تدريس المفاهيم

د. مسعد محمد زياد

تعريف المفهوم مجموعة من الأشياء، أو الحوادث، أو الرموز تجمع على أساس خصائصها المشتركة العامة، التي يمكن أن يشار إليها باسم، أو رمز خاص. وعرفه البعض: بأنه تصور عقلي عام مادي، أو مجرد لموقف أو حادثة أو شيء ما. تعريف المفهوم المادي: هو تصور لأشياء يمكن إدراكها عن طريق الحواس. تعريف المفهوم المجرد: هو فكرة، أو مجموعة أفكار يكتسبها الفرد على شكل رموز، أو تعميمات لتجريدات معينة.

 



تشكيل المفهوم

يبنى المفهوم عادة من تصوُّرات تحصل من خلال الحواس الخمس، ومن الذكريات والتخيلات، ومن نتاج الفكر الخيالي.

وهذا يعني أن الطفل قبل أن يبدأ بتشكيل المفهوم، لا بد له من أن يتعامل مع المدركات الحسية الخاصة بذلك المفهوم. فكلمة تفاحة، بحر، سيارة.. إلخ، مفاهيم تتكون لدى الطفل نتيجة لمدلولات حسية، وتستخدم الرموز، أو الكلمات للإشارة إليها.

الرمز، أو الكلمة ليس المفهوم ذاته، ولكن المفهوم هو مضمون هذه الكلمة، ودلالة هذا الرمز في ذهن المُتعلِّم.

مثال: كلمة "طاولة" ليست مفهوماً، وإنما هي اسم لهذا المفهوم، وإن الصور الذهنيَّة التي تتكون من خصائص الطاولات جميعا هي "المفهوم"، أو مضمون الكلمة.

 

المراحل الأساسيَّة لتشكيل المفهوم:

  1. المرحلة العملية: وتعرف بمرحلة العمل الحسي، وفيها يتكوَّن "الفعل"، وهو طريق الطفل لفهم البيئة، من خلال التفاعل المباشر مع الأشياء.
  2. المرحلة الصُّوَرية: هي المرحلة التي ينقل فيها الطفل معلوماته، أو يمثلها عن طرائق الصور الخياليَّة. وفي هذه المرحلة يشكل الأطفال المفاهيم للأشياء بالتخيل، وتكوين صور ذهنيَّة لها.
  3. المرحلة الرمزية: هي المرحلة التي يصل فيها الطفل إلى مرحلة التجريد، واستخدام الرموز، حيث يحل الرمز محل الأفعال الحركيَّة. وتُسمّى هذه المرحلة عملية تركيز الخبرة المكتسبة، وتكثيفها في رموز رياضيَّة، أو جمل ذات دلالات معنويَّة.

 

نمو المفاهيم وتطورها:

لا تنشأ المفاهيم فجأة بصورة كاملة الوضوح، ولا تنتهي لدى الفرد عند حد معين، ولكنها تنمو وتتطور طوال الوقت.

كلما زادت خبرة الفرد بالمفهوم عن طريق تعرُّفه على أمثلة إضافية له، تكشف لديه المزيد من خصائصه، وتعرف العلاقات التي تربطه بمفاهيم أخرى.

مما يلاحظ على نمو المفاهيم وتطورها، أنها لا تنمو وتتطور بمعدل واحد، وإنما تختلف في درجة نموها وتطورها باختلاف المفهوم نفسه.

المفاهيم الماديَّة تنمو وتتطور بدرجة أسرع من المفاهيم المُجرَّدة. ويرجع السبب إلى استخدام الخبرات المباشرة، والأمثلة الحسية في تشكيل المفاهيم الماديَّة، في حين تتشكل المفاهيم المجردة بالاعتماد على الخبرات البديلة، والأمثلة الرمزية.

 

طبيعة تعلُّم المفهوم

هو قدرة الفرد على إعطاء استجابة واحدة لمجموعة من المثيرات التي تشترك معا بخصائص متشابهة.

وهو نشاط عقلي تصنيفي يتضمَّن عمليتين أساسيتين هما: التمييز، والتعميم.

يرى البعض: أن تعلُّم المفهوم يتضمَّن أي نشاط يؤدي إلى تصنيف حوادث، أو مثيرات متباينة جزئيا في صنف   واحد، وأن قدرة المُتعلِّم على تصنيف هذه المثيرات بطريقة منسقة، دليل على تعلُّمه للمفهوم.

يتم تعلُّم المفهوم وفق قاعدة معرفيَّة، أو عقليَّة يستخدمها الفرد في تحديد صفة معينة، أو أكثر للإشارة من خلالها إلى أمثلة المفهوم.

