ما وراء الأندراغوجي

تُعد فكرة عدم ملاءَمة الافتراضات لجميع الراشدين من أهم العيوب التي يحتوي عليها نموذج الأندراغوجي والتي تعود لِتُقلق الكثير من الناس، وإذا استفسرت عن المُتعلِّمين الراشدين عن طريق أي مُسهّل مسؤول فإنه سيُخبرك بأنهم ليسوا على ذلك القدر من التجانس كما يُشير نموذج الأندراغوجي. وتُظهر الأبحاث وجود فروقات فرديَّة عدّة بين المُتعلِّمين والتي تتفاعل مع مبادئ تعلُّم الراشدين الرئيسيَّة لتصوغ سلوكيَّات تعلُّم الراشدين. وكما لوحظ سابقاً فإن المبادئ الأندراجوجية قويّة ولكنَّها تقدّم وصفاً غير مُكتمل لسلوك تعلُّم الراشدين. توصل المحترفون الخبيرون في مجال تعلُّم الراشدين إلى أن مبادئ التعلُّم الأندراغوجي تخضع للصقل بواسطة مجموعة من العوامل الأخرى التي تؤثِّر على سلوك التعلُّم، الأمر الذي نلاحظه في مُعظم النماذج. ويؤكِّد نولز (1984) تلك الفكرة عند اختبار دروس تم تعلُّمها من الأندراجوجيا في التطبيق، ويقول بذلك الصدد: "إن النموذج الأندراغوجي هو نظام من العناصر التي يمكن اعتمادها أو تعديلها كليَّاً أو جزئياً. ولا يمكننا اعتبار الأندراغوجي أيديولوجيَّة يتحتَّم علينا تطبيقها بشكل كامل ودون أي تعديل. في الحقيقة، تُعتَبَر المرونة أحد أهم سمات نموذج الأندراغوجي" (ص, 418).



الفروقات الفرديَّة بين المُتعلِّمين الراشدين


تؤكِّد البحوث حول الفروقات الفرديَّة ضرورة إدخال المُعلِّمين تعديلات على عمليَّة التعلُّم لتلائم تلك الفروقات، سواء فيما يتعلَّق بالمقدرات أو الأساليب أو الميول والرغبات (جوناسن وجرابوسكي، 1993). ويؤدي القيام بذلك إلى تحسُّن نتائج التعلُّم غالباً. ويُشجَع المُعلِّمون للاستفادة من نقاط القوة لدى المُتعلِّم أو لمُساعدة المُتعلِّمين في تطوير مجال أوسع من الكفاءات.

يطلق الباحثون على ذلك اسم تفاعل المعاملة مع الكفاءة، والتي تعني ببساطة تفاعل المعاملة (التدريب في هذه الحالة) مع الكفاءات الفرديَّة (تتضمّن المقدرات، والأساليب، والميِّزات) من أجل إحراز نتائج التعلُّم. ولسوء الحظِّ، لم تُقدِّم الأبحاث بشكل متواصل ما يدعم فكرة تفاعلات المعاملة مع الكفاءة، بالرغم من توضيح حالات عدّة تحدث فيها تلك التفاعلات (جوناسن وجرابوسكي 1993، سنو 1989). لقد فرضت المواضيع المنهجيَّة تقييدات على الباحثين فيما يتعلَّق بتعميم هذه الفرضيّة. وفي الوقت نفسه، يكتشف مُعظم المُمارسين المفهوم القائل بأن المُتعلِّمين المختلفين يتطلَّبون استراتيجيات تعلُّم مُختلفة اعتماداً على الفروقات الفرديَّة. وتدعم الدلائل القصصيَّة ودراسات الحالة ودراسات البحوث الواعدة كل من فرضيَّات الفروق الفرديَّة. والنتيجة الآمنة في هذه الفكرة هي أن الاختلافات الفرديَّة تؤثِّر في الواقع على التعلُّم، ولكن وبكل شفافية فإن الباحثين لا يمتلكون الوسائل والمنهجيَّات لقياسها أو دراستها بشكلٍ كافٍ. إضافة إلى أن التعلُّم قد يكون مرتبطاً بالموقف الذي يحدث خلاله لدرجة كبيرة حيث تكون التفاعلات مُعقَّدة جداً، مما يمنع ظهور العلاقات الثابتة بمستوى التعميم الذي نرغب بالحصول عليه.

 

يُقدِّم لنا كل من جوناسن وجرابوسكي (1993) مُخطَّطاً بالفروقات الفرديَّة التي تؤثِّر على التعلُّم (انظر إلى الجدول 1-10). يتضمَّن الجدول (10-1) ثلاثة تصنيفات رئيسيَّة للفروقات الفرديَّة، والتي لم يُتفَق على وجود مُخطَّط عام لتصنيفها، فقد تكون معرفيَّة أو شخصيَّة أو مُتعلِّقة بالمعرفة السابقة. وبالرغم من عدم وجود موافقة عامة على مُخطَّطات الفروقات الفرديَّة، فما سنتناوله سيعود بالفائدة الكبيرة على أهداف تعلُّم الراشدين. لقد تطرقنا لموضوع المعرفة السابقة في الفصل السابع عندما ناقشنا فكرة الخبرة. سنُخصِّص هذا القسم بشكل أساسي لمناقشة الفروقات المعرفيَّة لما لها من تأثير على المُتعلِّمين الراشدين.

