بحث‮ ‬من‮ ‬أجل‮ ‬مستقبل‮ ‬الثقافة‮ ‬العلمية

 بحث من أجل مستقبل الثقافة العلمية

طرق جديدة للتعلم ... طرق جديدة للعيش


بقلم: جي ليميك*، ترجمة: عيسى بشارة


أصبحت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تتيح للطلاب إمكانية التعلم عن العلوم والعالم الطبيعي عبر وسائل الإعلام ومواقع التعلم المختلفة. وجل ما يحتاجه البحث هو مساعدتنا لجعل الطلاب أقدر على دمج التعلم من خلال النص، واللغة المحكية، والصور الفوتوغرافية، والرسوم المتحركة، والوسائل السمعية والبصرية، والنماذج ثلاثية الأبعاد، والواقع المعاش. ويتطلب ذلك منا أن نتعلم بشكل فعَّال كيفية ربط التعلم في المدارس والمؤسسات التعليمية الأخرى بالتعلم عبر شبكة الإنترنت والمواقع التكنولوجية ذات الصلة.

 

وبهذه الإمكانيات الجديدة المتعدّدة، علينا أن نعيد فحص أهداف الثقافة العلمية: هل هي نفسها على الدوام؟ هل يجب أن نركز على الثقافة العلمية أكثر من تركيزنا على القضايا الاجتماعية واهتمامات الطلاب؟ هل نستطيع أن نجعل الثقافة العلمية أكثر تقدّماً على الصعيدين الديمقراطي والسياسي؟



وبهذه الإمكانيات الجديدة المتعدّدة، علينا أن نعيد فحص أهداف الثقافة العلمية: هل هي نفسها على الدوام؟ هل يجب أن نركز على الثقافة العلمية أكثر من تركيزنا على القضايا الاجتماعية واهتمامات الطلاب؟ هل نستطيع أن نجعل الثقافة العلمية أكثر تقدّماً على الصعيدين الديمقراطي والسياسي؟

 

إعادة توجيه الثقافة العلمية للقرن الحادي والعشرين

ما هي المساهمات الأكثر أهمية في القرن الحادي والعشرين التي تستطيع أن تحققها الثقافة العلمية للطلاب والمجتمع على حدٍ سواء؟ كيف نستطيع أن نجعل الثقافة العلمية تخدم جميع مصالح الناس بشكل أفضل؟ ولعلني أجزم بأن الثقافة العلمية تحتاج إلى مزيد من الدهشة والأمانة والتواضع ومزيد من التقدير للطلاب.  وعلينا أن نعمل لخلق ارتباط أكثر عمقاً بأعجوبة الظواهر الطبيعية بالنسبة إلى الطلاب الشباب.  أما بالنسبة للطلاب الأكبر سناً، فنحتاج إلى عرض صورة أكثر صدقاً لاستخدامات العلم المضرّة والمفيدة أيضاً.  في حين يجب أن نقدّم لكل الطلاب ثقافة علمية تشكل شراكة حقيقية مع الطرق الأخرى التي تصّور العالم، ومساهمة أساسية لحفز الطلاب وتشجيعهم، وإضافة نوعية للأدبيات الإعلامية العامة ومهارات التفكير الناقد.

 

إنني أدعوكم للتفكير معي حول كيفية تقديم ثقافة علمية على نحو جديد لا يرفضها غالبية الطلاب، حيث يحتاج بحث الثقافة العلمية إلى إعادة توجيه جهودها نحو فهمٍ أفضل:

  1. كيف يتوحد الارتباط العاطفي والفكري بأعجوبة الظواهر الطبيعية لدى الطلاب الشباب والكبار؟
  2. كيف ندعم التفكير الناقد لاستخدامات المعرفة العلمية الضار منها والمفيد على حدٍ سواء؟
  3. كيف يمكن عرض طرق المعرفة العلمية كشركاء بنيويين مع الطرق الإنسانية الأخرى للمعرفة؟
  4. كيف تستطيع الثقافة العلمية أن تشكَّل مساهمات أساسية للطلاب وأدبيات وسائل الإعلام المتعددة ومهارات التفكير الناقد؟


