الموهبة والموهوبون

مسعد محمد زياد

من الناحية اللغويَّة تتفق المعجمات العربية والإنجليزية على أن الموهبة تُعَدُّ قدرة أو استعداداً فطرياً لدى الفرد، أما من الناحية التربويَّة والاصطلاحية فهناك صعوبة في تحديد وتعريف بعض المصطلحات المُتعلِّقة بمفهوم الموهبة، إذْ تبدو كثيرة التشعب ويسودها الخلط، وعدم الوضوح في استخدامها، ويعود ذلك إلى تعدد مُكوَّنات الموهبة، ومع ذلك سننقل بعض التعاريف للمصطلحات التي تقاربت حولها وجهات النظر الآتية:



تطور مفهوم الموهبة:

  1. العبقرية:
    قوة فكرية فطرية من نمط رفيع كالتي تعزى إلى من يُعَدُّون أعظم المشتغلين في أي فرع من فروع الفن، أو التأمل أو التطبيق، فهي طاقة فطرية، وغير عادية، وذات علاقة بالإبداع التخيلي، وتختلف عن الموهبة.
    واستخدم "تيرمان وهولنجورث" اصطلاح العبقرية للدلالة على الأطفال الذين يملكون ذكاءً مرتفعاً، حيث عَدَّ تيرمان كل تلميذ من أفراد العينة التي عمل على دراستها ومتابعتها حوالي (35) عاماً، حصل على (+140) نقطة ذكاء في اختبار ستانفرد بينيه في عداد العباقرة.
  1. الموهبة:
    معقدة تؤهل الفرد للإنجاز المرتفع في بعض المهارات والوظائف، والموهوب هو الفرد الذي يملك استعداداً فطرياً وتصقله البيئة الملائمة، لذا تظهر الموهبة في الغالب في مجال مُحدَّد مثل الموسيقى أو الشعر أو الرسم أوغيرها.
  1. الإبداع:
    إنتاج الجديد النادر المختلف المفيد فكراً أو عملاً، وهو بذلك يعتمد على الإنجاز الملموس.
  1. الذكاء:
    هو القدرة الكلية العامة على القيام بفعل مقصود، والتفكير بشكل عقلاني، والتفاعل مع البيئة بكفاية. فالذكاء قدرات الفرد في عدة مجالات، كالقدرات العالية في المفردات والأرقام، والمفاهيم وحل المشكلات، والقدرة على الإفادة من الخبرات، وتعلم المعلومات الجديدة.
  1. التميُّز:
    الموهوبون أو المُتميِّزون كما يعرفهم مكتب التربية الأمريكي: هم الذين يتم الكشف عنهم من قِبَلِ أشخاص مهنيين ومتخصصين، وهم الذين تكون لديهم قدرات واضحة ومقدرة على الإنجاز المرتفع.
  1. التفوُّق التحصيلي:
    يشير إلى التحصيل العالي، والإنجاز المدرسي المرتفع.
    فالتحصيل الجيد قد يعد مؤشراً على الذكاء، ويعرف المُتفوِّق تحصيلياً بأنه الطالب الذي يرتفع في إنجازه، أو تحصيله الدراسي بمقدار ملحوظ فوق الأكثرية، أو المتوسطين من أقرانه.


 تحديد التفوُّق في ضوء المفاهيم الآتية:

