ضرورة الألوان في التعلم

دراسة علميَّة جديدة تُؤكِّد أنّ الألوان قد تكون وسيلةً لإضفاء السعادة على حياة البشر، فقد وجد باحثون أنّ التعرض لبعض الألوان، منها الأزرق والأخضر والبرتقالي والبنفسجي قد يزيد من الإحساس بالسعادة والثقة بالنفس



وجد الباحثون في أحدث تجربة علميَّة أنّ الألوان مهمة جداً لإضفاء السعادة على حياة الناس، ولذلك قالوا إنّ وجود الألوان في الطبيعة هو أمرٌ محيرٌ جداً، فالألوان آيةٌ من آيات الله جل جلاله، وقد استعرضنا في مقالاتٍ سابقة الأثر النفسي للألوان في الإنسان، واليوم نطّلع على دراسة علميَّة جديدة تُؤكِّد أنّ الألوان قد تكون وسيلةً لإضفاء السعادة على حياة البشر، فقد وجد باحثون أنّ التعرض لبعض الألوان، منها الأزرق والأخضر والبرتقالي والبنفسجي قد يزيد من الإحساس بالسعادة والثقة بالنفس.

وعرض باحثون في الدراسة، التي نفذتها "مايند لاب،" وهي مُؤسَّسة تضم مجموعة من العلماء في بريطانيا، لعددٍ مختلفٍ من الألوان والأضواء، فوجدوا أنّ اللونين الأزرق والأخضر زادا في إحساس الذكور بالسعادة، فيما جاء تأثير الأزرق والبنفسجي والبرتقالي مماثلاً في فئة النساء.

وبحسب تقرير "التلغراف"، عزّز اللونان الأزرق والأحمر من مستويات الثّقة بالنفس لدى الذكور، وكان للأزرق والبنفسجي المفعول ذاته في النساء. كما اكتشف الباحثون أنّ التعرض للألوان البراقة عموماً له فوائد مُتعدِّدة.

وعرَّض العلماء مجموعة متطوعين لتلك الأضواء، وجاءت نتائجهم أسرع في الاختبارات الذهنيَّة بنسبة (25) في المائة، وفي ردة الفعل بنسبة (12) في المائة، إلى جانب تحسّن في القدرة على التذكُّر. بالإضافة إلى ذلك، كشف الباحثون أنّ قبضة من تعرضوا لألوان براقة، كانت أقوى من سواهم. وقال "د. ديفيد لويس" مؤسس "مايند لاب": الدراسة تثبت أنّ إضفاء المزيد من الألوان على حياتنا، تحديداً في فصل الشتاء، قد تطرد كآبة الشتاء.

وفي دراسة أخرى تبيَّن أنّ النساء يولدن وهنَّ يفضلن اللون الزهري بالفطرة، وذلك بناءً على اختبار أجرته الدكتورة "آنيا هيلبرت" وهي خبيرة علم نفس في جامعة نيوكاسل على (208) أشخاص، طُلب منهم اختيار لونهم المُفضَّل بسرعة فائقة بين مجموعة من الخيارات. وأظهرت الدراسة أنّ معظم الأشخاص اختاروا اللون الأزرق على أنّه لونهم المُفضَّل، غير أنّ النساء بينهم اخترن اللون الأزرق المظلل بالأحمر، بينما اختار الرجال اللون الأزرق القريب من الأخضر. وقالت الأخصائية "يازو لينغ" التي أشرفت أيضاً على الدراسة: إنّ الأمر قد يعود إلى قدرة النساء البيولوجيَّة على التمييز بصورة أفضل من الرجال بين اللونين الأحمر والأزرق.

