كتاب التعلم السريع - كتيب استخدام

يجمع هذا الكتاب في طيَّاته بين الفكر الحديث والمجدّد في التعلُّم وذلك لأنه يقدِّم حلولاً عصريّة للمشاكل القديمة، مستنداً إلى نموذج التعلُّم السريع الذي يستند بدوره على فهمٍ مبنيّ على أسسٍ نظرية. قد يُسيء القارئ فهم مصطلح التعلُّم السريع، فهذه الطريقة لا تقتصر على مجموعة معيّنة من المتعلّمين ولا على عمرٍ محدّد أو فئة من ذوي القدرات المعلومة. ولا تُطبَّق هذه الطريقة بالقيام بالأشياء نفسها بسرعة أكبر، ولا بالعمل السريع أو بتسريع التطور، فهي طريقة شاملة في التعلُّم مدروسة بعناية، وتعتمد على أبحاث نتجت عن مناهج متباينة تم اختبارها على مجموعات متفاوتة الأعمار والقدرات وفي مختلف الظروف، ولهذا يمكن اعتمادها وتطبيقها لحل مشاكل مختلفة. ينشأ التعلُّم السريع من حلقة التعلُّم والتي نضع بين أيديكم نسخة محدَّثة ومبسَّطة منها.



بانزاي في مواجهة كاميكازي

أكوالاند هي مدينة الملاهي التي تقع في منطقة الألغارف البرتغالية، وهي مشهورة لأنها تجذب السياح الذين يؤمون تلك المنطقة، حيث يزورها ما يقارب ألفا سائح يومياً في أوج موسم السياحة الصيفي. أكوالاند "كما يوحي اسمها" منتزهٌ مائي فيه رحلات ركوب من مختلف درجات التحدّي تتراوح بين السقوط البطيء والمتوسّط السرعة إلى ما هو أقرب إلى الانتحار المشحون بارتفاع التستوسترون في رحلة الكاميكازي. يمرح المشاركون في جميع الرحلات على الرغم من طول طوابير الزوار، يراقبون أولئك الزوّار وهم يحدّدون خياراتهم منتظرين الحصول على دورهم في إحدى النزهات المتنوعة الساحرة في نهاية المطاف. ربما تكون كاميكازي الرحلة الأكثر شعبية تليها بانزاي. تتضمن كاميكازي سقوطاً بمقدار خمسة وسبعين قدماً باتّجاه المسبح، ويكون السقوط عمودياً تقريباً وعليك أن تجلس على زلاجة من الألمنيوم للقيام به. أما السقوط في بانزاي فهو أطول وأعلى ولكن بدون زلاجة، تستلقي فيه على ظهرك وتأمل ألا يصيبك مكروه. إنّ معدل الامتناع عن رحلة كاميكازي كبير في حين لا يوجد عملياً من يمتنع عن بانزاي، كلاهما مزدحم بطوابير المنتظرين، وعادة يشكّل المراهقون الغالبية العظمى من الركّاب؛ كلاهما عالٍ ولكن من اللافت للنظر أنّ أحدهما يزرع الخوف أكثر من الثاني.     

عند ركوبك كاميكازي تسقط في مسبحٍ طويل مُحاط من ثلاث جهات بالأشخاص الذين ينتظرون بفارغ الصبر الحصول على دورهم بالزلاجة، ينظرون إليك وأنت تصعد سلماً حلزونياً بعد أن تكون قد تسلّمت زلاجتك، وبما أنّ عدد هذه الزلاجات محدود فعدد الأشخاص على السُلَّم محدودٌ أيضاً. عند وصولك إلى القمة تشعر بالريح تلفح وجهك وأنت تطلّ على المنتزه بكامله. أنت هناك بمفردك والجميع ينظر إليك، تحتاج وقتاً لا بأس به كي تجهّز نفسك في وضعية مناسبة للسقوط، فتضع زلاجتك على لوحة مُسطَّحة ومن ثم تستلقي عليها. توجد مقابض في الأمام لتمسك بهم وبعدها تنتظر وزلاجتك ميلان اللوحة، يوجد لوح قابل للسحب يساعدك على الثبات في مكانك حتى تصبح جاهزاً، عندها تشير للعامل فيُحرّك المفتاح ليسقط هذا اللوح، عندها تهوي بثقلك هبوطاً سريعاً تنتفخ فيه أوردتك، تلك هي نقطة الانحدار التي تمنع الكثيرين من السقوط، قد لا يكون ذاك أمراً مفاجئاً؟ إلا أنه عليك القيام به رغم كل ذلك، بعد أن أمضيت وقتاً طويلاً وبطيئاً، وحيداً في الوصول إلى هذه النقطة، عليك أن تجلس في مواجهة خمسة وسبعين قدماً لمنحدرٍ فولاذي عندما ينحدر جسدك تدريجياً. إن قيامك بالسقوط وحدك يزيد من صعوبة الرحلة وخاصة أن رفاقك لم يعودوا قادرين على مساعدتك، ولا يوجد أيّ شخص آخر يقوم بذلك بجانبك فتأنس به، سترى السقوط بكل تفاصيله وقد أصبح استعدادك لتقول "أنا جاهز" بحد ذاته امتحاناً لك.

