تكنولوجيا التعليم بين تداخل المصطلحات وخصوصية المجال

يتحدث الدكتور محمد ابراهيم الدسوقي عن علاقة التكنلوجيا بالحياة الواقعية وبعلاقتها بالتعليم وكيف يمكن ان يتم التأثير الانساني الناتج عن التكنلوجيا.

 



لم يكن يخطر ببال أكثر الخبراء التصاقا بالتطورات التكنولوجية أنها يمكن أن تكون المحرك الفاعل لتغيير الواقع في المنطقة العربية. فلقد لعبت تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات دوراً غير مسبوق في تاريخ البشرية فيما حدث للأنظمة العربية سواء من شملها التغيير حتى الآن ، وقد كانت التكنولوجيا هي المحرك الأساسي للجماهير خاصة في مصر لتصبح ثورة 25 يناير مدينة للتكنولوجيا كما ندين جميعاً لهذه الثورة.ورغم أن الحديث عن تكنولوجيا المعلومات كمصطلح يدخلنا في محيط أحد أكثر المصطلحات التي شابها الخلط مع مفاهيم متعددة مما يولد نوعاً من الحيرة لدى المتابع والمهتم، الأمر الذى يلزم بتحري الدقة في التعامل مع هذا المفهوم لنصل معاً إلى حقيقته العلمية والمقصد الفعلي له، وهذا ما نأمل في تغطيته خلال ما يتم تناوله في هذه الورقة فقد يسهم ذلك في علاج بعض التداخل الذي طال التناول العام للمصطلحات في هذا الشأن.

إن الحديث عن المعلوماتية أو تكنولوجيا المعلومات يمكن أن يتطرق إلى مجالات أساسية عديدة فلم يعد هناك مجالاً حياتياً لا يتصل بشكل أو بآخر بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات سواء تم ذلك عن دقة في التناول أو دون ذلك ولكن من المهم أن يكون الحديث موضوعياً يستند قدر الامكان إلى موثوقية متعارف عليها ومقبولة ولتكن البداية بتناول مفهوم التكنولوجيا.

وتستخدم كلمة تكنولوجيا حاليا بكثرة في مجالات مختلفة إلى حد أنها أصبحت تستخدم أحياناً كثيرة في غير موضعها الصحيح.

ورغم أن المفهوم الشائع لمصطلح التكنولوجيا هو استعمال الكمبيوتر والأجهزة الحديثة، وهذه النظرة محدودة الرؤية، فالكمبيوتر نتيجة من نتائج التكنولوجيا و هي طريقة للتفكير وحل المشكلات، وهي أسلوب التفكير الذي يوصل الفرد إلى النتائج المرجوة أي أنها وسيلة وليست نتيجة، وأنها طريقة التفكير في استخدام المعارف والمعلومات والمهارات بهدف الوصول إلى نتائج لإشباع حاجة الإنسان وزيادة قدراته، ويؤكد اللقاني أن التكنولوجيا تعني الاستخدام الأمثل للمعرفة العلمية وتطبيقاتها وتطويعها لخدمة الإنسان ورفاهيته .أي أنها في النهاية يمكن بلورته على أنها:

" نتاج جهد إنساني و طريقة للتفكير في استخدام المعلومات والمهارات والخبرات والنظريات العلمية ونتائج البحوث و العناصر البشرية وغير البشرية المتاحة في مجال معين وتطبيقها في الحصول على منتج جديد لحل مشكلات الإنسان وإشباع حاجاته وزيادة قدراته "

أما الحديث عن تكنولوجيا المعلومات كمصطلح فكما سبق وقلت يدخلنا في محيط أحد أكثر المصطلحات التي شابها الخلط مع مفاهيم متعددة أخرى ومع ذلك.

فقد قدمت منظمة اليونسكو تعريفاً لمفهوم تكنولوجيا المعلومات على أنها تطبيق التكنولوجيات الإلكترونية ومنها الكومبيوتر والأقمار الصناعية وغيرها من التكنولوجيات المتقدمة لإنتاج المعلومات التناظرية، والرقمية وتخزينها واسترجاعها وتوزيعها ونقلها من مكان إلى آخر.

وجاء تعريفها في قائمة مصطلحات الحكومة الكندية بأن تكنولوجيا المعلومات تعني اقتناء المعلومات ومعالجتها وتخزينها وتوزيعها ونشرها في صورها المختلفة النصية والمصورة والرقمية بواسطة أجهزة تعمل إلكترونياً وتجمع بين أجهزة الكمبيوتر وأجهزة الاتصال من بعد.

وعمومًا ترتبط تعريفات تكنولوجيا المعلومات بتجميع المعلومات وتصنيفها وتخزينها وإتاحتها دون التطرق إلى عمليات توظيف هذه المعلومات أو الاستفادة منها بمعنى توظيفها في تحقيق أهداف محددة.

والسؤال الآن عما تعنيه المعلومات؟ إن الاجابة على هذا السؤال تدفعنا لاستيعاب أن المعلومات هي نتاج معالجة عناصر أخرى هي ما نطلق عليه مصطلح البيانات والتي تمثل مجموعات من الحقائق والرموز والمفاهيم والأرقام يتم معالجتها لتمثل في النهاية معلومة أو مجموعة معلومات وهذا يعنى أنه يمكن أن يتم ادخال البيانات إلى الحاسب ليتم معالجتها باستخدام برمجية أو برمجيات متخصصة لتتحول إلى معلومات يمكن تصنيفها ونشرها وإتاحتها وتبادلها مع الأفراد والمؤسسات.

وبما أننا نهتم بالدرجة الأولى بالتعليم وهنا يبرز سؤال هام: هل كل المعلومات تصلح لتحقيق هدف تعليمي؟

الاجابة بلا شك لا لأنها لو كانت غير ذلك لما كان هناك اختلاف بين معلم وآخر أو طريقة تعليم وأخرى ولا كان هناك مبرر لاختيار محتوى بعينه ووضعه في سياق معين ليناسب مجموعة معينة ولا كان هناك علما يسمى التصميم التعليمي. وتبرز قضية أخرى هامة أيضا فلم تدعي المعلوماتية ولا تكنولوجيا المعلومات أنها تقدم تعليما وذلك من خلال كل التعريفات المتخصصة المتداولة.

وبالانتقال إلى تكنولوجيا الاتصالات نجد أن هدفها تحقيق الاتصال بين الأطراف دون الأخذ في الاعتبار المضمون المتداول في هذا الاتصال وبالتالي يصبح التوظيف التعليمي أمراً يخص قطاعاً آخر وعلماً آخر هو تكنولوجيا التعليم والفرق بين تكنولوجيا التعليم وتكنولوجيا المعلومات يعرفه جيداً من يعرف الفرق بين مصادر المعلومات ومصادر التعليم.

فالتكنولوجيا في حد ذاتها ليست مجرد تطبيق الاكتشافات العلمية أو المعرفية لإنتاج أدوات معينة، أو القيام بمهام معينة لحل مشكلات الإنسان وضبط البيئة، لكنها بالإضافة إلى ذلك أصبحت نمط حياة فلم يعد من المتخيل الحياة بدون تكنولوجيا، وقد يكون أبسط مثال على ذلك أنه كلما دخل حياتنا نوع جديد من التكنولوجيا مثل التليفون المحمول مثلاً بعد فترة وجيزة جداً نستغرب كيف كانت الحياة تسير بدونه.

وبالتالي فإذا كانت التكنولوجيا تطوّر وتجوّد معطيات المجال الذي تعمل به فإن تكنولوجيا التعليم تعني الاهتمام بكل مظاهر التعلم الإنساني والتعرف على مشكلاتها وتصميم وتنفيذ وتقييم الحلول المناسبة للتعامل مع هذه المشكلات وصولاً لتحقيق أهداف هذا التعلم.

ولا شك أيضاً في أن هذا كله يتم في إطار التوظيف والاستفادة من تطبيق النظريات العلمية التربوية ونتائج البحوث العلمية التي تعطى للتخصص والمجال وقوداً متجدداً للإبداع والاستمرار في تعظيم عائدات التعلم الإنساني.

والتعريف بأي شيء هو عملية لشرح وظائفه وأهدافه وأدواره لكل المهتمين بهذا المجال.

