من استراتيجيات التكلم الإقناعي: أثبت مصداقيتك

 المصداقية تعني درجة اعتقاد المستمعين بالمتكلم، والمصدر الأول المتوفر للإقناع بالنسبة لك كمتكلم هو مصداقيتك، ومصداقيتك تعني سمعتك وهي تساعد في تحديد كيفية تقييم المستمعين لما تقوله، وتؤكد الأبحاث على أنه كلما زادت مصداقيتك، سيزداد احتمال تصديق الجمهور لما تقوله.



وتختلف مصداقية المتكلم وفقاً للمستمعين، أي أنك تمتلك فقط المصداقية التي يمنحها المستمعون لك، فإذا استخدمت الدعابة في إلقائك مثلاً، فقد يراك بعض المستمعين متكلماً حيوياً وممتعاً في حين قد يراك الآخرون تافهاً، وبذلك سيكون لديك صور مختلفة وعديدة بقدر ما لديك من أفراد مختلفين في الجمهور.

 

كما تختلف المصداقية بحسب الزمن، أي أنها مُقسمة زمنياً إلى الأوقات قبل وأثناء وبعد الإلقاء، ويشار إلى هذه التقسيمات الزمنية أحيانا بأنها مصداقية ابتدائية أو مستمدة أو نهائية، حيث تشكل مصداقيتك الابتدائية صورتك أو سمعتك قبل الإلقاء، فكلما كان الجمهور يعرف الأكثر عنك، كلما كانت صورتك أكثر رسوخاً، وهي صورة المتكلم أو سمعته قبل التكلم مع جمهور معين.

 

ولكن ماذا لو لم يكن الجمهور يعرفك شخصياً؟ حتى في هذه الحالة ستُستحضر صوراً مختلفة لك لدى الجمهور حسب مناسبة الإلقاء، فمثلاً: إذا كنت الشخص المتكلم باسم منظمة ما، فستتشكل صورة عنك في أذهان مستمعيك بما يتلاءم وما يعرفونه عن المنظمة، لذا إذا طلب منك شخص ما أن تصف نوع الشخص المنتسب لحزب ما تعرفه أو لنادٍ معين؟ في هذه الحالة ربما تأتي صورة لكل مجموعة إلى ذهنك، وإذا كان ممثل أحد هذه المجموعات على وشك التحدث معك، فإنك ستشكل افتراضاً معيناً عن هذا الشخص بالاعتماد على ما تعرفه عن المنظمة.

 

أما مصداقيتك المستمدة (derived credibility) فهي الصورة التي يطورها الجمهور عنك كمتكلم أثناء تكلمك، ففي اللحظة التي تدخل فيها على الجمهور، ستعطيهم دافعاً أو حافزاً سيمكنهم من تقييمك، وعندما تبدأ بالإلقاء سيتزايد عدد هذه الدوافع بسرعة، فإذا بدأت الإلقاء بنكتة مزعجة، فإن صورتك ستكون سلبية لدى الجمهور، وعندما تخاطب قيم جمهورك وتقدم له الأفكار المبررة لتعزيز مواقفك فإنك تعزز صورتك. فأنت تستمد مصداقيتك أثناء عرضك من خلال عدة عوامل، فمعلوماتك ستساعد جمهورك في الحكم على مصداقيتك بالإضافة إلى التصرفات غير اللفظية التي تقوم بها كالإيماءات والوقوف والاتصال العيني والمظهر، وإذا قمت بإظهار الثقة والسلطة والاهتمام الصادق أمام جمهورك فإنك ستعزز مصداقيتك أيضاً.

 

أما المصداقية النهائية (terminal credibility) فهي الصورة التي يطوّرها الجمهور عنك كمتكلم في نهاية إلقائك و تستمر لفترة زمنية بعدها، وهي قابلة للتغيير فقد تسيطر متعة إلقائك على المستمعين، ويدفعهم هذا لتشكيل رأي رفيع عنك، ومع مرور الوقت قد يخف هذا الرأي.

وكما تلاحظ فإن عملية توليد المصداقية والمحافظة عليها هي عملية مستمرة. تثبت الدراسات أن المتكلم ذو المصداقية العالية بإمكانه إقناع الجمهور بنجاح أكثر من المتكلم ذو المصداقية الضعيفة، ومن الواضح أنه عليك الانتباه الشديد لمصداقيتك في كل مرحلة من أجل إلقاء إقناعي ناجح.

