دور اللعب في تنمية التفكير عند الأطفال

محمود طافش

يعد تغيير استراتيجيات التعليم من أبرز مُكوَّنات البيئة الغنية التي تساعد على إحداث تغيير مرغوب في سلوك الأطفال وفي طرائق تفكيرهم، ومن أبرز الاستراتيجيات التي تحقق هذا الهدف: كالتعلُّم من خلال اللعب، والرحلات الميدانيَّة واستخدام الحاسوب، وشبكة الانترنت. كما يعد اللعب من وسائل تربية التفكير عند الأطفال الذين هم دون السادسة من أعمارهم، ولا يقتصر أثره على الجانب النفس حركي، وإنما يتعداه إلى سائر النواحي الأخرى المُكوَّنة لشخصيته، وهي: المعرفيَّة والعاطفية والاجتماعيَّة. ويسهم اللعب بصورة فاعلة في تنمية الجانب العقلي للطفل، فتنمو قدرته على الكلام الذي يتعلَّمه من والديه ومن أقرانه، حيث تصبح حصيلته اللغويَّة أكثر غنى.



ولعب الطفل بما يقع بين يديه من أشياء يعمل على تنشيط ذاكرته، وتوسيع مداركه، وإكسابه قدرة على التخيل تنمو بما يتلاءم مع نوعيَّة المثيرات المتاحة له، فما يكاد الطفل يصل إلى السن التي تمكنه من دخول المدرسة حتى يكون قد تكون لديه قدر كبير من الخبرات والقدرات التي تمكنه من التفوُّق على أقرانه الذين لم تتوافر لهم فرص ممارسة اللعب.

             

وهكذا فإن اللعب خصوصاً اللعب الحر يعد مصدراً خصباً من مصادر التعلُّم، وعاملاً مهماً من عوامل النمو العقلي للأطفال. وقد ثبتت هذه الحقيقة من خلال مجموعة من الدراسات قام بها عدد من الباحثين من أمثال "جان بياجيه" (J.Piaget) و"بيري" (Pere). كما أكَّدت دراسة قام بها "تورانس" (Torrance 1970) الأهمية البالغة للألعاب القائمة على حل المشكلات، وتزداد القيمة التربويَّة لهذه الألعاب إذا كانت تستند إلى تخطيط واعٍ، ومنهجيَّة واضحة الأهداف.

 

وقد أجريت في انجلترا دراسة شملت ثماني عشرة مدرسة من المدارس الابتدائية ورياض الأطفال لاختبار أثر اللعب المُحدَّد بساعة وساعة ونصف يومياً في التعلُّم، وقد أبرزت تلك الدراسة أنه قد ترتب على ممارسة الأطفال للعب مجموعة من التغيُّرات والآثار يمكن تلخيصها بما يأتي:

  1. نمو القدرة على التقاط الأشياء وجمعها بعناية.
  2. نمو القدرة على تركيز الانتباه.
  3. نمو القدرة على التعبير الشفوي والرسم بالأقلام.
  4. نمو القدرة على الإجابة عن الأسئلة.
  5. نمو القدرة على الكتابة بسرعة وإتقان.
  6. نمو القدرة على السلوك الاجتماعي الناضج.
  7. نمو القدرة على إقامة صداقات مع الأقران.

 

ومن الفوائد التي يجنيها الأطفال من اللعب كذلك:

  • الإحساس بشعور الآخرين.
  • تعوّد النظام.
  • التزام قوانين اللعب، والتفريق بين ما هو مسموح به وبين ما هو ممنوع.
  • تحمل الهزيمة بروح رياديَّة.
  • مساعدة الوالدين والمُعلِّمين على فهم اتجاهات الأطفال مما يساعد على اختيار الوسائل التعليميَّة الملائمة لتعليمهم.

 

ومن أبرز الألعاب التي تناسب أطفال الروضة:

  • لعبة التطابق: حيث تعدّ المُعلِّمة وسيلة تعليميَّة مكوّنة من لوحة وعامودان، أحدهما يشتمل على مجموعة من الصور لأشياء في البيئة، والآخر على أسماء لهذه الصور دون ترتيب، وتطلب من الطفل توصيل صورة الشيء باسمه.
  • لعبة كرة السلة: وفي هذه اللعبة يعطى للطفل عدد من الكرات مكتوب على كل واحدة منها حرف، ليقذفها باتجاه سلة تقع على بعد قليل منه، وبعد الانتهاء من رمي الكرات يأخذ الطفل الكرات التي دخلت السلة ويصنع من حروفها كلمات، ويُعَدُّ الطفل الذي يستطيع تكوين أكبر عدد من الكلمات هو الطفل الفائز.
  • لعبة سباق الحروف: تتضمّن هذه اللعبة مبارزة بين طفلين يذكر الأول كلمة مثل: "رجل" فيكتب الثاني كلمة أخرى تبدأ بالحرف الذي انتهت به الكلمة الأولى مثل: "لبن" أو "لسان" وهكذا.
  • لعبة كرة القدم: تعدّ المُعلِّمة فريقاً من كرة القدم من مُجسَّمات بلاستيكية أو خشبية، فإذا أرادت أن تعلِّم الأطفال عملية الطرح أخفت بعض اللاعبين وسألت عن عدد الباقين، وإذا أرادت أن تعلمهم الجمع أضافت عدداً من اللاعبين وسألت عن المجموع وهكذا.

