تعليم جيل دوت كوم

(أ.حسني عايش) بضربة واحدة قد تحقق الثورة التكنولوجيَّة ما عجزت حركة الإصلاح التربوي عن تحقيقه طيلة السنوات السابقة. ولن يبقى لإعداد المُعلِّمين والمُعلِّمات التقليدي أية مصداقية، وللمُعلِّمين والمُعلِّمات تلك الحكمة والهالة اللتينِ ظلوا يتمتعون بهما عندما كان المُعلِّم مصدر المعلومات والمعارف، فالمُعلِّمون والمُعلِّمات لا يستطيعون اليوم أن يُقدِّموا لتلاميذهم وتلميذاتهم ما تستطيع الإنترنت تقديمه لهم حسب ما يراه ثلاثة من المُعلِّمين والمُعلِّمات ومدير مشروع التاريخ والثقافات في جامعة كاليفورنيا في ديفس



(Phi Delta Kappan April 2001). إنَّ مشكلات الأبوية، والعزلة، وضيق الوقت، والمكان، والتواصل بين المُعلِّمين، وصعوبة الاتصال بخبراء المادة، والمصادر الأحدث. وحتى مشكلة توفير اطلاع واسع على أعمال الطلبة وكتاباتهم. تجد حلها في الإنترنت. الكمبيوتر أداة ويجب أن يستخدم لتحقيقالزيادة في إنتاجيَّة المُتعلِّم وفعاليته.

أحدهم يقول: لقد جرّبت التعليم بالإنترنت وبعض البرامج، إلَّا أنني ركزت على معالجة الكلمات لتشجيع التلاميذ على الكتابة بمهارة، وللحد من مشقة إعادة الكتابة والتحرير. لكن إدخال الإنترنت إلى الصف يغير وجه العمليَّة التربويَّة، فمنذ دخلت الصف أوَّل مرة منذ عشر سنوات لم أكن مستعداً لقبول الإحساس العميق بالعزلة. 

ومع أنَّ هذه العزلة توفر للمُعلِّمين والمُعلِّمات حرية أعظم في الصفوف، إلَّا أَنها خانقة لهم مهنياً وتربوياً. فعندما يغلق المُعلِّم باب الصف عليه، يصبح العالم كله بما في ذلك الزملاء والوالدان خارجه. فما بالك إذا كان من النادر بل الممنوع في بلادنا، وجود تلفون في الصف يجسر الهوة بين المدرسة وبقية العالم؟

عندما تربط المدرسة صفوفها بالإنترنت، فليس الوصول إلى المعلومات هو الذي يغير الصف، لأنَّ المعلومات كثيرة ومتوافرة أصلاً. فالذي يغير الصف بالنسبة إلى المُعلِّمين والمُعلِّمات والوالدين والمجتمع هو انتهاء العزلة. بالإنترنت داخل الصف (لا يوجد تلفون حتى الآن) أمتلك قناة للاتصال الفوري بكل أب وكل أم إجمالاً لتلاميذي الذين يزيدون عن مائة وخمسين. وأستطيع الاتصال بأب أحد التلاميذ بمفرده أو بجميع آبائهم وأمهاتهم معاً.

 قد تبدو هذه الفائدة تافهة بالنسبة إلى الناس خارج التربية والتعليم، لكن محاولة الاتصال بخمسة عشر أباً في أثناء التخطيط لرحلة مدرسيَّة شاق وشبه مستحيل عبر الهاتف وبخاصة إذا كان الهاتف بعيداً عنك أي غير موجود في مكتبك أو على طاولتك.

وبالعكس من ذلك فإنَّ الاتصال بهم عبر البريد الإلكتروني يصبح ميسراً. وأستطيع أن أحدد به للوالدين مكان التقاط التلميذ. إنَّ للاتصال بوساطة البريد الإلكتروني تأثيراً دراماتيكيا على قدرتي على الاتصال بالآباء والأمهات. لقد كان للبريد الإلكتروني تأثير فيَّ وأكبر مما توقعت، بل إنه مثير لمن يراقب النتائج. وما بدأ كبريد إلكتروني لتنظيم الرحلات المدرسيَّة انتهى بمجتمع من الآباء والأمهات يبحث في مسائل واسعة المدى، وأصبحوا مصدراً قوياً لتلاميذي، أستطيع الاستفادة من خبراتهم وتجاربهم في تعليمهم. وعليه فإنَّ المسألة ليست تكنولوجيا ومعلومات فحسب، بل علاقات أيضاً. ومثلما تحسَّنت العلاقات مع الآباء والأمهات بصورة أكثر دراماتيكية اتسعت علاقات التلميذ مع التعلُّم والعالم بصورة أكثر إثارة. وهكذا نرى أنَّ الإنترنت يغير الصف والمدرسة بطرائق شتى، لكن أكثر التغيُّرات دراماتيكية وأهمية تلك التغيُّرات التي تضع حداً للعزلة (الصفيَّة والمدرسيَّة) عن المجتمع والعالم.

وبما أن النموذج التقليدي للمدرسة متأصل فإننا نلاقي صعوبة كبيرة في تخيل الطرائق التي يمكن أن نصلحه بها. لكن دخول الإنترنت عليه سيفتح لنا الباب لتخيل طرائق لا تحصى لإصلاحه. إنني لا أفكر في جماليَّة الإنترنت فقط كأداة بحث، غير أننا إذا أردنا إحداث تغييرات كبيرة في التعليم، فإنها لن تأتي إلَّا بإحضار المجتمعات المحليَّة والعالميَّة إلى الصف والإنترنت هو الذي سيحضرها ويضعها بين يدي الطلبة. وبذلك سيغيِّر الإنترنت منحى التعليم والتعلّم التقليديين، فلن يبقيا مسوّرين بجدران غرفة الصف وسور المدرسة. بل سيصبح العالم كله مدرسة. 

ففي صفٍّ يزيد عدد التلاميذ فيه عن ثلاثين أو أربعين تلميذاً، يصعب إجراء مناقشات في مجموعات صغيرة منهم وجهاً لوجه. وعندما كانت تجري مناقشة لم أكن أسمع أصواتاً كثيرةً من التلاميذ في الصف لخجلهم أو لضعف ثقتهم بأنفسهم. أمّا الآن فإنَّ تلاميذي يجدون حلاً مريحاً يسمح لهم بالتعبير بحريةٍ وبأصواتهم عن أفكارهم في أي وقت: بالبريد الإلكتروني.

لقد مكن هذا البريد الجديد التلاميذ الذين (قلّماً رفعوا أيديهم في الصف للكلام)، من التراسل الإلكتروني معي بانتظام. إنَّه حدثٌ إلكتروني قوي. وبالإنترنت أصبح دوري مسهلاً أو ميسراً للتعلُّم ومشرفاً على عمل المجموعات. فالإنترنت يوفر للتلاميذ الاستقلال المطلوب لمتابعة ما يريدون تعلّمه، ويهدم الجدران القائمة بين الحاضر والماضي، وبين الصف والمدرسة والعالم، وبين كل واحد والآخر.

هذا كلام جميل عن فائدة الإنترنت في التعليم والتعلّم، ولكن دخوله إلى مدارسنا قد لا يغير من الأمر شيئاً ما بقي إنهاء المناهج والكتب المُقرَّرة في نهاية السنة الدراسيَّة المرجع، والجلوس للامتحانات فيها هو المعيار.

المصدر: تعليم جيل دوت كوم الأستاذ حسني عايش المدرسة العربية إلكترونيَّة