القراءة جوهر المعرفة

تُعَدُّ القراءة منذ القدم من أهم وسائل التعلُّم الإنساني التي من خلالها يكتسب الإنسان العديد من المعارف والعلوم والأفكار، وهي التي تؤدي إلى تطوير الإنسان وتفتح أمامه آفاقاً جديدة كانت بعيدة عن متناوله. ويحكى أن أول مكتبة وضعها الفراعنة تحت رعاية آلهتهم كتبوا على بابها "هنا غذاء النفوس وطب العقول".
كما تُعَدُّ القراءة من أكثر مصادر العلم والمعرفة وأوسعها، لذلك حرصت الأمم المتيقظة على نشر العلم وتسهيل أسبابه، وجعلت مفتاح ذلك كله التشجيع على ممارسة القراءة والعمل على نشرها بين جميع فئات المجتمع.



وكذلك كانت القراءة وما تزال من أهم وسائل نقل ثمرات العقل البشري وآدابه وفنونه ومنجزاته ومخترعاته، وهي الصفة التي تميز الشعوب المُتقدِّمة التي تسعى دوماً إلى الرقي والصدارة.

وتتجلى الأهمية العظمى للقراءة في أول كلمة خاطب بها جبريل (عليه السلام) سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) هي كلمة (اقرأ)، وهذا له دلالة كبيرة وعميقة على اكتشاف أهمية القراءة بالنسبة إلى العِلم والمعرفة.

وفي العصر الحديث، دخلت القراءة في أنشطة الحياة اليومية لكل مواطن، فالقراءة هي السبيل الوحيد للإبداع وتخريج المبدعين والمخترعين والأدباء والمُفكِّرين، والأمم القارئة هي الأمم القائدة، والذين يقرؤون هم الأحرار، لأنّ القراءة والمعرفة تطرد الجهل والخرافة والتخلف وهي توائم للعبودية والذل والخنوع.

إنّ المبدعين والمُفكِّرين مجموعة من الشخصيات المُتميِّزة اختارت العلم موطناً والقراءة طريقاً، لأنّ الإبداع لديها هو أن توجد شيئاً جديداً من مجموعة ما لديك من معطيات، ولن يتأتّى ذلك إلا بالقراءة والمعرفة المرتبطة بها.

إنّ عقولنا لا تدرك الأشياء على نحو مباشر، بل عبر وسيط معرفي مُكوَّن من مبادئ علميَّة وعقليَّة وخبرات حياتيَّة، وبمقدار ما نقرأ يتحسن ذلك الوسيط، وبتحسنه يتحسن فهمنا للوجود، وتتحسن معه نوعيَّة حياتنا، ولذلك فمن لم يكن قارئاً فقد عطّل وسائط تفكيره وإدراكه وسبل حياته.

ويشير تقرير التنمية الإنسانيَّة العربية، "نحو إقامة مجتمع المعرفة" إلى أنّ "تعليم اللغة العربية يشكو أزمة حادة في محتوى المادة التعليميَّة وفي مناهج التدريس على حد سواء، ولعلّ أبرز أعراض هذه الأزمة إهمال الجانب الوظيفي في استخدام اللغة وعدم تنمية المهارات اللغويَّة في الحياة العملية، والاقتصار على جانب الكتابة دون جانب القراءة في تنمية القدرات الإبداعيِّة" (7:2003).

ويعرّف المصدر السابق المعرفة "بأنها تتكون من البيانات والمعلومات والإرشادات والأفكار أو مجمل البنى الرمزية التي يحملها الإنسان أو يمتلكها المجتمع، في سياق دلالي وتاريخي مُحدَّد. توجه السلوك البشري فردياً ومؤسسيا، في مجالات النشاط الإنساني كافة، في إنتاج السّلع والخدمات، وفي نشاط المجتمع المدني والسياسي وفي الحياة الخاصة" ص(36).

ويعرّف كثير من المُفكِّرين القراءة "بأنها عملية عقليَّة تشمل تفسير الرموز التي يتلقاها القارئ عن طريق عينيه، من خلال الربط بين الخبرة الشخصيَّة (المخزون المعرفي Schema) ومعاني هذه الرموز". 

وللقراءة عمليتان أساسيتان: الأولى هي الاستجابة لما هو مكتوب، والثانية هي عملية عقليَّة يتم من خلالها تفسير المعنى عبر التفكير والاستنتاج (الفهم). إنّ المعرفة منتوج القراءة المباشر، وهي عماد التنمية والسبيل إلى مستويات التقدُّم والمعرفة ميزة إنسانيَّة تمكن الإنسان وتؤهله للتفكير والتخيل والفهم والربط بين المعطيات المختلفة وتؤهله لتكوين رأيه المنفرد والتعامل والمُتغيِّرات والارتقاء نحو الأفضل. فللفرد الحق المشروع في الوصول إلى المعرفة، وللوصول إلى المعرفة يجب أن تتوافر له دروب المعرفة المختلفة، ومن أهمها الكتاب، حيث يعد الكتاب جواز سفر المعرفة.

ويُلخِّص "رجب" (2004) مهارات الفهم في أثناء القراءة في:

  • القدرة على إعطاء الرمز معناه.
  • القدرة على فهم الوحدات الأكبر، كالعبارة والجملة والقطعة كلها.
  • القدرة على القراءة في وحدات فكريَّة.
  • القدرة على فهم الكلمات من السياق واختيار المعنى الملائم لها.
  • القدرة على التخمين في معاني الكلمات.
  • القدرة على اختيار الأفكار الرئيسة وفهمها.
  • القدرة على الاستنتاج.
  • القدرة على الاحتفاظ بالأفكار.
  • القدرة على تقويم المقروء ومعرفة الأساليب الأدبيَّة والفكريَّة وهدف الكاتب.
  • القدرة على فهم الاتجاهات.