الآن جاء دور بانزاي فهو سقوط أعلى من كاميكازي بالإضافة إلى أنّ المسبح الذي يتم فيه السقوط أصغر وأضيق حيث يشاهدك عدد أقل من الأشخاص بالإضافة إلى رفاقك، تنحدر في السقوط لمسافة أطول ومن علوٍ أكبر في نفس المسار وعلى مراحل متشابهة. السلَّم عريضٌ ومزدحم بطابور الركاب، حيث تصطف مجموعاتٌ من المراهقين يمازحون بعضهم في أثناء صعودهم في محاولة للتواصل الاجتماعي على طول الطريق. ما زالت الريح تهب، الموقع أمامك من الأعلى إلى الأسفل على مدّ النظر، لكن ستكون هذه التجربة أجمل وأبهج إن كنت مُشاركاً فيها. عندما تصل إلى القمة ترى كاميكازي في الأسفل، وأشخاصاً آخرين إلى جانبك منتظرين أدوارهم، بعدها وفي اللحظة المناسبة تستلقي في قناتك البلاستيكية المفتوحة وتنتظر، أخيراً وبإشارةٍ من العامل تدفع نفسك هبوطاً في أول قدمٍ دون حاجتك لزلاجة أو ألواح قابلة للسحب. تُدرِك بعد عدة ثوانٍ أنّك تنحدرُ بسرعة فائقة لا تسمح لك بأن تسوي من جلستك أو تشاهد مَن حولك، لن تُمكِّنك فعلياً من القيام بأي شيءٍ ما عدا التأرجُح بجنونٍ. تغوص في المسبح بعد خمسين ثانية مرتدياً ما بقي من لباس سباحتك، مقهقهاً بشكلٍ جنوني بالعاً الكثير من مياه الكلور أثناء العراك للخروج من صدمتك.    

يحتوي كتاب التعلُّم السريع الكثير من المراجع في: السلالم الحلزونية، حلقات التعلُّم، البيئات الصعبة، القلق والأداء، الالتزام الشخصي، بالإضافة إلى تجارب لا تُنسى! نحن نرى عموماً أن تعلُّم بانازاي أفضل أداءً من كاميكازي من كافة الجوانب، وهذا لا يعني أن كاميكازي ليست مكاناً للتحدي الشخصي، لكنّ التركيز المـُفرط على اجتياز الاختبار يمكن أن يؤدي إلى العزلة، وهذا ما يفعله الصعود وحيداً بدون دعمٍ تجاه هذا الاختبار. يلعب التحدي دوراً هاماً في أسلوبنا في التعلُّم، في النهاية يحدثُ التعلُّم الجيّد في بيئاتٍ تتميّز بمستوى عالٍ من التحدي ومتدنٍ من القلق، التعلُّم الجيد محفوف بالمخاطر أيضاً، ولكن ليس من الضروري أن يتعرّض الرابح لجميع المخاطر التي قد يُحدثها العرض على الملأ.

لا يكون التعلُّم الجيد بسلوك الطريق الأكثر سرعةً ونفعاً لأن التجارب المخيفة يمكن أن تُحفَر في الذاكرة ولكن غالباً بوجود خلل ما. يمتنع الكثيرون عن تحدي كاميكازي، جزء من ذلك يكون بسبب العزلة الاجتماعية (أي أن تكونَ في وضعٍ غير طبيعي ومن حولك مراقبون شكّاكون يرصدون كل حركة تصدر منك). نحن نؤمن أن التعلُّم هو بناء اجتماعي إلى حدّ ما: يتعلَّم الأشخاص من الآخرين، من خلالهم ومن حولهم. ولا شكّ أنّ توفير الدعم الدائم جزء لا يتجزّأ من أسلوبنا في التعلُّم.

يرى الكثيرون في طريقة التعلُّم السريع فائدة عظيمة، فقد لعبَ دوراً أساسياً في تحفيز التفكير في طبيعة التعلُّم والتعليم، وما يجب ولا يجب أن يعزّز طرق التعلُّم في غرفة الصف. وهذه الطريقة ليست إلا أسلوباً في التعلّم، يختلف المستخدمون في تقييمه شأنه شأن غيره من الأساليب، لقد كشفنا عن عمد طريقة تفكيرنا التي تقف وراء هذا الأسلوب بحيث يمكنك أن تختبر النظرية وتُطوِّر نتائجك الخاصة. ليس التعلُّم السريع إلا أداةً فعَّالة يمكنك استخدامها في أية رحلة تحدٍ، وهو ليس بزلاجة على منحدرٍ سريعٍ وقاسٍ تركبها في السعي إلى النجاح بل دفعة لطيفة وديّة ومطمئنة تساعدك في طريقك إليه. 

 

دار النشر: إيلاف ترين