 

الجدول الفروقات الفرديَّة بين المُتعلِّمين


المستوى الإدراكي

  1. القدرات العقليَّة العامة.
    • القدرات المُتسلسلة (مرنة، مُتَبلوِرة، مكانية).
  2. القدرات العقليَّة الأساسيَّة
    • المنتجات.
    • العمليَّات.
    • المضمون.
  3. التحكّم المعرفي.
    • مجال الاعتماد/الاستقلال.
    • مجال النطق.
    • سرعة الإدراك.
    • تركيز الاهتمام.
    • سعة مجال التصنيف.
    • سهولة/صعوبة الإدراك.
    • الإرادة الضعيفة مقابل الإرادة القويّة.
  4. الأساليب المعرفيَّة: جمع المعلومات
    • بصري/لمسي
    • مشاهد/مُتكلم.
    • تسوية/ شحذ.
  5. الأساليب المعرفيَّة: تنظيم المعلومات.
    • تسلسلي/ شمولي.
    • أسلوب مفاهيمي.
  6. أساليب التعلُّم.
    • تخطيط الأسلوب المعرفي لهيل.
    • أساليب التعلُّم لكولب.
    • أساليب التعلُّم لدون ودون.
    • أساليب التعلُّم لجراشا وريشمان.
    • أساليب التعلُّم لجريجورك.

مستوى الشخصية

  1. الشخصيَّة: أساليب المشاركة والانتباه.
    • القلق.
    • احتمال التوقُّعات غير الواقعيَّة.
    • احتمال الغموض والالتباس.
    • احتمال الإحباط.
  2. الشخصيَّة: أساليب التوقع والتحفيز.
    • مركز التحكّم.
    • الانطواء الذاتي/ الانبساط.
    • تحفيز الإنجاز.
    • المخاطرة مقابل الحذَر.
  3. المعرفة السابقة
    • الإنجاز والمعرفة السابقة.
    • المعرفة المُنظَّمة.

 

Jonassen and Grabowski، 1993


يُقسِّم جوناسن وجرابوسكي (1993) الفروقات الفرديَّة مفاهيمياً إلى أربعة مستويات:

  1. القدرات الإدراكيَّة: نماذج الذكاء السيكولوجيَّة والتي تتضمّن القدرات الأساسيَّة والثانويَّة (الفئتين 1, 2 في الجدول 10-1).
  2. التحكّم المعرفي: نماذج التفكير التي تسيطر على الطرائق التي يستخدمها الأفراد عند معالجة المعلومات ومناقشتها. بمعنى آخر، نقصد بذلك البنى السيكولوجيَّة التي تُنظِّم الإدراك والتي تنشأ مباشرة عن القدرات الإدراكيَّة (الفئة 3 في الجدول 10-1).
  3. الأساليب المعرفيَّة: يُعرِّفها ميسيك (1984) بأنها "التناغم الذاتي المُميِّز الذي يحدث أثناء معالجة المعلومات والتي تتطوّر وفق طرق مُلائمة للاتجاهات الشخصيَّة الأساسيَّة". تُوضِّح هذه الأساليب الطرق التي يوظِّفها المُتعلِّمون لمعالجة المعلومات لفهم العالم الذي يعيشون فيه (الفئتين 4 , 5 في الجدل 10-1).
  4. أساليب التعلُّم: تفضيلات لمعالجة المعلومات بطرق مُختلفة. تعتبر أساليب التعلُّم أقل تحديداً من الأساليب المعرفيَّة، وعادةً ما يتمُّ تقييمها باستخدام التفضيلات الذاتيَّة (الفئة 6 في الجدول 10-1).


يُعتَبَر المستوى الرابع (أساليب التعلُّم) المستوى الأكثر وضوحاً، كما أننا نستطيع تصوّره "كمستوى خارجي"، في حين تُشكِّل القدرات الإدراكيَّة "المستوى الداخلي" وتُعتَبَر مع هذا أقل وضوحاً. تؤثِّر القدرات الإدراكيَّة على التحكّم المعرفي، الذي يؤثِّر على الأساليب المعرفيَّة، والتي بدورها تؤثِّر على أساليب التعلُّم. يُبيّن الجدول 10-1 قائمة شاملة بخصائص كل فئة، سنقوم باختيار فئات معينة لدراستها نتيجة لأهميتها في تحسين مبادئ التعلُّم الأساسيَّة.

 

تستطيع تحميل بقية البحث من الملف المرفق...