معلومات إضافيَّة حول كيفيَّة قيادة المنظـّمات المـُتعلـِّمة

لماذا يجب أن نعطي اهتماماً كبيراً لعلم النفس المعرفي؟ تَرافَقَ التدريبُ لعقود عديدة وبشكل كبير مع علم النفس السلوكي، وكانت السمات المُميِّزة للتدريب في اقتصادنا الصناعي هي تحليلُ العمل والواجبات، والأهداف السلوكيَّة القابلة للقياس، ودراسات الزمن والحركة لقد تبادر هذا النموذج السلوكي إلى الذهن عندما فكَّرَ مُدراء التدريب بالتدريب كوحدة متكاملة.



من جهة أخرى؛ لم يَعُدْ سرَّاً أنَّ هذه الأشياء باتت مُختَلِفة اليوم، فأولاً نحن في الاقتصاد ما بعدَ الصناعي، بالإضافة إلى كوننا في وحدة عالمية، وأصبحت المعامل ومختبرات البحث والتطوير والعمَّالُ والأسواق والمستهلكون أموراً عالمية الانتشار، وباتت المعلومات هي المنظِّم وليس الإنتاج الصناعي. يتطلَّب الاقتصاد المدفوع بالمعلومات منظوراً مختلفاً للتدريب وما يشكِّل هذا المنظور هو علم النفس المعرفي ورجحان مفهوم “التعليم”.

 

يمتاز هذا التحوُّل في التوجُّه من المدرسة السلوكيَّة إلى المدرسة المعرفية بالمقام الأول بالتحوُّل في التفكير من التعليمات (الأوامر) إلى المعنى (البنية). تقتضي المعرفية أن نفكِّر دائماً بلغة “التحرُّك لهدف” أو “الحركة لغاية”، وهذا يعني التفكير المستمرُّ بالتقدُّم أو التدفُّق الدائم. “الاستعلام”، “المشاركة”، “الانعكاس أو ردِّ الفعل”، “التحديث”، “التقييم”، “الضبط”، “التكامل”، “العلاقات”، و“شبكات المعلومات” كلّها تُشكِّل مصطلحات مُفضَّلةً لعلماء النفس المعرفيّ.

 

للتأكُّدِ من أنّ فكرة التدريب ما تزال مناسبة للمهمَّة التي وُضِعَتْ من أجلِها، يجب على المهمَّة الآن أنْ تكون مبنيَّة بصيغة التجريد، ممَّا يعني أن نفهم ما هي الأشياء التي يجب أن نقوم بها في سبيل بدْءِ بناء التعليم. مع كل ذلك يكتسب اقتصاد المعرفة قوَّتَه انطلاقاً من عمق واتساع المشاركة، والجودة الإبداعيَّة لأعضائه المُستقلِّين أو المُنظّمين في مجموعات، إنه يعتمد على قابليّة الأشخاص لتأطير القضايا وسعيهم للعمل بعد اتِّخاذهم التدابير الاحتياطية مُسبقاً، واستعمال المعلومات بطريقة فعّالة اقتصادياً. إنَّه بحقٍّ اقتصادٌ مختلف عن ذلك الذي جلب إلى الصدارة أجزاءً من أشياء ومواضيع، أو الذي أعاق أو تحسَّس أو بعبارة أخرى سيّطر بطريقة حسيّة.

 

يعتمد النموُّ في اقتصاد المعلومات بقوة على روح المبادرة الشخصيَّة المُستقِلَّة التي تُوجَّه بالفعل وردِّ الفعل، وبالتقييم والاستعمال العاجل للتغذية الراجعة أكثر من اعتماده على الشهادات المُعطاة على المهمَّات المُنجَزَةِ والحصيلة المُرضية للإنتاج.

