تقانات التعليم

يستخدم مصطلح تقانات التعليم (educational technology)، أو تكنولوجيا التربية ليدل على استخدام التقانات أو التكنولوجيا في التّربية أو التعليم. ويتباين مفهوم التقانات وتقانات التعليم فبعض المذاهب التربويَّة يُركِّز على الآلة والجهاز (كجهاز الحاسوب، وجهاز الفيديو)، وبعضها الآخر يُركِّز على الرسالة أو البرامج التي تقدم للمُتعلِّمين بوساطة الآلة والجهاز في أوعية مناسبة مثل: أقراص الحاسوب، وأشرطة الفيديو، إلا أنّ كلاً من المذهبين السابقين يتّسم بالنظرة الضيقة لأنّه لا يمكن استخدام الآلة أو البرنامج بصورة منفصلة عن الأخرى في عمليتي التعلُّم والتعليم، ولذلك لابدّ من جمعهما في نظامٍ شاملٍ يجمع بين تصميم البرامج التعليميَّة تصميماً تقنياً، والصفات التقنيَّة للآلات التي ستعرض البرامج بوساطتها.



وتُعرّف تقانات التعليم بحسب هذه النظرة الشموليَّة بأنّها استخدام كلٍّ من الوسائل والأجهزة والأساليب والبرامج والمنتجات العلميَّة التي يمكن بوساطتها تحسين فاعليَّة نظام التعليم ورفع كفايته. وتتألف التقنيَّة في النظام التدريسي من مجموعة متكاملة من العناصر، أهمّها: الأهداف، ومحتويات التعليم والطريقة، والوسائل المُستخدَمة، وأساليب التقويم، وغير ذلك. وهذه تتفاعل فيما بينها من أجل تحقيق وظيفة معينة، أو تحقيق هدف مُحدَّد بفاعليَّة عالية وكلفة مناسبة.

 

واعتمدت جمعيَّة الاتصالات التربويَّة والتقنيَّة (AECT) في الولايات المتحدة الأمريكيَّة تعريفاً شمولياً ينصّ على أنّ تقانات التعليم عمليَّة متشابكة متداخلة تتضمَّن المشاركة الفعَّالة بين عدّة عناصر تشمل العنصر البشري، وأساليب العمل والأفكار، والأدوات، والتنظيمات التي تتبعها لتحليل المشكلات التي تدخل في جميع جوانب التعلُّم الإنساني وبناء الحلول المناسبة لهذه المشكلات وإدارتها ثم تنفيذها وتقويم نتائجها. وتأتي حلول المشكلات في تكنولوجيَّا التربية
(أو تقانات التعليم) في صورة تجمع كل مصادر التعلُّم التي يتم تصميمها واختيارها أو استخدامها لتحقيق التعلُّم. ويتمُّ تحديد هذه المصادر على شكل رسائل وأشخاص، ومواد وآلات وأساليب عمل وتجهيزات. ويمكن تحديد العمليات الخاصة بتحليل المشكلات، وبناء الحلول لهذه المشكلات، وتنفيذها، وتقويم نتائج هذه الحلول عن طريق وظائف تطوير التربية التي تتصل بالبحوث والنظريات والتصميم والإنتاج، والتقويم والاختبارات. أمّا العمليات التي تتصل بإدارة وتنسيق واحدة أو أكثر من هذه الوظائف، فيمكن تحديدها عن طريق وظائف الإدارة التربويَّة التي تتعلَّق بإدارة التنظيم وإدارة الأفراد.

 

تصنيف تقانات التعليم

تصنّف تقانات التعليم استناداً إلى معايير مُتعدِّدة، فيمكن تصنيفها تبعاً للحواس التي تتصل بها وتخاطبها، مثل الوسائل البصريَّة، كالصور الضوئية أو المعارض أو المتاحف أو الوسائل السمعيَّة، كالمذياع أو المسجلة، والوسائل السمعيَّة البصريَّة في التدريس، كالتلفزيون أو السينما أو الفيديو أو الحاسوب.

كما يمكن تصنيف التّقانات التعليميَّة على أساس المستفيدين من الوسيلة المُستخدَمة، مثل الوسائل الجماهيريَّة، كالمذياع والتلفزيون والسينما، ووسائل فرديَّة كالحاسوب الشخصي والمسجلة والهاتف والآلات التعليميَّة والمخبر اللغوي.

