دور الحضانة والعائد التربوي

لا يجادل أحد في كون دور الحضانة أضحت واقعا لا مفر منه في مجتمعاتنا بفعل خروج المرأة إلى العمل وتعدُّد مُتطلَّبات الحياة وغلاء المعيشة. إلا أنّ التساؤل الذي يفرض نفسه بعد الاكتساح الملحوظ الذي حققته هذه الدور لكل التجمعات السكنيَّة سواء الحضريَّة منها أو شبه القرويَّة ينصب في الأساس على قيمتها التربويَّة ومدى نجاحها في التعويض من دور البيت والتربية الوالديَّة.



المدافعون عن هذه الدور يرون أنّها لمّا تحظ بعد بالتقدير الكافي نظراً إلى حداثة المعارف المرتبطة بنمو الطفل ومشاعره واساليب تعلُّمه و تفكيره، إذ ينبغي النظر إليها كامتداد للبيت، ومؤسسة طبيعيَّة في الحياة الاجتماعيَّة لما تقدمه من خدمات تكميلية للطفل تعجز الاسرة في ظل شروط الحياة الحديثة عن النهوض بتوفيرها، فهي تعوض الأطفال من كثير من النقص الذي يعانونه خصوصا فيما يتعلَّق بالفضاء المادي (مكان فسيح، ومواد ومرافق لعب مناسبة، وهواء نقي) وكذا الاستجابة لمُتطلَّبات النمو السليم (التمرينات، والراحة الكافية، والصحبة، والخبرة المرتبطة بمشاعر الطفل الشخصيَّة وحياته العقليَّة ومشكلاته).

 

هذا الموقف ينبني على طرح مفاده أنّ الأسرة في العصر الحديث عاجزة عن التعامل الإيجابي مع المشكلات التي تواجه الطفل، والمُتعلِّقة اساساً بالتعلُّم والشعور والفهم والأمن: فالطفل في الحضانة لا تقتصر حاجته على فرصة لكي يجري ويثب ويتسلق، بل في حاجته كذلك إلى رفقة الكبار الذين يتحلون بالصبر ومهارة الاجابة عن اسئلته حينما يعجز عن الاجابة عنها بنفسه. إنّه في حاجة إلى بيئة سخية، سخيةٌ بدفء المشاعر (سوزان ايزاكس 1981).

 

أمّا المناوئون لدور الحضانة والحريصون على طردها خارج مدار الفعل التربوي فيعللون موقفهم بالمخاطر المترتبة على اقتلاع الطفل من بيئته الأسرية وحرمانه من الحاجة إلى الارتواء العاطفي والأمن النفسي وتشرُّب القيم والمبادئ الأخلاقيَّة، فهذه الدور عاجزة على الرغم من مؤهلاتها وخبرة مطريها عن تكوين الأخلاق الفاضلة، التي هي مسؤوليَّة الأُم في المقام الأول بحكم الارتباط العاطفي بطفلها: "إنّ أطفال الحضانة يتحلون بصفات النظافة و آداب المائدة، ويتمكَّنون بسهولة من إطاعة قواعد المجتمع ونظمه أمّا نموهم الأخلاقي فكثيراً ما نتبيّن أنّهم لا يرتقون كثيرا عن مستوى الأطفال الفقراء المهملين" (آنا فرويد، اطفال بلا أُسَر).

 

إنّ الرعاية المصطنعة التي تقدمها هذه الدور لا يمكنها بأي حال من الأحوال تعويض الرعاية التي تحركها أشواق الأمومة الخالصة، وإذا انضاف إلى هذا العامل واقع الحضانات في بلادنا والمُتسمّ بعدم ملاءمة بنية الاستقبال وضعف التأهيل التربوي للعديد من المشرفات فإنّ الأمر يستدعي القلق الأكيد بشأن الاتزان العاطفي والنفسي لأطفالنا.

 

تجزم الكثير من الأُمّهات العاملات اللواتي يودعن أطفالهن في الحضانات أنّ هذا الأمر يجعل الحياة ممكنة، لكن المهم أن يجعلها طيبة مباركة مثمرة كما يريد الإسلام؟

 

 

المصدر: مجلة المُدرِّس