للاطّلاع على أفضل الكتب حول موضوع المعرفة البنائيّة لديك هذه القائمة:

  • في عصر الآلات الذكيّة: مستقبل العمل والقدرة. سوزانا زوبوف. 1988.
  • الأشياء التي تجعلك ذكيّاً: حماية السمات الإنسانية في عصر الآلة. دونالد نورمان. 1993.
  • شركات صنع المعرفة. إيكوجور نوناكا وهيروتاكا تاكيوشي. 1993.
  • التفكير للتغيير: استكشاف القدرة على الإبداع والتواصل والقيادة. ميشيل ج. جيلب. 1995.
  • مهارات التدريب المعرفية المُعقَّدة. جيروين ج. ج. فان ميرينبوير. 1997.

 

القيمة غير القابلة للجدل للتعدُّديَّة

أشار روزفلت توماس في كتابه المهمّ “ما وراء العِرق والجنس” إلى النقطة الأساسيَّة التي تقول: إنّه أثناء العَقد الأخير تغيَّرت نظرتُنا إلى التعدُّديَّة في مواقع العمل من “الاستيعاب” إلى “تقدير التعدُّديَّة” وما نتج عنها من “إدارة التعدُّديَّة”. وهو لا يعني بالتقدير مفهوم غامض ضبابي من الابتذال واحترام وتقدير أي شخص، بل على العكس يعني الرؤية الصحيحة للأشخاص في العمل، وللموارد الماليَّة ولخدمة الزبائن وللجودة والابتكار والعديد من القِيَم الأخرى التي يمكن تحقيقها بفضل التعدُّديَّة الموسعة للقوى العاملة.

الاتِّجاه الذي كان سائداً يتمحور حول أنّ الأشخاص المختلفين بشكل واضح عن أغلبيّة العمَّال يُتوقَّع منهم ببساطة أن يكونوا “أكفّاءَ” أي مماثلين للتيار السائد للقوة العاملة المذكَّرة من العرق الأبيض. قدَّم توماس ملاحظة لامعة تقول: إنَّ هؤلاء الذين يُؤمَرون ليكونوا ‘أكفّاء” عادة ما تتمُّ صياغتهم وقولبتهم، ولا تتوفَّر لديهم القدرة ليعبِّروا عن أنفسهم أو يقدّموا مقدراتهم بشكل صحيح، أو ليكونوا أحراراً في ابتكار أفكار خلاّقة من فكرهم الخاصّ وتجاربهم الثقافيَّة.

لا يُعتَبَرُ كتاب روزفلت توماس مجرَّدُ دليل لتقدير التعدُّديَّة بكل أنواعها، ليس فقط عرقياً أو إثنياً، بل يُعتَبَرُ أيضاً دليلاً لإدارة مواقع العمل في سبيل إطلاق الإبداع والخصوبة الكامنة في النسيج البشريِّ الغنيِّ بالمواهب والدوافع والأفكار والمهارات والخبرات والكفاءات. تُعتَبَرُ القوى العاملةُ المُتنوِّعة أحد المصادر العظيمة للمنظّمات المُتعلِّمة، وغالباً ما يتم استدعاء مُدراء التدريب بصورة خاصَّة بهدف تسهيل إطلاق هذه القدرات. يُعتَبَرُ التخلُّص من “عقلية الاستيعاب” خطوتُك الأولى باتِّجاه النجاح. هناك كتاب آخر لروزفلت توماس يستحقُّ الاطِّلاع عليه في هذا المجال هو “ إعادة تعريف التعدُّديَّة”

 

المنهج الخامس

بدأ بيتر سنج في العام 1990 ما اعتبرَهُ ثورة صامتة في طريقة تفكير المُدراء حول أهداف المنظّمات وذلك في كتابه الشهير، والذي حقَّق نسبة مبيعات هائلة “ المنهج الخامس: فنُّ وخبرة المنظّمات المُتعلِّمة”. قام سنج بتعميم مفهومين مهمَّين جّداً؛ الأول حول المُنظَّمة المُتعلِّمة، والثاني حول التفكير المنظوميِّ أو كما سمَّاه “المنهج الخامس”.

