لماذا تُحدث الاستشارة الإدارية ذاكَ الفارق الجزء الثاني

ثانياً، الموضوع الواضح الجلي في خصوص معرفة الخبراء

دعونا نواجه الأمر، ليس بمقدور أيةُّ شركةٍ توظيف خبراء في جميع مجالات العمل، ولا حتى في المجالات التي تمثل جوهرَ عملهم الرئيسي، ولا ينبغي لهم القيام بهذا في معظم الأحيان، فإن هذا عديم الجدوى من الناحية الاقتصادية. سأقوم بتناول هذا الموضوع لاحقاً.



بالعودةِ إلى موضوع "معرفة الخبراء" نجد أن من السهولةِ بمكان تقبل ما يقتضيه القيام بمبادرات محددة من مجموعةٍ من المهاراتِ الخاصة والتي من الممكن فقط الحصول عليها من خلال التعاقد مع الخبراء الاستشاريين. إن هذا لا يعني أنّ موظفيهم قد يكونون عاجزين عن اكتساب مجموعة المهارات هذهِ، بلِ المقصودُ هُنا أنّ لدى الخبراء الاستشاريون خبرةً واسعةً في بعض المجالات المحددة نظراً لخوضهم السابق في مشاريع مشابهة. على سبيل المثال، عند تنفيذ إطار عمل لإدارة الخدمة، فإن طليعة الجهات الفاعلة لا تحتاج إلى معرفة إطار العمل فحسب- الأمر الذي قد يدركُهُ موظفوكَ أيضا- بل بحاجةٍ إلى امتلاك الخبرة في التنفيذ وأن يكونوا على بينة من التحديات التي يثيرها العمل ضمن الإطار ذاته.


من جهةٍ أخرى، تعمل معظم الشركات على ترقية القادة والمدراء من نفس رتبتهم، بدلاً من التوصل إلى فريق إداري يتألف في معظمه من خبراء عمل من مجالاتٍ سابقة تمرسوا بطرق الإدارة. يستلزم النهج الأمثل على المدى الطويل فهم ومعرفة عميقةٍ للأعمال التي يُديرونها. إن هذا النموذج غير مناسب لتحديد وتنفيذ المبادرات التي تتطلب نظرةً شموليةً في أنشطَةِ الشركة وتوجهاتها الاستراتيجية أو نظرةً بعيدة المدى في مستقبل الشركة. بإيجاز، عندما يكون بمقدور المدير المتمرس دوماً إطلاعِك على المواضيع الأكثر أهمية في جدول أعماله، خلال الفترة المقبلة، سيمر بوقت عصيب عند العمل على تحقيق التكامل بين هذهِ الأهداف مع الآخرين أو مواءمتها مع التغيرات المستمرة التي يفرضها السوق.


النقطة الثالثة تتناول تركيز الموظف بالمقارنة مع الاستشاري.

لدى كل موظف، بغض النظر عن رتبته الوظيفية، واجباته الخاصة والتي تم توظيفه من أجل إنجازها. قد يملك هذا الموظف بالفعل المعرفة والمقدرة على معالجة مواضيع إضافية وتوفير قيمة مضافة لمنصبه، لكن من الناحية العملية، قد يعني حدوثَ ذلك في كل مرة تشتتاً في التركيز على أداء المهام التنفيذية اليومية لصالح القيام بأعمالٍ أخرى. قد يكون هذا الأمر مفيداً على المدى القريب، من حيث زيادة التنوع في العمل والإحساس بقيمة موظفيهم، لكن على المدى الطويل قد يؤدي ذلك بسهولة إما إلى إغفال الأعمال التنفيذية الأساسية أو إلى إثقال الموظفين بالمهام الأمر الذي يؤدي بنهاية المطاف إلى استياءهم من الشركة التي يمثلونها.


لهذا السبب، على الرغم أنهُ قد يبدو أحياناً أنّ باستطاعة البعض في داخل الشركة إنجاز نفس الأعمال التي يقوم بها الاستشاريون، إلاّ أنّ التعاقد مع الاستشاريين أمراً ضرورياً للحفاظ على توازن عبئ الأعمال وضمان إنجاز الأعمال الأساسية بالشكل الصحيح بغض النظر عن عدد المبادرات القائمة في الوقت الراهن.


ليكن المثال هنا في غاية البساطة: دعونا نتصور أنّ إحدى الشركات تهدف إلى تجديد نظام أداء الإدارة بالكامل. بمقدورنا التأكيّد، بعيداً عن الخطأ، بأنّ هُناك عدداً من الموظفين الداخليين الذين يمتلكون المعرفة الكافية للقيام بذلك، ولكنّ السؤال: "هل لديهم الوقت الكافي؟" و "هل يمتلكون العزيمة والإصرار؟". لأنّه، ولكي نكون على بيّنة، إن مثلَ هذا النوعَ من المبادرات يستغرق بالفعل وقتاً كبيراً ويتطلب إشراك الكثير من الموارد. لذلك، في حين أنهُ بمقدوركَ القيامُ بهذا بنفسك، إلاَ أنهُ من المستحسن غالباً وضع هذا العبء الثقيل على عاتقِ استشاري مأجور خصيصاً للتعامل مع مثلِ هذا النوعَ من الأعمال. وبالتالي تتضمن تحقيق كلاً من الأعمال اليومية والمبادرات الآنيّة نتائجها المرجوة.


بخلاف ذلك، قد يحدثُ أحد َثلاثةَ أشياء: إمّا سيتم إكمال المبادرات في "أوقات الفراغ"، مع عدم وجود الحماس ودون وجود عناية كبيرة بالتفاصيل والجودة، الأمر الذي يجعل المبادرة بأكملها مضيعةً للوقتِ والمال. وإمَا سيتم إهمال الأعمال اليومية الأساسية الأمرُ الذي سيجعل نظام أداء الإدارة الجديد في موضع أكثر ضعفاً من ذي قبل، وإمّا ستؤول إلى الاثنينِ معاً: نهاية ضعيفة مع الانتهاء بنظام إدارةِ أداءٍ لا يرقى بمستواه على الإطلاق بنظامٍ نوعي بالإضافة إلى انخفاضٍ خطير في الإنتاجية.

المصدر
ترجمة: مجد الدين شمس
تدقيق: مالك اللحام