كيف تبني علامتك التجارية بكونك مدرباً؟ التدريب المجاني أو الجمعوي

أحياناً يلجاً بعض المدربين إلى التدريب الجمعوي أو التدريب بأجور زهيدة تكاد تكون مجانية، فما فوائد ومساوئ هذا النوع من التدريب؟ ونقصد بالتدريب الجمعوي التدريب الذي يتم تقديمه في جمعيات المجتمع المدني، وعادة ما يكون مجاناً أو بأجور زهيدة وخاصة في دول المغرب العربي.



حقيقة إن دور الجمعيات مهم في خدمة المجتمع خاصة إن كانت هذه الجمعيات تقدّم التدريب وتساهم في تنمية الموارد البشرية. وفي الحقيقة أنّ الصادقين من القائمين عليها هم أشخاص مميزون جداً فلقد وهبوا قسماً كبيراً من حياتهم لدفع المجتمع إلى الأمام، ويبقى المجتمع عاجزاً عن رد جميلهم. والسؤال لماذا يقدّم بعض المدربين دورات مجانية أو شبة مجانية لدى جمعيات أو جهات أخرى مشابهة؟

 الجواب: يقدّمها بعض المدربين من باب العمل الجمعوي أو التطوعي أو سمّه ما شئت، وقد يقدّمها الكثير من المدربين وخاصة الجدد أو المغمورين منهم بسبب الرغبة في الانتشار أو "لأنه لا يتوافر لهم مكان للتدريب إلا هنا"!!! وفي الحقيقة أن تقديم الدورات المجانية أو بأجور شبه مجانية يجلب إليك الكثير من المتدربين، والكثير من الدورات وهذا يؤدي إلى انتشار أكبر. ولكن هل هناك مساوئ في هكذا نوع من التدريب؟

 ولنطرح سؤالاً للتفكير، ما رد فعل المتدرب تجاه الدورات المجانية؟ وتجاه الدورات ذات الأسعار المقبولة؟ ولتطرح هذا السؤال على نفسك عزيزي أولاً. وهو رد فعل المشتري نفسه عندما تُعرض عليه سيارة بسعر يُعادل تُسع سعر شرائها، فعلى الأغلب سيشك في أمرها!!! ويُقدِّر المرء عادة البضاعة المعروضة عليه بحسب سعرها، فهي إذا كانت مجانية فعلى الأغلب سيراها مجانية، وإذا عرضتها عليه بمئة دولار، فسينظر إليها على أنها على الأغلب تساوي هذه القيمة، ومن ثم يبحث ليجد فيها أين تكمن هذه القيمة وليتأكد من هذا قبل شرائها.

 

سمعة المدرب المجاني: نقطة مهمة أخرى، فعندما يتم طرح منتج ما في السوق بسعر معين عادة ما يصعب رفع هذا السعر ومن هنا قد يتم الطلب عليك بكثرة، وقد يأتيك متدربون كثر ولكن سيعلق بذهن الجميع أنك مدرب مجاني أو مدرب ذو أجور زهيدة! وللأسف من الصعب تغيير هذه الصورة خاصة بعد أن تشتهر بين المتدربين...

 

منافسة المدربين الآخرين: يلجأ بعض المدربين إلى تخفيض أجورهم التدريبية، وتخفيض سعر الدورة التدريبية من باب المنافسة والحصول على متدربين أكثر. فالتسعير بند مهم للغاية في كل المنتجات ولا بد من دراسته بعناية. ولقد شهدت الكثير من الأمثلة على هذا الشيء في معظم الدول العربية. وفي الحقيقة أنه من الأمور الجيدة أن تصبح أسعار الدورات رخيصة جداً بشرط أن تحافظ على جودتها.

 

أعطيك مثالاً عايشته بنفسي، في عام 2005 وما بعده قدّم بعض المدربين دورة دبلوم البرمجة اللغوية العصبية، وهي من خمسة أيام، في مدينة دمشق بعشرة دولارات للشخص الواحد!!! وعلى الرغم من تواجد نخبة من مدربي البرمجة اللغوية في دمشق إلا أنهم تأثروا جداً وخاصة أنهم لا يستطيعون تقديمها بالسعر نفسِهِ، فكيف يكون سعرها عشرة دولارات على الرغم من أن كتيب الدورة يكلف خمسة دولارات؟

 فكيف يربح هذا المدرب؟ حقيقة وجدناه يستقبل مئة متدرب أو أكثر في صالة شعبية، ولا يقدّم أية استراحات أو أوراق أو شهادات أو حتى تمارين!!! وكيف يستطيع أن يقوم هذا العدد من المتعلمين بالتمارين؟ ولنتذكّر أن التمارين تُعد من صلب التدريب!!!

 إن هذا المدرب للأسف يستغل عدم معرفة الجمهور لهذه الدورة أو علمه بها. وفي الحقيقة أن هكذا نوع من التدريب يؤثر في السوق سلباً، واعتقد أن هذا المرض الخطير منتشر في كثير من الدول العربية. وللأسف فهذا من أهم أسباب تراجع اسم "التنمية البشرية"، لأن الكثير ممن يحضر يستطيع أن يقارن وأن يطلق أحكاماً، وقد يعتقد أن ما وجده عند هذا المدرب هو "التنمية البشرية".

