علم النفس المعرفي وقضايا التعلم والاكتساب

علم النّفس المعرفي بوصفه مسعى جديداً يهتم بدراسة النشاطات العقليَّة الداخليَّة للفرد بالأساس، وذلك في تقابل مع النشاطات الخارجيَّة الخاضعة للملاحظة المباشرة، وهي النشاطات التي شكلت كلاسيكياً معنى السلوك

 



 لا شكّ في أنّ علم النفس المعرفي أصبح يحتلُّ مكانةً مُتميِّزةً في السيكولوجيا نظراً إلى نوع وطبيعة الاهتمامات والانشغالات التي يبحثها لها. فقد ظهر هذا المنظور في ظلّ الثورة المعرفيَّة التي شهدها القرن العشرون، وأصبح يتحدَّد أساساً من خلال تجاوزه لطروحات السلوكيَّة التي هيمنت عقوداً من الزّمن على السيكولوجيا. فعلمُ النّفس المعرفي إذاً، قام على أنقاض المدرسة السلوكيَّة، وحاول الانفتاح على موضوعات جديدة تتمثل أساساً في الأنشطة العقليَّة الداخليَّة وذلك في أفق تطوير السيكولوجيا. 

 

1) علم النفس المعرفي

 

  1. في التعريف والنشأة

يُعَدُّ علم النفس المعرفي ذلك المجال العلمي في السيكولوجيا الذي ينطلق من فرضية أنّ التفكير هو سيرورة في معالجة المعلومات. ويعود أصل تسمية هذا المجال من السيكولوجيا إلى مفهوم المعرفة (cognition) الذي يحيل على آليات النشاط الذهني. ويهتمُّ المنظور المعرفي بدراسة وظيفة الذكاء وأصل المعارف والاستراتيجيات المعرفيَّة المستعملة في الاستيعاب والتذكُّر واستثمار المعارف ومعالجة المعلومات في الذاكرة واللغة، وذلك من خلال وظيفة الدماغ.

وقد نشأ هذا الاتجاه في السيكولوجيا في ظل الثّورة المعرفيَّة (revolution cognitive) التي انطلقت في منتصف القرن العشرين، بحيث تمخّض عنها ظهور مجموعة من الحقول المعرفيَّة التي أصبحت تتخذ المعرفة (cognition) موضوعاً لها، وقد تحدّدت هذه الحقول المعرفيَّة في الذكاء الاصطناعي واللّسانيات والعلوم العصبية وفلسفة العقل بالإضافة إلى علم النفس المعرفي.

في هذا السّياق إذاً، برز علم النّفس المعرفي بوصفه مسعى جديداً يهتم بدراسة النشاطات العقليَّة الداخليَّة للفرد بالأساس، وذلك في تقابل مع النشاطات الخارجيَّة الخاضعة للملاحظة المباشرة، وهي النشاطات التي شكلت كلاسيكياً معنى السلوك، لقد دشّن علم النفس المعرفي إذاً نوعاً من القطيعة الأبستمولوجيّة، على الأقل على مستوى الموضوع، مع سيكولوجيا السلوك التي سادت عقوداً من الزمن، بحيث انتقلت السيكولوجيا مع المنظور المعرفي من دراسة السلوك القابل للملاحظة والقياس إلى الاهتمام بمشكلات سيكولوجيَّة مختلفة تتعلَّق أساساً بالأنشطة العقليَّة وآليات الاشتغال الذهني، أي تلك الأنشطة الداخليَّة للفرد والتي أقصيت من الدراسة والتحليل ضمن الاتجاه السلوكي بدعوى عدم إمكانيَّة إخضاعها لصرامة المنهج التجريبي وعموماً كان لظهور هذا المنظور المعرفي، بوصفه نموذجاً تفسيرياً للسلوك، شروطه ومُسوِّغاته الموضوعيَّة التي اقتضته من أجل تجاوز نقائص وعيوب السلوكيَّة وملء تلك الفراغات والبياضات التي تركتها في مقاربتها للموضوع.

