تعلم المفاهيم

مُقدِّمة:

إنّ تعلُّم الفرد يستمر من المهد إلى اللحد. ويغدو هذا التعلُّم مسألة بالغة الصعوبة والتعقيد، لو ترتب على الفرد أن يستجيب باستجابة واحدة ومُحدَّدة لكل مثير. ولكن الإنسان ولحسن الحظ يستطيع تعميم ما يتعلَّمه في أوضاع جزئية ومُحدَّدة على أوضاع أكثر عمومية وتجريداً. ولولا قدرة الإنسان على التعميم لاستحال عليه تعلُّم المفاهيم، وضاع في متاهات الجزئيات اللامتناهية التي تنطوي عليها بيئته.



حيث يعد تصنيف المدركات في فئات، وإعطاؤها أسماء مُحدَّدة، وسيلة من الوسائل التي يلجأ إليها الفرد في سعيه إلى تنظيم العالم من حوله من خلال تعلُّم المفاهيم.

 

إنّ الديموقراطية، والأمانة، والمنزل، والسيارة، والبحر، والنهر، والميناء. كلها أمثلة لمفاهيم من الحياة اليومية. وإنّ الكتلة، والوزن، والحاسوب، والإحباط، والتعلُّم، والمنهج، والمجتمع هي أمثلة لمفاهيم يتعرَّض لها المُتعلِّم في حجرة الدراسة. حيث تقوم هذه المفاهيم المكتسبة بتزويد الفرد بنوع من الثبات أو الاتساق لدى تفاعله مع المثيرات البيئية المتنوعة، فتمكنه من معالجة الأشياء والحوادث والأفكار من خلال بعض الخصائص المشتركة التي تؤهلها للانتماء إلى صنف معين.

ولا غرابة إذا قلنا إنّ الفرد قد يمتلك مجموعة من المفاهيم المتباينة من حيث درجة الوضوح أو التحديد، فمفهوم الحريَّة، والعدالة، والحق، هي أكثر غموضاً من مفاهيم الكتاب، والجزيرة، والرجل. غير أنّ هذه المفاهيم النسبية تأخذ بالتطوُّر والتغيُّر المستمرين عبر الخبرات الجديدة والمواقف التي يتصدى لها الفرد بحيث تغدو أكثر دقة ووضوحاً وشمولاً.

وعندما يستوعب المُتعلِّم مفهوماً يمكنه أن يفعل أربعة أمور على الأقل:

 

  1. يسمي أمثلة على المفهوم لدى رؤيتها أي "يُعَمِّم".
  2. يذكر صفات المفهوم "يُعرِّف".
  3. يختار الأمثلة المنتمية، ويستبعد الأمثلة غير المنتمية، واللا أمثلة "يُميِّز".
  4. يحل المشكلات، فالطفل الذي تعلَّم مفهوم "كُرة" عليه أن يضع الكرة على أرض مستوية كي لا تتدحرج "يحل مشكلات".


ويقوم التعليم المدرسي في جزء كبير منه بتعليم المفاهيم وتطويرها، لأنّ المفاهيم تشكل قاعدة ضروريَّة للسلوك المعرفي، حيث يتم بفضلها الانتقال من أشكال التعلُّم البسيطة إلى الأشكال الأكثر تعقيداً.

 

مفهوم المفهوم:

  1. التعريف اللغوي للمفهوم:
    عُرِّف المفهوم في الصحاح بأنّه: "العلم، وتفهم الكلام إذا فهمه شيئاً بعد شيء".
  1. التعريف المنطقي للمفهوم:
    يعتقد بعض المناطقة أنّ: اسم المعنى يكون المفهوم، أم اسم الذات فهو مثل "خالد" و"علي". أو أنّ المفهوم هو الصفات التي تفهم من التصور مثل الإنسانيَّة والحيوانية.
  1. التعريف العلمي النفسي للمفهوم:
    • يرى كل من "ودورث وماركوس" أنّ الكلمة إذا عدت أنها أداة من أدوات الفكر فإنها مفهوم. ويضيفان إليها هذا: أنّ المفهوم عن أي شيء من الأشياء لا يحدد فقط بتعريف هذا الشيء بل يشمل أيضاً ما يعرفه الفرد، وما يعتقد به عن هذا الشيء، وكذلك موقفه تُجاهه.
    • ويرى (ليل بورن): أنّ المفهوم هو تصنيف لأشياء مدركة وموجودة في مجال إدراك الفرد، وتعدُّ كمُثيرات له.
  1. ونستطيع أن نقول:
    إنّ هناك مدرستين فكريتين في علم النفس تُعَرِّفَانِ المفهومَ تعريفين مختلفين:
    • فالمدرسة الأولى: تعرّفه بأنّه "مجموعة الخواص أو الصفات أو السمات التي تشترك فيها مجموعة من الأشياء".
    • والمدرسة الثانية: تعرفّه بأنّه "فكرة عقليَّة ذهنيَّة تربط بين حقيقتين علميتين أو أكثر من الحقائق العلميَّة". أو: "فكرة عقليَّة أو ذهنيَّة يكونها الفرد عن الأشياء والأحداث في البيئة".

 

السمات المميزة للمفهوم:

مما سبق يمكننا أن نستخلص السمات الآتية المميزة للمفهوم وهي:

  • أنّ المفهوم يشير إلى الصنف العام الذي ينتمي إليه الأفراد.
  • وأنّ المفهوم في محتواه هو مجموعة خصائص أو صفات مُجرَّدة عن الواقع ومعمَّمة.
  • وأنّ المفاهيم تعتمد الخبرات السابقة للفرد.
  • تكون المفاهيم في البداية غير واضحة تماماً ثم تأخذ في الوضوح.
  • وأنّ العلم ينمو بنمو المفاهيم.
  • وأنّ المفاهيم هي أدوات الفكر الرئيسة.
  • كما أنها تساعدنا على التحكُّم بالأشياء.
  • وأنّ بعض المفاهيم جيدة التحديد وأنّ بعضها سيئة التحديد.
  • وأخيراً تقوم المدرسة بدور هام في تشكيل المفاهيم.
  • وأنّها تتولد بالخبرة وبدونها تكون ناقصة.

 

بقلم: ضحى فتاحي

المرجع:

منصور، علي: التعلُّم ونظرياته. مديريَّة الكتب والمطبوعات الجامعيَّة، منشورات جامعة تشرين، اللاذقية، (1421) هـ (2001) م.

المصدر: زاد ترين