تفعيل التعليم -باربارا كلارك

 

تفعيل التعليم

 

باربارا كلارك

ترجمة : أ د . يعقوب حسين نشوان ، ود .محمد الخطيب  عرض : محمود طافش

 

صدر هذا الكتاب عن دار الفرقان بعمان يقع في 333 صفحة ، ويضم بين دفتيه ثلاثة أبواب وعشرة فصول.

في كلمة تحت عنوان تمهيد الكاتب نقرأ ما يلي: "رفعت الدكتورة باربرا كلارك الناي والطبل والعلم الأمريكي لتقودنا في الثورة الجديدة، وعلينا جميعاً أن نتبعها. علينا أن نعارض الاستبداد المتمثل بقياس التعلم عن طريق متطلبات التخرج ودرجات الاختبار فقط، علينا أن نصرخ عالياً ضد إساءة التعامل مع الأطفال التي تتم في البيوت وفي المدارس العامة .."




وكان الفصل الأول عنوانه: التغيير نحو التعلم الفاعل، وفيه تبرز المؤلفة الحاجة إلى معلمين مثقفين، وتركز على أهمية أن يدرك هؤلاء المربون كيفية عمل الدماغ والاستخدام المتكامل لوظائفه والمعلومات الثمينة المتوفرة في ميادين علم النفس وتطور الطفل، وعلم الاجتماع واللغويات وعلم الحياة العصبي والفيزياء، ثم تنتقد المنهاج التربوي المعتمد حالياً في الولايات المتحدة والذي صممه هوريس مان Horace Mann منذ أكثر من قرن والذي يستند إلى نظام الصفوف المتدرجة من الصف الأول وحتى الصف الثاني عشر، وتعتبره عقيدة تربوية جامدة وغير ملائمة، لأن الأطفال من ذوي السن الواحدة يختلفون دائماً في مقدراتهم وخبراتهم السابقة، والخبرات وليس الأعمار هي التي تطوّر الكثير من مقدراتهم العلمية.

   وتبرز المؤلفة مجموعة من الحقائق وهي:

  • أن لصحة الأم ورفاهيتها في الأشهر التي تسبق الولادة أثرا كبيرا على مستقبل ذكاء الطفل الذي لم يولد بعد.
  • أن المرحلة الكائنة ما بين الولادة وسن الثالثة من العمر هي أكثر المراحل حسماً في التطور الفكري للطفل.
  • أن للبيئة دورا مهما في إثراء خبرات الأطفال، وكلما كانت البيئة أكثر استجابة كلما ازدادت قدرة الدماغ على تناول الكميات المتزايدة للتعلم المعقّد.

 

وفي الفصل الثاني، تناولت الكاتبة انعكاسات بحوث الدماغ على التعلم الفاعل على أساس أن الذكاء تكاملي، وأن تكامل الوظائف العاطفية والإحساس الجسمي والتفكير الحدسي هو الذي يخلق مستويات عالية من الذكاء والتطور الأقصى للطاقات الإنسانية، وأن الدماغ يقوم بعمله على أفضل وجه عندما يتحد النظامان العاطفي والإدراكي معاً، كما أنه يستخدم المشاعر لبناء المعلومات. إلا أنّ ما يدعو للسخرية هو أنّ كفاءة التعلم يتم منعها عن طريق تجاهل المشاعر.

وفي الفصل الثالث تتحدث الكاتبة عن النموذج التربوي المتكامل فتقول: "يستخدم النموذج التربوي المتكامل المعلومات من مواضيع متنوعة كالفيزياء، وعلم النفس والعلوم العصبية. وهذا النظام التفاعلي يشتمل على أفكار المتعلم ومشاعره وحواسه وحدسه.."ص35

وتتحدث عن الأثر الكبير للمكان الذي يتم فيه التعلم، لأنه يعزز أو يعيق كمية ونوعية ما يكتشفه الطلبة. وأن الإبداع يتمخض عن تكامل الوظائف المعرفية مع وظائف العواطف والمشاعر والإحساس الفيزيائي والحدس. وترى أن التفاعل مع المعلومات الجديدة يتطلب التركيز على تكامل جميع الوظائف الإنسانية بما في ذلك التفكير.. الخ ص44.

وفي الفصل الرابع تتحدث المؤلفة بإسهاب عن إيجاد المناخ الملائم لتفعيل التعليم، وعن البيئات التي ينبغي أن توفّر للمتعلم، وتحدد لتحقيق ذلك خمس عشرة خطوة غاية في الأهمية يجدر بكل معلم أن يسير عليها.

وأما الفصل الخامس فقد خصصته الكاتبة للحديث عن تكامل الوظائف الحسية، وأكدت على أهمية تخفيض التوتر من أجل تفعيل أكثر لكافة مستويات وظائف الدماغ، حيث إن القلق يؤدي إلى خلل في الانسياب الطبيعي للمعلومات والعمليات بين نصفي الدماغ، وتعطيل وظائف الدماغ الأمامي. وتضيف: " إن الحركة والتشفير الفيزيائي (الجسيمي) هي الأداء التعليمية الأكثر قيمة، والتي يمكن أن تستخدم لتقوية محتوى أي موضوع أو مقرر، ويمكن أن تساعد التلاميذ على فهم أفضل للمفاهيم المعقدة أو المجردة، وتقوى القدرة على الخزن والاسترجاع.