نحن بحاجة لجعل أبحاثنا تركز أكثر فأكثر على تعلم كيفية زيادة أهمية الثقافة العلمية لأولئك الطلاب الذين ليس بحوزتهم اهتمام خاص بالمهن العلمية والتقنية.  ونحتاج إلى مزيد من الاهتمام بالتعلم الذي يستمر مع استمرار الحياة، وبالتعلم الذي يوضح التعليل النوعي، وبالتعلم الذي يوفر المفاتيح للتفكير ويقدم صورة متعددة الأوجه لعالمنا الجديد، بما فيه من تنوع في وسائل الإعلام.

 

أهداف الثقافة العلمية: الأسس والقواعد

إن أي اعتبار جدي لكيفية تغيير الثقافة العلمية بشكل أساسي في القرن الحادي والعشرين يجب أن يقترن بادئ ذي بدء بطرح أسئلة كبيرة حول الهدف من ذلك.  فأهداف الثقافة العلمية بحاجة إلى صياغة جديدة في إطار أهدافنا التربوية الكبرى عموماً؛ لتعريفنا بما هو أفضل للمجتمع وحياة والناس جميعاً.

 

وأهداف الثقافة العلمية لا يمكن أن تكون تقنية فحسب، ولا يمكن أن تنحصر بالعمال المهرة والمستهلكين المثقفين من أجل اقتصاد عالمي لم يتعلم الطلاب توجيه النقد له بشكل ينمّ عن ذكاء.  لذلك، دعوني أحدد بشكل مختصر معتقداتي الأساسية الخاصة بشأن الأهداف الاجتماعية للتربية.

 

فالتربية يجب أن تهدف إلى المساهمة بتحسين الحياة الاجتماعية: منح الناس فرصة أفضل لحياة أفضل وحماية المستويات الدنيا للرفاه الاجتماعي للجميع، وتعلّم تبنّي وجهة نظر عالمية وليس محلية أو وطنية فحسب، وبمعنى آخر أن تتجاوز المصلحة المحلية والعالمية أيضاً حدودها الإقليمية والوطنية.  والتربية يجب أن تساهم أيضاً في صنع حياة أفضل للطلاب من خلال التعرف على حاجات العديد من الأمم والطبقات الاجتماعية.  فتحقيق الحياة المثلى لأولئك الذين يحتاجونها، إنما يعني توفير الصحة والتربية والضرورات الأساسية والأمل والحماية من الكوارث والتأمين ضدها.

 

أما بالنسبة إلى أولئك الذين يمتلكون هذه القواعد الأساسية، فإن ذلك يعني مزيداً من الفرص لتطوير مهاراتهم ومواهبهم واستخدامها لإيجاد الانسجام بين المجتمع العالمي، وما يتبقى من النظام الحيوي لكوكبنا.

 

كيف يمكن أن نترجم هذه الأهداف الكبيرة إلى أهداف أكثر تحديداً من أجل الثقافة العلمية عبر سنوات التدريس والتعلّم؟ فيما يلي بداية لجواب:

 

  • تثمين العالم الطبيعي وتقديره من جانب الأطفال الصغار، استناداً إلى الفهم والإدراك، لكن دون إزالة الغموض والفضول والسحر.
  • تطوير فضول أكثر تحديداً من جانب الأطفال متوسطي العمر حول كيفية عمل التكنولوجيا والعالم الطبيعي، وحول كيفية رعاية الأشياء والقواعد الخاصة بالصحة الإنسانية.
  • أما بالنسبة للمدرسة الثانوية، فلا بد من تمهيد الطريق المهنية للعلم والتكنولوجيا من أجل الجميع، وتوفير المعلومات عن المشهد العلمي للعالم الذي ثبت جدواه لمعظم المواطنين، وإضفاء معنى على دور العلم والتكنولوجيا في الحياة الاجتماعية، والمساعدة على تطوير مهارات التعليل المنطقي المعقد، واستخدام التمثيل متعدّد الأوجه.  وبالنسبة إلى من يرغب في ذلك، عليه أن:
    • العمل على إيجاد طريق سهلة تكون منفتحة على خيار العلم أو التخصص التكنولوجي.
    • العمل على إيجاد طريق أكثر تركيزاً بالنسبة إلى أولئك الذين قرروا بالفعل مواصلة هذه الطريق في الجامعة أو الحصول على ثقافة تقنية متقدمة.