لذلك فالمثال ليس مفهوماً، وإنما هو حالة خاصة يتضمَّن الصفة والصفات المميزة للمفهوم.

 

توضيح طبيعة تعلُّم المفهوم

نجري عملية نشاط تعلُّم الترابط اللفظي بين أزواج الكلمات، وبين المثير والاستجابة مع نشاط التعلُّم.

هناك تشابه بين المثيرات التي يعتمد عليها كل من تعلُّم الارتباط اللفظي، وتعلم المفهوم أحيانا. غير أن الأداء المتوقع من تعلُّم أيّ منهما يختلف عن أداء الآخر.

ففي تعلُّم الترابط اللفظي بين المثير والاستجابة، يصدر المُتعلِّم استجابة واحدة لمثير واحد مُحدَّد، وفي هذا التعلُّم يستجيب المُتعلِّم إلى كل مثير على حدة باستجابة خاصة ومختلفة تماما عن الاستجابات الأخرى. مثال:

  • مثير استجابة (1) تفـاح، ثلاث استجابات مختلفة تعلُّم الارتباط اللفظي.
  • مثير استجابة (2) برتقال، لثلاثة مثيرات مختلفة، بين المثير والاستجابة.
  • مثير استجابة (3) موز، النسبة (1 :1).

تعلم الارتباط اللفظي بين المثير والاستجابة.

 

شكل (1)

يلاحظ من الشكل رقم واحد أن الفرد قد يتعامل مع المثيرات الثلاثة على أساس الربط بين كل مثير، والاسم الدال عليه، لذلك كانت كل استجابة مختلفة تماما عن الاستجابة الأخرى.

  • مثير استجابة (1) استجابة واحدة.
  • مثير استجابة (2) فاكهة لثلاثة مثيرات مختلفة.
  • مثير استجابة (3) النسبة (1:3).

 

شكل (2)

يلاحظ من الشكل رقم (2) أن الفرد قد تعامل مع المثيرات الثلاثة نفسها على أساس التصنيف، لأنّ المثيرات (1،2،3) تشترك فيما بينها بصفة أو مجموعة صفات مميزة تؤهلها للاندماج في صنف واحد هو الفاكهة.

ومما سبق يتضح أن الفرد يمكنه أن يتعامل مع المثيرات على أساس أنها مثيرات مختلفة مستقلة بذاتها، فيستجيب لها استجابات مُتعدِّدة، ومختلفة إذا كان تعلُّمه من نوع الارتباط اللفظي.

أما إذا كان تعلُّمه على أساس تعلُّم المفهوم، فيتعامل وإيّاه من خلال إدراكه لصفة، أو مجموعة من الصفات المشتركة لكونها أمثلة خاصة بمفهوم معين، فيستجيب لها استجابة واحدة، بإعطاء اسم الصنف، أو المفهوم.

 

س: كيف يتعلَّم الفرد المفهوم؟

نعرض مثالاً مُحدَّداً على مفهوم اللون الأحمر، كأن نعرض مثلاً ثمرة بندورة.

ثم نطلب من الطفل أن يستجيب لفظا بالقول (أحمر) لدى رؤيته لثمرة البندورة المعروضة، ونكرر هذه المحاولة مرات عدة حتى يكتسب الطفل الكلمة أي "اسم المفهوم أحمر". فإذا تمكن الطفل من نطق كلمة (أحمر) بشكل صحيح، فهل يعد هذا مؤشراً كافياً إلى تعلُّمه لمفهوم (أحمر)؟ بالطبع لا، لأن استجابة الطفل في هذه الحالة ربما تكون لصفة أخرى في ثمرة البندورة غير صفة الاحمرار المميزة للمفهوم، لذلك لا بد من عرض مجموعة أخرى من الأمثلة على المفهوم. مثل: بلح، تفاح، قلم أحمر، ورقة حمراء، توت أحمر، فريز... إلخ.

نطلب من الطفل الاستجابة بكلمة (أحمر) لمثل هذه الأشياء. غير أن هذا ليس دليلاً قاطعاً على تعلُّم الطفل للمفهوم بمجرد تمكنه من هذه الاستجابة، لأن استجابة الطفل لمثل هذه المثيرات قد تكون على أساس الارتباط اللفظي بين المثير والاستجابة.

ولكي تتأكد من إتقان الطفل للمفهوم لا بد من اتباع إجراءات إضافية هي:

  1. عرض مثيرات جديدة تحمل صفات المفهوم، وتُعَدُّ أمثلة عليه.
  2. عرض مثيرات أخرى لا تحمل صفات المفهوم، ولا تُعَدُّ أمثلة عليه.

فإذا تمكن المُتعلِّم من تصنيف هذه المثيرات باختيار الأمثلة ووضعها في الصنف، واستثناء اللا أمثلة من الصنف، عندها يتم التأكد من إتقان المُتعلِّم للمفهوم.

