دور التفكير الإبداعي في بناء شخصية المتعلم

محمود طافش

يربي الإبداع شخصيَّة المُتعلِّم على عشق التميُّز، ويغذيها بالقيم، ويمدها بأنوار العلم، ويطبعها بخصائص وصفات تسمو بها إلى آفاقٍ عاليةٍ متكاملةٍ يكللها تاج النجاح، ويزودها بقدرات تمكنها من التميُّز. وإنَّ تحديد السمات التي تميز الشخص المبدع من غيره من عباد الله تهيئ للمُعلِّم أساليب تحقيقها والعمل على طبع المُتعلِّمين بها. ومن هذه الصفات والقدرات:



  • الاستقلاليَّة في الرأي والتوجه فهو ليس إمعة، يلتف بعباءة الماضي، ويترسم خطا الآخرين دون تروٍّ. إنه يتفكر في آراء الآخرين لكنه لا يلزم نفسه إيّاها.
  • واقعيٌّ لا يهتم بتجميل نفسه ليظهر في عيون الآخرين بصورة مخالفة للصورة التي خلقه الله فيها.
  • صريحٌّ يعبّر عن مكنون نفسه بشجاعة، ويعبّر عن مشاعره بحريَّة دون أن يهتم بوجهات نظر الآخرين بأفكاره ولا بتصرُّفاته.
  • يتسم بالذكاء، ويميل إلى العزلة والانطواء على النفس، دائم التفكُّر في قضية تشغل فكره.

 

والإنسان المبدع كذلك:

  • منفتح على الحياة.
  • محب للاستطلاع ويكثر من طرح الأسئلة.
  • ميّالٌ إلى المغامرة ويعشق ركوب الصعاب.
  • لا تهزه الأخطاء التي يقع فيها ويتجاوزها غير مبالٍ بما يترتَّب عليها.
  • الثقة بالنفس وحسن الظن بالآخرين.
  • المثابرة على العمل والإخلاص فيه.
  • الإقدام وعدم التردُّد.
  • استغلال الفرص والاستفادة منها.
  • الميل إلى القراءة النافعة والبحث الجاد.
  • القدرة على تحديد المشكلة بدقة والتعرُّف على أسبابها.
  • القدرة على تحديد الأهداف بوضوح.
  • القدرة على أن يجعل لكل عملٍ يقوم به هدفاً سامياً.
  • القدرة على التركيز وإطلاق العنان للتفكير.
  • القدرة على توسيع الهوايات والاهتمامات.
  • القدرة على تحمل المسؤوليَّة.
  • القدرة على تذليل الصعوبات ،وإيجاد البدائل الملائمة للمشكلات التي تعترضه فيختار أفضلها.
  • القدرة على الموازنة وتقويم المعلومات وإصدار الأحكام السليمة (1).

 

ولكي تؤتي الجهود المبذولة ثمارها على وجه حسن فإنه يجدر بالمبدعين أن يضعوا في الحسبان المعوقات التي قد تحدّ من إبداعهم أو تضعفه.

 

وينبغي لمُعلِّم الإبـداع أن يكـون واثقـاً بأنَّ تلاميذه قادرون على:

  • إدراك العلاقات الجديدة وطرح أفكار جديدة.
  • التعامل والمشكلات المطروحة بأسلوب علمي قائم على التعليل والتحليل . ومُعلِّم الإبداع قادرٌ على:
    • صياغة أهداف سلوكيَّة مُتميِّزة والتخطيط لأنشطة مؤثرة تحقق الإبداع.
    • تنويع استراتيجيات التدريس، حيث إن جميع تلاميذه ليسوا في مستوى واحد من القدرات الإبداعيِّة.
    • توفير التقنيات الحديثة المساعدة التي يحتاج إليها الطالب الذي يتطلع إلى الإبداع في عمله.

وهو:

  1. يولي الأنشطة المنوعة عنايته ويوجهها إلى توليد الأفكار وتربية المهارات الإبداعيِّة.
  2. يستغل أدوات التقويم ليجعل منها حوافز تنشّط طاقات المبدعين.
  3. يساعد تلاميذه على تقبل فكرة تقويم الذات، وتعديل نتائج هذا التقويم واستثمارها في إحراز المزيد من التقدُّم نحو الإبداع.
  4. يعتمد الأسلوب الديمقراطي التعاوني في محاورة تلاميذه، ويدرك أنَّ السلوك التسلطي لا يمكن أن يفرز إبداعاً.

