عوامل نجاح التفكير

التعليم فهو عملية تربويَّة مخطط لها تتم عبر التفاعل بين المُعلِّم وتلاميذه في عدة أنشطة وباستخدام وسائل معينة، وتهدف إلى إحداث تغييرات مرغوب فيها في سلوك الأطفال وفي طرائق تفكيرهم



محمود طافش

يتطلَّب نجاح عملية تعليم الأطفال معرفة العديد من المفاهيم والحقائق والخصائص وأبرزها:

  • معرفة عمره العقلي ومدى قدرته على التجاوب مع المُعلِّم، وكيفيَّة استيعابه للمعلومات وتقبله للخبرات ومدى سرعته في الاستزادة منها وتطويرها. وهذه المعرفة تتطلَّب الإعداد الدقيق للمُعلِّم والتأهيل المستمر له في أثناء الخدمة ليتمكَّن من مواكبة كل جديد يطرأ على هذا الموضوع. ليتمكَّن من النجاح في التعامل مع الأطفال واختيار الطريقة الملائمة لقدراتهم، وإعداد البيئة التي تناسب خصائص المرحلة التي يمرّون بها، وليكون قادراً على التمييز بين أساليب التعلُّم وأساليب التعليم وعلى الفرق بين التعليم والتدريس، وعلى الفرق بين وظيفة الروضة ووظيفة المدرسة.
  • ومعرفة الأنشطة الصفيَّة واللاصفيَّة التي تناسب كل مرحلة عمريَّة للأطفال.


وفي مرحلة الروضة ينبغي للمُعلِّمة أن تنجح في جعل الطفل يقبل الانتقال من أحضان والدته إلى البيئة الجديدة، ليكون قادراً على اكتساب خبرات اجتماعيَّة ومعلومات أوليَّة تتماشى مع عمره العقلي، وتنظيم هذه الخبرات وهذه المعلومات بصورة تيسّر على الأطفال أمر تمثلها واستيعابها، وأن تهب للطفلَ حباً وحناناً يستعيض به عن جزء من حنان وحب والدته له. وسنتناول هذه القضايا بشيء يسير من التفصيل.

 

أسلوب التعليم Teaching Method))

الأسلوب هو الطريقة التي يتم من خلالها إعداد بيئة التعلُّم وتنظيم الخبرات وتوظيف الوسائل واختيار الأنشطة الصفيَّة واللاصفيَّة وأساليب التقويم التي تساعد على تحقيق الأهداف السلوكيَّة الواردة في الخطة الدراسيَّة.


ويتوقف على حسن اختيار أسلوب التعليم مدى النجاح في تحقيق الأهداف وقد نقل عن "أينشتاين" أنه قال: "إذا أردت أن تفهم الطريقة العلميَّة فلا تسأل العلماء أن يشرحوها لك، ولكن الأفضل أن تراقبهم لترى وتفهم كيف تمارس الطريقة العلميَّة".


وأما التعليم فهو عملية تربويَّة مخطط لها تتم عبر التفاعل بين المُعلِّم وتلاميذه في عدة أنشطة وباستخدام وسائل معينة، وتهدف إلى إحداث تغييرات مرغوب فيها في سلوك الأطفال وفي طرائق تفكيرهم.


ويستطيع المُعلِّم من خلال استيعابه لمفهوم التعليم أن:

  • يحدد الاستراتيجيَّة التي سيستخدمها في التعليم.
  • يحدد الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها.
  • يحدد دور كل من المُعلِّم والمُتعلِّم في العملية التعليميَّة التعلميَّة.
  • يحدد سلوكه في الموقف الصفي.
  • يحدد نظرته إلى المُتعلِّم.

(قطامي 1990)

 

ويميز بعض الباحثين بين التعليم (Teaching) والتدريس Instruction)). ويرون أنّ التعليم "نشاط يهدف إلى تحقيق التعلُّم، ويمارس بالطريقة التي يتم فيها احترام النمو العقلي للطالب ومقدرته على الحكم المستقل". (Schefter 1965 page 3).


وأما التدريس "فيتضمَّن معرفة الأسباب ووزن الأدلة، وتفسير الأحداث وتسويغ الأعمال واستخلاص النتائج المبنية على الأدلة". (Kohlberg 1966 page 15).

 

وفي عملية التعليم يكون دور المُعلِّم أهمّ من دور المُتعلِّم في حين يكون اعتماد المُتعلِّم على نفسه أكبر في عملية التدريس مستفيداً مما حصل عليه من تعليم.

وبناءً عليه فإنّ "عملية التعليم تعدّ جزءاً من عملية التدريس، ففي عملية التعليم تقدم المعلومات والحقائق التي تُعَدُّ ضروريَّة، ويكون فيها المُعلِّم نشطاً وحيوياً، والمُعلِّم مستقبلاً لما يعرض أو يجرب أو يشرح أمامه. وبدون هذه العملية لا يكتسب المُتعلِّم خبرات أو معلومات جديدة، لذلك يجب أن تسبق عملية التعليم عملية التدريس". (قطامي 1990 ص21).