 

  1. في الاهتمامات والانشغالات

لقد تجاوز علم النفس المعرفي الاتجاه السّلوكي الذي كان ينحصرُ فقط في دراسة السلوك القابل للملاحظة والقياس اعتماداً على المنهج التجريبي، ذلك لأنّ المنظور الجديد أوجد لنفسه انشغالاتٍ واهتماماتٍ سيكولوجيَّة أُخرى كان ينظر إليها في عُرف السلوكيَّة من قبيل الموضوعات الميتافيزيقية والغامضة. غير أنّ هذه الموضوعات "الغامضة" بدأت تنال حظها من الاهتمام والدراسة والبحث السيكولوجي مع المنظور المعرفي الذي دشّن نوعا من الانفتاح سواء على مستوى الموضوع أو المنهج. فعلمُ النفس المعرفي يتحدَّد من خلال الإشكاليات والقضايا التي يعالجها والمتمثلة عموماً في تلك النشاطات العقليَّة الداخليَّة للفرد كالانتباه والإدراك ومعالجة المعلومات وتخزينها وتمثلها والقدرة على استرجاعها عند الحاجة والاستراتيجيات المعرفيَّة التي يستخدمها الفرد عموماً، والمُتعلِّم بشكلٍ خاص في سيرورة تعلمه واكتسابه للمعرفة، إلى غير ذلك من الآليات والميكانيزمات التي يقوم بها الفرد خلال تفاعله واحتكاكه مع الوسط الخارجي. هذه المناشط الداخليَّة لها أهمية كبيرة في تحديد سلوك الفرد، ذلك لأنّ المقاربة المعرفيَّة تنطلق من فكرة تُفيد وجوب فاعليَّة للحالات الذهنيَّة، فمن خلال مضامين هذه الحالات الشعورية وتجلياتها يمكن تفسير التصرُّفات الإنسانيَّة. ولقد استتبع هذا التحوُّل على مستوى الطرح النظري الذي جاء به المنظور المعرفي، تحوّلٌ آخر متعلقٌ أساساً باستخدام أدوات ومفاهيم جديدة، إذ سيستعير هذا المنظور مفاهيم كثيرة وأساليب فنيَّة من علم الحاسوب واللسانيات ونظريَّة المعلومات. وفي هذا السياق، أصبح من المألوف "اعتماد مفهوم المعلومة عوضاً من مفهوم المثير الذي لم يعد يفي بالغرض". في تقدير الباحثين في السيكولوجيا.

 

كما استُحدثت مفاهيم أخرى من قبيل الجّهاز المعرفي (ppareil cognitive) والاستراتيجيات المعرفيَّة (cognitive Strategies) والأسلوب المعرفي (Style cognitive) والتربية المعرفيَّة (Education cognitive). إلى غير ذلك من المفاهيم التي تنتظم داخل هذا الحقل المعرفي الجديد. غير أنّ هذا التجديد الذي جاء به المنظور المعرفي على مستوى الموضوع لم يكن تجديداً "هادئا"، بل إنّه أثار تساؤلات وإشكالات منهجيَّة. إذ يمكن عَدُّ التساؤل حول المنهج الذي سيعتمده المنظور المعرفي في الدراسة والتحليل تساؤلاً مشروعاً، خاصّةً إذا تمّ استحضار أنّه "تجرأ" على تناول موضوعات يصعب إخضاعها للمنهج التجريبي.

 

وقد شكّل انفتاح علم النفس المعرفي على طريقة الاستبطان جواباً عن تلك الإشكالات والتساؤلات المنهجيَّة "لكنّ من دون الاستسلام لإغراءات هذه الطريقة". والأكيد أنّ الاستئناس بطريقة الاستبطان لا يمكن عَدُّه نكوصاً نحو تبني مفاهيم غير دقيقة علمياً، والتي كانت تُعَدُّ إلى عهدٍ قريبٍ من الإجراءات المنهجيَّة غير المُجدية في الدراسة والتناول الموضوعي للإشكالات السيكولوجيَّة. سيبقى منهجُ الاستبطان مؤطراً في الحدود التي لا تسمح له بتجاوز الضبط المنهجي والطريقة التجريبيَّة. طبعاً فالمنهج التجريبي يبقى محتفظاً بقيمته العلميَّة، إذ إنّه أثبت فعاليته الإجرائية وساعد على تطور المعرفة العلميَّة بشكلٍ عام، والسيكولوجيَّة على وجه الخصوص. ويبقى استخدام المنهج التجريبي إذاً، في المنظور المعرفي مطلباً يقتضيه الالتزام الموضوعي والعلمي، غير أنّ هذا الاستخدام لا بُد له من أن يصاحبه نوعٌ من الحذر على مستوى التطبيق خاصة إذا أخذنا في الحسبان خصوصيَّة مواضع المنظور المعرفي التي تنفلت من الضبط التجريبي نظراً إلى طبيعتها الداخليَّة والديناميَّة. وبالفعل، فقد حصل هذا النوع من الحذر، ذلك لأّنّ التحوُّل الذي عرفه المسعى المنهجي كان على مستوى التداول والممارسة وليس على مستوى الروح العلميَّة والمبادئ العامة".