ومن هنا فتكنولوجيا التعليم مجال مستقل لفرع منفصل من فروع المعرفة.

ويعرفها أيضاً بأنها التطبيق الشامل Systemic والنظامي Systematic للاستراتيجيات والأساليب المشتقة من مفاهيم العلم السلوكي والمادي ومفاهيم أخرى في حل المشكلات التعليمية.

ويرى جانيه (Gagne) أن تكنولوجيا التعليم تهتم بدراسة وتهيئة الشروط من أجل تعلم فعال.

يرى جنترى (Gentry) أن تكنولوجيا التعليم هي جهد مع آلات أو بدونها هذا الجهد يسعى للتحكم في بيئة الأفراد بهدف إحداث تغيير في السلوك أو الحصول على مخرجات تعلم أخرى.

ومن المهم جداً هنا الإشارة إلى أن ذلك المعنى لا يجعل من تكنولوجيا التعليم أسيراً لمفهوم الأجهزة الالكترونية وكما يقول رونترى (Rowntree، 1976) من أن توظيف تكنولوجيا التعليم Instructional Technology لا يرتبط بوجود التيار الكهربي فهي ليست أجهزة مادية ولكنها طريقة للتفكير تتناول التعليم والتعلم تناولاً منهجياً منظوماً ومنتظماً بهدف تطوير المواقف التعليمية وتجديدها وزيادة فاعليتها وكفاءتها لإحداث تعلم أفضل.

وقد يـكــون من أبــــــــرز التعريفـــــــــات أيضـــــــــــاً:

تعريف تكنولوجيا التعليم لجمعية الاتصالات التربوية والتكنولوجيا (AECT) لعام 1994 (تكنولوجيا التعليم هي النظرية والتطبيق في تصميم العمليات والمصادر وتطويرها واستخدامها وإدارتها وتقويمها من أجل التعلم).

ويتضح من هذا التعريف أنه يجسد كل عناصر مجال تكنولوجيا التعليم وحيز عملها والذي يمكن تلخيصه في الرسم التوضيحي التالي:

 

تحليل لتعريف تكنولوجيا التعليم لعام 1994

وينبغي التأكيد هنا على أن هذا التوصيف الدقيق يلخصه: تصميم عملية اتصال تعليمي ناجح يحقق أهدافه

وقد عبر لازويل (Lasswell) عن عملية الاتصال في النموذج التالي والتي تترجم سير العملية التعليمية:

 

 

وقد يكون السؤال الهام الآن هل كل عملية اتصال يتبعها حدوث التأثير المرغوب؟

أو بمعنى آخر هل كل عملية تعليم يتبعها حدوث تعلم؟

الإجابة ليس بالضرورة وإلا ما كان هناك عملية تعليمية ناجحة وأخرى فاشلة أو غير فعالة أي لم تحقق أهدافها، وهذا التأثير هو نتاج عملية تصميم ناجح لموقف تعليمي يحقق أهدافه.

ومن هنا أيضا يمكن التعبير عن تكنولوجيا التعليم في المخطط الانسيابي التالي:

 

المصدر

 

تحدث عن الاختلافات الكبيرة التي تحدث بين اوساط التقنيين وفلاسفة التربية والتقنية ومهندسي المعلومات حول المصطلحات وعلاقاته بالواقع الحقيقي البعيد عن الافتراضي.

 

تحدث الكاتب عن بعض الامور النظرية حول تعريف التكنلوجيا ومنها انتقل إلى خلاصة مفادها انه ليس جميع التقنيات التكنلوجية تصلح للتعليم وكذلك ليست جميع المعلومات عبر التكنلوجيا صالحة ليتم تعليمها.

 

وبما ان تكنلوجيا التعليم يتمحور حول تقنية التعليم فلن يعني هذا ارتباط التعليم الالكتروني بجهاز معين او بطريقة محددة بل هي مفاهيم ونظريات يمكن الاستفادة منها في كل الاجهزة المتوافرة.

 

هذا وقد انتهى الكاتب في خلاصته انه من الممكن جداً ان لا يحصل التعليم المطلوب او التأثير المطلوب من التكنلوجيا، هذا الامر يعتمد على "عملية تصميم ناجح لموقف تعليمي يحقق أهدافه".