مواصفات مُدرِّس التحفيظ

الحمد لله رب العالمين، عم بنعمته الخلائق كلها، على مدار الأعوام والسنين، وأكمل دين الإسلام ورضيه ديناً لعباده المؤمنين. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد الصادق الأمين، وعلى آله الطيبين وصحابته الأكرمين، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين، أما بعد:



فإنّه لا يخفى على مسلم ما لتعليم القرآن الكريم من أهمية في بناء الشخصيَّة المسلمة، ويتحقق ذلك من خلال برنامج حلقات التحفيظ في مدارس التحفيظ أو المساجد، على أنّه مما ينبغي لنا التأكيد عليه ما هو قوام الحلقة وهو من يقوم بالتدريس فيها، وذلك باختيار الأساتذة الأكفاء الذين يتصفون بصفات تؤهلهم حتى يكونوا من مُعلِّمي القرآن لأن التعليم في هذه الحلقات يحتاج إلى مُعلِّم فَذّ كما قال الماوردي في كتابه أدب الدنيا والدين وصفته "من كملت أهليته، وتحققت شفقته، وظهرت مروءته، وعرفت عفته، واشتهرت صيانته، وكان أحسن تعليماً، وأجود تفهيماً".

 

ودور المُعلِّم هو الدور الرئيس الأول، لأنّ المُعلِّم بيده بإذن الله، كل أمور الحلقة، فهو يستطيع أن يقدم الحلقة أو يؤخرها، ويستطيع أن يرقى بها أو يميتها.

 

وهذه الصفات يمكن إجمالها فيما يأتي:

  1. الإخلاص:

أن يقصد بعمله وجه الله تعالى، ولا يقصد به توصلاً إلى غرض دنيوي، كتحصيل مالٍ أو جاهٍ أو شهرةٍ أو سمعةٍ أو تميّزٍ من الأقران ونحو ذلك.

ولا يشين علمه وتعليمه بشيءٍ من الطمع في مال أو خدمة أو نحوها، وإن قل، وإن كان على صورة الهدية التي لولا اشتغاله عليه لما أهداها إليه. وأثر المُعلِّم في طلابه على قدر إخلاصه وصلاحه وحسن قصده.

 

  1. الصبر:

والصّبر صفةٌ عاليةٌ من صفات المؤمنين، وعد الله عليه عظيم الأجر والثواب، وبدون الصبر لا يستطيع المرء بلوغ آماله والوصول إلى أهدافه.

والصبر في مُعلِّم القرآن أشد ضرورة، لأنّه يعمل في ميدان التربية والتعليم ومخاطبة فئات من الناس بل طبقات من الشباب تختلف قدراتهم وأخلاقهم ومعارفهم وعاداتهم، ونقلهم إلى التأدب بآداب القرآن والتخلُّق بأخلاقه يحتاج إلى صبر ومصابرة وحلم ورفق بهم، ليقبلوا قوله ويقتدوا به.

 

  1. مراقبة الله:

دوام مراقبة الله تعالى في السرّ والعلانية، والمحافظة على خوفه في جميع حركاته وسكناته وأقواله وأفعاله، فإنّه أمينٌ على ما أودع من العلوم، وما منح من الحواس والمفاهيم.

قال الله تعالى: (لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) (27) سورة الأنفال. وقال تعالى: (بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً) (44) سورة المائدة.

قال الشافعي: ليس العلم ما حفظ، بل العلم ما نفع، وعليه بدوام السكينة والوقار والخشوع والورع والتواضع والخضوع.

وحريٌّ بمُعلِّم القرآن الكريم أن يتحلى بهذه الصفات العظيمة.

 

  1. ذو زهد وورع

فيكون مُعلِّم القرآن الكريم متخلقاً بما حث الشرع عليه من زهد في الدنيا والتقليل منها بقدر الإمكان، فإنّ ما يحتاج إليه منها على الوجه المعتدل من القناعة لا يعد من الدنيا، وأقل درجات العالم أن يستقذر التعلق بالدنيا ولا يبالي بفواتها، لأنّه أعلم الناس بخسّتها، وفتنتها، وسرعة زوالها، وكثرة عنائها، وقلة غَنائها.

 

  1. حسن الخلق والسمت:

وحسن الخلق من صفات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بل كان من أعظم صفاتهم لا سيما نبينا محمد (ص) وقد امتدحه ربه فقال: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (4) سورة القلم، وكان مما أمر به الرسولُ (ص) فقال: (وخالق الناس بخلق حسن).

وما زال العلماء العاملون تزينهم هذه الصفة، وما انعدمت من عالم إلا قل نصيبه من العلم وطلبة العلم والخير.

 

  1. التخصص والإتقان:

ويقصد بذلك أن يكون مُدرِّس التحفيظ ذا خبرةٍ وتخصصٍ في مجال تعليم القرآن الكريم، فيكون متقناً للحفظ عالماً بمخارج الحروف وصفاتها مجوداً في قراءته ملماً بعلوم القرآن كالقراءات وأسباب النزول ومعاني الآيات، وغيرها من الأحكام.

هذه بعض المواصفات التي ينبغي لمعلم القرآن أن يكون بها متمتعاً، حتى تجني الثمار المرجوة من حلقات التحفيظ، ويكون الأداء أفضل.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

 

المراجع:

  • كتاب أدب الدنيا والدين للماوردي: ص (109).
  • آداب العلماء والمُتعلِّمين: للحسين بن المنصور اليمني (1/1).
  • رواه الترمذي برقم (1987) وحسّنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم: (2655).

 

المصدر: حلقات تحفيظ القرآن الكريم