  • الذكاء العام
    سلك هذا المنحنى عدد كبير من الباحثين (سيمشن 1941، وهوبسن 1948، وبرسي 1949، وهيلدرت 1952، وبريدجز 1969، وفرنون 1977، وفريمان 1978)، ولكن هناك نقاشاً واسعاً دار حول معامل الذكاء الذي يمكن اختياره لتمييز المُتفوِّق عقلياً من غيره. فقد رأينا كيف أن تيرمان قد حدد (+140) نقطة ذكاء بالنسبة إلى تلاميذ المدارس الابتدائية على اختبار ستانفرد بينيه و(+135) نقطة بالنسبة إلى تلاميذ المدارس الإعدادية، عندما اختار العينة لدراسته الطويلة الشهيرة. واختارت "هولنجورث" (1926) (+130) نقطة ذكاء كحد أدنى للتفوق العقلي في اختيار العينة للدراسة التي قامت بها، ويُؤكِّد بالدوين أن معامل الذكاء ينبغي ألا يقل عن (130) نقطة على اختيار ستانفرد بينيه. أما "دنلاب" فهو يرى أن هذا فيه بعض المبالغة واقترح الاكتفاء بذكاء قدره (+120) نقطة كحد أدنى لتحديد التفوُّق العقلي، وصنف المُتفوِّقين في ثلاثة مستويات.
    ويشير ويلكز هولي (1979) إلى أن هناك درجة من الاتفاق على أن تكون (+140) ذكاء محكاً مناسباً للتعرُّف على المُتفوِّق عقلياً مع استخدام اختبار ذكاء فردي بانحراف معياري (15) وهذا يشير إلى أن حوالي (0.38) فقط من المجتمع في عداد المُتفوِّقين. وهذا ما استخدمه تيرمان (1921).
    ويمكن أن نشير إلى أن هناك شبه اتفاق على أن (+130) نقطة ذكاء على اختبار فردي لفظي بانحراف معياري (15) هي الحد المناسب لتحديد المُتفوِّق عقلياً في ضوء محك الذكاء بالنسبة لمن يعدُّ أن اختبار الذكاء محكاً مناسباً.
    ويعلق "ويكلي وهولي" (1979) بأنه ينبغي أن نتوقع أن الاختبار المصمم لقياس عدة أشياء في وقت واحد لا يمكن الوثوق به تماماً لأن إعادة الاختبار قد تعطينا نتائج مغايرة لذلك فإن البديل من ذلك هو أن نستخدم عدة اختبارات ذكاء فإن اتفقت في نتائجها فإن ذلك يعطي مؤشراً على سلامة التقدير.
    لهذا، فإن من المُفضَّل أن يستفيد المشتغلون في الكشف عن المُتفوِّقين عقلياً من هذه الملاحظة وأن يستخدموا أكثر من اختبار للذكاء عند التعرُّف على المُتفوِّقين. وقد أشار "لوسيتو" (1963) إلى أن اختبارات الذكاء الجمعية واختبارات التحصيل من الوسائل الأساسيَّة التي يوصي باستخدامها معظم العاملين في مجال التفوُّق. وذلك من أجل التعرُّف الأولي على المُتفوِّقين عقلياً. وعند تطبيق اختبارات الذكاء على هؤلاء تبين أننا نقيس الإمكانات العقليَّة كالذاكرة والتعرُّف والتفكير المُحدَّد. وهذه الاختبارات تفيد في تحديد التلاميذ الذين لا يسجلون درجات مرتفعة في اختبارات التحصيل المقننة، ولكن لديهم القدرة الكامنة على ذلك، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن اختبارات التحصيل أحياناً تكشف النقاب عن التلاميذ الذين لا يظهرون تفوقاً في اختبارات الذكاء الجمعية.
    ولكنه من الممكن أن يقوم المُعلِّم في المدرسة من خلال اختبارات الذكاء الجمعية، واختبارات التحصيل المقننة في التعرُّف على المُتفوِّقين بصورة مبدئية ثم يقوم الأخصائي في القياس النفسي أو الأخصائي النفسي المُدرَّب بإجراء اختبارات أخرى لانتقاء المُتفوِّقين منهم عقلياً كاختبارات الذكاء الفرديَّة أو استخدام قوائم الملاحظة، أو التعرُّف على بعض السمات الانفعاليَّة أو الدافعيَّة التي يمتاز بها المُتفوِّق عقلياً.

