مفهوم قيادة المدرسة الذكية وأهدافها ومقوماتها ومستقبلها

تضطلع المدرسة بدور محوري في العمليَّة التربويَّة برمتها، وقد تطوَّر كثيراً مفهوم المدرسة التي هي مُنظَّمة تربويَّة تعليميَّة من النمط التقليدي إلى نمط آخر يتسم بديناميكيَّة التفاعل مع الوسط المحيط بطريقة ذكية وفعَّالة، والمقال الآتي للكاتب زيد أبو زيد يتناول مفهوم قيادة المدرسيَّة الذكيَّة، وأنواع الذكاء وعناصر المدرسة الذكيَّة وأنماطها ومستقبلها.

 



يقول زيد أبو زيد إن أمنية أي مُنظَّمة من مُنظَّمات التعلُّم في هذا العالم وبخاصة المدارس، هي أن تبذل كل الجهود لأجل أن تكون ما يفترض أن تكون عليه بصورة طبيعيَّة غير مصطنعة، أي مُنظَّمات تعلُّم ذات صبغة إنسانيَّة لا آلات جامدة لا روح فيها ولا مشاعر، وهذا يحتم بالضرورة على الجميع المشاركة في اتخاذ القرارات بشكل طبيعي والمشاركة في تنفيذها بروح من التعاون والالتزام التامين.

إنَّ المدارس بوصفها مُنظَّمات تعلُّم تعكس الطبيعتين العضويَّة والديناميكيَّة لها، وهي تُوضِّح فكرة جاردنر عن الذكاء المُتعدِّد، وعن التفكير الحالي في طبيعة المُنظَّمات لتقدم وجهة نظر جديدة لتطوير المدارس والمُؤسَّسات وتحسين قدراتها والإرتقاء بها إلى الصورة المثلى المنشودة.

إنَّ الروح التي يجب أن تتلبس مُنظَّمة التعلُّم للإرتقاء بدورها تفترض بالضرورة صورة أكثر ديناميكيَّة للمدرسة، مما يفترض وجود تسعة أنواع من الذكاء، يشكل إتحادها معاً انتقالاً بالمدرسة خطواتٍ إلى الأمام لتحقق أهدافها بسهولة. إنَّ هذه الأفكار الجديدة تؤثر في الأهداف والعمليات والتي بدورها لها انعكاسها على قيادة المدرسة لتصنع منها مدرسة ذكية.

إلى جانب أن المدرسة الذكيَّة مُنظَّمة تعليميَّة تم ابتداعها على أساس أساليب تدريس وإدارة جديدة تسرع لحاق الطلاب بعصر المعلومات، وأهم عناصر المدرسة الذكيَّة هي: ذكاء مُتعدِّد وبيئة تدريس من أجل التعلُّم، ونظم وسياسات، وإدارة مدرسيَّة جديدة، وإدخال مهارات وتقنيات تعليميَّة وتوجيهية مُتطوِّرة، وقيادة إداريَّة تحويلية "كاريزما، وحفز إيحائي، وعَدُّ مفرد للإنسان داخل مُنظَّمة التعلُّم"، وما زالت عمليَّة اختبار هذه العناصر وإعادة هندستها لتحقيق كفاءة وفاعليَّة هذه المدرسة مستمرة في أعلى المستويات القيادية في كل قطر يعتمد هذه التجربة.

وتنفذ عمليَّة التدريس والتعليم وفقًاً لحاجات الطلاب وقدراتهم ومستوياتهم الدراسيَّة المختلفة، ويتبنى المُعلِّمون تدريس مناهج ومُقرَّرات تلبي حاجات الطلاب ومُتطلَّبات المراحل المختلفة، كما يتم اختيار مدير المدرسة من القيادات التربويَّة البارزة، ويساعده فريق من الأساتذة ممن لديهم قدرات مهنية ممتازة. ويشارك المُعلِّمون وأولياء أمور الطلاب مع الطلاب أنفسهم في اختيار البرامج الدراسيَّة، كما يشاركون في تنفيذ بعض الأنشطة المدرسيَّة الصفيَّة واللاصفية المهمة، كالخروج في رحلات دراسيَّة وغيرها.

