيادة والإدارة جلي، إلَّا أنَّ كثيراً من الناس يتحدث عنهما أو يتصرَّف تجاههما كما لو لم يكن ثمة فرق بينهما.

إنَّ من الممكن تماماً، لشخص ما، أن يسيء تربية نفسه، أي ألَّا يتعلَّم كيفيَّة التعامل والعالم بصورة ناجحة، أو على الأقل لا يتعلَّم كيفيَّة التعامل وأجزاء مهمة منه.  ولعل من نافلة القول أن أذكر أنَّ تربية المرء وتكوينه تتطلَّبان رعاية أناس آخرين ودعمهم، والذين من المفضل أن يكونوا قد تعلموا كيف يديرون شؤونهم بدرجة من الرضا.

إنَّ أهم غرض للمدرسة من الناحية النظريَّة، هو توفير بعض المساعدة للمُتعلِّم كي تمكّنه من تربية نفسه، إن هذا في نهاية الأمر يعني، أنه يحكم على نوعيَّة التعليم الذي تقدمه المدرسة من مدى قدرتها على تحقيق هذا الغرض، ولكن لا يتم ذلك بدون إدارة مدرسيَّة واعية.

إن المدرسة مُؤسَّسة اجتماعيَّة، كالمُؤسَّسة الدينيَّة أو الأسريَّة، لها تاريخها ومفرداتها اللغوية المُتخصِّصة، وناس ذوو وظائف بيروقراطية، ومجموعة من القواعد والترتيبات والإجراءات المعقدة المتبعة خاصة بها. وكأية مُؤسَّسة اجتماعيَّة تقوم بتجديد أدوار مختلفة وحقوق مختلفة، ومسؤوليات مختلفة لمختلف الناس فيها وإنَّ ما يجعل المدرسة وإدارتها مُؤسَّسة قائمة بذاتها هي تلك المجموعة المُحدَّدة من الوظائف الأساسيَّة التي تقوم بها لخدمة المجتمع.