تطبيق نموذج الأندراغوجي

تختلف وجهات نظر المؤلفين بشأن نموذج الأندراغوجي، يبدو ذلك واضحاً من خلال الاقتباسات المُختلفة التي يُقدِّمها كل مؤلف بطريقته الخاصة. وبناء على ذلك يصعب تحديد محتوى وعدد افتراضات نموذج الأندراغوجي الرئيسيَّة، والسبب الرئيسي في هذه الصعوبة يرجع إلى أن عدد مبادئ هذا النموذج قد ازدادت من خمسة إلى ستة مبادئ خلال السنوات السابقة. وذلك بعد أن أدخل نولز عام (1989) بعض التعديلات على أفكاره. بالرغم من هذا، ما زال العديد من المؤلفين يُفضِّلون استخدام افتراضات نموذج الأندراغوجي كما ذكرها نولز عام (1980) في اقتباساتهم، بالرغم من قيامه بتعديلها مرتين منذ ذلك العام. ظهر بعض التشويش نتيجة تلك الزيادة في عدد الافتراضات والتناقض في العدد المُقتبس في الدراسات.



يُظهِر الجدول 7-1 مبادئ (أو افتراضات) النموذج الحالي، فضلاً عن افتراضات نولز المُقتبسة من أعماله السابقة. كما ويبدو واضحاً من الجدول بأن نموذج الأندراغوجي تم تقديمه في البداية بأربعة افتراضات، الأعداد 2-5 (نولز، 1980، 1978، 1975). تشبه تلك الافتراضات الأوليَّة افتراضات ليندمان الأربعة حول تعليم الراشدين، على الرغم من عدم وجود ما يثبت أن نولز اعتمد في صياغته الأوليَّة لنموذج الأندراغوجي على ليندمان بشكل مباشر (نولز وهولتون وسوانسن، 1988؛ سيورات، 1987). وتمت إضافة الافتراض السادس، دافع التعلُّم، في العام 1984 (نولز، a1984(، في حين أُضيف الافتراض الأول، الحاجة للمعرفة، في السنوات اللاحقة (نولز، 1990، 1989، 1987). بالنتيجة، توجد ستة افتراضات أو مبادئ رئيسيَّة لنموذج الأندراغوجي في وقتنا الحاضر. (نولز وهولتون ووانسن، 1988).

 

التعديلات التي طرأت على المبادئ الرئيسيَّة لنموذج الأندراغوجي

الجدول في الملف المرفق

الإطار الفردي- العملي

تعرَّض نموذج الأندراغوجي لانتقاد شديد من الباحثين المُختصين بمجال الفلسفة. وعلى سبيل المثال ينتقد غرايس (1996) نموذج الأندراغوجي لمجرَّد تركيزه على الفرد، وعدم مراعاته الناحية الاجتماعيَّة، أو مناقشته للعلاقة القائمة بين تعليم الراشدين والمجتمع. استنتج كروس (1981) أن "الاعتماد على نموذج الأندراغوجي كأساس لنظريَّة شاملة في مجال تعليم الراشدين ما يزال أمراً مشكوكاً بصحته" (ص، 227). بينما يجد آخرون صعوبة في الحصول على نظريَّة لتعلُّم الراشدين لا تقتصر على إجراءات التعليم/التعلُّم، بل تتضمّن بعض مبادئ تحقيق النتائج المرغوبة. تتضمّن تلك الآراء تحوّلاً مُحتمَلاً (ميزيراو، 1991) ومثالاً مُهمَّاً عن التعلُّم الذاتي (بروكفيلد، a 1984، 1978). كما ينتقد برات (1993) نموذج الأندراغوجي لعدم تبنيه لصيغة حاسمةٍ في تعلُّم الراشدين. وأخيراً يختم برات بالنتيجة التالية: "يبدو واضحاً أن نموذج الأندراغوجي يزخر بنماذج الفرديَّة والديمقراطية الجريئة (ديمقراطية المغامرة واتّخاذ القرارات الجريئة). فقد ينتج التغيُّر الاجتماعي عن التغيُّر الفردي، لكن ذلك لا يمثِّل الهدف الرئيسي لنموذج الأندراغوجي" (ص، 21).