 

ماذا يحدث عندما تختفي الألوان من حياتنا؟

إنّه أمرٌ حزين جداً أن تكون الحياة بلا ألوان، وهذا ما يحدث مع الأشخاص المصابين بما يسمى "عمى الألوان" وهو مرضٌ ميؤوس من علاجه حتى الآن، ولكنّ الأطباء ينصحون المصابين به بإيجاد وسيلةٍ ما للتعايش معه وتقبّله. وهذا المرض ينتج عن عيب جيني صغير. وقد يكون عمى الألوان كاملاً أو جزئياً، فقد يصاب الطفل بعمى لونٍ مُحدَّد مثل: الأزرق أو الأصفر، أو عمى عدة ألوان. ويشير البروفيسور "هيرمان كراستل" المُتخصِّص في طب وجراحة العيون في مدينة "هايلدبيرغ" الألمانية إلى أنّ نحو (8) بالمائة من الذكور و(0.4) من الإناث يولدون بعمى الأحمر والأخضر. ويوضّح الطبيب الألماني أنّ عيباً جينياً صغيراً يتسبَّب في قيام مستقبلات الصورة في قرنية العين بإرسال معلومات ناقصة عن اللون من خلال العصب البصري إلى المخ.

أوّل من اكتشف هذا المرض هو العالم "جون دالتون" الذي لاحظ حالة القصور في رؤية الألوان، وهو أحد المصابين بالمرض. ويعدّ عمى اللونين الأحمر والأخضر من الأمراض المعروفة منذ زمنٍ طويل، ويسمى أيضا بـ "الدالتونية" نسبةً إلى الكيميائي والطبيب الإنجليزي "جون دالتون" الذي كان هو نفسه مصاباً بهذا الخلل، وكان من أوائل من وصفوا حالة القصور في رؤية الألوان. وكان "دالتون" الذي توفي عام (1844) يرى البرتقالي والأصفر والأخضر على أنّها ظلال مختلفة للون الأصفر.

وتمكّن العلماء من إثبات أنّ "دالتون" كان يُعاني من عمى الألوان بعد (150) عاماً من وفاته حسبما ذكر مدير معمل دراسات الجينات الجزيئية في مستشفى العيون بجامعة توبنغن "بيرند فيسينغر" الذي يجري أبحاثاً على الأسباب الوراثية لعمى الألوان. وتم رصد المورثة المشوهة عند "دالتون" في حمض نووي (DNA) من نسيج محفوظ من عينه.

أمّا أخصّائي البصريات في مدينة أولتن السويسرية "فريتس بوسر" فيقول واصفاً إصابته بعمى الأحمر والأخضر: "إننا لا نرى كلّ شيء باللون الرمادي، لكنّنا فقط نرى بصورة مختلفة".  ويقوم هذا الأخصائي بتدريب مختصين في الإعاقة البصريَّة ومدرّسي ضعاف البصر في ألمانيا. ويضيف بوسر معلقاً على تعايشه مع المرض: "حينما أقوم بجمع ثمار التوت مع ابني فإنّه يجمع كميات أكبر من التوت الأحمر، بينما أقوم بجمع التوت الأسود بصورة أفضل".

ويُشير طبيب وجرّاح العيون "كراستل" إلى أنّ بعض المصابين بعمى الألوان يميزون بين ظلال الأصفر البني والأصفر الرمادي والبني أفضل من الذين يتمتَّعون بإبصار طبيعي. ويُؤكِّد الباحثون أنّ تأثير مشكلات الألوان قليل على الحياة اليوميَّة. إلّا أنّ المصابين بعمى الألوان لا يناسبهم العمل كطيارين أو سائقي قطارات لأنها مهن تحتاج إلى التعرُّف على الإشارات اللونية.

وعلى الرّغم من أنّ عمى الألوان لا شفاء منه وليس قابلاً للتصحيح، إلا أنّ المصابين به ممن يتطلعون إلى "وسيلة مساعدة" يمكنهم أن يجدوا بسهولة عروضاً عبر الانترنت عن عدسات خاصة ذات مصافي ألوان يفترض أنّها قادرة على تصحيح عمى الأحمر والأخضر. وينصح الخبراء هؤلاء المصابين بعمى الألوان بتقبل المرض. كما ينصح الخبراء بإخضاع الأطفال لفحوص عمى الألوان مع بدء حياتهم المدرسيَّة على أقصى تقدير حتى وإن لم تظهر عليهم أعراضه، لتجنب صعوبات التعليم. فالمواد المرتبطة بالألوان مثل: الخرائط تستخدم باستمرار في المدارس، وإذا ما أظهر التشخيص إصابة الطفل بعمى الألوان فإنّه يتعين إبلاغ المدرسين، ويجب كذلك أن يكون الطفل على وعي للمشكلة.

