دور المدرسة في التربية الإعلامية

ورقة عمل مقدمة إلى المؤتمر الدولي الأول للتربية الإعلامية (وعي ومهارة اختيار)، المنعقد في قاعة الملك فيصل للمؤتمرات بمدينة الرياض
الرياض، 14-17/2/1428هـ (4-7/3/2007م)



ملخص:
التربية الإعلامية ذات أثر ملموس في صناعة التغيير المنشود في الرؤى والمفاهيم والتطبيقات التربوية المدرسية. وقليل من المدارس تهتم بتقديم خدمات التربية الإعلامية على الصعيد المدرسي رغم الأهمية القصوى لها في تشكيل الذات أو إعادة تشكيلها. ويتميز العصر الحاضر بكثافة العناصر الثقافية وسرعة تفاقمها وانتشارها وتداخلها وشدة تأثيرها إلى درجة لا يمكن معها مجاراتها ومتابعتها، إلا إن التربية الإعلامية يمكنها أن تساعد المربين على ضبط هذه التأثيرات وترشيدها وبلورتها في إطار يخدم الأهداف المنشودة.

 

ومن أبرز القضايا المعاصرة التي تعنى بها التربية الإعلامية تثقيف الناشئة بسبل فهم الأمور وتقديرها، وسبل التعايش مع الآخرين، واستيعاب مقتضيات العصر الحديث، وآليات التفاعل مع العولمة، وتعبئة الشباب لمواجهة الأحداث الجارية الطارئة وغير الطارئة، وتمكينهم من المهارت التي تعينهم على المواجهة عوضاً عن الخوف والاستسلام أو الانعزال والرفض أو التبرير، أو إسقاط المشكلات علي الغير، كما تعنى التربية الإعلامية بمساعدة الطلاب على فهم حقوقهم وواجباتهم، وتقدير قيم الشورى، والإخلاص، وحب الوطن، والانتماء الصحيح، واحترام الآخر، والحرية العادلة، ومواجهة الشائعات والتضليل، ومحاربة الإنحرافات الفكرية والمنحرفين وفق الطرق المناسبة لذلك.

 

وتوفر التربية الإعلامية مساحة كبيرة من الفرص المواتية لمعالجة المشكلات النفسية والثقافية والاجتماعية التي يعاني منها الطلاب في المدرسة كمشكلة الأمية الحضارية، والأمية التكنولوجية، والأمية السياسية، علاوة على التوترات التي تنشأ بفعل الاتصال مع الآخرين، وعدم الألفة، والتحيزية والاستغراق في المحلية وغيرها.

 

وتلعب التربية الإعلامية دوراً بارزاً في إكساب الطلاب الثقافة الاجتماعية النقية، وامتلاكهم مهارات النقد والتقويم والتحليل وحل المشكلات والربط بين الأشياء وبين المتغيرات، والمهارات التركيبية، ومهارات الحديث والقراءة والكتابة والمهارات الاجتماعية والثقافية التي تساعدهم على الاتصال الفعال، وتمكنهم من استيعاب الخصوصيات الثقافية في علاقتها مع العموميات والمتغيرات الثقافية الأخرى.

 

وإلى جانب ذلك، فإن التربية الإعلامية تساعد على تكوين نموذج القدوة الحسنة لدى الطلاب في المدرسة، وامتلاك الطلاب مهارات الخطابة والعرض والحوار وحسن تقدير الإنجازات، والتحمل والصبر، وتعزيز مفاهيم اجتماعية وصحية بالغة الأهمية لديهم. كما إن التربية الإعلامية يمكن تقديمها بصورة وألوان شتى، وتستخدم فيها وسائط عديدة كالمعلمين والمناهج الدراسية، والإذاعة والصحافة المدرسية، والأنشطة اللاصفية والمعارض المدرسية، والحفلات والمهرجانات والمناسبات التي تقيمها المدارس سنوياً أو فصلياً أو حسب المقتضيات التي تقوم من أجلها، إلى جانب الفنون المدرسية على اختلافها وذلك بغية إعداد الطالب لكي يكون عضواً فاعلاً في مجتمعه يملك اتجاهات إيجابية نحو الناس ونحو الأشياء ونحو العمل ونحو الإنتاج، ومشاركاً فاعلاً في علاج مشكلات بيئته ومجتمعه، وقادراً على تحقيق شروط المواطنة السليمة في تصرفاته وسلوكياته برمتها.