لا شك في أنَّ التطوُّر العلمي المذهل الذي حققه الإنسان في القرن العشرين قد أثَّر بفاعليَّة في أسلوب الحياة في كافة المجتمعات المعاصرة. وقد ساهمت تكنولوجيا الاتصالات تحديداً في هذا التطوُّر المعاصر عن طريق تسهيل سرعة الحصول علي المعلومات وسرعة معالجتها واستدعائها وتخزينها واستخدامها في كافة العمليات الحسابية والإحصائية والتحليلية لمواجهة مُتطلَّبات الحياة المعاصرة مما أدَّى أيضاً إلى سرعة إنجاز المهام والأعمال وسرعة تحقيق الأهداف، ومع بداية القرن الحادي والعشرين أصبح لزاماً علي كافة المُؤسَّسات المختلفة أن توافق بين أوضاعها مع الحياة العصريَّة التي تتطلَّبها تكنولوجيا المعلومات، لذلك ومن هذا المنطلق أصبحت تكنولوجيا المعلومات بكافة أشكالها السلاح الحقيقي لمواجهة التحديات العديدة التي تواجهنا أفراداً وكمُنظَّمات، ومجتمعات، ومن ثمَّ الاقتصاديات الوطنية، وأصبح التطوُّر التكنولوجي هدفا قوميا واحتياجاً حقيقياً لنمو المجتمع وتحسين قدرات أفراده وحسن استخدام موارده وحمايتها.

ومن هنا ظهر مفهوم المدرسة الذكيَّة باعتماده أساساً لتطوير التعليم، وإنشاء مجتمع متكامل ومتجانس من الطلبة وأولياء الأمور والمُعلِّمين والمدرسة وكذلك اعتمد في التعامل بين المدارس ارتكازاً على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتحديث العمليَّة التعليميَّة التعلُّميَّة ووسائل الإيضاح والتربية بشكل عام ومن ثمَّ تخريج أجيال أكثر مهارة.

كما أن مفهوم المدرسة الذكيَّة يعتمد على القطاع الخاص في تقديم الأجهزة والمعدات والوسائط المُتعدِّدة والدعم الفني لخدمة المدارس والمنشآت التعليميَّة مما يغذي الاقتصاد الوطني بالشركات المُتخصِّصة التي تقدم خدماتها بشكل احترافي متميز لخدمة المشروع، وبحكم الشراكة المجتمعيَّة، مما يضاعف عدد فرص العمل الجديدة ويُخفِّف من البطالة.

 

ويحتوي مفهوم المدرسة الذكيَّة علي المزايا الفلسفية الآتية:

  1. تقديم وسائل تعليم أفضل وطرائق تدريس أكثر تقدماً.
  2. تطوير مهارات الطلاب وفكرهم من خلال البحث عن المعلومات واستدعائها باستخدام تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات والانترنت في أي مجال أو مادة تعليميَّة.
  3. إمكانية تقديم دراسات وأنشطة جديدة مثل تصميم مواقع الإنترنت والجرافيك والبرمجة، وذلك بالنسبة إلى كافة مستويات التعليم، والذي يمكن أن يمثل أيضاً مصدراً إيراديا للمنشأة التعليميَّة.
  4. إمكانية اتصال أولياء الأمور بالمُدرِّسين والحصول علي التقارير والدرجات والتقديرات وكذلك الشهادات، وذلك من خلال الإنترنت أو من خلال أجهزة كمبيوتر في المدرسة يتم تخصيصها لهذا الغرض.
  5. تطوير فكر ومهارات المُعلِّم وكذلك أساليب الشرح لجعل الدروس أكثر فاعليَّة وإثارة لملكات الفهم والإبداع لدى الطلاب.
  6. إقامة اتصال دائم بين المدارس لتبادل المعلومات والأبحاث ودعم روح المنافسة العلميَّة والثقافيَّة لدى الطلبة. كما يمكن إجراء إقامة مسابقات علميَّة وثقافيَّة باستخدام الإنترنت مما يدعم سهولة تدفق المعلومات بين كافة أطراف العمليَّة التعليميَّة وتحسين الاتصال ودعم التفاعل فيما بينهما.
  7. الاتصال الدائم بالعالم من خلال شبكة الإنترنت بالمدارس يتيح سهولة وسرعة الاطلاع على المعلومات والأبحاث والأخبار الجديدة المتاحة فضلا عن كفاءة الاستخدام الأمثل في خدمة العمليَّة التعليميَّة والتربويَّة.
  8. الاعتماد على الشركات الوطنية المُتخصِّصة في توريد الأجهزة والمعدات والدعم الفني للمدارس الذكيَّة ينشط ويسرع اقتحام الإنتاج الوطني لمجال صناعة البرمجيات وأدوات التكنولوجيا الفائقة بما يدره هذا المجال الواعد من قيمة مضافة عالية ويتيحه من تطوير لقدرات مجالات الإنتاج الأخرى.