الطبيعة تعبّر عن نفسها بالألوان، فهذا انفجارٌ بركاني مرعب ولكننا نرى فيه لوحة إلهية رائعة، وهذه صورة مصغَّرة عن نار جهنم، وانظروا كيف تتجلى الألوان الأحمر والأصفر والبرتقالي، ولكن نار جهنم شديدة الحرارة إلى درجة أن الألوان اختفت وأصبحت سوداء، فهي مظلمة أعاذنا الله منها.

 

اللون الأخضر يُعَدُّ من أكثر الألوان إراحة للنظر، وهو اللون المُميَّز للجنة التي وعدها الله للمتقين، وقد ثبُت أن اللون الأخضر يساعد على استقرار الحالة النفسيَّة للإنسان، ويثير البهجة في النفوس، ومن رحمة الله تعالى بنا، أنّه جعل هذا اللون هو اللون المُميَّز للطبيعة من حولنا، وعلى الرغم من ذلك نجد بعض الملحدين يدعون أنّ كل شيء في الطبيعة جاء بالمصادفة.

ومن الطرائق الحديثة للعلاج ما يحاول الباحثون استغلاله اليوم، ألّا وهو العلاج بالألوان، فلكلّ لونٍ خصائصٌ أودعها الله إيّاه، وكلُّ لونٍ يحوي طاقة تثير في الإنسان شعوراً مُحدَّداً بالفرح أو السرور أو السعادة أو غير ذلك، ويُؤكِّد الباحثون اليوم أنّ العلاج بالألوان يُعَدُّ من الأساليب الهامة في الطب البديل.

انظروا إلى هذه الصورة لو تأملناها بشيءٍ من العُمق لرأينا فيها الحزن والكآبة بل لا نكاد نرى أي سرورٍ أو سعادة، والسبب هو اختفاء الألوان، ولو تأملنا هذه الصورة أكثر للاحظنا أنّها الصورة السابقة نفسها ولكن من دون ألوان، فانظروا كم الفرق هائل بين الصورتين، وانظروا إلى تأثير الألوان في حياتنا، إنّ هذا يدعونا إلى أن نحمد الله تعالى على هذه النّعم: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ * أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (الزمر: 21-22).

 

هل من إشارات قرآنية؟

لقد ذكر الله "الألوان" في كتابه المجيد سبع مرات، وقد جعل الله من الألوان معجزة تستحق التفكر فقال: (وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) (النحل: 13). فالألوان هي آية يجب أن نتذكر من خلالها نعمة الخالق تبارك وتعالى (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ)، فلولا الألوان لكانت الحياة حزينة جداً، لأنّ وجود الألوان يمنح المرء إحساساً بالفرح والسعادة، وهذه نعمة معظم الناس غافلون عنها.

وكما رأينا أنّ مشكلة عمى الألوان تضعف قدرات الإنسان على التمييز والتعلُّم، واختفاء الألوان من حياة هذا الإنسان نهائياً هو أمرٌ محزنٌ ينعكس سلباً على قدراته وكفاءته وطاقاته. حتى أنّ الله تعالى ربط بين الألوان وبين ذكر العلماء وخشيتهم لله تعالى، يقول عز وجل: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) (فاطر: 27-28).

فقد ذكر الله في هذا النص الألوان ثلاث مرات، ذكر ألوان الثمار: (ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا) وذكر ألوان الجبال: (وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا) وذكر ألوان الناس والحيوانات: (وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ)، ولذلك فقد شمل هذا النص كل ما نراه حولنا من ألوان سواءٌ في البشر أو الحيوانات أو النبات أو الجماد مثل الجبال. ثم ذكر بعد ذلك خشية العلماء لربهم، لأنّ العالم الذي أدرك عظمة الخلق لابد وأن يدرك عظمة الخالق تبارك وتعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)، أي أنّ العلماء هم أشدّ خشية لله تعالى من غيرهم لأنّهم عرفوا قدرة الله تعالى.

مصدر الخبر العلمي: