اللهجات العامية وخطرها على العربية

اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم، ولغة العقيدة الصحيحة، وهي لغة فكر وأخلاق للأمة الإسلاميَّة، وهي أقدر اللغات على الأداء وأقواها، وقد اختارها الله سبحانه لهذا الدين لما فيها من طابع في التعبير والبيان والمرونة والاتساع، بحيث استطاعت أن تحمل الرسالة السماوية، وأن تؤديها للناس في أرجاء المعمورة.



وقد كان فضل الله تعالى عظيماً على العرب حينما أنزل آخر كتبه بلغتهم، فصارت العربية لغة دين وحضارة وكتب لها القبول والرواج بحيث بدأ يتنافس في القيام لخدمتها نشراً وتعلماً وتأليفاً العجم قبل العرب، وقد بذل علماء الأمة عبر القرون جهوداً جبارة في خدمة اللغة العربية وتركوا من بعدهم تراثاً هائلاً يتمثل في آلاف المؤلفات تخدم القرآن الكريم والسنة النبوية في شتى علومها وفنونها، ومن العلماء من كان في الأصل عجماً فقد عرّبه الإسلام حين عرّب لسانه فتكلم وكتب وصنف بلغة القرآن كان منهم الحسن البصري، وابن سيرين وعطاء بن جبير وأخوه سعيد، وأبو حنيفة والبخاري، ومسلم، وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة، وسيبويه وغيرهم من الأئمة الأعلام، وعباقرة الإسلام.

ومن يتصفح كتب التاريخ وعلم الرجال يعرف الصعوبات التي كانت تعترض سبيل أهل العلم وطلاب المعرفة في أيام مضت، من صعوبة التنقل، وبعد في المسافات، وندرة في أدوات الكتابة والنشر، ثم يوازن ذلك بسهولة التنقل والاتصال، ووفرة وسائل الطباعة والنشر، وكثرة أدواتها في العصر الحاضر، ليدرك حتماً مدى أهمية الدور الذي قام به علماء الأمة في ازدهار اللغة العربية وصونها من الضعف الذي يطرأ كثيراً على اللغات لظروف اجتماعيَّة وسياسيَّة وثقافيَّة ويهدد أصالتها كما حدثت مع للغتين الفارسية والإنجليزية.

ولكن إزاء هذه الجهود الكبيرة التي بذلها سلف هذه الأمة في سبيل نشر اللغة العربية والحفاظ على قوتها وجمالها، نجد أنّ هناك تقصيراً واضحاً من قِبَلِ أبنائها تجاه لغتهم في العصر الحاضر، وما نراه في الواقع اليومي من مخاطبة مئات الآلاف من المقيمين غير العرب في الدول العربية بغير العربية أي (باللهجة العامية) وبالألفاظ والكلمات المكررة الدارجة التي ينطق بها أبناء لغة الضاد في أثناء تحدثهم مع غير العربي مما لا يمكن إطلاق اللغة عليها من أمثال: (أنت في روح، أنت في شف، خل ول، أنت ما في معلوم، و..)، وهذه الظاهرة الخطيرة لا تنحصر في غير المُتعلِّمين وغير المثقفين بل تجد في الفئة المُتعلِّمة وفي الفئة من المثقفة يستخدمون الأسلوب نفسه في محاوراتهم لغير الناطقين بالعربية ويكون الموقف أكثر إيلاماً عندما تجد أن غير العربي يصر على التحدث بالعربية الفصحى فيقابله العربي المُتعلِّم بالتحدث باللهجة العامية، وتلك المشاهد تتكرَّر يومياً، ومما يحضرني في هذا الصدد قصة شاب باكستاني وهو (فني الحاسب الآلي) وصل إلى إحدى الدول العربية منذ فترة وجيزة وقد كان يتحدَّث بالعربية الفصحى وعندما كنا نسأله عن أمر يجيب قائلاً: (لا أعلم، أنا لا أعرف) والآن قد تراجع خطوات إلى الوراء إذا أصبح يقول: (أنا ما في معلوم، أنا ما يدري).

وإذا كان المستشرقون وأعداء الأمة قد عجزوا عن تحطيم العربية والقضاء عليها بكل ما يملكون فلماذا نحن أبناء هذه اللغة الخالدة نقوم بما عجز عنه المستشرقون وأعداء الأمّة؟ والله المستعان.


المصدر: موقع التاريخ الاسلامي