 

أما كيف يمكن تطوير مُنظَّمة التعلُّم (المدرسة) لتصبح مدرسة ذكيَّة، فلا بد من تحديد الأهداف الرئيسة الآتية:

  • وجود تسعة أنواع من الذكاء، يشكل اتحادها معاً انتقالاً بالمدرسة خطوات إلى الأمام لتحقق أهدافها.
  • تطوير المنشأة التعليميَّة (مُنظَّمة التعلُّم).
  • إرساء قاعدة للتطوير المستمر للمناهج التعليميَّة.
  • تطوير فكر ومهارات المُعلِّم ومن ثمَّ أساليب الشرح.
  • تطوير مهارات الطلبة في استقطاب المعلومات واستخدامها.
  • تأمين التواصل والتعاون المستمر بين أولياء أمور الطلبة والمُؤسَّسات التعليميَّة.

 

ولتحقيق هذه الأهداف ينبغي التدرُّج في خطوات تراكميَّة وانتشاريَّة تتضمَّن الآتي:

مخاطبة جوهر العمليَّة التعليميَّة التعلُّميَّة، بما يضمن الفاعليَّة والتطوير باستخدام الأسلوب الذي يستعمل من خلاله مفهوم "الذكاء" بطريقة غير مباشرة لصعوبة قياسه، فهو يخص مدى القدرات بأكملها والتي تنمو المدرسة من خلالها وتتطور لتعظيم فعاليتها، إنها تتضمَّن استعمال الحكمة، والتبصر، والحدس والخبرة وكذلك المعرفة والمهارات والفهم.

وكذلك تحويل العمليَّة التعليميَّة إلى عمليَّة ترتكز على تعليم الحاسوب والموضوعات المُتعلِّقة بالحاسوب مثل الانترنت، ولاشك في أنَّ التطوُّر في تطبيق التعليم المبني علي استخدام الكمبيوتر بكافة المستويات التعليميَّة والاستفادة من التطوُّرات الحديثة في تقنيَّة الكمبيوتر بوصفه وسيلة لتحسين العمليَّة التعليميَّة لمختلف المواد الدراسيَّة مثل الرياضيات والعلوم واللغة الإنجليزية سوف ينمي القدرات الابتكاريَّة التي عانينا كثيرا من وأدها بمناهج الحفظ والاستظهار التقليديَّة.

ولا يقتصر مشروع المدرسة الذكيَّة علي تزويد المدارس بما تحتاج إليه من أجهزة الكمبيوتر وملحقاته ليعتاد الطلبة استخدام الكومبيوتر والتفاعل معه والأهم من ذلك تطوير المناهج وإبداع البرامج التعليميَّة في صورة إسطوانات ليزر أو مواقع ويب أو مزيج منهما وتزويد المُدرِّسين ببرامج تدريبيَّة في التكنولوجيا والتعليم وأساليب الشرح الحديثة مما يدعم انتشار تكنولوجيا المعلومات وتوظيفها بشكل سليم في تطوير منظومة التعليم بكاملها ونجاح مفهوم المدرسة الذكيَّة.

وتأتي خطوات إنشاء الشبكات اللازمة لربط الأنظمة الداخليَّة للمدارس المختلفة والربط بين المدرسة والمُعلِّمين والآباء والطلبة والمجتمع بالإضافة إلى ربط المدرسة بشبكة مدرسة أخرى بل والجهات الإشرافية وفق الاحتياجات لتيسر ترابط أطراف العمليَّة التعليميَّة وتعاونهم الناجح فضلا عن الاستفادة من موارد الكمبيوتر المتاحة في المدارس الذكيَّة لخدمات المجتمع في ساعات ما بعد الدراسة مما يجعل المدرسة مجتمعا تقنيا متكاملا لخدمة المجتمع.

ولقد أصبح بديهياً أن يقاسَ نجاح أي مُؤسَّسة أو منشأة اقتصاديَّة يقاس أولا بقدرة الإدارة على حسن استخدام الموارد لتحقيق الأهداف بكفاءة وإتقان وذلك لا يتحقق إلا باتباع واعتماد أحدث أساليب الإدارة لإنجاز المهام والأعمال ومن ثمَّ لابد من الاعتماد على تكنولوجيا المعلومات في الإدارة المدرسيَّة تطبيقا لمفهوم مشروع المدرسة الذكيَّة كي يتحقق الحلم الواعد.