 

صفات المفهوم وقواعده:

لكي نميز المفهوم لا بد من أن يتضمَّن ظاهرتين أساسيتين هما:

  1. الصفات: ويقصد بها المظاهر الأساسية، أو الخصائص المميزة ذات العلاقة بالمفهوم، والتي على أساسها يتم تمييز أمثلة المفهوم ووضعها في الصنف. يلاحظ اختلاف المفاهيم من حيث عدد الصفات. (مفهوم له صفة واحدة: كالدائرة، لأنها تتضمَّن صفة الاستدارة فقط).
  2. القواعد: يقصد بها الطرائق المختلفة التي تنتظم بوساطتها صفات المفهوم المميزة. ويلاحظ أن الصفات المميزة لمفهوم (ما) قد تنتظم وفق قاعدة معينة. كالصفات المميزة لمفهوم (المربع)، وهي: الشكل البسيط، والانغلاق، والأضلاع الأربعة المتساوية، والزوايا الأربع المتساوية. وفق قاعد تجميعية.

بينما قد تنتظم الصفات المميزة لمفهوم آخر وفق قاعدة انفصالية، أو غير اقترانيه. كالقاعدة التي تشير إلى النمط (إما/أو) مثال ذلك: مفهوم الكائن الحي الذي يشير إما إلى إنسان، أو حيوان أ أو نبات.

 

طرائق تدريس المفاهيم:

تختلف الأساليب والمواد التي يستخدمها المُعلِّمون في تدريس المفاهيم داخل حجرة الدراسة من مُعلِّم إلى آخر. بل تختلف عند المُدرِّس نفسه عندما يقوم بتدريس مفهومين مختلفين.

 

من أشهر هذه الطرائق التي وضعها التربويون العرب:

  1. الطريقة الاستقبالية أو الاستنتاجية: في هذه الطريقة يعرض المُعلِّم المثيرات على التلميذ واحدا تلو الآخر، بعد إعلامه بقاعدة المفهوم، ويحاول التلميذ تصنيف كل مثير لدى عرضه في الفئة المناسبة.
  2. الطرائقية الاختيارية أو الاستقرائية الاستكشافية: وفيها يعرض المُعلِّم جميع المثيرات دفعة واحدة، ويقوم التلميذ باختيار المثير المناسب، ووضعه في الفئة المناسبة، ويتلقى تغذية راجعة بعد كل عملية اختيار.

 

وهناك طرائق أخرى وضعها بعض التربويين الأجانب:

  1. الطريقة الاستكشافية.
  2. الطريقة الاستقرائية للمفاهيم الماديَّة.
  3. الطريقة الاستنتاجية للمفاهيم المُجرَّدة.
  4. تدريس مفهوم نائب الفاعل على طريقة جانييه الاستقرائية.

 

خطوات الإعداد

  1. اسم الموضوع: نائب الفاعل. الصف: الخامس الابتدائي.
  2. الأهداف السلوكيَّة:
    • أن يحدد التلميذ الصفات المميزة لمفهوم نائب الفاعل.
    • أن يميز نائب الفاعل في الجمل الآتية من غيره من الأسماء المرفوعة الأخرى.
    • أن يختار الجمل التي تحتوي على نائب الفاعل من بين الجمل الأخرى التي لا تحتوي عليه.
    • أن يُسوِّغ سبب اختياره للجملة التي تحتوي على نائب الفاعل، والجملة التي لا تحتوي عليه.
    • أن يعطي ثلاثة أمثلة جديدة على نائب الفاعل وأن يصوغ تعريفا لنائب الفاعل.

 

  1. الأنشطة والوسائل والمواد:
    • تقديم نص مكتوب يتضمَّن أمثلة محتوية على نائب الفاعل.
    • تقديم مجموعة من الأمثلة واللا أمثلة المكتوبة للموازنة.

 

  1. طريقة عرض المفهوم:
    • يعرض المُعلِّم نصا مكتوبا على مفهوم نائب الفاعل، بعد وضع كل نائب فاعل بين قوسين.

النص

وما هي إلا دقائقُ حتى سُمِعَ (صفيرٌ) طويلٌ، وشُوهِدَتْ (الأنوارُ) الدوارةُ. إنها سياراتُ الإطفاءِ الحمراءِ قد أقبلت لإطفاءِ الحريقِ. وعلى الفورِ اندفعَ منها رجالٌ أشداءٌ يرتدون ثيابًا خاصةً، فأُنزِلت (السلالمُ) من السياراتِ، وفُتِحَت (خراطيمُ) المياهِ، ولم يمضِ وقتٌ طويلٌ حتى أُخمِدت (النيران).