وفي الفصل السادس تتحدث المؤلفة عن المشاركة في المسؤولية من أجل التعليم، وتؤكد على أهمية مشاركة التلاميذ في المسؤولية عن الانضباط في غرفة الصف. وتشير البحوث إلى إن هذا الضبط يزيد الدافعية ويعطي تحصيلاً أعلى، وعندما يتشارك المعلم والتلميذ في المسؤولية في الضبط والعمل في غرفة الصف فإن كليهما يجدان الكرامة والاحترام للنمو الفعّال.

وترى الكاتبة أن نموذج المسؤولية التشاركية يتكون من سبعة مكونات يسعى كل منها إلى توجيه التلاميذ نحو مزيد من السلوك المسؤول، وهذه المكونات هي:

  1. المشاركة بين التلاميذ والمعلمين في تحقيق هدف التعلم.
  2. المشاعر والاتجاهات.
  3. تحديد الأهداف.
  4. إيجاد وصيانة الرغبات والتعهدات.
  5. إدراك التلاميذ للضبط والمحافظة عليه.
  6. تطوير المهارات والاستراتيجيات.
  7. الاعتراف بالتقدم وتحقيق الهدف.

وفي الفصل السابع تتحدث الكاتبة عن التفكير التكاملي، وتركز على أهمية معرفة تخصص كل نصف من الدماغ، وكذلك معرفة الحاجة للتفاعل والتعاون بين هذين الجزئين وتكامل وظائفهما من أجل إنجاز الأنشطة المعرفية المتحدية والمعقّدة في عملية التعلم، لأن التعليم الفعّال يتطلب التعقيد والتحدي.

وتتعرض الباحثة لنماذج للتطور المعرفي التي ترتكز على عملية التفكير ومكانتها في تخطيط المنهج وتنفيذه، مثل: تصنيف الأهداف التربوية في المجال المعرفي عند بلوم، ونموذج بناء التفكير عند جلفورد، والاستقصاء عند برونور وسوخمان.

 وتناقش المؤلفة في الفصل الثامن المكوّن المفتاحي الأخير لنموذج التربية التكاملية وهو الحدس والتكامل، وهو المنطقة التي لا يُعلم عنها إلا القليل كوظيفة للدماغ الإنساني، معتبرة أن كافة المناطق الأخرى للدماغ توفّر دعماً للحدس وأن الحدس يوفّر الدعم لها أيضاً.

وبقدر ما تتضمن كل منطقة مستويات أعلى بقدر ما تتوفر الوظائف الحدسية والإبداعية.

وتحاول الكاتبة توضيح مفهوم الحدس فتقول: " تبدو العملية الحدسية على أنها عملية تركيبية وديناميكية عالية، وتنتج من كافة وظائف الدماغ وتجمعها معاً. وهذه السمة التكاملية تسمح بالعملية الحدسية لأن تكون قابلة للمقارنة مع الإبداع. " ثم توضّح خصائص الحدس وكيفية تطويره في غرفة الصف، والظروف الملائمة التي تظهر الحدس، إضافة إلى الطرق التي يمكن بها ممارسة توسيع العمليات الحدسية.

وفي الفصل التاسع تتحدث الكاتبة عن المنحنى التكاملي في التعليم وترى أن العديد من المعتقدات السائدة عن التعليم والتعلم تحتاج إلى تغيير أو استبدال وتطرح مجموعة من البدائل والممارسات المطوّرة يجدر بكل معلم أن يطلع.

وفي الفصل العاشر والأخير وهو " النظر إلى المستقبل" تقول الكاتبة:" لتلخيص الهدف من نموذج التعلم التكاملي، وما أعتقده أنه ضروري، فإني أرغب في أن تأتي معي إلى أعلى داخل التلاميذ، في منطقة بعيدة في الولايات المتحدة الغربية.."  وتسرد قصة طفل وجد نسراً جريحاً فاعتنى به وأصبحت بينه وبين النسر صداقة، فينصحه معلم حكيم أن يطلقه ليعيش في أعالي السماء، لكن الطفل يعزّ عليه فراق النسر، ولكنه يضطر في النهاية لتنفيذ نصيحة المعلم. وتنهي المؤلفة كتابها قائلة: " إن التعليم الفعال يؤدي إلى التفوق. فالتفوق هو أكثر من قدرة عالية وأكثر من مستوى عال من الإنجاز، والتفوق يسمح بالأحلام والرؤيا المثالية، وحب القيم. إن التفوق الحقيقي هو التعبير عن التفرد لكل منا. إنه التعبير عن الروح. ويظل المعلمون هم مطلبنا لتنشئة التفوق الحقيقي." وتضيف: "
فإذا كنت مدير مدرسة فيمكنك تقوية المعلمين، وإذا كنت معلما في البيت أو المدرسة يمكنك تقوية المتعلمين. وأنت تستطيع تحسين التعليم الآن. إذا كنت تعتقد بأنك قادر على ذلك وقادر على إحداثه، فأنت حقيقة البداية الحرجة."

والكتاب بوجه عام يعرض إضافات جديدة للفكر التربوي، ومادته غنية جداً ومركزة يصعب تلخيصها بصفحات قليلة، فهو يعرض تجارب عملية قامت بها مدارس متطورة، ويجدر بكل معلم أن يطلع عليه. إنه كتاب يستحق القراءة بعناية.

موقع الأستاذ محمد طافش