 

كيف يختار المُعلِّم طريقة التعليم؟

اقترح الخبراء التربويون عدة أساليب لتنمية قدرات الأطفال على التفكير منها ما هو تقليدي تسلطي ومنها ما هو إبداعي. ولعل من أشهر هذه الأساليب أسلوب التدريب (Drill Method) الشائع توظيفه في كثير من الأقطار العربية وهو أسلوب محدود الأثر ضعيف الفاعليَّة حيث يقوم المُعلِّم بتلقين الطفل المعلومات بطريقة الترداد المُتكرِّر حتى يتمكَّن منها وهو منقاد لسلطة المُعلِّم والذي هو بالنسبة إليه مصدر العلوم والحقائق، وهذا الأسلوب لا يساعد على تعليم التفكير الحر فيظل الطفل سلبياً متشدداً تجاه ما يتلقاه عن مُعلِّمه وغير قادر على المبادرة إلى التعبير عن رأيه.


ويتسم هذا الأسلوب الشائع استخدامه في كثير من أنحاء العالم العربي بمجموعة من السمات التي تنفّر المُعلِّمين المتجددين منه ومن هذه السلبيات، أنّه أسلوب تسلطي، وجميع أوراقه بيد المُعلِّم وحده، وهو يحتال لتلقين تلميذه المعلومات بأدوات ووسائل قد تكون غير تربويَّة كالضرب والتقريع والحبس بعد انتهاء الدوام وغير ذلك من أساليب التعزيز السلبيَّة.
 (Negative Reinforcement) ويرمي المُعلِّم بهذا الأسلوب إلى أن يصل جميع الأطفال إلى مستوى مُحدَّد من الاستجابات الإبداعيِّة، وليس على الطفل إلا الطاعة والإذعان لما يقوله له مُعلِّمه.

 

غير أنّ هناك مجموعة من الأساليب الفاعلة والمؤثرة التي أنجبت المبدعين لما تتسم به من احترام لكيان المُتعلِّم والإيمان بأنّه يستطيع المساهمة في العملية التعليميَّة التعلميَّة حسب قدراته وإمكاناته.


لذلك فإن المُعلِّم المبدع ينظم محتوى المادة الدراسيَّة ويصوغها بأهداف سلوكيَّة قابلة للملاحظة والقياس، تشمل جميع المجالات المعرفيَّة والمهارية والوجدانية والاجتماعيَّة، ويرفده بأنشطة يقوم بها الطفل فتثير قدراته، وتفجّر طاقاته، وتعمل على تنمية مفاهيمه وتعديل اتجاهاته لأنه يختارها بمحض إرادته بالتنسيق مع مُعلِّمه فيفكر في إنجازها تفكيراً نامياً متجدداً. وسيأتي تفصيل القول في أساليب تنمية التفكير.


ومن المُعلِّمين المستنيرين من يمارس الأسلوب المعرفي في عمله الهادف إلى تربية التفكير لدى تلاميذه، وهذا النمط يتميّز من الأسلوب التسلطي بأنّه:

  • يهدف إلى إثارة قدرة المُتعلِّم واستعداداته.
  • فاعل متمركز حول المُتعلِّم الفريد.
  • يتضمَّن أهدافاً ملائمة في عملياتها ومحتويتها لاهتمامات الطفل ومشاعره وقيمه.
  • يعطي المُتعلِّم دوراً هاماً في تحديد أنواع الخبرة التي ينبغي توافرها في المدرسة.
  • يهتم بالاختلافات الموجودة في قدرات الأطفال واتجاهاتهم واهتماماتهم وأساليب تعلمهم، ومُكوَّناتهم الجسميَّة والسيكولوجية وخبراتهم السابقة وطموحاتهم في المستقبل ويراعيها في إثارة اهتماماتهم وإدماجهم في الخبرات.
  • يشجّع الطفل فيه على البحث عن العلاقات بين الأفكار.
  • يتبنى الدافعيَّة الداخلية Intrinsic Motivation)) والتي يهدف المُتعلِّم منها إلى الوصول إلى حل مشكلة أو اكتشاف شيء جديد أو بلورة فكرة أصيلة.
  • ينتقل فيه المُتعلِّم من التركيز على ترديد النتائج التي تمّ التوصُّل إليها إلى التركيز على محور البحث الأصيل في الظواهر عن طريق إثارة الأسئلة وسعي المُتعلِّم إلى البحث عن إجابات لها. (يوسف قطامي 1990 ص28).

 

والمُعلِّم المبدع يبني تفاعله مع تلاميذه الصغار على أساس أنّ إدراك الطفل للأشياء يتدرج من المحسوس إلى المجرد، ولذلك فإنّه يوظف الوسائل المعينة التي تنمي قدرتهم على التصور وتثير قابليتهم لاستيعاب المفاهيم.
ويتدرج في تعليمه لهم من الواقع المحسوس إلى التعليم بالصور والمُجسَّمات والأشرطة المرئيَّة ثم ينتقل بهم إلى مرحلة التعليم بالتأمل المجرد بعد أن تتكون لديهم القدرة على تمثل أساليب تنمية التفكير.

 عوامل نجاح التفكير -محمود طافش