 

   2) التعلُّم في المنظور المعرفي

أصبحت التربية تتأسّس حالياً على مخططات وبرامج وكذا على نظريات سيكولوجيَّة، إذ إنّ الفعل التربوي لا يمكن أن يُحقق مقاصده وأهدافه إلا إذا كان يعتمد على تصوُّرات سيكولوجيَّة معينةٍ وفقاً لما تقتضيه الظروف والتطوُّرات. وعلى خلفية هذه العلاقة المتينة بين البيداغوجيا وعلم النفس، فإنّ التجديد البيداغوجي المتمثّل في بيداغوجيا الكفاءات يجد مرجعتيهُ السيكولوجيَّة في علم النفس المعرفي، حيث أنّ تأثيرات هذا الأخير في التعلُّم تظل واضحة وذلك من خلال انشغاله بالاستراتيجيات المعرفيَّة والتمثيلات وكذا بالبناء التدريجي للمعلومات والمعارف.

 

  1. أهمية الاستراتيجيات المعرفيَّة في التعلُّم

إذا كان الاتجاه السلوكي في طرحه النظري ينطلق من مسلمة أنّ البيئة الخارجيَّة تعدُّ أهم متغيرٍ في تحديد سلوك الكائن، فإنّ علم النفس المعرفي يفترض نظرياً أنّ الفرد "هو فاعل (Acuter) ينظم سلوكياته وله استراتيجيَّة ذهنيَّة ومعرفيَّة يستند إليها في تدبير حياته اليوميَّة". فالمنظور المعرفي إذاً، يعيد للفرد ذاتيته وخصوصيته التي سلبها منه الاتجاه السلوكي.

وتأسيساً على هذا الطرح النظري الذي جاء به هذا المنظور الذي ينطلق من فاعليَّة ونشاط الفرد، تصبح عمليَّة التعلُّم والاكتساب سيرورة معرفيَّة داخليَّة يقوم بها الفرد من خلال احتكاكه بالمحيط الخارجي، إذ إنّ التعلُّم يحيل في سياقه العام على نمط من أنماط الاشتغال الذهني لدى الفرد في إطار تفاعله مع محيطه الفيزيقي والاجتماعي، حيث يبني ويطور نظامه المعرفي.

 

إنّ علم النفس المعرفي في مقاربته للتعلُّم يهدف إلى تطوير وتنمية كفاءات المُتعلِّم المعرفيَّة في أثناء اشتغاله الذهني الذي يتمثل في استقبال المعلومات ومعالجتها قصد معالجة الوضعيات المشكلات وتقديم الحلول المناسبة لها. فالمنظور المعرفي أعطى نوعاً من الاهتمام للاستراتيجيات المعرفيَّة وكذا فوق معرفيَّة التي يستعملها المُتعلِّم في سيرورة تعلّمه واكتسابه. وبذلك يكون قد تجاوز ذلك الإنتاج الخارجي، الذي يشكّل السلوك القابل للملاحظة والقياس مضمونه الأساسي، ليقارب مختلف العمليات التي تجري داخل "العلبة السوداء". فالمُدرِّس بحسب المنظور المعرفي مطالبٌ بتنمية الاستراتيجيات المعرفيَّة لدى المُتعلِّم كالتفكير والتحليل والتركيب والاستنباط والاستدلال للوصول إلى الحل المناسب. إذ إنّ المهم في عمليَّة التعلُّم هو تلك الاستراتيجيات المعرفيَّة التي يلجأ إليها المُتعلِّم وليس فقط الإنجاز الذي يحققه. بل أكثر من ذلك، فلا يكفي أن يبني المُتعلِّم استراتيجيَّة معرفيَّة واحدة فقط في معالجة وضعية (مشكلة)، فمهما كانت صحة هذه الاستراتيجيَّة وقدرتها على مساعدة المُتعلِّم للوصول إلى الحل المناسب، فلابدّ من التعرُّف على استراتيجيات أخرى في أثناء اشتغاله الذهني لكي يستطيع أخيراً اختيار الاستراتيجيَّة التي تتميَّز بالفعاليَّة والاقتصاد، بمعنى تمكين المُتعلِّم وجعله قادراً على ممارسة نوعٍ من النشاط الميتامعرفي (Metacognitive).

