المُعلِّم الذي نحتاج إليه في هذا العصر

المُعلِّم الماهر هو ذاك الواعي لأهداف التربية عموماً والعمليَّة التربويَّة بشكل خاص، وهو بدون شك ذاك المُثقَّف الذي يعرف تفاصيل الحياة بكل جوانبها السياسيَّة، والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة، والثقافيَّة، والأمنيَّة، وهو المُتجدِّد دوماً في ضوء تجدُّد المعرفة وتفاعلاتها وانعكاس ذلك على المجتمع الذي يعيش فيه.
لأن التربية قادرةٌ على تغيير المجتمع نحو الأفضل، فالعالم الجديد الذي نود بناءه يحتاج إلى إنسانٍ جديد، وليس هناك من طريقٍ إلى ذلك إلا طريق التربية ولا أحد يملك مقود التغيير وتحريكه إلا المُعلِّم، "فلا ثورة في الدولة إن لم تسبقها ثورة في التربية".



ولن يكون هناك من ثوار إلَّا طلائع المُعلِّمين ومن جنودٍ أوفياءٍ يسلكون طريق التغيير ويعملون على تعبيده غير الطلاب الذين تتلمذوا على أيدي هؤلاء المُعلِّمين.

إن المدرسة الفعَّالة هي التي تفعل فعلها في الطفولة وليست السياسة والاقتصاد بأن تنقذ العالم، وهدف التربية أن نصل عن طريق العمل إلى صياغة المجتمع صياغة خُلقُية، وأن المجتمع لابد بالغٌ ما يريد عن طريق الإصلاح التربوي الذي يبشر به "فإذا كانت المدرسة تقوم بهذا الدور الرائد في عمليَّة تغيير وتطوير الإنسان الفرد والمجتمع، فمن القائم على العمليَّة التربويَّة داخل جدران المدرسة؟ أليس هو المُعلِّم؟ ولكن ليس أي مُعلِّم. إنما هو المُعلِّم الذي يقف في الخندق الأمامي لطموحات وأماني مجتمعه، وهو في الوقت نفسه الذي يعي الدور الذي يقوم به تجاه المجتمع، فالناس من خلال التعليم يخرجون من حد الهمجية إلى حد الإنسانيَّة، وفي هذا يقول الإمام الغزالي "لولا العلماء لصار الناس مثل البهائم." وقال أحد المربين "إن التربية عمليَّة ينتقل بها الإنسان من الهمجية إلى المدنية"، ويشير البعض إلى أن السبب الذي من أجله نحتاج إلى التربية هو أن الأطفال لا يولدون بشراً، بل يصيرون بشراً بفضل التربية "هذاهو دور التربية التي لا يمكن لها أن تؤدي دورها إلا من خلال المُعلِّم الذي انتدبه المجتمع لصقل مواهب أبنائه".

المُعلِّم هو الذي يعمل على تفجير الطاقات الكامنة لدى الإنسان المُتعلِّم، فهو يحرر المُتعلِّم من الشعور بمركب النقص الذي يلازمه، كونه قليل الخبرة ولا يستطيع التمييز بين الأشياء، فهو كالفنان يرى مالا تراه العين ويرى الطاقة الكامنة التي لا يستهان بها، والمُعلِّم هو الذي لا يدع ينابيع الطاقة على الخلق والإبداع أن تنضب من نفوس طلابه لأنه يمد تلك الينابيع بالأفكار والآراء، والمعرفة والأمل مما يساعد طلابه على الاتصال بالثقافة والعيش حياةً ملأى وغنية.

ويزودهم بالإحساس على القدرة والأهمية، ويحررهم من الأوهام، ويساعدهم على الانعتاق من القيود الشخصيَّة سواءً كانت روحيةً أم عقليَّة أم جسديَّة، ويقوي فيهم الشعور بالفخر والاعتزاز والقيمة الذاتيَّة ويطالبهم بالمسؤوليات الملقاة على عاتقهم بوصفهم أفراداً في المجتمع.

المُعلِّم بمستوى الثقافتين: ثقافة الذات وتثقيف الآخرين، إنه ينشر تأثيره بين كل طبقات المجتمع، وبين كل أجيال الشعب، وعلى هذه الثقافة التربويَّة، تتفتح مواسم المُعلِّمين في المدارس، والمعاهد، والجامعات، وفي المجتمع أُسراً ومُنظَّمات، والمُعلِّمون عظماء وأنصاف عظماء، فنصف العظيم موهوبٌ في فن التعبير عن ذاته، أما العظيم فموهوب في فن إثارة الآخر ولتحقيق ذاته.