  • تحديد التفوُّق في ضوء التفكير الابتكاري:
    فلقد أثبت "جيتزلس وجاكسون" أنه عندما أخذا مجموعتين من التلاميذ في المدارس الثانوية إحداهما تمثل ذوي الذكاء المرتفع والأخرى تمثل ذوي القدرة المرتفعة على التفكير الابتكاري ودرسا الأداء التحصيلي لكل من المجموعتين تبين أن هذا الأداء كان متماثلاً مما دعاهما إلى الزعم أن الذكاء والتفكير الابتكاري نمطان مختلفان من التفكير لأن اختبارات التفكير الابتكاري التي قاما بتصميمها كانت ترتبط ارتباطاً ضعيفاً باختبارات الذكاء من (0.10 ـ 0.50).
    كما أثبت جيتزلس وجاكسون أن مجموعة ذوي المستوى المرتفع من التفكير الابتكاري تملك خصائص انفعاليَّة ودافعيَّة تختلف عن ذوي الذكاء المرتفع. وأشارا إلى أننا نفقد حوالي (67%) من المُتفوِّقين إذا اعتمدنا على اختبارات الذكاء وحدها لأن نسبة الذين يملكون قدرة مرتفعة في كل من الذكاء والابتكار كانت حوالي (33%) من أفراد العينة.

ولتحسين نتائج ملاحظة المُعلِّمين فقد تم وضع قوائم ملاحظة تساعد المُعلِّمين على تحديد التفوُّق، وتضم هذه القائمة البنود الآتية:

  1. أن يمتلك الطفل قدرة ممتازة على الاستدلال والتعامل والمجردات والتعميم من حقائق جزئية.
  2. أن يكون لديه فضول عقلي على درجة عالية.
  3. أن يتعلَّم بسهولة ويسر.
  4. أن يكون لديه قدر كبير من الاهتمام.
  5. أن يكون لديه ساحة انتباه واسعة. وهذا يجعله يدأب ويركز على حل المشكلات.
  6. أن يكون ممتازاً في المفردات اللغويَّة كماً ونوعاً بالمقارنة مع أترابه الذين هم في مثل سنه.
  7. أن يكون لديه القدرة على القيام بعمل فعَّال بصورة مستقلة.
  8. أن يكون قد بدأ إتقان القراءة بصورة مُبكِّرة.
  9. أن يظهر قدرة فائقة على الملاحظة.
  10. أن يظهر أصالة ومبادرة في أعماله العقليَّة.
  11. أن يظهر يقظة واستجابة سريعة للأفكار الجديدة.
  12. أن يملك القدرة على التذكر بسرعة.
  13. أن يملك مستوى تخيل غير عادي.
  14. أن يتابع مختلف الاتجاهات المعقدة بيسر.
  15. أن يكون لديه اهتمام كبير بطبيعة الإنسان (مشكلة الخلق والمصير).
  16. أن يكون سريعاً في القراءة.
  17. أن يكون لديه عدة هوايات.
  18. أن يكون لديه اهتمامات بالمطالعة في شتى المجالات.
  19. أن يستخدم المكتبة بفعاليَّة وبصورة مستمرة.
  20. أن يكون ممتازاً في الرياضيات وعلى الأخص في حل المشكلات (المسائل).

  • تحديد التفوُّق في ضوء مستوى التحصيل الدراسي:
    التحصيل الدراسي من المحكات الرئيسة في الكشف عن المُتفوِّقين، وذلك باستخدام السجلات المدرسيَّة، لأن التحصيل يُعَدُّ أحد المظاهر الأساسيَّة للنشاط العقلي الوظيفي عند الفرد ولكن خطورة هذا النوع من التحديد للمُتفوِّق عقلياً هو أن هناك بعض التلاميذ المُتفوِّقين لا يحققون نجاحاً بارزاً في التحصيل الدراسي وهذه الفئة أصبحت ظاهرة مُتكرِّرة ومؤكدة في كثير من الدراسات.