 

ولتحقيق ذلك كله تقوم القيادات التربويَّة التي تسعى إلى تحقيق الإبداع بتدريب مُعلِّم الإبداع على كل ما يستجد من أساليب ووسائل في مضمار تدريب المبدعين.

 

المُعلِّم والتفكير الإبداعي:

إنَ إعمال العقل في التعامل وقضايا الحياة يؤدي إلى نتائج مثمرة. فالإنسان يستخدم عقله ويفكَر ليفهم، أو ليخطط فيحل مشكلة أو يتخذ قراراً، وكلما كان هذا التفكير إبداعياً كانت النتائج التي تترتَّب عليه أفضل. فكيف ينمي المُعلِّم المبدع التفكير الإبداعي لدى تلاميذه؟

إنَّ التركيز على تحقيق الأهداف ذات المستويات المعرفيَّة العليا يساعد الدارسين على تشكيل الوعي، وعلى الاحتفاظ بالخبرات المكتسبة للاستفادة منها في حل المشكلات بفعاليَّة عاليةٍ من خلال رؤية الخيارات وطرح البدائل. فما مهارات التفكير التي ينبغي أن تتناولها المناهج الدراسيَّة؟

يقترح "كوهن" وجود أربع عمليات تفكيرية مركبة عليا هي: حل المشكلات، واتخاذ القرارات، والتفكير النقدي، والتفكير الإبداعي. والمُعلِّم المبدع يستطيع أن يختار لتلاميذه نوع الممارسة التي تيّسَر نموَهم المعرَفي. "وقد برز في الآونة الأخيرة اتجاه نحو دمج تعليم مهارات التفكير في تعليم المادة الدراسيَّة"(عرفة ، 2002، ص219) بحيث يكون التعليم في المنهج المدمج مبنياً على التفكير، وحينما يتعلَّم الطلبة استراتيجيات التفكير من خلال النموذج أو النص موضوع الدرس فإنَّ قدراتهم التعلميَّة والتفكيرية تسمو بصورة ملموسة، فيصبحون أكثر استمتاعاً ورغبةً في التعلُّم، وهذا ما يحفزهم إلى ممارسة التعلُّم الذاتي سعياً إلى الإبداع.

وحين تنصهر المعلومة التي يحصل عليها المُتعلِّمون من محتوى المادة الدراسيَّة مع أنماط مُتعدِّدة من مهارات التفكير، فإنهم يصبحون قادرين على توظيف أنواع مُتعدِّدة من التفكير في حياتهم العملية مثل: المقارنة، التنبؤ، والبحث عن الأسباب والعلل، واتخاذ القرارات.

 

وعند القيام بعملية موازنة ناجحة فإن المُتعلِّم يكون قادراً على:

  1. القيام بدراسات دقيقة ومتعمقة.
  2. تحديد جميع نقاط التشابه والاختلاف.
  3. استخراج المعاني المتضمنة في عملية الموازنة.

 

وكذلك عندما يقوم المُتعلِّم بعملية التنبؤ فإنه يقوم بها بأناةٍ موضحاً مدى إمكانية حدوث ما تنبأ به، واضعاً في حسبانه الأدلة المُتعلِّقة باحتمال وقوع ما توقعه.

 

وقبل عملية اتخاذ القرار يجدر بالمُتعلِّم أن يكون قادراً على:

  1. دراسة جميع البدائل والخيارات المتاحة له.
  2. البحث عن بدائل أخرى.
  3. التأكد من صحة النتيجة التي توصل إليها قبل أن يقوم بعملية التنفيذ.

 

ومن هنا، فإن مصممي المناهج الدراسيَّة يضعون في الحسبان جميع هذه القضايا، وذلك لتضمين المنهج الدراسي محتوى وأنشطة صالحة لتدريب التلاميذ على مهارات التفكير المختلفة من خلال المحتوى. بهدف تمكين المُعلِّم من القيام بعملية التدريب وفق الخطوات الآتية:

  1. يشرح للمُتعلِّمين أهمية المهارة التي سيدربهم عليها.
  2. يصب المحتوى الدراسي المُقرَّر من خلال المهارة التفكيرية المستهدفة لتدريبهم عليها من خلال دراستهم للمفاهيم والحقائق والمهارات المنهجيَّة، باستخدام المُنظَّم البياني وخريطة التفكير.
  3. يقوم المُعلِّم بطرح أسئلة تأملية من شأنها أن تجعل المُتعلِّمين مدركين ومتفهمين لأهمية تحفيز تفكيرهم.
  4. يواصل المُعلِّم تعزيز استراتيجيات التفكير لدى المُتعلِّمين بإعادة تمريرهم بخبرات وتجارب مماثلة.