كيف يمكنك تعزيز صورتك؟ يتفق واضعوا نظريات الاتصال على أنه يتم تصوير المتكلمين ذوي الكفاءة والثقة والنشاط على أنهم متكلمين ذوي مصداقية عالية، فإذا كان جمهورك يعترف بامتلاكك الجدارة والثقة والديناميكية (الحيوية)، فعندها ستكون فعّالاً في إقناعهم.

 

إظهار الجدارة: كيف ستتمكن من إقناع جمهورك أنك جدير بثقتهم؟ ستكون مهمتك هنا تأسيس صورة عن جدارة موضوعك، والجدارة (competence) تعني رأي الجمهور في إمكانيات المتلكم التي تمكنه للتكلم في موضوع ما، وهناك أربعة استراتيجيات تساعدك في القيام بذلك وهي:

  • اعرف موضوعك.
  • وثّق أفكارك.
  • اذكر مصادرك.
  • اخبر بتجربة شخصية.

 

أولا: اعرف موضوعك. إذا طرح عليك السؤال التالي: من أي شخص سيكون احتمال شرائك لآلة جديدة؟ من البائع الذي يمكنه الإجابة عن جميع أسئلتك حول المنتج، أو من شخص لا يعرف الإجابات ولا يهمه أن يعرفها؟ إن الإجابة واضحة. في حالة الإلقاء الإقناعي فأنت كمتكلم تمثل البائع ويمثل أفراد جمهورك الزبائن أو العملاء، وللتحدث بشكل أخلاقي عليك أن تكون على علم جيد بموضوعك، وستكتشف أنك كلما قرأت وسمعت أكثر، ستكون مهمة تنظيم الرسالة الموثوقة أسهل.

 

عليك ليس فقط معرفة موضوعك وإنما فهم كيفية تفاعله مع مواضيع أخرى ذات صلة به، وتماماً كما على البائع أن يعرف آلة التسجيل وكيفية عملها مع معداتك الأخرى، عليك أن تفهم كلاً من مضمون وسياق رسالتك الإقناعية، كما عليك القيام بالبحث حول موضوعك، وهذا سيساعد في تعزيز خبرتك بالموضوع، فإذا حاولت إقناع زملائك بالبدء بعمليات تكرير البلاستيك قليل الكثافة فإن هذا لن يكون مفيداً جداً إن لم يكن هناك مصنعاً معالجاً لهذه المادة في منطقتك، بالإضافة إلى أنك ستشعر بحماقتك إذا سأل أحد أفراد الجمهور بعد إلقائك "ألا تعلم بأنه لا يوجد مركز تكرير لهذه المادة؟" لذا فإن البحث المتقن يعزز مصداقيتك بالموضوع، بالإضافة إلى أنه يولد مصداقية ابتدائية إيجابية في ظهورك التالي أمام المجموعة نفسها.

 

ثانيا: وثّق أفكارك: يمكنك دعم جدارتك من خلال توثيق أفكارك، ويتم ذلك باستخدام مواد الدعم الواضحة والصحيحة والموثوقة لتوضيح هذه الأفكار، ورغم أن المستمعين لا يتوقعون أن تكون خبيراً بموضوعك، ولكنهم بحاجة للتأكد من أن ما تقوله موثق من قبل الدراسات والخبراء. إن امتلاكك للوثائق يدعم عباراتك ويزيد من مصداقيتك.

 

ثالثا: اذكر مصادرك: إن عرض المعلومات التي تعتمد عليها خاتمتك ليس كافياً، وعليك تذكر أن جمهورك لن تكون لديه الفرصة لقراءة بيان المصادر، لذا عليك إخبار المستمعين بمصادر معلوماتك لتعزيز مصداقية أفكارك بإثبات أن الخبراء يدعمون موقفك. من المؤكد أن هذا يتطلب منك استخدام المصادر غير المتحيزة وذات النوعية الجيدة.

 

رابعا: أخبر بتجربة شخصية: سيساعدك الإخبار بتجربة شخصية لك متعلقة بموضوعك، حيث سيعتقد المستمعون بأن لديك فهماً كبيراً بالنسبة لعمى الألوان إذا أخبرتهم بأنك مصاب به، كما أنهم سيفترضون الافتراض ذاته إذا أخبرتهم بأنك مصاب بداء السكري، لذا فإن ذكر تجربتك سيضيف اعتباراً لأفكارك.

