الفرق بين المعلّم والموظّف

رِسَالةُ المُعلِّم وآدابُ العالم وَالمُتعلِّم: يجمع بين المُعلِّم والمُوظَّف أن كلاًّ منهما مسلم يحمل في عقله وقلبه، وسلوكه وأخلاقه رسالة الإسلام، ويدعو إليها بحسب استطاعته. ولكنّنا من خلال فهم طبيعة عمل كلّ من المُعلِّم والمُوظَّف ومهمّتهما في الحياة نستطيع أن نعرّف المُعلِّم والمُوظَّف على النحو الآتي: فالمُعلِّم هو الذي يأتمنه الناس على تربية أولادهم، وتأديبهم وتعليمهم، ويتحقَّق بمستوى مناسب من الأهليّة لذلك. وأمّا المُوظَّف فهو الذي يكلّف بعمل ما، وتتحقَّق به الأهليّة العلميَّة، أو الفنيَّة، أو الخبرة المناسبة لهذا العمل.

 



ونستخلص من التعريفين الحقائق الآتية:

  1. أنّ كلاًّ من المُعلِّم والمُوظَّف يتحقّق فيهما قدر مشترك من المؤهّلات العلميَّة والأخلاقيَّة، والمهارات الفنيَّة المناسبة لمهمّة كلّ منهما، وطبيعة عمله واختصاصه.
  2. أن الجانب الأساسيّ في المُعلِّم هو المستوى العلميّ والسلوك الأخلاقيّ المناسب، والقدرة على التعليم والعطاء، بما ينسجم مع طبيعة المهمّة الملقاة على عاتقه، ولا يفترض في المُوظَّف أن يكون كذلك كما هو واضح.
  3. أن علاقة المُعلِّم علاقة إنسانيَّة تربويَّة، فميدان عمله: النفس البشريَّة، ومهمته صقل العقول، وإيقاظ القلوب، وتهذيب النفوس، وغرس الفضائل، واجتثاث الرذائل، وتنشئة الأطفال تنشئة قويمة سويّة.

 

إنّ مهمّة المُعلِّم تتعلَّق بسيّد المخلوقات في هذا الوجود، وبالإنسان الذي خلقه الله بيديه، وأسجد له ملائكته، وجعله في أحسن تقويم، وحمله ما ناءت السموات والأرض والجبال بحمله، فشرّفه بالأمانة، وخصّه بالتكليف، ليكون في أرفع المنازل عند الله تعالى، إن وفَى بعهد الله وأمانته. إنّنا نلقي إلى المُعلِّم بفلذات أكبادنا، معادنَ وخاماتٍ ليجعل منها أدوات نفيسة القدر، عالية الهمّة، شريفة المهمّة، وينقش عليها نقوش الحقّ، التي تؤهلها لجليل المهام، ولا تمحوها الليالي والأيّام.

وفي هذا المعنى يقول الإمام الغزاليّ رحمه الله تعالى: "إن الصبيّ أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة، خالية من كلّ نقش وصورة، وهو قابل لكلّ ما ينقش فيه، ومائل إلى كل ما يمال إليه، فان عُوّد الخير وعُلّمه، نشأ عليه، وسعد في الدنيا والآخرة، وشاركه في ثوابه أبواه وكلّ معلّم له ومؤدّب، وإن عُوّد الشرّ، وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة مُربّيه والقيّم عليه.

أمّا المُوظَّف، فقد يكون تعامله مع آلة صمّاء فحسب، لا صلة له بالناس مطلقاً، وقد يكون بعيداً عن الناس يتعامل مع أوراقٍ تصله، ومعاملات للناس يتلقاها من مُوظَّف آخر، فتنحصر علاقته بالناس بعلاقته مع زملائه ورئيسه، وقد يكون تعامله مع الناس مُحدَّداً بلحظة عابرة، أو كلمة محدودة، فلا يربطه بالناس سوى نظام وشروط وقيود، ولا تصله بهم إلاّ الأوراق المطلوبة، والشروط المستوفاة.

ولا يخفى أنّ ذلك في كثير من الأحيان إن لم يصحبه حسن الخلق، والصبر الجميل، والأسلوب الحكيم في العلاقة، والطيب في التعامل، فإنّه يورث الجفاء في العلاقة بينه وبين الناس، لأن النفوس جُبلت على النفرة من القيود والنظام، وإباء الانقياد والانتظام.

ولئن كانت طبيعة عمله لا تُقلِّل من أهميّة أخلاقه وسلوكه، وضرورة صبره وتحمُّله، وحسن علاقته بالناس ولطفه، وما لذلك كلّه من أثر، وما يتركه في نفوس المتعاملين معه من انطباع حميد، وثناء عطر، وتأثير طيب، ولكنه لا يقف في ذلك كلّه موقف المُعلِّم للناس، والمربّي الموجّه لهم.

 

ونخلص من ذلك: إلى أنّ الفرق الذي نريد الحديث عنه بين المُعلِّم والمُوظَّف يتجلَّى في طبيعة علاقة كلّ منهما بالناس، ففي الوقت الذي تكون علاقة المُعلِّم بتلاميذه علاقة أبويّة تقوم على التربية والتعليم، والإرشاد والتوجيه، تنحصر علاقة المُوظَّف بالناس في نطاق محدود، من طبيعة العمل الذي يقوم به، والمهمة التي يؤدّيها، ولا يطلب منه ما فوق ذلك، ولا يسأل عنه.