وهناك عدة عوامل ترتبط بضعف القدرة على الإنجاز أو التحصيل لدى المُتفوِّق وهذه العوامل هي:

  1. ضعف الوضوح وقصور في التحديد عند اختيار المواد الدراسيَّة والمهنيَّة.
  2. ضعف في ضبط الذات.
  3. معاناة الانطواء والانكفاء الذاتي.
  4. استثمار ضعيف للوقت والمال.
  5. وجود ميول عصابية.
  6. خضوع في الأسرة، أو خضوع ذاتي.
  7. سيطرة أبوية أو إهمال شديد.
  8. عدم وجود أهداف، أو وجود مطالب والديَّة صعبة التحقيق.
  9. ضعف من حيث النضج وتحمُّل المسؤوليَّة.
  10. عدم الاهتمام بالآخرين.
  11. ضعف في كل من السيطرة والاقتناع والثقة بالنفس.
  12. فتور الهمة والانسحاب من الحياة.
     
  • تحديد التفوُّق في ضوء الموهبة
    إن اصطلاح الموهبة قد استخدم للدلالة على الأفراد الذين يصلون في أدائهم إلى مستوى مرتفع في مجال من المجالات غير الأكاديميَّة كالفنون والألعاب الرياضيَّة والمهارات الميكانيكيَّة والقيادة الجماعيَّة. وكان وراء هذا الاعتقاد تلك الآراء التي أشارت إلى أن هذه المجالات ليس لها علاقة بالذكاء فالمواهب هي قدرات خاصة لا صلة لها بالذكاء لأنها قد توجد عند بعض المتخلفين عقليَّاً.
    ولكن النتائج في البحوث المُتقدِّمة التي تناولت بالدراسة أصحاب المواهب قد دلت على عدم صحة الآراء السابقة وأن هناك ارتباطا إيجابيا بين المواهب الخاصة ومستوى الذكاء، والعلاقة بين الذكاء والموهبة علاقة إيجابيَّة، فالذكاء عامل أساسي في تكوين نمو المواهب جميعا.كما أن وراثة الموهبة أمر مشكوك فيه بعد أن ثبت أن الموهبة قد تختفي عند بعض أبناء الموهوبين. كما أن هناك مواهب تظهر وتتفتح عند بعض الأفراد نتيجة التربية والتدريب وتوافر الذكاء.

وقد استخدمت إحدى المؤشرات الآتية للتعرُّف على الموهوبين:

  1. مستوى مرتفع في التحصيل الأكاديمي.
  2. مستوى مرتفع في الاستعداد العلمي.
  3. موهبة ممتازة في الفن أو إحدى الحرف.
  4. استعداد مرتفع في القيادة الجامعيَّة.
  5. مستوى مرتفع في المهارات الميكانيكيَّة.

 
أنماط التفوُّق العقلي:

  • نمط ذوي القدرة على الاستظهار.
  • نمط ذوي القدرة على الفهم.
  • نمط ذوي القدرة على حل المشكلات.
  • نمط ذوي القدرة على الإبداع.
  • نمط ذوي المهارات.
  • نمط ذوي القدرة على القيادة الجماعيَّة.

 
مستويات المُتفوِّقين عقلياً:

  1. فئة الممتازين: وهم الذين تتراوح نسبة ذكائهم بين (120 أو 125) و (135 أو 140) إذا طبق عليهم اختبار ستانفورد بينيه.
  2. فئة المُتفوِّقين: وهم من تتراوح نسبة ذكائهم بين (135 أو 140) و (170) على المقياس السابق نفسه.
  3. فئة المُتفوِّقين جداً (العباقرة): وهم الذين تبلغ نسبة ذكائهم (170) فما فوق.

 
أما تصنيف كرونشانك فيقسمه إلى مستويات ثلاثة كما يأتي:

  1. الأذكياء المُتفوِّقون: هم الذين تتراوح نسبة ذكائهم بين (120 و 135) ويشكلون ما نسبته
    تتراوح بين (5% و 10%).
  2. الموهوبون: تتراوح نسبة ذكائهم بين (135 ـ 140) و 170 ويشكلون ما نسبته بين (1% و 3%).
  3. العباقرة (الموهوبون جداً): وهم الذين تبلغ نسبة ذكائهم (170) فأكثر وهم يشكلون (0.00001%) أي ما نسبته واحد من كل مئة ألف، أي نسبة قليلة جداً.