وفي رأينا أن أي منظومة إلكترونيَّة تتعامل مع الجانب التعليمي والمدرسة الذكيَّة لابد لها من أن تنقسم إلى شقين: شق إداري، وشق آخر تعليمي. يقوم الشق التعليمي للمنظومة بخدمة المُدرِّسين عن طريق إطلاق قدراتهم الإبداعيَّة لشرح المواد والمناهج والإشراف على عمليَّة استقطاب المعلومات التي يقوم بها الطلبة. ويبدع الطالب أيضاً في أساليب العثور على المعلومات المخزنة بسيرفر المدرسة أو بالإنترنت وربط بعض تلك المعلومات ببعضها الآخر واستخدامها على أرض الواقع وذلك تحت الإشراف المباشر للمُعلِّم و/ أو أولياء الأمور.

وهنا لا بد من العودة إلى تركيز الاهتمام على استخدام المدارس الذكيَّة لتسعة أنواع من الذكاء في الوقت نفسه على الأقل في عمليَّة مخاطبة جوهر عمليَّة التعلُّم، والتعليم، لضمان الفاعليَّة والتطوير.

إن الأسلوب الذي يستعمل من خلاله مفهوم "الذكاء" ليس مباشرا لأنه لا يمكن معاينته بسهولة ويصعب قياسه، فهو يتعلق بمدى القدرات بأكملها التي تنمو المدرسة عليها وتتطور لتعظيم فعاليتها، إنها تتضمَّن استعمال الحكمة، والتبصر، والحدس والخبرة وكذلك المعرفة والمهارات والفهم. هذه الذكاءات تزود بشيء يشبه الوقود، أو الماء والزيت في السيارة، وسوف يكون لها وظائف منفصلة إلا أنها تحتاج إلى العمل معا حتى تنجح.

 

وهذا وصف للذكاءات التسعة:

  1. الذكاء السياقي (البيئي):

وهو مقدرة المدرسة على رؤية نفسها من خلال علاقتها بالمجتمع الواسع والعالم الذي هي جزء منه، فهي المقدرة التي تمكن المدرسة من قراءة وضعها العام بحيث لا تكون طاغية ولا مستبعدة بل قادرة على الاستجابة للجانبيين السلبي والإيجابي.

ويتبيَّن ذلك من خلال الاستجابة الترحيبية للزوار، والأفكار الجديدة والأحداث في البيئة القريبة وأيضاً تتمثل في المقدرة على التنظيم الذاتي وهذا يختلف عن الاستقلال الداخلي فهو المقدرة التي تحتاج إليها المدرسة لتوافق بين قراراتها واتجاهاتها من جهة وبين سياقها من جهة أخرى. وأبعد من ذلك يتمثل في مقدرة المدرسة على أن تكون مرنة وتعمل بصورة مفتوحة في مدى من المنظورات والاستماع للآخرين وبخاصة في المجتمع المحلي بينما هي لا تفقد رؤيتها لهدفها الجوهري وغاياتها. هو الذكاء الذي يضمن تفاعل المدرسة مع مجتمعها بتقاليده ومفاهيمه على قواعد التعاون والمشاركة والانفتاح والاستفادة من إمكانات هذا المجتمع لتطوير المدرسة مع الأخذ في الحسبان حاجة المدرسة إلى حلول من داخلها لا إلى الحلول التي تجلبها من المجتمع.

المدارس الذكيَّة تعرف الرسائل التي انبثقت عن دراسات تطوير المدرسة، على سبيل المثال هي تعرف أنه لا يوجد مخططات مرسومة أو إصلاحات سريعة فهي تشبه المدارس الأخرى في عدة نواحي إلا أنها تنفرد عنها بأنها لا تعتمد كلياً على الحلول التي تأتي من الخارج بل تطور بنفسها استراتيجيات لحل المشكلات. وفي الوقت نفسه تدرك حساسية الحاجة إلى العمل بالتضامن وليس المنافسة مع المدارس الأخرى وذلك من أجل التعلُّم معهم ومنهم.

