كيف تقود المنظـّمات المُتعلـِّمة

بدأ مجتمع الأعمال في الولايات المتحدة الأمريكية مُؤخَّراً يختبر التغيرات الدراماتيكيّة التي بدأت تتكشّف منذ العام 2000، ظهرت هذه التغيرات في هيكليَّة منظّمات العمل، وكذلك في شكل التغيير بحد ذاته، وفي بنية القوى العاملة المُوظَّفة.



قضايا إداريّة أساسيَّة

  • التغيرات في هيكليَّة منظمات العمل

تتحوّل المنظّمات على امتداد مجتمع الأعمال لتصبح أصغرَ حجماً وأبسط تركيباً مع خطوط قيادة أقلّ وضوحاً، وبدأنا بالاعتياد على تلقّي قرارات كبرى تُتَّخَذُ من قِبَلِ أشخاص ذوي مراتب وظيفيةٍ تحت قمّة الهرم “كمُدراء المستوى المتوسط” الذين باتوا يملكون الآن سلطة واضحة على الميزانيات والموارد البشريَّة الهامَّة. إننا نشهد تطويراً يناسب احتياجات الزبائن في كل الأساليب والطُرُق، بدءاً من عمليَّات البحث والتطوير حتى تصميم المُنتَجات؛ وأصبحنا أكثر راحة في إجراء الاندماجات كطريقة سهلة لحل المشاكل؛ مع تزايد نفوذ شبكات المعلومات، ومع ظهور النوع السياسي لثقافة الأعمال الذي يثمّن جهود المجموعة من خلال مجموعات العمل، وفِرَقِ العمل المرحلية، والمجموعات الاستشارية؛ كما لاحظنا اختفاءَ السلطات التنفيذية وإدارات المستويات العليا. في إدارة التدريب بشكل خاص بدأنا نرى تنوُّعاً كبيراً في المناصب الإداريّة ومسؤوليَّات العمل، وكذلك المزيد من الاندماجات الإداريّة والمُستشارين، كما زاد عدد الفِرَق وصانعي القرارات في الخطّ الأول.

أصبح من المألوف أن نشهد اعترافاً بأهميَّة الموارد البشريَّة للشركات، وتعلَّمنا من التجارب تجديدَ الاهتمام بالأشخاص في مواقع عملهم، ويبدو أننا سنركِّزُ قريباً في المقام الأول على ملءِ الثغرات في الهيكليَّات المُحَدَّدة لمنظمات العمل، وفي سلسلة الإشراف والقيادة، وفي مُتَطَّلبات العمل المُحَدَّدة بدقَّة؛ كما تظهر التأثيرات النفسية للهجمات الإرهابية في 11 أيلول (سبتمبر) 2001 بوضوح في شعور ووعي الأشخاص وفي همومهم البشريَّة في مواقع العمل، وبدأنا بإظهار التعليم “أهمُّ جهود البشريَّة على الإطلاق” كاستراتيجيّة أساسيَّة في العمل.

 

  • رؤية مُختَلِفة للتّغيير بحدِّ ذاته

سرّعت الثورةُ العلميَّة في السنوات الأخيرة من وتيرة التغيير، مدعومةً بالتقدُّم الحاصل في مجالات الاتِّصالات والكمبيوتر، و ساعدت المعلومات الأوفر والطُرُق الأكثر التي يمكن أن تُقدَّم من خلالها والمداخل الأسهل للوصول إليها في خَلقِ “الخُبَراء” في كل مجال وليس فقط في مجالات السلطات التنفيذية أو المصانع عالية الطاقة. يمكن للتغيير  ــ وهذا ما حصل فعلاً ــ أن يظهر في أماكن غير مُتوقَّعة؛ ولم يعد مُجرَّد عمليّة تطوّريّةٍ تظهر من الارتقاء البطيء في الأحداث أو ناتج عمل طاقم يقوم بالتوجيه بدءاً من القمة إلى القاعدة.