 

تطور تقانات التعليم

تطوَّرت تقانات التعليم ولاسيّما في الولايات المتحدة الأمريكيَّة، وقد وضعها "ويلبرشرام"(W. ischram) في أربعة أجيال، تتألف وسائل الجيل الأوّل من منتجات الصناعة اليدوية السّابقة لاستخدام الآلة، ومن هذه الوسائل الأدوات اليدوية المُستخدَمة في الإنتاج والتدريب كالفأس والقلم واللوحات وما شابه ذلك، وهي أقدم الوسائل التعليميَّة في عصرٍ كان التعلُّم شفاهياً وعملياً، ثم أصبح كتابياً.

وكان الاتصال بوساطة وسائل هذا الجيل فردياً في الغالب، واعتمد التعلُّم في هذا الجيل على المخطوطات، ولذلك ركّز التعليم على مهارتي القراءة والكتابة اليدوية على مخطوطات من الطين والجلد والخشب والورق، ولذلك بقيت المعرفة قاصرة على الصفوة من الناس كأبناء الأغنياء والحكام. وبعد اختراع "يوهان غوتنبرغ" (Gutenberg) الطباعة اليدوية المُتحرِّكة عام (1457) طبعت المخطوطات بما فيها الإنجيل في كتب رخيصة الثمن يتداولها عددٌ كبيرٌ من النّاس، وسميت هذه مرحلة الجيل الثاني في تقانات التعليم التي زادت من المعرفة، وعمّمت التعليم وجعلت فرص التعلُّم أيسر، ومن ثم غيّرت تركيب المجتمع الثقافي والمعرفي والاجتماعي.

وكانت وسائل الجّيل الثالث نتيجة تطور الصناعة في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، فاستخدمت الآلة في نقل الصورة والصوت والأفكار بين الناس إلى مسافات بعيدة، فنتج من ذلك ما يُعرف اليوم بالوسائل السمعيَّة والبصريَّة في التدريس. واستخدمت الصورة الضوئية والشرائح والأفلام الثابتة والأفلام المُتحرِّكة الصامتة، وأجهزة التسجيل الصوتي والأسطوانات والأشرطة المغنطيسية والسينما الناطقة والتلفزيون في الإعلام والثقافة والتربية. وتتصف هذه الوسائل بأنّها أكثر اعتماداً على الحواس السمعيَّة والبصريَّة للوصول إلى الخبرة المباشرة وتكوين المفهومات والمعلومات، مما جعلها تتخفف من الحفظ واللفظية التي سادت في الجيل التربوي الثاني.

وبدأت وسائل الجّيل الرابع في الستينيات فوسّعت عقل الإنسان، ويسّرت له التعلُّم الذاتي عن طريق التفاعل بين الإنسان والآلة بوسائل تقنيَّة مُتعدِّدة، داخل المدرسة وخارجها، وتراكمت المعرفة بسرعات كبيرة بعد استخدام الحاسوب وعلم المعلومات فتضاعفت المعرفة في أواسط التسعينات كل سنتين، ومازال التراكم السّريع للمعلومات يسير بخُطاً سريعة بفضل تقانات المعلومات وتقانات التعليم.

 

وأسهم الحاسوب في تطور المعلومات وتقانات التعليم، وتفاعل مع غيره من التقانات، وتكونت شبكات المعلومات، والموسوعات المعرفيَّة والعالميَّة، وخاصة في شبكة الإنترنت (Internet) وأنظمة الاتصال بوساطة الأقمار الاصطناعية والهاتف والفاكس والبريد الإلكتروني، وأنظمة التقانات المُتعدِّدة كالحقائب التعليميَّة، والرّزم التعليميَّة، والفيديو التفاعلي، والحاسوب، والتعليم والتعلُّم من بُعد. وتفاعلت أنظمة تقانات التعليم والإعلام والمعلومات لتكون نظاماً شاملاً معقداً جعل العالم مفتوحاً وكأنّه (بيت مدرسي) شامل للكرة الأرضية، والعلوم الطبيعيَّة والإنسانيَّة، وأصبحت فيه المعلومات نظام الأنظمة جميعها، وتستخدم التقانات المُتعدِّدة في التعليم والمعرفة الحديثة.