اعتَنَقَتِ الشركات الأميريكية المُنظَّمة المُتعلِّمة كهدف وأيضاً كطريقة؛ وقد لاحظنا على مدى العقد الماضي أمثلة عديدة لشركات ومؤسسات خدمات جرَّبت مقاربات مُتنوِّعة لتصبح منظّمات مُتعلمة. البروفيسور فيكتوريا مارسيك من جامعة كولومبيا في الولايات المتَّحدة، وأيضاً الجمعيَّة الأمريكيَّة للتدريب والتطوير (ASTD) قاموا بعمل ضخم منذ العام 1991 في اكتشاف وتعقُّب تطوّر الشركات والمنظّمات التي دعت أنفسَها منظّمات مُتعلِّمةً، تمّ تلخيص عمل الجمعيَّة الأمريكيَّة للتدريب والتطوير لاحقاً. بيتر سنج معروف عالمياًُ باحتفائه بمكان العمل كمكان للتعليم.

الأمر الذي لم يُؤخَذ به ولم يُجرَّبْ بحماسة هو فكرة سنج حول “المنهج الخامس” أو التفكير المنظوميّ، وفي كتابه قدّم سنج رجاءً عاطفياً مُتَّقِداً من أجل أن ننظر للعالم كوحدة متكاملة، حتى أنَّه قال: “يجب أن يكون من غير المفاجئ لنا أن نرى أنّ عدم سلامة عالمنا اليوم متناسبة بشكل مباشر مع عجزنا عن رؤيته كوحدة متكاملة” (صفحة 68). حاول سنج أن يبرهن أنَّ التفكيرَ المنظوميَّ هو منهجٌ لرؤية كليَّات الأمور، ورؤية التبادليّة أكثر من الأشياء، والنماذج أكثر من اللقطات السريعة؛ وقدَّم حُجَّةً مقنعة لكون التفكير المنظوميِّ ضرورة الآن أكثر من أيِّ وقت مضى، لأن عالمنا اليوم مُعَقَّدٌ جّداً، وكلُّ ما حولنا هو دليل على انهيار الأنظمة السابقة. ركّز سنج على أنَّ الشموليات غالباً ما تترجم إلى شعارات مثل “فكّرْ بطريقةٍ عالميّةٍ، تصرّف بطريقةٍ عالميّةٍ” أو “انظرْ إلى الغابة أكثر من نظرك إلى الأشجار” أو “اجلبِ الكلَّ إلى الأجزاء”.

على المُدرِّبين أن يتجاوبوا مع طريقة تفكير سنج، ولكنَّنا غالباً لا نأخذُ المبادرة في تعلُّم ما هي الصورة الكليَّة، حتى أنَّنا غالباً ما نتَّهِمُ المُدرِّبين بأنَّهم يتورَّطون في أمور قليلة الأهميَّة. لن يتمَّ البناء الحقيقيُّ للمنظّمات المُتعلِّمة عندما يبدو وكأنَّه نمطٌ “أموميٌّ شاملٌ” ظاهريٌّ من الأشياء؛ إنَّه يتطلَّبُ منظوراً ورؤيةً وعملاً جادَّاً ومثابرة، وقد بدأها سنج كلَّها ويتوجَّب علينا أن نحافظ عليها بإستمرار دائم.