 

  1. الذكاء الاستراتيجي:

ذكاء قائم على رؤية واضحة ومُحدَّدة، يتضمَّن نتائج أدب الفاعليَّة المدرسيَّة، إن وضوح الأهداف والمعايير المراد تحقيقها أمر هام وإنَّ هذه الأهداف والغايات تحتاج إلى مشاركة من الجميع. وذلك من خلال استعمال هذا النوع من الذكاء، وستكون المدرسة قادرة على تخطيط الأعمال التي تحتاج إليها من أجل التطوير، ولديها القدرة على وضع رؤيتها محل التنفيذ، وهذا يتضمَّن القدرة على تعميم خطة فيها أولويات طويلة المدى للتطوير، تكون تحت المتابعة والمراجعة المُنظَّمة في ضوء معلومات سياقيَّة جديدة. هذا النوع من الخطط إنمائي في طبيعته ولهذا السبب يكون للمدرسة توجه للتخطيط الذي يمكنها من استشعار التغيير والتعامل معه. (هوب ويل) يراجع كتاب (مايكل ماك ماستر) والذي يقول فيه إنه في البيئة سريعة التغيير لا يستجيب التوجه التقليدي بصورة سريعة وفاعلة فالمستقبل غير الأكيد قد يجعل من الاستراتيجية  الحالية تهديداً لإطالة العمر. فنحن في حاجة إلى استراتيجية  تهتم بالتأسيس للمستقبل ليس بمجرد التكيف مع ما حدث. والذكاء الاستراتيجي يدور حول الاستجابة المناسبة للحاضر وصناعة المستقبل واستشعار النتائج.

 

  1. الذكاء الأكاديمي:

وهو ذكاء يعتمد المعارف والتعليم عالي الجودة والبحث العلمي، ويهتم بالقيمة المعتمدة على الدراسة مرتفعة المستوى (الجودة) والعلم. وهذا الذكاء يجسد مفهوم القيمة المضافة ومواصفات التعليم والتعلُّم الفعَّال والتدريس والأهمية الأساسيَّة للتوقعات العالية. أي ذكاء يمتاز بنزوعه إلى تفعيل ارتباط الطلاب لتدرس تعلمهم وتضع قيمة لتساؤلات الطلبة من خلال عمليات الاستقصاء (البحث) وتشجيع الانجازات والتطبيقات مرتفعة المستوى. إن الذكاء الأكاديمي يقوِّم ويطوَر تعلَم المُعلِّمين لأنه يُميِّز مدى ارتباطه المعقد بتعلم الطلاب. إن الذكاء الأكاديمي كذلك يشجع على زيادة فاعليَّة الكادر والطلاب بعبارة أخرى ما يسمى عامل "من يقدر – من يعمل".

 

  1. الذكاء التأملي:

هو أن تعكس على المسلمات، وهذا يشمل جوهر مهارات وعمليات المراقبة والانعكاس على تقويم فاعليَّة المدرسة بشكل عام، وبشكل خاص تقدم وإنجاز التلاميذ. إن التأمل في تقدم التلاميذ وإنجازهم هو اهتمام مركزي يرتبط بصورة وثيقة بالذكاء الأكاديمي الذي هو تتمة للقدرة الانعكاسية وهو إدراك لمخاطر انخفاض التوقعات الخاصة بالطلاب من ناحية وكذلك الشعور بالرضا الذاتي – على نتائج امتحانات جيدة نوعاً ما – من ناحية أخرى من خلال جمع، تحليل  وتفسير واستعمال نطاق من المعلومات فتكون المدرسة قادرة على الحكم على فعاليتها من خلال توظيف الذكاء السياقي وتستطيع تخطيط التطويرات من خلال استخدام الذكاء الاستراتيجي. إن البيانات المستخدمة تنعكس على تعليم الطلاب وتتضمَّن ليس فقط المعلومات الاحصائية والبيانات الأخرى التي تمَ جمعها رسمياً بل أيضاً البيانات التي تمَ تكوينها والتي هي أكثر صعوبة للتقويم حيث تتطلَّب دليلاً أو تحتاج إلى دليل لتغيير افتراض وإثبات الحكم بصورة قاطعة. إنَّ المدرسة الذكيَّة مريحة وماهرة في قدرتها على تبسيط التعلُّم واستعمال الأدلة ووضعها في خدمة طلابها والمُنظَّمة كليهما. والقدرة على مراقبة الأداء ارتباطاً بمسلمات الإنجاز لتقويم التقدُّم.