 

وتستخدم لعبة التطابق ولعبة سباق الحروف في تعليم الأطفال اللغة، في حين توظف لعبة كرة القدم لتعليمهم مبادئ الرياضيات، ويمكن تعليمهم اللغة والحساب بلعبة كرة السلة، وفي حال رغبة المُعلِّمة في تعليم الحساب بدلاً من تعليمهم اللغة فإنها تستبدل بالحروف التي على الكرات أرقاماً.

 

كيف تساعد الألعاب على تنمية التفكير؟

يساعد اللعب التعاوني على تطوير مشاركة الطفل الاجتماعيَّة، فتراه يصغي إلى أقرانه بانتباه، ويعمل حسبما تقتضيه التقاليد والأنظمة المتعارف عليها في مجتمعه الصغير، وهذا ينم عن اكتسابه لقدر من الخبرات والمعارف مع توالي المشاركات وصولاً إلى حالة من التوازن المعرفي تمكنه من النجاح في تعامله وأقرانه.

 

كما تزداد خبرات الطفل وتتسع مداركه تبعاً لنوع الألعاب المتاحة له، فهو ينظر إلى اللعبة المُجسَّمة بين يديه من منظار الصداقة ويناجيها وكأنها تشاركه لعبه ولهوه، لذلك فهي تشكل له متنفساً يعبّر فيه عن أحاسيسه الطفولية، فتتطور خبراته ويتسع قاموسه اللغوي.

أما بالنسبة إلى ألعاب الفك والتركيب والمربعات فهي تنمي مهاراته وقدراته على الابتكار والإبداع المحدود بما يتلاءم مع عمره العقلي والإمكانيات المتاحة له، وذلك بإنشاء وتصميم أشكال لم يسبق له أن رآها أو تدرب عليها، وهذا ما يساعده على تطوير قدرته الهندسية.

وتُعَدُّ الأحاجي وسائر المسائل الرياضيَّة من الألعاب الذهنيَّة التي تعمل على استثارة قدرة الطفل على التفكير، وعلى تنمية وتنشيط خلايا دماغه بسرعة متزايدة، وهي تكسبه حيويَّة بما تقدم إليه من تغذية راجعة، وتمكنه من التعامل والمشكلات بسهولة.

 

لعب الدور:

يعدّ التمثيل من أنجع أدوات تزويد المُتعلِّمين بخبرات حياتيَّة، وذلك لملاءمته طبيعة الأطفال، ولأن التعلُّم فيه يُبنى على الخبرة حيث يندمج الممثلون والمشاهدون في المشاهد، ويتفاعلون مع المواقف بصدق، معبرين عن مشاعرهم، ومدفوعين برغبة صادقة في نصرة الحق على الباطل، مما يزودهم بقيم وأنماط سلوكيَّة إيجابيَّة، أو بفضول يشدّهم إلى انتظار حل المشكلة المطروحة. وهكذا فإن تكاتف العمليات العقليَّة والعاطفية يساعد على تنشيط وتربية التفكير لديهم، ويعمل على تمكينهم من التعامل والمشكلات المشابهة.

 

ومن الفوائد الملموسة لتأدية الدور كذلك:

  • تخليص الأطفال من مشاعر القلق.
  • تزويد المُتعلِّمين بقيم مما يعمل على نموّهم الخلقي.
  • إحداث تغيير مرغوب في سلوكيات المُتعلِّمين واتجاهاتهم.
  • تدريب الأطفال على طول الانتباه، وعلى نقد المواقف، وعلى احترام الرأي الآخر وتقبله. كما يعمل على نموّهم الاجتماعي، وعلى تطوير قدرتهم على اتخاذ القرارات في المواقف الحياتيَّة.

 

اللعب بالحاسوب (Educational Games)

إن الألعاب التعليميَّة التي يمكن أن يمارسها الأطفال بوساطة الحاسوب لا حصر لها، وقد أصبحت من الكثرة بحيث بات كثير من المربين وأولياء الأمور يتوجسون خيفة من السلبيات التي قد تنجم عن إفراط الأطفال في ممارستها، وكاتب هذه السطور يولي هذه القضية الكثير من انتباهه ليحد من انغماس أبنائه حتى الكبار منهم في هذه الألعاب لدرجة بات يخشى معها أن يلحق الضرر بعيونهم.

 

ويُستخدم الحاسوب الآن في التعليم على نطاق واسع، لأنه عميق الأثر مُتعدِّد الفوائد، ومن خلاله يمكن تعليم الأطفال وتدريبهم على المهارات وتزويدهم بالقيم، وهو يلقى إقبالاً منقطع النظير من المُتعلِّمين، لأنه يقدم إليهم المعارف من خلال الألعاب الممزوجة بالإثارة. ويستطيع الحاسوب أن يقوم بأعمال التقويم لتصحيح إجابات المُتعلِّم وتزويده بتغذية راجعة (Feed Back) فيزداد علمُهُ، وينمو تفكيرُهُ.

