نظرية الاشراط الكلاسيكي لبافلوف

تعرف هذه النظرية بتسميات أخرى مثل نظرية التعلم الاستجابي " Respondent Learning" أو الإشراط الانعكاسي" Reflexive Conditioning" أو الإشراط البافلوفي "Pavlovian Conditioning" نسبة إلى العالم الروسي الشهير إيفان بافلوف " 1849_ 1936". كما ساهم العالم الأمريكي جون واطسون أيضاً في تطوير مفاهيم هذه النظرية.



افتراضات ومفاهيم النظرية:

 لقد اعتبر بافلوف أن آلية التعلم الرئيسية هي الاقتران، ويقصد بالاقتران: التجاور الزماني لحدوث مثيرين معاً لعدد من المرات، حيث يكتسب أحدهما صفة الآخر، ويصبح قادراً على استجرار الاستجابة التي يحدثها المثير الآخر.

والمثير هو حدث أو شيء يمكن أن نشعر به بحيث يثير لدينا ردة فعل معينة، وقد يكون هذا المثير مادياً أو معنوياً.

ويمكن اختصار فرضيات هذه النظرية بالنقاط التالية:

  1. يمكن إشراط الكائن الحي عن طريق المثيرات المحايدة التي تتم قبل الإشراط.
  2. تقديم المثير الشرطي وحده، يُضعف الاستجابة الشرطية ويُطفئها في نهاية الأمر.
  3. تعميم المثير يتم وفق أسس محددة.
  4. يتم الإشراط من درجة أعلى عندما تستطيع المثيرات البديلة استدعاء الاستجابة الشرطية.
  5. الإشراط الكلاسيكي قد لا يتطلب بالضرورة مثيراً بيولوجياً قوياً غير شرطي.
  6. الاستجابات الانفعالية المشروطة يمكن تكوينها إذا اشتمل الإشراط على مكونات دافعية.
  7. الإشراط الكلاسيكي المنفر قد يكون قيداً على التعلم فيما بعد.

أما سيليجمان (Seligman) فقد توصل من خلال دراسته الإشراط إلى ما يُعرف بظاهرة العجز المُتَعَلَّم (Learned helplessness) حيث استطاع تشكيل سلوك العجز وعدم القدرة على تجنب الصدمة الكهربائية لدى الكلاب.

 وباختصار نعرض تعريف سيليجمان للعجز المتعلم على أنه حالة يصل إليها الفرد نتيجة مروره بسلسلة من الخبرات التي تفقده السيطرة على الظروف البيئية التي تحيط به، مما يترتب عليها استقلالية استجاباته عن نتائجها بحيث يتولد لديه الاعتقاد بأنه لا يملك السيطرة على نتائج الأحداث وأن ليس هناك علاقة بين الجهد المبذول (السلوك) والمتغيرات البيئية؛ أي لا جدوى من تنفيذ أي جهد استجابي لتغيير الوضع القائم.

نطاق نظرية الإشراط الكلاسيكي:

توضح لنا هذه النظرية آلية تشكل جوانب السلوك الانفعالي لدى الإنسان المتمثل في الكره والخوف والحب والقلق والتشاؤم والتجنب وفي تشكيل الاتجاهات المتعددة، كما أنها ربما تسهم في تفسير بعض جوانب السلوك اللغوي المتمثل في تسمية الأشياء على اعتبار أن الأسماء هي أصوات ألفاظ معينة تقترن بأشياء من مواصفات وأشكال معنية. ويمكن أيضاً لهذه النظرية أن تفسر لنا كيفية تشكل الأفعال الحركية اللاإرادية التي يظهرها الأفراد حيال بعض المثيرات والمواقف.

قوانين بافلوف في التعلم الإشراطي:

قام بافلوف بصياغة معلوماته على شكل علاقات وقوانين تفسر الجوانب المختلفة لعملية التعلم وأهم هذه القوانين: قانون التعزيز، وقانون الانطفاء، وقانون التعميم، وقانون التمييز، وقانون الكف، وقانون الاسترجاع التلقائي، وقانون الكم والكيف.