 

  • يقرأ المُعلِّم النص، والتلاميذ يستمعون إليه، وبعد الانتهاء من القراءة يشير المُعلِّم إلى الأسماء التي بين القوسين، ويخبر التلاميذ بأنها نائب فاعل، ويتأكَّد المُعلِّم من أن التلاميذ يلفظون اسم المفهوم لفظا صحيحا. وذلك بسؤالهم عن كل اسم بين القوسين بالقول مثلا: ماذا نطلق على هذا الاسم؟ (يشير المُعلِّم إلى الاسم الأول مما بين القوسين، فيستجيب التلاميذ بالقول:

(نائب فاعل). تم يكرر المُعلِّم هذا السؤال مع الأسماء الأخرى التي بين القوسين، مع تقديم التعزيز المناسب. ثم يكتب اسم المفهوم (نائب فاعل) على اللوحة الطباشيرية، وبذلك يتم اكتساب التلاميذ لاسم المفهوم عن طريق تعلُّم الارتباط بين المثير والاستجابة.

  • يطلب المُعلِّم من التلاميذ تأمل نائب الفاعل، والفعل الذي يسبقه في جمل النص، تم يوجه إليهم الأسئلة ذات العلاقة بالصفات المميزة لنائب الفاعل. كأن يوجه مثلا الأسئلة الآتية:

ما نوع الجمل التي تشتمل على نائب الفاعل؟ وما نوع الفعل الذي يسبقه؟ وهل تشتمل هذه الجمل على مفعول به؟

وماذا حل محل الفاعل المحذوف؟ ولماذا سمي بنائب فاعل؟ وماذا أصبحت حركة نائب الفاعل؟ وفي كل جواب عن سؤال يقدم المُعلِّم التعزيز المناسب.

  • يعرض المُعلِّم مجموعة من الأمثلة واللا أمثلة على مفهوم نائب الفاعل بحيث يتم عرضها في وقت متزامن، وبصورة أزواج متقابلة، وعند عرضها يخبر المُعلِّم التلاميذ عن المثال بأنه مثال، وعن اللا مثال بأنه لا مثال على المفهوم دون أن يقدم لهم التّسويغ. وبذلك يتم تعلُّم التمييز المُتعدِّد من خلال الموازنة بين الأمثلة واللا أمثلة، كما يتم تعلُّم التصنيف الذي يعني اكتساب المفهوم.

 

  1. عرض الأمثلة واللا أمثلة على مفهوم نائب الفاعل:

الأمثـلة

اللا أمثـلة

          كُسِرَ الزجاجُ

كَسَرَ الولدُ الزجاجَ

يُرفَعُ العلمُ          

يرفعُ الجنديُ العلمَ

           شُدَّ الحبلُ

شَدَ اللاعبون الحبلَ

ضُرِبَتْ الكرةُ

ضَرَبَ اللاعبُ الكرةَ

يُقالُ الحقُّ

يقولُ الشاهدُ الحقَّ

 

 يلاحظ من العرض السابق أن كل جملة من الجمل التي في الجانب الأيمن هي جملة مبنية للمجهول، ومثال على نائب الفاعل، وأن كل اسم من الأسماء التي اشتملت عليها هذه الجمل

 وهو: الزجاج، والعلم، والحبل، والكرة، والحق. كل منها نائب فاعل.

وأن كل جملة من الجمل التي في الجانب الأيسر هي جملة مبنية للمعلوم، وهي ليست مثالا على نائب الفاعل، وأن كلا من الأسماء الآتية وهي: الزجاج، والعلم، والحبل، والكرة، والحق. ليست نائبة عن الفاعل، بل كل منها جاء مفعولا به.

 

  1. يطلب المُعلِّم من التلاميذ تحديد الصفات المميزة للمفهوم بكتابتها على الورق.
  2. يكلف المُعلِّم بعض التلاميذ المتطوعين بقراءة الصفات التي حددوها.
  3. يطلب المُعلِّم من التلاميذ تعيين الجمل التي تشتمل على نائب فاعل، مع الإشارة إلى نائب الفاعل في كل جملة مختارة مما يأتي وتقديم التسويغ لذلك. والجمل هي:

 

الجمل المختارة

  1. يلعبُ الأولادُ في الحديقةِ.
  2. كُوفِئ المجتهدُ.
  3. {قُتِلَ أصحابُ الأخدود}.
  4. يسعفُ الطبيبُ المريضَ.
  5. أُكلَ الطعامُ.
  6. سافرَ أبي إلى مكة.
  7. يقرأُ التلميذُ الدرسَ.
  8. يُعاقبُ المهملُ على إهماله.
  9. يطلب المُعلِّم من التلاميذ صياغة تعريف لنائب الفاعل.