 

  1. الذكاء التربوي (علم أصول التدريس):

الوعي للعلاقة بين التعلُّم والتعليم وفهم أهم استراتيجياتها، وهذا الذكاء يتمثل في المدرسة التي ترى نفسها كمُنظَّمة للتعلُّم، إنها تؤكد على أن التعلُّم والتعليم يجب أن يتمَ اختبارهما بانتظام  وتطويرهما وإلا أصبحت تقليديَّة جامدة. إن بعد الذكاء هذا يعي العلاقة الديناميكيَّة بين التعلُّم والتعليم ولهذا يتفهم فكرة "مناسبة الهدف" عند تقرير أكثر الاستراتيجيات مناسبة أو ملاءمة للاستخدام. إنها تتفهم ديناميكيَّة العلاقة بين التفكير والتعلُّم، والتعليم ومن ثمَّ أهمية تطوير مهارات التفكير. إذا كان على المُعلِّمين تمكين المُتعلِّمين من تطوير إدراكهم في مجال تعليمهم فسوف يحتاجون أيضاً إلى تطوير إدراكهم في مجال تعلمهم على قدم المساواة مع تطوير استراتيجيات أصول التدريس.

 

  1. ذكاء جماعة الزملاء:

القدرة على العمل التشاركي والتعاون بروح الفريق، ويهتم بقدرة الكادر على العمل بعضهم مع البعض الآخر وخاصة تطوير ممارساتهم في الحصة الصفيَّة. هناك تعارف على أهمية الحاجة إلى دعم تعلم الطلاب بصورة مستمرة وبعدة طرائق مختلفة، ولتدعيم الذكاء الطلابي يجب أن نفهم أنَّه بما أنَّ الأفراد يستطيعون التمييز فإن مجموع الأجزاء سيكون أكبر من الكل إذا شَكَّلَ الكادر مجتمعاً لتحسين وتطوير تكاتفهم. إن ذكاء مجموعة من الزملاء ينبثق من فهم العلاقة بين تعلم المُعلِّمين وتطوير المدرسة والاهتمامات في إطار من القدرة التي تمكن المُعلِّمين من أن يكونوا وكلاء التغيير.

إن المنافع التي تعود على المدرسة كلها في هذه الناحية من الذكاء وردت في مقالة كتبها (رولاند بارث) (1990) فهو يؤمن بأنَّ عدد المخرجات يرتبط بمجموع الزملاء: "وأن القرارات تميل إلى أن تكون أفضل وتطبيق هذه القرارات هو الأفضل، هناك نسب مرتفعة من الثقة والمعنويات بين البالغين، وأن تعلم البالغين يزداد احتمال إدامته. هناك بعض الأدلة التي تشير إلى ارتفاع الإنجازات والدافعيَّة لدى الطلاب وأدلة تشير إلى أنه عند مشاركة البالغين وتعاونهم فإن الطلاب يفعلون ذلك أيضا".

 

الذكاء الانفعالي:

فهم مشاركة الآخرين لإثارة دافعيتهم إلى التعليم، وهو أن تعمل مع قدرة المدرسة على السماح للمشاعر لدى الطلاب والكادر أن يتم امتلاكها وأن تتكون وأن يعبر عنها وأن تحترم. (هاورد جاردنر) (1983) ميز بين الذكاء الداخلي والذكاء في العلاقات بين الأفراد. فالذكاء في العلاقات بين الأفراد هو القدرة على فهم الغير ويثير دافعيتهم ويشير إلى كيفيَّة العمل بالتنسيق معهم أما الذكاء الداخلي فهو القدرة التي تدور في داخل الفرد وهي القدرة على تكوين نموذج دقيق للذات وأن تكون قادراً على استعمال هذا النموذج للإدارة بفاعليَّة في الحياة (جولمان،1998) يجادل بأن الذكاء الانفعالي هو القدرة الحيويَّة على التعلُّم وهي مميز أساسي للقيادة المؤثرة وهو يتضمَّن إدراك الذات، وتنظيم الذات، والدافعيَّة، وتفهم مشاعر الآخرين، والمهارات الاجتماعيَّة إن كل هذه المظاهر تواجه التعلُّم والتعليم وتُوضِّح الارتباط بالذكاء الاكاديمي.

