تحليل الجمهور قبل التدريب - حلل احتياجات الجمهور

إن التحليلات الديموغرافية والنفسية لا نهائية وتأخذ الكثير من الوقت، وقد تكون بعض هذه العناصر - عناصر التحليل والصفات - لا علاقة لها بالموضوع الذي تختاره للتحدث عنه، وقد يكون بعضها الآخر أساسياً، ومهمتك هي اكتشاف الصفات والميزات المهمة وفهمها بشكل كلي. حين تهتم بصفات جمهورك الديموغرافية والنفسية ستكون قادراً على تحديد احتياجات المستمعين ودوافعهم بشكل أفضل. هناك نموذج مساعد في تحديد احتياجات الجمهور بطريقة منظمة، وهو هرم ماسلو (Maslow’s Hierarchy): يمكننا أن نتذكر الاجتماعي والنفساني أبراهام ماسلو (1908-1970) الذي وضع نموذجاً للاحتياجات البشرية والمعروف بـ "تسلسل ماسلو"، وقد كانت فكرة ماسلو هي أن كل الاحتياجات البشرية يمكن أن تصنف في خمس مجموعات من ناحية أهميتها وقوتها وسيطرتها، وهي: الاحتياجات الفزيولوجية والاحتياجات الأمنية واحتياجات الانتماء والحب واحتياجات التقدير واحتياجات الإنجاز الشخصي. وكمدرب أو كمعلم أو كقائد عليك الانتباه للاحتياجات التي تسيطر على جمهور محدد تقوم بمخاطبته، والانتباه على أهميتها.



تشير الحاجات الفيزيولوجية أو الجسدية إلى حاجة الإنسان الأساسية من الماء والغذاء والنوم، وهذه هي الاحتياجات الأساسية التي يجب تلبيتها قبل أي حاجة أخرى، وكما أشار ماسلو والآخرون: لا يستطيع الشخص الجائع أن يلعب وهو في يشعر بجوع شديد. كما وضع ماسلو قضية الجنس بين الاحتياجات الفسيولوجية ففي حين يستطيع الناس العيش بدون الاتصال الجنسي، إلا أن الجنس يشكل ضرورة هامة لاستمرار النوع البشري.

 

بعد تلبية هذه الحاجات، هناك مجموعة جديدة من الاحتياجات التي تهمنا وهي الاحتياجات الأمنية وتتضمن هذه المجموعة كل ما يتعلق بالعالم الآمن والمنظم والقانوني، الذي نثق به، فحين نشعر بالأمان في العالم المنظم فإننا نبدأ بالنظر إلى الأشخاص من حولنا، من أصدقاء وأطفال وآباء وعلاقاتنا معهم.

 

أما المجموعة الثالثة من احتياجات ماسلو فهي احتياجات الانتماء والحب، وهي تزودنا بالشعور بالجماعة، ووفقاّ لماسلو: ليس لنوعية المجموعة التي نختارها أهمية، فقد يكون أفراد المجموعة زملاء في العمل، أو مجموعة من الأشخاص الذين نراهم في المجتمع، أو أفراد عائلتنا أو حتى أفراداً من مجموعة معارضة للمجتمع، إنما المهم هو أن نشعر بانتمائنا جميعا إلى مجموعة معينة، وأن نعطي الحب ونتلقاه من هؤلاء الأشخاص... لأن كل إنسان يحتاج للاتصال الإنساني.

 

ومن هؤلاء الأشخاص الذين نتعلق بهم، يشكل كل منا صورة لقيمه، ويذكرنا ماسلو في المجموعة الرابعة من الاحتياجات احتياجات التقدير، بأننا جميعا نحتاج لتقدير كبير لأنفسنا، نحتاج جميعنا لتربيتة على الكتف من وقت إلى آخر، ويتم إشباع هذه الحاجة من قبل الأشخاص الموجودين حولنا، من المدير الذي يعطينا التعزيز والإطراء، أو المعلم الذي يكافئ عملنا بدرجات عالية. في بعض الأحيان نتقن أشياء لوحدنا كالتكلم بلغة أجنبية أو تعلم برنامج كمبيوتر أو العزف على آلة موسيقية، وتعطينا هذه الإنجازات شعوراً بجدارتنا، ولكن هذه المشاعر تتثبت وتتأكد عندما يدركها ويقدرها الآخرون.

 

وحين نقوم بالتقدير الشخصي للمحاولات التي نراها مهمة، نكون متأثرين بالمستوى الأعلى لتصنيفات ماسلو للاحتياجات، فالإنجاز الشخصي هو أن تصبح ما قُدِّر لك أن تكون، فعلى الرياضي أن يقوم بالمنافسة، وعلى الروائي أن يكتب، وعلى الموسيقي أن يعزف الموسيقا، كما أنه على الميكانيكي تصليح الأشياء. يعيش العديد من الأشخاص حياتهم دون الوصول إلى أهدافهم الشخصية، وفي الحقيقة قد يكون الوصول إلى الهدف أقل أهمية من المحاولة عليه. إن احتياجات الإنجاز الشخصي هي المكافأة التي نفكر بها من أجل الاستمرار بالعمل على تحقيق الهدف، والطريقة الجيدة لتعريف احتياجات الإنجاز الشخصي هي أن تتخيل بأنك قد وصلت إلى نهاية حياتك وأنت تقول "أتمنى لو أنني قد...." والطريقة التي تكمل بها هذه الجملة ستوحي بمجال احتياجات إنجازك الشخصي.