 

ويسّرت تقانات التعليم المعاصرة عمليَّة التعلُّم الذاتي لأنّها وضعت بين أيدي الأفراد تقانات مُتطوِّرة تمكن المُتعلِّم من التعلُّم بنفسه بوساطة الآلات التعليميَّة، والحاسوب، والفيديو، والفيديو التفاعلي، والحقائب التدريسيَّة، والمخابر اللغويَّة، وشبكات الاتصال بالهاتف والفاكس والتلكس، إمّا مباشرةً وإمّا عن طريق شبكات المعلومات العالميَّة مثل شبكة الانترنت التي تستخدم مجموعة واسعة من التجهيزات المعلوماتيَّة يختص كلٌّ منها بنوعٍ أو أكثر من الأنواع المختلفة من المعلومات، وتقوم رزم أو حزم برمجية مُتخصِّصة بقيادة هذه التجهيزات وإدارة الأنواع المختلفة من المعلومات، وهذا يتطلَّب استخدام أنواع من التجهيزات الإضافية التي ترتبط بالحاسوب مثل: بطاقات إدخال وإخراج الأصوات (sound cards) وأجهزة مسح الصور (scanners) وبطاقات الفيديو (video cards) وبطاقات ضغط الصور الثابتة، ووحدات التخزين، وأجهزة تابعة وبينية ترتبط بالحاسوب كالوصلة البينية المسماة مودم (modem) التي تصله بالهاتف والفاكس.

 

وتعرض المعلومات ويُجاب عن الاستفسارات بتقانات شفهيَّة ومكتوبة، وبصريَّة وحركيَّة، ممّا ييسّر التعلُّم الذاتي ويشجع عليه، إذ يستطيع المُتعلِّم متابعة الدروس المسجلة على أشرطة فيديو وحل المسائل المطروحة في نهاية الدرس من خلال برنامج تفاعلي يقوّم مدى فهم المُتعلِّم للموضوع المطروح وتحديد المرحلة الآتية أو الدرس التالي بعده. وبذلك استفادت التقانات التعليميَّة من تنوع الوسائط في عرض المعلومات وبإجابات المُتعلِّمين وتقويمها. وتستخدم التقانات والوسائط المُتعدِّدة والمتكاملة مع أجهزة وتقانات تيسّر التعلُّم الجمعي كلوحة عرض البيانات ((Data Show (DS) التي تسمى أيضاً لوحة الكريستال السائل (Liquid Crystal Display) (LCD) التي يمكن وصلها بالحاسوب أو الفيديو فتظهر فيها المعلومات من كتابات ورسوم مبكرة بوساطة جهاز السبورة الضوئية الذي ينقل المعلومات من اللوحة إلى الشاشة لتستخدم في التدريس الجامعي والعروض الإيضاحية لمجموعات كبيرة، كما تيسّر التفاعل بين المشاهدين والبرنامج التعليمي المعروض بالحاسوب. ويتمُّ التركيز اليوم على شبكة الإنترنت العالميَّة لأنّها شبكة الشبكات، إذ يستطيع المشترك فيها الاتصال ببنوك المعلومات والموسوعات العالميَّة والمتاحف والمعارض والمُؤسَّسات والأشخاص المشتركين فيها في جميع أنحاء العالم، ويستخدم تقنيَّة الحاسوب وتوابعه من وصلات بينية وهاتف وبريد إلكتروني للاتصال والتعلُّم الذاتي بتقانات فعَّالة ورخيصة.

 

 

 

أنواع تقانات التعليم

  • أجهزة عرض الصور الضوئية الثابتة للتعليم، ويمكن الإشارة إلى الأجهزة الآتية:
  • السبورة الضوئية، وهي جهاز عرض الشفافيات الكبيرة والأجسام الشفافة الثابتة أو المُتحرِّكة الشكل (1).
  • الأبي سكوب ويعرض الصور المعتمة والعينات والأدوات الصغيرة مكبرة على الشاشة الشكل(2).
  • الديا سكوب أو جهاز عرض الشرائح الصغيرة، وأفلام (35) ملم الثابتة، وقد يضاف إليه الصوت لينقل الصورة والصوت متزامنين ويسمى الديا سكوب الناطق الشكل (3).

وهناك أجهزة تجمع بين هذه الأنظمة بأشكال مختلفة في جهاز واحد.

  • تقانات عرض الصوت للتعليم، وأكثرها شيوعاً في التعليم المسجلة والهاتف وأعقدها المخبر اللغوي الذي يتألف من مجموعة من المسجلات وتوابعها الشكل (4).
  • تقانات عرض الصورة والصوت معاً، وأكثرها شيوعاً السينما والتلفزيون والفيديو، والفيديو التفاعلي والحاسوب الشكل (5).