يبدو أن التغيير هو حدث متقطِّعٌ وعشوائي يتطلَّب وجود أشخاص يملكون اطّلاعاً أكبر واستجابات فورية أكثر مرونة. يمكن أن يلعب التدريب دوراً حاسماً في مساعدة الأشخاص لإنجاح إدارة العمل وتحقيق التغيير المنظلَّم.

 

  • التغييرات في بنية القوى العاملة الموظَّفة

أدَّت وستؤدِّي الأنظمة الاختصاصية، والمحاكاة، والآلات الذكية، والطاقة التي تقدمها الكمبيوترات إلى إزاحة الناس من الوظائف، وخاصَّة مع نهضة القرن الحادي والعشرين. يحتاج المسؤولون عن تسيير الآلات الإلكترونية “غير الميكانيكية” لأن يعرفوا أشياء من طبيعة أكثر تعقيداً، مثل كيف تترابط الأنظمة والآلات؟ وكيف تحل المشاكل مع مختلف الأنظمة المنطقية؟ وكيف يتمُّ تصميم مقاييس دقيقة وفعّالة للإحصاء وإثبات التطوير؟ يختلف العاملون في مجال التدريب حالياً بشكل جوهري عن الجيل السابق، وكذلك يختلف الوسط العُمَّاليُّ الذي يتعامل وجهاً لوجه مع أدوات العمل بشكل كبير أيضاً.

تبدو القوى العاملة حالياً مُختَلِفة عمَّا كانت عليه حتى بداية التسعينات من القرن العشرين، فأصبحنا نرى أعداداً أكبر من النساء المحترفات وصغيرات السنِّ واللواتي لديهنَّ عائلات في ميدان العمل، وأصبحت أعداد النساء أكبرَ وفي كل المستويات الوظيفية؛ وهناك عمَّالٌ أحداث بعدد أكبر وكذلك المزيد من العُمُّال الأجانب في كل المستويات بدءاً من المستويات الدنيا وحتى مجالس الإدارات؛ وأيضاً أصبحنا نشاهد أعداداً أكبر من العُمُّال والمُستشارين الذين يعملون بدوام جزئي؛ وعمَّالاً كباراً في السن بأعداد أكبر؛ وكذلك نشهد تزايد العُمُّال على جداول الأجور ممَّن يقومون بالعمل من منازلهم ويتواصلون إلكترونياً مع الشركات.

تتطلَّبُ الصورة العامَّة البشريَّة المتغيرة بالنسبة للقوى العاملة تدريباً جيِّداً أصبح يُعَدُّ ويُقدَّم بطُرُق تُلهِب الخيالَ، وتُطلِقُ العنانَ للطاقات الكامنة لدى الموظَّفين الجدد؛ وحمل العمل مع أشخاص متعاقدين من خارج الملاك مسؤوليَّات جديدة لتطوير الموارد البشريَّة.

 

  • أسئلة لإدارة التدريب

أطلقت هذه التغيُّراتُ أسئلةً هامَّة للمُدرِّبين: “كيف نستطيع إدارة قاعدة المعرفة والمهارات في الشركة بحيث يتطوّر الموظفون بشكل مواكب لهذا التغيير؟” و“أية منهجيّات لإدارة التدريب تكون كفيلةً بالحفاظ على الموارد البشريَّة للشركة منسجمةً ومستعدة لدفع عجلة العمل قُدُماً؟”.

يوجد في هذا الكتاب اقتراحات لإجابات على معظم هذه الأسئلة تسهم بتقديم خطوط عريضة تُلقي الضوء على الحاجة للمرونة كما الحاجة للبناء. تعتمد هذه الخطوط العريضة على منهجيّات تُعرِّف التدريب كنظام للإدخال والإخراج والمُراجَعة، تستند على علاقات عمل تمَّت رعايتها، وأهداف مُبرمَجة مرتبطة بأهداف العمل. تجاوزت إدارة التدريب مسؤوليَّاتِها السابقة وأصبحت أكثر من مُجرَّد كونها أداة لتنسيق إعطاء الدورات ومراقبة خطوط القاعدة في الإدارات.