ويعرّف "جود" (Good) اللعب في قاموس التربية بأنه: "نشاط موجّه (Directed) أو غير موجّه (Free) يقوم به الأطفال من أجل تحقيق المتعة والتسلية، ويستغله الكبار عادة ليسهم في تنمية سلوك وشخصيات أطفالهم بأبعادها المختلفة العقليَّة والجسميَّة والوجدانية". وهو يعد من مصادر التعلُّم المهمة ووسيلة من وسائله. وقد تناول عدد كبير من الباحثين الأجانب اللعب وأهميته ومن أشهرهم: فرويد، وجان بياجيه. كما ظهر هناك العديد من النظريات التي تهدف إلى تفسير سلوك اللعب من أشهرها:

  • النظرية التلخيصية التي ترى أنّ اللعب غريزة فطرية، ومن أشهر القائلين بهذا الرأي. "ستانلي هول" (Stanly Hall) وهنري بت (Henry Bett) و"ثورندايك".
  • نظرية " الإعداد للحياة ": وهي تربط اللعب بصراع البقاء، ومن أشهر من نهج هذا النهج "كارل جروس" (Carl Groos)، وعنده أن اللعب وسيلة للتدرب على العمل الذي ينتظر المُتعلِّمين في المستقبل.
  • نظرية "الطاقة الفائضة": وصاحبها هو "هيربرت سبنسر" ( Spenser) ومفادها أن الصغار يحتاجون إلى اللعب للتخلص من الطاقة الفائضة لديهم.

 

أهمية اللعب

للعب أهمية تربويَّة ونفسيَّة كبيرة، وله وظائف مُتعدِّدة أهمها:

  • أنه وسيلة من وسائل اكتساب السلوك القويم.
  • أنه وسيلة من وسائل تطوير السلوك.
  • أنه وسيلة من وسائل تحرير الطفل من التوتر النفسي.
  • أنه وسيلة من وسائل تطوير التفكير.
  • أنه وسيلة من وسائل تعليم الطفل القوانين والقواعد الأخلاقيَّة والاجتماعيَّة.
  • أنه وسيلة من وسائل تفاعل المُتعلِّم مع بيئته.
  • أنه وسيلة من وسائل الإعداد للحياة.
  • أنه وسيلة من وسائل إشباع الدوافع الوطنيَّة والقوميَّة.

إضافةً إلى أنّ اللعب التمثيلي يمكّن الطفل من الاستكشاف، حيث يكتسب قواعد السلوك من أدوار الكبار التي يمثلها، وأنه يساعد على تفريد التعلُّم.

ويرى "فرويد" (Frued 1959 ص263) أن اللعب وسيلة علاج من الأمراض النفسيَّة.

 

كيف يوظف المُعلِّم وولي الأمر اللعب؟

يعمل اللعب على إحداث تغييرات مرغوب فيها في البناء الجسمي وفي التكوين العقلي والنفسي للطفل، لذلك فإنه من الأهمية بمكان أن يعرف المُعلِّم وولي الأمر كيف يوظفان اللعب لتحقيق هذا الهدف العزيز. وفيما يأتي بعض النصائح التي يمكن أن تساعدهم على تحقيق ذلك.

  • توفير الألعاب التي تلائم المرحلة العمريَّة للطفل، ولا تتعارض مع الثقافة التي يراد للطفل أن تزود عليها، والتأكد من أنها لا تلحق به أذى.
  • التخطيط الواعي ووضع منهجيَّة علميَّة واضحة الأهداف، لتحقيق أفضل فائدة مرجوة للطفل بممارستها. ويضمن التخطيط تحديد الألعاب التي تعمل على تنمية جانب من جوانب شخصيَّة الطفل الجسميَّة والعقليَّة والوجدانية والمهارية والاجتماعيَّة.

الإطلاع على تجارب المربين المبدعين الذين أحسنوا توظيف اللعب في التعليم، ومن أبرزهم منتسوري (Montessori) التي أنشأت مراكز للأطفال يتعلَّمون فيها القراءة والحساب من خلال اللعب.

 

سلبيات عدم اللعب:

بقي أن نحذر من أن بعض أولياء الأمور يخطئون إذ يعتقدون بأن اللعب لا فائدة ترجى منه، وأنه مضيعة للوقت وللجهد، فيمنعون أبناءهم من ممارسة اللعب بدعوى الخوف عليهم، والحرص على مستقبلهم. وهؤلاء الأطفال المحرومون من اللعب ينشؤون غالباً مثل دجاج المزارع بلا خبرات مفيدة، ويكونون عاجزين عن مواصلة التعلُّم بصورة جيدة عند التحاقهم بالمدرسة، والأجدر بهم ألّا يحرموا أبناءهم من جني ثمرات اللعب، لأنه يساعدهم على بناء شخصياتهم بناء سوياً متوازناً.

 

دور اللعب في تنمية التفكير عند الأطفال