 

  1. التمثيلات القبلية ودورها في تحديد المعارف

إنّ علم النفس المعرفي الذي يشير في أهم افتراضاته إلى فاعليَّة الفرد من خلال مختلف الأنشطة الذهنيَّة التي يقوم بها يجعلنا أمام حقيقة مفادها أنّ هذا المنظور يؤمن بالرأس المملوءة عوضاً من الرأس الفارغة، التي سادت كتصورٍ نظريٍ في سيكولوجيَّة السلوك. ومن ثم فعلم النفس المعرفي لا يرى في عقل الفرد "صفحة بيضاء" ترتسم عليها الانطباعات والإحساسات الخارجيَّة فقط كما ذهب إلى ذلك فلاسفة التجريب، وإنّما يُعَدُّ العقل سيرورة متفاعلةً لها معتقداتها وتصوُّراتها ومفاهيمها وأفكارها وباختصار لها تمثيلاتها القبلية الخاصة بها والتي تُحدِّد بشكلٍ كبيرٍ الإدراكات والمعارف الجديدة وسبل التعامل مع العالم الخارجي. فالمعرفة القبلية تحظى باهتمامٍ كبير في السيكولوجيَّة المعرفيَّة لأنّها تشكل أهم متغيرٍ في بناء المعرفة "طالما أنّ كل تعلمٍ يفترض تدخُّل المعارف السابقة لمعالجة المعارف الجديدة". وتبعاً لهذه المقاربة المعرفيَّة، على المُدرِّس أن يعمل في بداية كل نشاطٍ تربويٍّ على استخراج مختلف تمثيلات المُتعلِّمين والتعرُّف عليها قصد تصويبها وتصحيحها، وذلك "لأنّ الاكتساب المعرفي لا يختزل فقط في الإضافة المعرفيَّة، لكن أيضاً في تحويل التمثيلات القبلية وتطوير البنى الذهنيَّة عبر الانتقال بها من حالتها البدائية والعفوية إلى حالتها المكتملة والعلميَّة". فهذه الخطوة تعد إجراءً منهجياً وتكتيكياً مهماً في العمليَّة التعليميَّة، ومن ثم فلا يجب تجاوزها على أساس أنّ المعلومات والمعارف الجديدة التي يتلقاها المُتعلِّم لا يمكن أن تستقر في ذاكرته طويلة المدى إلّا إذا كانت تمثيلاته القبلية بعد تصحيحها وتعديلها تُبدي نوعاً من الموافقة. فالتراكم المعرفي الذي يحصل لدى المُتعلِّم هو ناتجٌ أساساً عن ذلك الربط بين المعارف الجديدة والمعارف القبلية. فإذا تعذّر هذا الربط المعرفي، فإنّ مآل هذه المعلومات الجديدة هو النسيان والضياع.