 

مقدمة:
تشهد معظم المجتمعات اليوم تنافساً مكشوفاً أو مستتراً، معلناً أو خفياً، بين النظامين التربوي والإعلامي، ونتج عن هذا التنافس ميلاد تناقضات خطيرة في عقل الفرد وطرق تفكيره. فالنظام التربوي يقوم على قيم النظام المتمثلة في المحتوى الدراسي المنضبط، وعلى قيم التنافس في التحصيل والانجاز المتمثلة في التعلم الذاتي وتفريد التعليم، بينما يستند النظام الإعلامي إلى الاتصال الجماهيري الذي يهتم بالجديد دون التأمل في محتواه، وبالموضوعات المتنوعة دون التركيز على تخصص بعينه، وتقديم البرامج الترفيهية الممتعة التي يسهل فهمها بغض النظر عن ركاكة الأساليب أو تفاهة المفردات اللغوية، وهذا يظهر التناقض بين النظامين التربوي والإعلامي.

 

وترتب على هذا التناقض لون من التصادم في العلاقة القائمة بين المؤسسات التربوية والإعلامية. وظهور تباين واضح بين الثقافة المدرسية التي تعتمد على المعرفة ذات الطابع الأكاديمي البيداجوجي، وبين الثقافة الإعلامية التي تروجها وسائل الإعلام ذات الطابع الترويحي المستند إلى الإثارة والدعاية.

 

ورغم التباين الثقافي الذي توفره المؤسسات التربوية والإعلامية، ورغم التناقض في أهدافهما وغاياتهما ووسائلهما وأساليبهما، إلا أنه توجد مجالات من التجانس والتشابه بين المؤسستين التربوية والإعلامية. فكلاهما عملية إتصال، وكلاهما يسهم في التنشئة الاجتماعية للفرد الذي يقضي فترة طويلة من حياته مشاهداً لوسائل الإعلام أو متعلماً داخل صفوف المدرسة.

 

بل إن نصيب الجيل الحالي من تأثيرات وسائل الإعلام الجماهيرية في تكوين ثقافته، وتحديد أنماط سلوكه، وإكسابه المفاهيم والقيم والعادات والاتجاهات، قد تزايد كثيراً في ظل تقدم تقنية الاتصالات والمعلومات، وازدحام الفضاء بالأقمار الصناعية التي تبث برامجها طوال الليل والنهار. وهذا يتطلب تجاوز القطيعة القائمة بين التربويين والإعلاميين، والتعاون في توظيف وسائل الإعلام في خدمة أغراض تربوية محددة، وتوظيف التربية في تفعيل الرسائل الإعلامية.

 

ومع التطورات التقنية الحديثة تحول موقف المؤسسة التربوية من تقنية الاتصال والمؤسسات الاعلامية، وأصبحت وسائل الإعلام وتقنية المعلومات تستخدم في صلب العملية التربوية، واستخدام المعلم الوسائط المتعددة وشبكة المعلومات الدولية في إعداد الخبرات التعليمية وتوصيلها للطلاب، وأصبح التعليم عن بعد، والتعلم الإلكتروني، والجامعة الافتراضية، والمواقع التعليمية مجالات مهمة تعتمد عليها المؤسسة التعليمية  (أحمد، 2001).

 

إن مشكلة التربية مع الإعلام لا تكمن في تأثير وسائله على النشء بقدر ما ترتبط بكيفية تعامل النشء مع ما تبثه وسائل الإعلام. وهنا يأتي دور التربية الإعلامية في إكساب الطلاب القدرة على الاختيار والنقد، واكسابهم مهارة الفرز والانتقاء الحسن، لما يؤدي إلى نموهم نمواً متزناً متكاملاً في جميع جوانب شخصياتهم. وهذا ما يجعل المؤتمرالدولي الأول للتربية الإعلامية واختياره عبارة (وعي ومهارة اختيار) لبنة أولى في بناء صرح شامخ تشيده المؤسسات التربوية والإعلامية لتوفير تربية إعلامية واعية وناقدة للأجيال القادمة.

 

ويقسم المشارك هذه الورقة إلى ثلاثة أقسام: أولها يحدد الإطار العام لورقة العمل، وثانيها يتناول دور المؤسسات الإعلامية والتربوية في المجتمع المعاصر، وثالثها يناقش التربية الإعلامية ودور المدرسة فيها.