 

الذكاء الروحي:

الذكاء القائم على الإحساس بالروح وقيم المجتمع و روحانيته وأهميته لإثارة الإبداع. إن إطار البحث الوطني يتطلَّب من المدارس توضيح كيف تخطط لتنميَّة روحانية الطلبة. تم إصدار كتيب كجزء من مشروع عن القيم و الرؤى (بيرنز ولامونت) ورد فيه: "الروحانية هي مصدر الإبداع المتاح لنا. إنَّها تحضر ذلك الكم من الحياة فيها ومضة لاستقصاء الأفكار، والرؤى، ووجهات نظر تعاطف مع الانفراد، وتعبير فني، ومحاولة جادة، ولعب، إنها تفتح المجال أمامنا للحياة وأمام بعضنا البعض. فالروحانية هي حبل الوصل الذي يمر خلال حياتنا و يجلب لنا الامل، والعطف، والامتنان، والتشجيع، والسلام والإحساس بهدف ومعنى كل يوم وعند الوصول وراء عالم المحسوسات فإن ذلك يقودنا الى البحث والثبات في القيم غير محكومين بالنجاح المادي".

الذكاء الروحي يتمثل في القيم الأساسيَّة للحياة وتطوير كل أعضاء المجتمع المدرسي، فكل واحد ينظر إليه على أنه مهم ويجب أن يشارك في شيء ما. هذا الذكاء يُميِّز الحاجات لتحقيق التوازن بين مشاكل الحياة في المجتمع المدرسي وبين أوقات السلام أو السكينة والفرصة لتكوين على اتصال بالقضايا المهمة وإن هذه القيم ستكون ضمن خبراتنا التي هي غير ملموسة وغير قابلة للقياس وكذلك تهتم بالقدرة على إحداث أو تفعيل التعلُّم بصورة معمقة.

 

الذكاء الاخلاقي:

وهذا النوع يعني معرفة أهمية حقوق الطلاب وحاجاتهم وذلك يتضمَّن إدخال الطلاب الطلاب في القرارات حول تعلمهم. هذا الذكاء يدمج المبادئ الواضحة للقيم والمعتقدات في إطار إعلان تعليمات أهداف المدرسة وهي تهتم بالطريقة التي تُوصِلُ بها المدرسة أهدافها ومبائها الأخلاقيَّة كالعادة والإنصاف والشمولية وهذا يتمثل في الاهتمام بتأمين وسيلة للطلاب ليكون لديهم منهاج واسع ومتوازن والاهتمام باستعمال المصادر وتوزيعها.

إن مفهوم التفويض تظهر أهميته من خلال نتيجة مفادها أن دعم التعلُّم له قيمة عالية وأن هناك فهماً لطبيعة المُتعلِّمين وتفهم رغباتهم. إن المدارس ذات الذكاء الأخلاقي لديها درجة تقويم ذاتي مرتفعة بوصفها مُنظَّمة وهذا يختلف عن الرضا الذاتي وهي نادراً ما تشعر بالرضا الكامل عن أعمالها ويكون لديها في الغالب أفكار عن كيفيَّة قيامها في المرة المقبلة.

 

قيادة المدرسة الذكيَّة

إن أنواع الذكاء التسعة تتضمَّن على الأقل ثلاثة مفاهيم مهمة لقيادة المدرسة

  • إنها مترابطة.
  • تتضمَّن الحد الاقصى من التأثير عند استخدامها مجتمعة.
  • كل واحد يمكن تطويره وتحسينه.

إنَّ التحدي الذي يواجهه قيادي المدرسة هو تأسيس فهم جماعي عن مدى الذكاءات المستخدمة وتعرف تلك التي تحتاج إلى تطوير أبعد.

 

مستقبل المدرسة الذكيَّة

إن الجدل حول فائدة استخدام التقنيات التعليميَّة أو ضرورتها في التعليم العام لمَّا يحسم بعد، لكن الذي لايختلف عليه اثنان هو ذلك التحدي الكبير الذي يواجه مدارسنا اليوم، وهو كيف تتغير المدارس لتواجه مُتطلَّبات المستقبل، بما في ذلك تسخير التقنيات المختلفة تسخيراً فاعلاً، وتحتل موقعاً فيما يسمى "طريق المعلومات السريع" يقول البروفيسور لاري كيوبان من جامعة ستانفورد بولاية كليفورنيا: "إنَّ التقنيات الجديدة لاتغير المدارس، بل يجب أن تتغير المدارس لكي تتمكَّن من استخدام التقنيات الجديدة بصورة فعَّالة"، بمعنى، أنَّ مدارسنا يجب أن تشتمل على بنية تحتية جيدة، ونظام مرن، وإدارة وفاعلة، كي تكون مهيأة لاستخدام التقنيات التعليميَّة بفاعليَّة، وليس مجاراة للآخرين.