 

  1. أهمية البناء التدريجي للمعارف

في سيرورة التعلُّم في سياق اهتمام علم النفس المعرفي بمعالجة المعلومات التي يحصل عليها الفرد من بيئته، يصبح التعلُّم تبعاً للمنظور المعرفي نوعاً من البناء التدريجي للمعارف. فالذاكرة تعمل وفقاً لآليات وقواعد معينة وكلما كانت المعلومات والمعارف الوافدة على الذاكرة مُنظَّمة ومفيدة، ترسّخت فيها أكثر، ومن ثم سهل استرجاعها وتذكرها عند الحاجة، بل واستثمارها في وضعيات جديدة. ذلك لأنّ معالجة المعلومات يقتضي في الأساس العمل على بنيتها(Structuration) وتنظيمها الذي يتم من خلال سيرورة التحليل والتركيب والربط بالمعارف السابقة. فهذه الإجراءات التنظيمية للمعلومات تبقى هي السبيل الوحيد للحفاظ على المعارف في الذاكرة. وهذه المعايير تُلزم المُدرِّس مساعدة المُتعلِّم على تحليل المعارف وتفكيكها وإعادة تنظيمها بالشكل الذي يسهل عمليَّة دمجها في المعارف السابقة. إذ أصبح معلوماً أنّ المعلومات والمعارف المتناثرة التي لا تربطه فيما بينهم علاقات منطقيَّة، والمنتزعة من سياقات مختلقة لا تعمل إلّا على تأسيس الذاكرة ممّا ينمي لدى المُتعلِّم الحفظ الأصم والترديد الميكانيكي، كما تقتل فيه روح الإبداع والمبادرة وحُب الاستطلاع العلمي. لهذا، فإنّ موقف المنظور المعرفي في التعلُّم هو موقف التجاوز والمواجهة، فمن جهة فقد تجاوز اختلالات سيكولوجيَّة السلوك التي قاربت الموضوع انطلاقاً من ثنائية المثير والاستجابة ومن جهة أخرى عمل على إلقاء الضوء على العمليات الديناميَّة الداخليَّة التي يقوم بها الذهن في أثناء التعلُّم والاكتساب. 

 

ومُجمل القول إنّه إذا كان الاتجاه السلوكي قد هيمن على البيداغوجيا لعقود طويلة انطلاقاً من بداية القرن العشرين ممّا جعله يشكل نموذجاً تفسيرياً، فإنّ الاختلالات والعيوب التي بدأت تظهر عليه مع التطوُّر العلمي وخاصة البحث السيكولوجي جعلته يتراجع إلى الوراء ويفقد الكثير من مصداقيته ممّا تطلب معه البحث عن براديغم سيكولوجي جديد قادر على استيعاب كل التحوُّلات والتطوُّرات التي عرفتها السيكولوجيا. وقد تمثل هذا البراديغم في علم النّفس المعرفي منظورٍ جعل من الأنشطة الذهنيَّة والعمليات المعرفيَّة أهم اهتماماته وانشغالاته على أساس أنّها تشكّلُ مركز الثقل في كل إنتاجات الفرد سواء الداخليَّة أم الخارجيَّة. وفيما يخص عمليَّة التعلُّم، فإنّ علم النفس المعرفي اهتمّ بالبحث في طبيعة ونوع الاستراتيجيات المعرفيَّة التي يلجأ إليها الفرد في تصديه لمختلف الوضعيات المشكلات التي تنتج طبيعياً من خلال تفاعله مع المحيط الذي يتواجد فيه. ومن المؤكد أنّ هذه الاستراتيجيات ترومُ الوصول إلى حلولٍ مناسبة لهذه الوضعيات، لكن لا بُدّ من مساءلتها وإلقاء الضوء عليها قصد تبني أحسنها. غير أنّ هذه الاستراتيجيات المستعملة من قِبَلِ الفرد لا تأتي من فراغ، وإنّما تتحدَّد أساساً من خلال تمثيلاته القبلية ونوع المعارف التي يتوافر عليها وكيفيَّة إدراكه للموضوع. وكثيراً ما تشكل هذه التمثيلات القبلية عائقاً معرفياً وذلك حينما تكون بعيدة عن العلميَّة والموضوعيَّة، لهذا يجب استخراجها والتعرُّف عليها وتصحيحها حتى تصبح عمليَّة التعلُّم عمليَّة ممكنة. إنّ المعلومات الجديدة الوافدة على الذاكرة يجب أن تنتظم بشكلٍ منطقي في الذاكرة حتى تسهل عمليَّة استرجاعها عند الحاجة. وطبعاً هذا التنظيم للمعلومات لا يحصل إلّا من خلال بنائها تدريجياً، أي إخضاعها لعمليَّة التحليل والتركيب والبحث في علاقتها المنطقيَّة الداخليَّة.