المضامين العملية لنظرية الإشراط
:

يمكن استخدام مبادئ الإشراط الكلاسيكي في العديد من الجوانب العملية والمواقف التربوية وبرامج تعديل السلوك والعلاج النفسي، ممثلاً ذلك في النواحي التالية:

  1. تشكيل العديد من الأنماط السلوكية والعادات لدى الأفراد من خلال استخدام فكرة الإشراط، ويتمثل ذلك بإقران مثل هذه الأنماط والعادات بمثيرات تعزيزية.
  2. محو العديد من الأنماط السلوكية والعادات غير المرغوب فيها من خلال استخدام إجراءات الإشراط المنفر. هناك عادات سيئة مثل مص الأصبع، ونقر الأنف، والعبث بالأشياء والرضاعة يمكن محوها من خلال أقرانها بمثيرات منفرة، كما ويمكن كف مثل هذه السلوكيات من خلال إشغال الأفراد بمثيرات أخرى.
  3. تعليم الأسماء والمفردات من خلال إقران صور هذه الأشياء مع أسمائها أو الألفاظ التي تدل عليها مع تعزيز هذه الاستجابات. كما في النطق الصحيح للحروف والكلمات وطريقة كتابتها فالطفل الصغير لا يتعلم بصورة فعالة إلا حينما يتم الربط بين مادة التعلم ببعض الأماكن والظواهر. كما يلجأ واضعو المقررات الدراسية إلى استخدام الصور والأشكال والمواقف وربطها مع معاني الكلمات، حيث تكون الكلمة بمثابة المثير الشرطي الذي يقترن بالصور أو الشكل أو الموقف الدال على معنى هذه الكلمة. أما بالنسبة للكبار فتقدم لهم كلمات أو مصطلحات سبق تعلمها بدلا من الصور والأشكال وعن طريق الربط بين المثيرات الشرطية التي هي الكلمات أو المصطلحات الجديدة التي ينبغي تعلمها، والمثيرات الشرطية السابقة وهي المصطلحات المتعلمة من قبل، يتعلم الأفراد معاني المصطلحات الجديدة.
  4. كما ويمكن استخدام مبادئ التعميم والتمييز لمساعدة الأفراد على تكوين المفاهيم.
  5. يعد التعزيز الخارجي من المبادئ الأساسية التي يعتمد عليها في التعليم، فعندما يستخدم المدح كمعزز للاستجابات الصحيحة يؤدي إلى نتائج إيجابية في التحصيل الدراسي.
  6. علاج بعض الاستجابات الانفعالية السلبية نحو المدرسة مثلا أو زملاء الدراسة عن طريق الربط بينها وبين مثيرات محببة، أو على الأقل العمل من أجل تجنب اقترانها بالمثيرات غير المرغوب فيها.
  7. تستخدم في مجال تعديل السلوك وبرامج العلاج النفسي من حيث علاج القلق والخوف العصابي أو ما يعرف بالفوبيا.

ففي علاج مثل هذا العرض يتم استخدام إجراء الإشراط المعاكس " Content conditioning" بحيث يتم من خلاله إزاحة الاقتران بين مثير الخوف واستجابة الخوف على نحو تدرجي. لقد ابتكر هذا الإجراء جوزيف ولبي، ويعد من أفضل الأساليب في علاج المخاوف المرضية، ويشتمل على ثلاثة إجراءات رئيسية:

 

نقد النظرية:

من أهم الانتقادات التي وجهت للنظرية:

  1. اهتم بافلوف بتلازم المثير الشرطي مع المثير غير الشرطي أكثر من اهتمامه بالحاجات والدوافع، إذ مر عليها سريعاً، بشكلٍ لا يتناسب والأهمية التي تحتلها في منظومة العوامل المؤثرة في السلوك الإنساني.
  2. اقتصرت تجاربه على الكلاب ولم تشمل البشر مما حال بينه وبين دراسة ظواهر نفسية إنسانية أصيلة كاكتساب مهارة، أو تعلم لغة، أو طريقة في التفكير، والتي تؤلف الموضوعات الرئيسة في علم النفس المعاصر وبخاصة في علم النفس المعرفي.

المراجع:

  1. منصور، علي: التعلم ونظرياته. مديرية الكتب والمطبوعات الجامعية، منشورات جامعة تشرين، اللاذقية، 1421هـ-2001م.
  2. الزغول، عماد: نظريات التعلم. دار الشروق، عمان-الأردن، 2003م.