 

جودة التدريب المُقدّم: هل جودة ما يقدّمه المدرب في هكذا دورات هي ذات الجودة إذا ما قدّمها بأجور مجزية؟ إذا كانت الجودة نفسها فهذا أمر طيب. ولكن يبقى السؤال الذي يطرح نفسه وهو من سيدفع تكاليف التدريب من كتيبات واستراحات وأدوات وألعاب تدريبية، والتطوير المستمر؟ ومن اعتاد تقديم هكذا دورات فغالباً يعتاد جودة قليلة في تقديم التدريب، وتصبح قلة الجودة شعار دوراتهم.

 مرض الكذب الخفي: من تكون أكثر دوراته شبه مجانية أو بأجور زهيد فمن أين ينفق ليعيش؟ يعيش من كم الدورات التي يعقدها... وإذا طرحنا عليه السؤال: لماذا تقدّم هذه الأسعار؟ فقد يأتيك الجواب: ولماذا لا ننشر التنمية البشرية؟ ولماذا لا نساعد الناس ونقلل من الأسعار؟ ولكن قد يكون الجواب الحقيقي (والذي نادراً ما يصرح به): أنه وجد أن هذه الطريقة هي الأسهل للانتشار وللتحصيل المالي!! أليس هذا كذباً؟ كيف سَيُوَفّق هكذا مدرب؟

 

 

وما سبق ليس تعميماً، فقد يوجد مدربون مستثنون مما سبق. فكيف نستطيع التغلب على ما تم ذكره أعلاه؟

 

 

بالنسبة إلى الجمعيات: لابد من أن تبحث الجمعية التي تحرص على تحقيق رسالتها في خدمة المجتمع عن التدريب الأفضل الذي يجب تقديمه إليه. فعليها أن تبحث بداية عن الدورات التي تسد حاجة جمهورها ومن ثم تبحث عن المدربين الأكثر جودة، ومن ثم تبداً بالتفاوض في الأسعار، وعلى الأغلب ستحصل على أسعار مناسبة خاصة أنها "جمعيات". وفي هذا البحث لابد من أن تجمع معلومات لا بأس بها قبل اتخاذ أي قرار بشأن التدريب والمدربين. وعليها أن تحقق رسالتها من خلال الصدق وليس رخص أسعار المدربين!!!

 بالنسبة إلى المتدرب: من المؤسف ما وصلت إليه سمعة التدريب والتنمية البشرية وخاصة في دول شمال أفريقيا. ولكن حقيقة الأمر أن التنمية البشرية رائعة جداً، وأدعوك أخي المتدرب أن تقرأ أكثر عنها. وعندما تريد حضور دورة لا يغرّنّك السعر المعلن عنها. بل ابحث عن عدة أمور أهمها: أهداف الدورة، ومدة الدورة، وتاريخ الدورة وماذا قاله المتدربون السابقون عنها، والأهم من هذا كله أن تبحث عن اسم الشركة التدريبة أو الجمعية التي تقدّمها وتاريخها التدريبي، ومن ثم من المدرب؟ وما خبرته؟ وتاريخه التدريبي؟ ومكان الدورة؟ والاستراحات المقدّمة؟ واسأل عن كل شيء حتى تكون قادراً على اتخاذ القرار. وابحث عما يليق بك.

 بالنسبة إلى المدربين: اسم المدرب هو رأس ماله، فاحرص على اسمك. وبالنسبة إلى المدرب الجديد فلا تستعجل، قم بالبناء لبنة لبنة. فهناك وسائل أخرى للانتشار من خلال الجمعيات والمنظمات المشابهة كأن تقدّم أمسيات أو ورشات عمل تمتد من ساعتين إلى ثلاث... مجاناً.

 

أو أن تتبرع بأجورك لصالح الجمعية أو الجهة، على أن يتم إعلان هذا على الملأ، وبشرط أن تُقدّم الدورة بأعلى جودة ممكنة. وأشجعك على القيام بهذا الأمر مرة على الأقل في السنة الواحدة على صورة تبرّع ولكن ليس منهجاً تعمل عليه.

 وبالنسبة إلى من يُنافس بشدة وخاصة من خلال كسر الأسعار، فاعلم أنه قد تنجح فقط إن كنت صادقاً في تقديم التدريب وتحافظ على جودته العالية. وتذكّر فقد يخرج الكثير من عندك مسروراً بما قدّمته إليه (فقط لأنه لا يعرف ما هو التدريب الجيد!!!) وعندما يحضر تدريباً عند أي مدرب محترف أخر محافظ على الجودة فإنك ستسقط من عينه!!! وتخسر اسمك... وهو أغلى ما عندك.

 إن التدريب والتنمية البشرية ركيزتان مهمتان في بناء مجتمعاتنا ونهضة أمتنا. لا يقبل التدريب ولا بأي شكل من الأشكال إلا الجودة العالية والعالية جداً... وأن نصل بالتدريب إلى أسعار رخيصة فهذا أمر أكثر من رائع بشرط أن نحافظ على جودته العالية...

 

إن المتعلمين أمانه بين يديك... فكن أهلاً لحمل هذه الأمانة الغالية.