 

التقانات الإلكترونية للاتصال عن بعد

أسهمت تقانات الاتصال عن طريق الأقمار الاصطناعية (satellite) في تيسير الاتصال وخاصة في شبكة الإنترنت وتوابعها مثل الشبكة العنكبوتية العالميَّة (world wide web) والفاكس (fax) أو المثالية (الناسوخ) التي تنقل الكتابة والصور في صورة طبق الأصل بوساطة الهاتف، والتلكس telex)) والبريد الإلكتروني (e-mail) وصارت هذه التقانات أنظمة أساسيَّة للتعلُّم المفتوح العالمي، مما ييسّر التعلُّم في البيت، والمكتب من دون الحاجة إلى السفر طلباً للعلم.

 

ويتم اختيار التقنيَّة التعليميَّة استناداً إلى درجة مناسبتها للموقف التعليمي الذي تكون فيه قادرة على تحقيق أهداف التدريس بكفاية وفاعليَّة مناسبة. وتستخدم تقانات التعليم بأنواعها المُتعدِّدة في جميع دول العالم ولكن على مستويات مختلفة في درجة تطوُّرها، إذ تستخدم التقانات التعليميَّة المُتقدِّمة في الدول الغنية لتحسين التعليم والتعلُّم أكثر من استخدامها في الدول الفقيرة التي تعتمد على تقانات تعليميَّة رخيصة من البيئة أو فضلاتها، وتطور لتصبح صالحة للتعليم. أمّا الدول الغنية والمُتقدِّمة فإنها تستخدم تقانات مُتقدِّمة كالحاسوب، والفيديو، والفيديو التفاعلي، والفيديو فون، والفاكس، والتلكس، والبريد الإلكتروني.

 

ويسّرت شبكة الإنترنت، والشبكة العنكبوتية العالميَّة لجميع المشتركين فيهما الاستفادة من معلومات متوافرة في جميع أنحاء العالم مما قد يسهم في تعميم المعلومات والتعليم. وتستخدم في دول الوطن العربي تقانات تعليميَّة تقليديَّة، ومُتطوِّرة، وذلك بحسب إمكانات كل بلد.

 

آفاق مستقبليَّة

يسمى العصر الحالي عصر المعلومات، وفي أواسط التسعينات من القرن العشرين تتضاعف المعرفة كل سنتين، ولذلك يتوقع أن تصير المُؤسَّسات التربويَّة كالمدارس والمعاهد والجامعات عاجزة عن مجاراة التطوُّر المعرفي السريع، مما سيؤدي إلى تغيرات كبيرة في الأنظمة التدريسيَّة. وسيؤدّي ذلك إلى انتشار أساليب مُتعدِّدة من التعلُّم الذاتي، والتعلُّم من بعد، وهذا يتطلَّب توافر واستخدام تقانات تعليميَّة مُتعدِّدة ومُتطوِّرة كالحاسوب والفاكس والاشتراك في شبكة الإنترنت، والاتصال عن طريق الأقمار الاصطناعية، وبذلك يصبح في استطاعة المُتعلِّم اختيار نوعيَّة التعلُّم ومكانه وزمانه حسب حاجته، كما يمكن للمُتعلِّم تجاوز حدود الزمان والمكان، لأنّ هذه الأجهزة والتقانات الحديثة قد حولّت العالم إلى (قرية إلكترونيَّة) أو إلى
(بيت مدرسي) يستطيع الإنسان فيها التفاعل مع منظومة معقدة من العلاقات مع البشر والآلات، تمكنه من التعلُّم الذاتي المفتوح وهو جالس في بيته أو مكتبه.

 

ويصعب تحديد تصور واضح لتطور المعلومات والتقانات التعليميَّة في المستقبل إلّا أنّه يمكن القول إنّ من يستفيد منها بسرعة يستطيع أن يواكب عصر المعلومات سريع التغيُّر، ومن ثم يردم فجوة التخلف بينه وبين المتقدمين في هذا المجال في العالم، وتصبح التقانات التعليميَّة والمعلوماتيَّة أداة في تيسير تحقيق تكافؤ الفرص في التعليم والاتصال.

محمد وحيد صيام

المصدر: الموسوعة العربيَّة لتنمية الذات