 

منتدى اختبار الأداء للجمعية الأمريكية للتدريب والتطوير (ASTD)

بدأت الجمعيَّة الأمريكيَّة للتدريب والتطوير (ASTD) منذ العام 1991 بتعقُّبِ خمسين شركة مُتنوِّعة ضمن ما يُعرَفُ بـ”أفضل الممارسات”، في محاولة لتدوين التصرُّفات التي تقود للتغيير والتي تشجع التعليم وتُحسِّن الأداء. وصف دليل الجمعيَّة الأمريكيَّة للتدريب والتطوير لوسائل تقييم المنظّمات المُتعلِّمة المنشور في العام 1996 طُرُقاً نوعيِّة وُضِعَ العديد منها على أُسُسِ قواعد خبرات حقيقية لشركات ضمن منتدى اختبار الأداء لتقييم المنظّمات المُتعلِّمة. ركَّزت هذه الوسائل على الأفراد، والمجموعات والفِرَقِ، وكذلك على التنظيم. لمزيد من المعلومات يمكنك الاطِّلاع على الموقع الإلكتروني الخاصّ بالجمعيَّة الأمريكيَّة للتدريب والتطوير astd.org أو الاتِّصال على الرقم 703-­683-8100.

 

إذا كانت لديك ميزانيَّة وكادر محدودين . . .

يمكنك شراء الكتب المُشار إليها في الفقرات السابقة بما يعادل 150دولار ثمَّ تبدأ بمَلءِ عقلك وشعورك بالأفكار الجديدة، ويمكنك استعمال هذه الكتب في توجيه أعمالك دون الحاجة للنقود إطلاقاً؛ ومع القليل من المجازفة الحَذِرَةِ والكثير من الثّقة يمكنك البدءُ بإجراء التغييرات.

للحصول على تعرفة الاتِّصال اتّصلْ أو أرسلْ بريداً إلكترونياً، يمكنك الحديث مع الأشخاص في الجمعيَّة الأمريكيَّة للتدريب والتطوير في الإسكندريّة وفرجينيا في الولايات المتَّحدة والذين سيساعدوك لتصبح جزءاً من شبكة من الأشخاص في نفس مستوى التغيير الخاصّ بك.

 

إذا كانت لديك ميزانيَّة وكادر وافيين . . .

إذا كان لديك الوقت وموارد الموظَّفين لتقوم بالتجارب مع الترتيبات الجديدة للتنظيم قد تفكِّرُ في إطلاق كادر المُدرِّبين من داخل شركتك لإجراء لقاءاتٍ مباشرة مع المُشرِفين والمُدراء لمساعدتهم في فهم وتأسيس أهداف التعليم للأفراد والجماعات ضمن منظّماتهم.

هناك خطَّة أخرى تقضي بتشكيل برامج تدريب ومساندة ضمن ما يُعرف “بتدريب المُدرِّبين” بواسطتها يجتمع كادر التدريب لديك مع قادة الفِرَقِ أو المُدراء أو المُشرِفين من أجل مساعدتهم بشكل مُستمرّ ليصبحوا مُعلِّمين ومتعلِّمين.

هناك طريقة أخرى يمكنك اللجوء إليها كمدير للتدريب تتلخَّص بإجراء مُقابلات شخصية مع كلِّ شخص في مؤسَّستك التدريبيَّة بغضِّ النظر عن وظيفته في العمل أو مستواه من أجل اكتشاف احتياجاته الشخصيَّة بدقة، ممَّا يُمكِّنه من القيام بعمله بأفضل مستوى من الفعالية، ثمَّ اجعلْ من مهامك إيجاد الموارد التي قالوا أنَّهم بحاجتها: الميزانيَّة، المعدَّات، البرمجيَّات، طاقم العاملين، المهارات، الاتِّصالات، الأثاث والأماكن؛ وذلك مهما تطلب الأمر؛ اصغِ إلى منطقهم ولا تفرضْ عليهم ما تظنُّ أنهم بحاجة له. تصرَّفْ كمُيسِّرٍ ومُعينٍ، وقدّم لهم الدعم. كُنْ محامياً عن الأفراد ضمن مؤسَّستك طالما أنَّهم يصبحون مُؤهَّلين بشكلٍ أفضل، و ... انتظرْ منهم أن ينطلقوا ويقوموا بالمثل في كلِّ مكانٍ من الشركة.