وبالإضافة إلى الحاجة إلى تغيير المدارس، فإنَّ الحاجة تبدو ماسة أيضاً إلى الاهتمام بالمُعلِّمين الذين هم حجر الزاوية في العمليَّة التعليميَّة. وإذا كان هدف المدرسة، أي مدرسة هو بناء الإنسان عقدياً ومعرفياً، ووجدانياً ومهارياً وسلوكياً، فلا مناص من النظر إلى التعليم على أنه يقوم على أساس علاقات إنسانيَّة مؤثرة، ومن ثم ضرورة التركيز على المُعلِّمين وتطوير أدائهم التدريسي، وتعريفهم بالاحتياجات الإنسانيَّة المُتجدِّدة للتلاميذ، وسبل إشباع تلك الاحتياجات بما يمنحهم الاستقرار العاطفي والنمو العقلي والقوة البدنية، وهذا ما تقصر عن تحقيقه الأجهزة التقنيَّة المُتطوِّرة وحدها. ودور المُعلِّمين في ظل استخدام التقنيَّة التعليميَّة – بما في ذلك الصفوف الذكيَّة، والمناهج الإلكترونيَّة – سيكون أكبر وأكثر فاعليَّة.

كما يجب النظر في مدرسة المستقبل إلى برامج الحاسوب والإنترنت على أنها وسائل معينة على التعلُّم الذاتي، ولا يمكن الاستغناء بها عن المُعلِّمين، بل إن النظرة العلميَّة تجعل المستقبل مشرقاً أمام المُعلِّمين الجيدين، يقول بيل جيتس (رئيس شركة ميكروسوفت ومؤسسها): "إن مستقبل التدريس، وخلافاً لبعض المهن يبدو مشرقاً للغاية. فمع تحسين الابتكارات الحديثة، المطرد لمستويات المعيشة، كانت هناك دائماً زيادة في نسبة القوة العاملة المُخصَّصة للتدريس، وسوف يزدهر المربون الذي يضفون الحيويَّة والإبداع على صفوف الدراسة، وسيصادف النجاح أيضاً المُدرِّسين الذين يقيمون علاقات قوية مع الأطفال، بالنظر إلى أن الأطفال يحبون الصفوف التي يدرس فيها بالغون يعرفون أنهم يهتمون بهم اهتماماً حقيقياً، ولقد عرفنا جميعاً مُدرِّسين تركوا تأثيراً مختلفاً… إلخ".

لاشك في أنَّ التقنيات العلميَّة والتعليميَّة غيرت كثيراً في حياتنا، ووفرت كثيراً من الوقت والجهد. ولا شك في أنَّ الحاسبات الآلية وسيلة جيدة للتعليم والتعلم، ولكنها ليست الوسيلة الوحيدة، كما أنها ليست دائماً الوسيلة الأفضل. لذا، فمن الحكمة وضع استخدام الحاسب الآلي في التعليم (العام) في موضعه، وعدم إعطائه أكثر من حجمه، ومراقبة آثاره الإيجابيَّة والسلبيَّة على المُتعلِّمين والمُعلِّمين، والعمليَّة التعليميَّة على حد سواء.

لقد أصبح إيقاع السرعة والتغيُّر السمة البارزة لهذا العصر. وإذا كان هذا الإيقاع يفرض على الاقتصاديين والسياسيين يقظة مستمرة، وسعياً إلى التفكير الدؤوب فإنه مفروض على التربويين من باب أولى. إن الحاجة إلى التطوير والإصلاح التربوي أصبحت أكثر إلحاحاً من ذي قبل، ولكنها في الوقت نفسه أصبحت أكثر حاجة إلى التخطيط السليم المبني على التقويم الصحيح للواقع التعليمي، والتقويم الفعلي للمؤثرات المختلفة والشفافية التي تربط بينهما.

إن طموح التربويين إلى الارتقاء بمستوى التعليم يزداد يوماً بعد يوم. وإن هذا الطموح هو الوقود الذي يبقي شمعة التفكير والعمل مشتعلة باستمرار. وعند ترجمة هذه الطموحات إلى أفكار عمليَّة ينبغي ألا تغيب عن الأنظار الأهداف الأساسيَّة للتعليم، وما تنبني عليه تلك الأهداف من الأسس الدينيَّة والمبادئ.