 

أهمية احتياجات الجمهور: ماذا يعني تصنيف ماسلو بالنسبة للإلقاء؟ هل تنطبق هذه النماذج من الاحتياجات على مستمعيك؟ إذا كانت تنطبق، فكيف؟ يمكننا اقتراح عدة طرق لجعل هذه النماذج مفيدة بالنسبة لك: أولاً: ليس من المحتمل أن يكون الأشخاص الجالسين أمامك في القاعة من مجتمع الفوضى، أي أنهم قادرون على تلبية معظم الاحتياجات الأمنية والفسيولوجية، وإذا لم يكن كذلك، فلا بد من أنهم يعملون حتى أعمالاً إضافية لتلبية احتياجات حياتهم وحياة عائلاتهم، وهذا لا يعني أنك لن تعجبهم على مستويات الاحتياجات الفيزيولوجية أو الأمنية. يمكنك تكييف خطابك مع جمهورك مهما كانت قيمهم وأسلوب حياتهم، وذلك باستهداف هذه الاهتمامات، فإذا قمت بتنبيه المستمعين إلى أضرار القيادة العنيفة ومخاطر الأطعمة المغشوشة، فإنك تدفعهم للتركيز على القضايا الأساسية للبقاء. في الحقيقة ليس مهماً كم هم ناجحون وأصحاء، فهم سيستمتعون بالمواضيع التي تريهم كيفية توفير المال أو التي توضح الأضرار الصحية الناجمة عن منتجات أو ممارسات معينة. ثانياً: إن المجموعة الثالثة من تصنيف ماسلو "الاحتياجات الاجتماعية" مهمة للجميع، فإن تقييمهم الشخصي قد يعتمد جزئياً على مدى نجاحهم أو فشلهم، لذا فإن الإلقاء حول النجاح قد تجذب انتباههم بسهولة. أخيراً: على الرغم من أن العديد من أفراد الجمهور قد يكونوا غير متأكدين من المهن التي سيعملون فيها، إلا أن معظم الأشخاص قد نظموا أو ينظمون احتياجات إنجازهم الشخصي في العشرينيات من عمرهم، وقد تتغير هذه الأهداف وتتكيف باكتشاف الفرد لمواهب واهتمامات وقدرات جديدة لديه، ولهذا السبب فإن الجمهور بعمر طلاب الكليات قد يكون لديهم قدرة على تلقي الإلقاءات التي تريهم كيفية الوصول إلى الإنجاز الشخصي. على سبيل المثال عندما تقرأ تقريراً عن هجمات سرقة ليلية تجري في حيك السكني، فإن اهتمامك بأمانك وأمان الآخرين سيزداد. وقد لا يخطر هذا الاهتمام بالأمان الشخصي في ذهنك وأنت ذاهب إلى عملك خلال اليوم، ولكنه قد يظهر أثناء عودتك إلى السيارة في المساء. فإذا اخترت التكلم عن هذه القضية في محاضرة إقناعية، فإنك ستركز على هذه الحاجة الأمنية وتضعها في مقدمة مخاوف المستمعين، وعندما تصبح الحالة واضحة بالنسبة لمستمعيك سيكون بإمكانك الإشارة إلى طرق إشباع هذه الحاجة، كأن تدعو إلى تنظيم إضاءة أفضل للحي، ووضع حراس أمن أكثر مثلاً. يحدد المتكلمون الناجحون حاجات مستمعيهم غير المشبعة، ويجيبون عنها بشكل مناسب في الإلقاء الإعلامي أو الإقناعي أو الإمتاعي.

 

يساعد استخدام تصنيف ماسلو في مواجهتك الجمهور غير المألوف لديه، ورغم أنك قد تعرف القليل عن جمهورك، إلا أن هدفك سيكون دائماً الحصول على أكبر قدر ممكن من المعلومات عن جمهورك قبل الإلقاء. إن معرفة دوافعهم واحتياجاتهم وما يرغبون بسماعه هو نقطة بداية جيدة في تحليل جمهورك، كما أنه سيساعدك في تجنب الحالات غير المهمة كالتكلم عن متعة التزلج أمام جمهور يبذل جهداً كبيراً لتأمين طعامه ولباسه.

 

 

  1. Robert Hughes, Culture Of Complaint:TheFraying Of America (New York: Oxford UP, 1993)14.
  2. Vivian Sykes, ''Perspectives On Cultural Diversity,'' In Cultural Diversity In Libraries, Ed. Donald E. Riggs And Patricia A. Tarin (New York: Neal- Schuman)1.