 

أعتقد بأن نقاد نموذج الأندراغوجي مُحِقون في قولهم بأن هذا النموذج لا يتضمَّن نتائج التغيير الاجتماعي، ولا يتضمَّن النظريَّة النقديَّة بشكل واضح وخاص، لكنهم مخطئون في تأكيدهم على ضرورة تضمين تلك النتائج. يُشير نولز (1989، 1990) وآخرون مثل (داركن وولد وميريام، 1982؛ غرايس، 1996؛ ميريام وبروكيت، 1997) إلى الأساس الفلسفي العملي والإنساني في نموذج الأندراغوجي. فمن الناحية الإنسانيَّة، كما هو واضح في أعمال ماسلو وروجرز (نولز، 1989)، يُركِّز نموذج الأندراغوجي على تحقيق ذات الفرد. أما من وجهة نظر الفلسفة العمليَّة، حيث يظهر تأثير ديوي وليندمان على نولز، يُركِّز نموذج الأندراغوجي على المعرفة المُكتسَبة من الخبرة بدلاً من السلطة الرسمية (ميريام وبروكيت، 1997).

 

هكذا وبمُلاحَظة الأصول الفلسفيَّة لنموذج الاندراغوجي، نستنتج بأنه ما هو إلا نموذج فردي-عملي لتعلُّم الراشدين (بروكفيلد، 1986). تركّز مُعظم افتراضات الفلسفات العمليَّة، والإنسانيَّة، والسلوكيَّة، والبنائيَّة، على بُعْدَين: المُتعلِّم وانتقال أثر التعلُّم. في جميع الأحوال، تولي النظريَّة النقديَّة اهتماماً أكبر لنتائج التعلُّم أو لما يسمى التغيير الاجتماعي (ميريام وبروكيت، 1997). يُشير نولز (1990) إلى هذه التأثيرات المُختلفة بشكل ضمني، فهو يتحدَّث عن المناظرات الفلسفيَّة بين عامي 1926 و1948 "حيث أكَّد بعضهم على أن تعليم الراشدين يهدف إلى تطوير الأفراد، في حين تحدَّث آخرون عن أهميته في تطوير المجتمع" (ص، 44).

 

وكما ذكرنا سابقاً، فنحن نعتقد بأن نولز لم يقصد أبدا ًاعتماد نموذج الأندراغوجي أو أي من مجالاته كنظريَّة لتعليم الراشدين كما عرَّفه بعض النُقَّاد النظريين. إن أيَّة محاولة لتضمين الأهداف والغايات الخاصة لأي مجال فرعي في نموذج الأندراغوجي لتعلُّم الراشدين هي أمر خاطئ من الناحيتين المفاهيميَّة والفلسفيَّة. حيث يحدث تعلُّم الراشدين في العديد من المواقف لأسباب مُختلفة. والأندراغوجي: هو نموذج لانتقال أثر تعلُّم الراشدين لأنه مُصمّم ليتجاوز مواقف وتطبيقات مُحدَّدة. أما تعليم الراشدين: فيقتصر على مجال واحد للتطبيق يحدث خلاله التعلُّم، وقد يضيف البعض مجالات أخرى كتنمية الموارد البشريَّة التنظيميَّة، والتعليم العالي، أو أي ميدان آخر يحدث ضمنه التعلُّم.