وخلال سنوات التدريس، نحن بحاجة أيضاً إلى أن ننأى بالعلم عن العزلة التي أحيط بها.  نحن نحتاج إلى:

  •  أن نعلَّم من أجل علمٍ يروي قصصاً مدهشة عن العالم الطبيعي ويساعدنا على فهم وخلق تكنولوجيات مفيدة ورائعة لا تضرّ بالناس والمجتمع والبيئة.
  • التركيز على وحدة العلم والتكنولوجيا، وتقليص الاعتماد على المبادئ المجردة، إلى أن يختار الطلاب وجهةً ما للدراسة المتقدمة.
  • تعليم العلوم على نحو وثيق الصلة بالرياضيات والتاريخ والأدب والاقتصاد والسياسة والقيم الأخلاقية.
  • تفنيد الدعاوى التي تقول بأن العلم هو الطريقة الوحيدة والأفضل للمعرفة، الأمر الذي ينفّر الطلاب من العلم.
  • الاعتراف بمشاركة العلم التاريخية في المشروعات العسكرية والسياسية والتجارية غير الأخلاقية، والسعي لتغيير طبيعة ووجهة العلم في المستقبل، لجعل مثل هذه المشاركة أقل احتمالاً.
  • التعليم من أجل علمٍ يسعى لمصلحة المواطن عالمياً، ويكرّس القيم الأخلاقية الإنسانية.


وإزاء محاولة تعريف مجموعة من الأهداف التي يمكن، بل ويجب أن يكون لدينا حوارات جدية وحتى اختلافات بشأنها، نحن بحاجة إلى أن نصبح نُقاداً حقيقيين لعملنا الخاص.  فمنذ زمن طويل والآخرون ينتقدوننا أكثر مما ننتقد أنفسنا، بينما نحن المعنيون أكثر من الآخرين بمعرفة نواقص عمل الثقافة العلمية، ونحتاج إلى بحثها علناً أكثر من أي وقت مضى واتخاذ موقف ما لتغيير ما يمكن تغييره.


ومن بين الانتقادات الحالية للثقافة العلمية في الولايات المتحدة وفي عدد من المجتمعات الأخرى المتقدمة، أود أن أبيَّن، على وجه الخصوص، ما هو أكثر أهمية وإثارة للإزعاج:

 

  • إنها تكتفي بالتركيز على ما هو مجرد بالنسبة إلى غالبية الطلاب.
  • تفتقد مختاراتها إلى الزعم القائم على التجربة بالنسبة إلى غير المتخصصين.
  • إنها مصمَّمة بعيداً عن إمكانية تدريب عمال فنيين مستقبلاً.
  • إنها مملّة ومنفّرة لعدد كبير من الطلاب.
  • لها شخصية ذات نشاط إلزامي وليست ذات نشاط مستقل.
  • تسعى إلى فرض طريقة معينة للتفكير كقوة ذات نفوذ.
  • إنها ضحلة وسطحيّة بين جميع الموضوعات.
  • إنها تصرّ على أن جميع الطلاب يجب أن يتعلموا المحتوى نفسه بالطريقة نفسها والدرجة نفسها.
  • لا تركّز على الإبداع والاهتمامات الأخلاقية والتطور التاريخي أو التأثير الاجتماعي.
  • تُهمل الأبعاد المؤثرة والعاطفية للتعلّم.
  • تعطي صورة غير إنسانية للعلم على اعتبار أنه غير مهتم بالمصالح المشتركة لأغلب الناس، وتنأى عن حياة الناس الذين يتكرسون للعلم، وأولئك الذين يستخدمونه ويتأثرون به.