 

  • افتراضات إداريّة

يُسلِّط هذا الفصل الضوء على بعض المواضيع الأساسيَّة التي تَتكرَّرُ عبر صفحات الكتاب، وهي تنبثق من افتراضات مُؤَكَّدة حول الإدارة ومُدراء التدريب. هذه الافتراضات هي:

  1. تُؤمن الإدارةُ أنَّ مواردها البشريَّة هي مصدرُ قوة الشركة.
  2. تخصص الإدارة بشكل عام ميزانيَّة للتدريب تعادل على الأقل 2% من ميزانيَّة الأجور.
  3. تدعم الإدارة التدريب بطُرُق أخرى يجب أن تكون واضحة مثل تقديم المرافق المُخصّصة للتدريب، كادر التدريب (محترفين وإداريين)، وسائل التدريب وإمكانيات الإنتاج، دعم المُؤتمَرات التشاورية والخدمات عبر الإنترنت.
  4. تُولي الإدارةُ اهتماماً خاصّاً بضمان جودةِ “الطُرُق والإجراءات”.
  5. تُطبِّق الإدارة الإجراءات التي تنبع من سياستها.
  6. يقدِّر مُدراء التدريب المساهمة المُمكنة من كل متدرِّب على حدٍّ سواء.
  7. يتصرف مُدراء التدريب كمؤمنين بالمرونة خاصَّة فيما يتعلَّق بتحليل الاحتياجات وإعطاء الدورات.
  8. يرى مُدراء التدريبِ التدريبَ كأداة عمل استراتيجيّة.
  9. يملك مُدراء التدريب نظرةً شاملةً حول فوائد تطوير الموارد البشريَّة، ويرون التدريبَ كأحد أدوات التمكين الحاسمة.
  10. يرى مُدراء التدريب في أنفسهم أداةً مُستمرّة لتيسير التعليم.

في هذا الكتاب نفترض أيضاً أنَّ مُدراء التدريب لديهم خلفيات ومسؤوليَّات مُتنوِّعة بشكل كبير، كما نفترض أنَّ إدارةَ التدريب تتم من خلال مستوياتٍ مُتعدِّدة. بعض مُدراء التدريب يعلمون تماماً ماذا يفعلون وكيف يفعلون ذلك، ويكفي تذكيرُهم بأبعاد مسائل التدريب الأساسيَّة لوضعهم في العمل مباشرةً؛ بينما يحتاج مُدراء آخرون دليلاً أو قائمة بما يتوجَّب عليهم القيام به لاستعمالها كأداة تخطيط حول كيفيَّة سير الأمور؛ ويفضِّل آخرون الذهابَ مباشرة إلى أساليب تدفع البرنامج إلى الأمام بشكل مباشر؛ ويبقى آخرون ممَّن يريدون السير وفقَ كلِّ فصل ومرحلة، صفحة فصفحة، من المسائل الرئيسية مروراً بالمعلومات الإضافيَّة للوصول إلى الصورة الكاملة قبل وَضعِ عناوين وتفاصيل التطبيق.

يُفضِّلُ العديد من المُدراء فهم المسائل كبداية ثم ينهمكون في التفكير، وخَيارات الانتقاء؛ فيقومون بتنظيم استجابة مُحَدَّدة للمشكلة ثم يستعرضون المعلومات المناسبة الأخرى التي قد تظهر في المشكلة. المقصود بهذا الكتاب أن يكون دليلاً عملياً خلال هذه المراحل المُتنوِّعة للتفكير والعمل.

من أجل قراءة بقية البحث تستطيع تحميل الملف المرفق