 

ويفيد المُنظَّم البياني في:

  1. توجيه وإرشاد المُتعلِّمين في أثناء عملية التفكير.
  2. توضيح العلاقات المهمة في عملية التفكير.
  3. إبراز العلاقات بين أجزاء المعلومات بشكل واضح.

 

وأما خريطة التفكير فإنها تفيد في:

  1. توضيح الاستراتيجيَّة المتبعة للتدرب على مهارة تفكير مُحدَّدة.
  2. تزويد المُعلِّم بأسئلة مُنظَّمة لتوجيه المُتعلِّمين في أثناء قيامهم بأنشطة التفكير.

 

وتوضح خريطة التفكير الخطوات التي سيتبعها المُتعلِّم من أجل التوصُّل إلى قرار سليم. وهذه الخطوات هي:

  • التعرُّف على أهمية القرار الذي سيتخذه.
  • التعرُّف على الخيارات والبدائل المتوافرة.
  • البحث عن المعلومات المُتعلِّقة بكل خيار.
  • التعرُّف على الخيار الأفضل في ضوء المعايير السابقة والمعلومات المتوافرة.
  • اتخاذ القرار والبدء بالتنفيذ.

 

ويستطيع المُعلِّم أن يدرب تلاميذه على مهارات التفكير الإبداعي من خلال المنهج الدراسي، وذلك بجعل التعليم إبداعياً نقدياً، وهذا لا يتم إلا إذا تجاوز المُعلِّم أسلوب تقديم المعلومات الجاهزة إلى تعليم قائم على طرح التساؤلات واستنتاج الحقائق، فتحصل تنمية الإبداع بالتدريج من خـلال الاستراتيجيات الآتية: 

 

  1. الأسئلة المفتوحة مثل: أسئلة لها أكثر من إجابة، فيعرض هذه الأسئلة على المُتعلِّمين من خلال كتابتها على السبورة، ويبدأ باستقبال إجاباتهم عنها.
  2. الاستيضاح: حيث يطلب المُعلِّم من المُتعلِّم أن يأتي بمعلومات توضيحيَّة حول إجابته، كأن يقول له: وضح إجابتك. أو عزز إجابتك بالأدلة. إلخ.
  3. الانتظار: ينتظر المُعلِّم عدة ثوان ليتيح للمُتعلِّم فرصة التفكير في الإجابة. أو لإعطاء فرصة لأكبر عدد من المُتعلِّمين لرفع أيديهم طالبين الإذن بالإجابة.
  4. تقبل الإجابات: حيث يخبر المُعلِّم جميع المُتعلِّمين بأنه سيطلب من الجميع أن يجيبوا، ثم يطلب منهم كتابة الإجابة قبل النطق بها، والسماح لهم باستخدام أساليب التعلُّم التعاوني. ثم يستمع إلى إجابات عدد من المُتعلِّمين مراعيا الفروق الفرديَّة، ومتيحاً فرصة الإجابة لجميع فئات الطلاب دون التركيز على المُتفوِّقين، لأن في التنويع إسهاماً في إثارة التفكير. ثم يكتب الإجابات المميزة على السبورة لمناقشتها وتطويرها.
  5. تشجيع الطلاب على تبادل الآراء في أثناء إعداد الإجابة: بحيث يكون التواصل مُتعدِّد الأطراف، فيتم تطوير أنماط التفاعل بين الطلاب. ومن المستحسن هنا أن ينظم المُعلِّم طلابه في مجموعات، وأن يقلل تعليماته وتعليقاته إلى الحد الأدنى، وأن يدرب المُتعلِّمين على أن يحسنوا الاستماع إلى بعضهم بعضاً، ويدربهم أيضاًعلى آداب الحوار، وأن يعزز سلوكياتهم الإيجابيَّة في أثناء المناقشة.
  6. يخبر المُعلِّم طلابه بأنه سيؤجل تعليقاته على إجاباتهم حتى نهاية الحصة، و يشرع بالاستماع لإجاباتهم، ثم يشكر الطالب الذي يجيب ويعطي الفرصة لطالب آخر.
  7. قبل نهاية الحصة يلقي عليهم أسئلة سابرة مثل: كيف توصلت إلى هذه النتيجة، أو ما الخطة التي وظفتها؟ أو يطلب من المُتعلِّم تفسير تفكيره وتعليله، ثم يعزز توجهات المُتعلِّمين بالقول إنّ مناقشاتهم كانت مثمرة.

 

دور التفكير الإبداعي في بناء شخصيَّة المُتعلِّم