 

إضافة إلى أنه من الصعب الاتفاق على تعريف لتعلُّم الراشدين وذلك نظراً لتنوعه الكبير. مثلاً: تتضمّن العديدُ من تعاريف تعليم الراشدين تنميةَ الموارد البشريَّة كمجال فرعي، إلا أن القليل من تعاريف تنمية الموارد البشريَّة تُصنِّفها كذلك. كما تتميّز المجالات الفرعية المُنْدَرِجة في إطار تعليم الراشدين بأسسها الفلسفيَّة المُتعلِّقة بدور التعليم في المجتمع، والنتائج المرغوبة من أنشطة تعليم الراشدين (داركن وولد وميريام، 1982؛ ميريام وبروكيت، 1997). مثلاً، تُشكِّل النظريَّة النقديَّة واحدة من الإطارات النظريَّة العديدة لتنمية الموارد البشريَّة. ولسوء الحظ، تعرَّض نموذج الأندراغوجي للانتقاد من وجهة النظر الفلسفيَّة، وذلك لأنه يُشكِّل مجالاً واحداً يهتمّ بنوع خاص من تعلُّم الراشدين.

 

هنالك العديد من المُناقَشات المهمّة التي تشمل أهداف وغايات أنشطة تعلُّم الراشدين، ولكن بالمقابل يجب علينا أن نميّزها عن مُناقَشات نماذج عمليَّة تعلُّم الراشدين. ولا نغفل القضايا الجوهرية التي لا بد من مناقشتها باهتمام في جميع مجالات تعليم الراشدين. ونحن ننكر تماماً أن تكون جزءاً من نموذج الأندراغوجي. فعلى سبيل المثال، قد يحتار العلماء في دراسة تنمية الموارد البشريَّة التنظيميَّة إذ ينظرون إليها من وجهة نظر النظريَّة النقديَّة، أو من ناحية الأداء، إلا أن ذلك لا ينطبق على نموذج الأندراغوجي. نقترح بأن تركّز تلك الانتقادات على سبب إجراء فعاليات أو برامج تعلُّم الراشدين (النتائج المرغوبة) بدلاً من كيفيَّة حدوث انتقال أثر تعلُّم الراشدين، الذي يُشكِّل الاهتمام الرئيسي لنموذج الأندراغوجي الذي قد لا يكون نظريَّة موضحة لأي مجال فرعي من تعليم الراشدين.

 

من المهم مُلاحَظة إمكانية ربط نموذج الأندراغوجي مع النظريَّات الأخرى التي تتركّز حول الأهداف والغايات. أما الآن فنحن نعرف بأننا نستطيع استخدام نموذج الأندراغوجي ضمن العديد من المواقف التي تسعى لتحقيق غايات وأغراض مُحدَّدة، مع الانتباه إلى التأثير المختلف الذي يفرضه كل موقف على عمليَّة التعلُّم. فمثلاً: قد يشترك الراشد في التعلُّم بغرض التغيير الاجتماعي (النظريَّة النقديَّة) ويستخدم نموذج الأندراغوجي لتحقيق ذلك. وبطريقة مُشابهة، قد يشترك الراشد في التعلُّم من أجل تحسين الأداء داخل المُنظَّمة (الأداء/ نظريَّة رأس المال البشري) ويستخدم لذلك نموذج الأندراغوجي أيضاً.

 

في الوقت الذي أصبحت فيه النظريَّة النقديَّة نموذجاً شائعاً يستخدمه الباحثون في مجال تعليم الراشدين، تُشير الانتقادات السابقة المُوجَّهة ضد نموذج الأندراغوجي إلى افتقاره للمبادئ التي تجعل منه نظريَّة مُوضِّحة لمجال تعليم الراشدين (ديفين بورت وديفين بورت، 1985،  غرايس، 1996؛ هارتري، 1984) بدلاً من تعلُّم الراشدين. يلاحظ ميريام وبروكيت (1997) "أهميّة التمييز بين تعليم وتعلُّم الراشدين، وخاصة من أجل الوصول إلى فهم شامل عن تعليم الراشدين" (ص، 5). أعتقد بأن نولز تطرَّق إلى هذا الالتباس في أعماله الأولى فيما تعلَّق باعتبار نموذج الأندراغوجي نظريَّة شاملة لتعليم الراشدين، أو للتعليم بجميع أشكاله (نولز، 1973، 1978) في محاولة منه لتبسيط الأمور (نولز، 1989).

بقية البحث في الملف المرفق