 

 

إظهار الاستحقاق للثقة. إن المعيار الثاني لمصداقية المتكلم هو استحقاقه للثقة (trustworthiness) (وهي آراء الجمهور في تاريخ وموضوعية المتكلم) وتتناول هذه الثقة أمرين متعلقين بك، أولا: يجب أن نثق بك كفرد: أي أن تكون صادقاً فيما تقوله، وثانياً: يجب أن نثق بك في طرح موضوعك: أي أن تكون غير متحيز لما تقوله، ويمكن للمتكلم أن يستعرض استحقاقه للثقة من خلال طريقتين عمليتين بسيطتين:

 

  • تأسيس خلفية مشتركة لجمهورك: فعندما يعلم جمهورك بأنك مدرك لقيمهم وتجاربهم وطموحاتهم، فإن هذا سيسهل تلقيهم لأفكارك، أي عندما تُعلم الجمهور بأنك تعرف قيمهم وتجربهم وطموحاتهم، ستزداد قدرتك على إقناعهم.

 

  • أثبت موضوعيتك في التكلم عن الموضوع: يجب أن تثبت أنك قمت ببحث شامل وغير متحيز في جمع المعلومات والمصادر التي تستخدمها في إلقائك، فمثلاً: كان أحد المتدربين يقوم بإلقاء عن تدخين السجائر ويصرح بأن أضرارها السيئة مبالغ بها كثيراً، وقد اعتمد في طرح أفكاره على دراسات تمت برعاية مصانع التبغ، لذا فقد اقتنع بعض المستمعين فقط من الجمهور بدليله، كما أنه أضعف من استحقاقه للثقة لأنه قيد بحثه بدراسات تمت برعاية إحدى شركات التبغ، والتي يعتقد الجمهور بأنها منحازة للموضوع، وذات مصالح مادية بدعمها هذا الجانب من القضية.

 

إظهار الديناميكية (dynamism): وهي آراء الجمهور في ثقة و طاقة وحماسة المتكلم للتواصل، ومن الواضح أن معياري الجدارة والثقة يستخدمان لتحديد مصداقية المتكلم، وقد تستغرب لماذا يوجد معيار الحيوية الشخصية مع هذه القائمة، فالحيوية تتعلق بطريقة الإلقاء أكثر من تعلقها بالمضمون، فنحن نستمتع بسماع المتكلمين النشيطين والحيويين والمُثيرين والمُلهمين.

ولكن هل من المؤكد أن المتكلم ذو الإلقاء الجامد أو المتردد أو غير الممتع هو أقل مصداقية من نظيره الحيوي؟ قد تكون الإجابة "لا"، والمستمع الأخلاقي سيركز على المضمون أكثر من تركيزه على شكل الرسالة، ومع ذلك عليك أن تعلم أن الدراسات تستمر في التأكيد على أن الحيوية هي عنصر من عناصر مصداقية المتكلم، ومن الحكمة بالنسبة لك أن تطوّر هذه الخاصية.

وتساهم الحيوية في الإقناع لأنها تعبر عن الثقة وعن الرغبة، فإذا كنت تبدو مرتبكاً أو غير واثق من نفسك، فعندها قد يشك الجمهور بك وبإقناعك، وبقدر ما تقوي إلقاءك اللفظي والصوتي والجسدي، فإنك ستتمكن من تعزيز الثقة بك وبالتالي مصداقيتك. كما تعبر الحيوية عن الاهتمام بالجمهور والرغبة في التواصل معهم، فإذا كان إلقاؤك يبدو وقحاً أو فوضوياً أو غير مرتبط بالجمهور، عندها سيشعر المستمعون بأنك غير مهتم بالموضوع أو بهم، ومن جهة أخرى إن إظهار الحماسة تجاه الموضوع والمستمعين سيؤدي إلى إيصال رسالة قوية وإيجابية.

إذن كمتكلم عليك تقديم رسالة منظمة وموثقة بشكل جيد وإيصالها إلى الجمهور بطريقة صحيحة وغير متحيزة، ويجب أن يظهرك إلقاؤك اللفظي والصوتي والجسدي بصورة الشخص الفصيح والنشيط والودود والجدي تجاه الموضوع الذي يقدمه، فإذا وجدك المستمعون جديراً وأهلاً للثقة وحيوياً، فإنك ستحصل على مصداقية عالية وبالتالي ستكون مقنعاً فعّالاً.

 

 

  1. Charles U. Larson, Persuasion: Reception And Responsibility, 8th Ed. (Belmont, Ca: Wadsworth, 1998)11.
  2. Jill L. Shearer,'' Crossing Cultures: Hospitals Begin Breaking Down Barriers To Care, '' Medical Staff Lender July 1993:3.
  3. The Rhetoric Of Aristotle, Trans. Lane Cooper (New York: Appleton, 1960)8.
  4. James Benjamin, Principles, Elements, And Types Of Persuasion (Fort Worth, Tx :Harcourt, 1997)122,124.