إن الأنبياء مُعلِّمون، والفلاسفة مُعلِّمون، والمُعلِّمون التاريخيون مُعلِّمون، فالمُعلِّمون هم رسل ثقافةٍ وعلمٍ ومعرفة، ودعاة إصلاحٍ وتطوير، ورواد تجديدٍ وإبداعٍ وابتكارٍ في أممهم ومجتمعاتهم، وهم نبض التطوير وروحه وحركته، وهم الذين يصنعون عقول الأجيال المتعاقبة، ويبنون أخلاقاً هم يتحملون وصل الماضي بالحاضر، ووصل الحاضر بالمستقبل في أذهان أبناء المجتمع وقلوبهم.

لقد أشارت بعض الدراسات العالميَّة إلى أن محور الارتكاز في التغيير الحقيقي العميق في المجتمعات هو القوى العاملة ذات المستوى المُتميِّز في مجال التدريس. وبعبارةٍ أخرى "المُعلِّمون المُتميِّزون". وقد أشارت مجموعة الدراسات الأجنبية:
(commission Study Group European)إلى أنّ المُعلِّمين يقومون بدورٍ أساسيٍّ لأنهم هم الذين يقدمون خدمةً واضحةً وذات أبعادٍ عديدةٍ في مجتمعنا. والتوجهات العصريَّة تبين أن دور المُعلِّم سيزداد أهميةً واتساعاً لأنّه سيتضمَّن أبعاداً اجتماعيَّة وسلوكيَّة ومدنيةً واقتصاديَّة وتقنيَّة.

وأشار تقريرا اليونسكو المعنونان بـ"التعليم في القرن الواحد والعشرين" و" مُعلِّمون لمدارس الغد" إلى أن أهمية دور المُعلِّم هي بمنزلة العماد للتغيير، والداعم لمفهوم التفهم والتسامح لم تبدُ أكثر وضوحاً منها اليوم. وستكون هذه الأهمية أكثر إلحاحا في القرن الحادي والعشرين. وإنّ أهمية النوعيَّة في التدريس، وكذلك نوعيَّة المُعلِّم لا تحتاج إلى تأكيد. وهناك سمات شخصيَّة مطلوبة.

في كلّ من مُعلِّم مدرسة اليوم ومعلم مدرسة الغد وهذه السمات هي ما يأتي:

  • العمق المعرفي مادة تخصصه.
  • العمق المهني في مجال التربية.
  • أن يكون متمتعاً بالعديد من الصفات المهنيَّة مثل مهارات المهنة التدريسيَّة، والإعداد والتقويم، وبناء العلاقات المُتميِّزة مع الآخرين.
  • أن يكون لديه المرونة والانفتاح على كل جديد، وأن يكون مُتعلِّماً مدى الحياة.
  • أن يكون متمكناً من مادته العلميَّة، وأن تكون لديه الاستعدادات للتعاون وكأنّه فردٌ في فريق.
  • يحتاج المُعلِّم إلى ذخيرةٍ وافرةٍ من المهارات للتعرُّف على مختلف الصعوبات التي يتصدى لها الطلاب في التعلُّم.
  • كما يحتاج المُعلِّم إلى مهاراتٍ لتطبيق تقنيات المعلومات والاتصالات في التعليم.
  • أن يكون لدى المُعلِّم الوعي الكامل للعوامل السياسيَّة والثقافيَّة والاجتماعيَّة التي تؤثر في عمله.
  • أن يكون لدى المُعلِّم المهارات اللازمة لخلق علاقاتٍ قويَّة من أولياء الأمور وأصحاب العلاقة في المدرسة.
  • هناك حاجةٌ إلى زيادة في التركيز على خبراتٍ في مجالاتٍ مُتعدِّدةٍ لخدمة الحياة وأعيد تعريف مراحل الحياة الإنسانيَّة بالتأكيد.

على مفهوم أن البشر هم "كائنات مُتعلِّمة" طوال الحياة. وكمطلبٍ أساسيٍّ للوصول إلى المجتمـع المعتمـد على المعرفة فإن الأمر يحتـاج إلى: الـذكـاء وتبني الجديد والمرونة والإبداع، ومختلف القدرات الاجتماعيَّة والمهنيَّة.