العولمة وتأثيرها في التعليم

العولمة وتأثيرها في التعليم

(اللغة، القراءة، الكتابة، التكنولوجيا)

ديل "روزيرو"

ترجمة: فضل جبران

مراجعة وتدقيق: كفاح الفني

تُعَدُّ هذه الورقة مراجعة للجّدل القائم وللأدبيات التي ما فتئت تتسع حول تأثير العولمة في صيرورة التعليم. وتسعى عبر إطلالتها على التنافر (النشاز) القائم بين الحجج والبيانات المطروحة على حلبة العولمة إلى أن تصل إلى حدٍّ من التوافق الظاهر للعيان في وجهات النظر حول ماهية تأثير العولمة في القطاع التعليمي، وبهذا تحاول هذه الورقة أن تلقي الضوء على تجليات العولمة في السياق التعليمي.



ما يُميِّز هذه المراجعة يكمن أساساً في كونها تُعِدُّ الجودة صلب اهتمام عملية التعليم، فبغض النظر إذا ما عُدَّ تأثير العولمة في التعليم سيئاً أو جيداً، أَو إذا ما كان سيؤدي إلى الأفضل أو إلى الأسوأ، وبمعزل عن شموليَّة تدخُّل العولمة في مجالات القدرة والعلم والحضور وتأثير الممثلين واللاعبين المشاركين في عملياتها المختلفة، يبقى المعيار كيف نحافظ على جودة التعليم، فإذا ما تسلّح ذوو النفوذ أفراداً ومُؤسَّسات بمعرفة الطرائق التي تؤثر فيها العولمة في التعليم، فسيكون في مقدورهم اتخاذ الخطوات الضروريَّة لدرء العواقب غير المُحبَّبة وغير المأمونة الجانب التي قد تضرُّ بجودة (سلامة) التعليم وتماسكه المقدم إلى الطلاب، كونهم الغاية النهائية للعملية التعليميَّة.

 

ولمقاربة هذا الموضوع، تقوم هذه المراجعة بتحليل المعارف والآراء المختصة الواردة في المقالات الآتية: "التغيير التربوي ضمن سياق العولمة" (كارين مونكمان ومارك بيرد)، ماذا تعني العولمة للتغيير التربويِ؟ نظرة مقارنة (مارتن كاروني وديانا روهتن)، "التأثيرات المختلفة للمُنظَّمات الإقليميَّة كموضع تأثر بعولمة التعليم" (روجر ديل وسوزان إل روبرتسون).

 

الخطاب السياسي والمشاركة والشراكة

في مقالة تراجع ثلاثة كتب عن العولمة والتعليم هي: العولمة، والتحوُّل التربوي والمجتمعات الانتقاليَّة، وإعادة هيكلة التربية ضمن سياق العولمة والسياسة القوميَّة، والعولمة وعلم أصول التدريس: الفضاء، والمكان والهوية، يشبه كل من مونكمان وبيرد أهمية العولمة أو موقعها بأهمية الجمال في الحس العادي، أي أنه في عين المشاهد. وباستعمال الاستعارة نفسها، يفترضان أنّ تفسير مجموعة الظواهر العالميَّة الجديدة ذات التأثيرات الاقتصاديَّة الثقافيَّة والسياسيَّة يعتمد على نهج المُحلّل ومشربه النظري والسياسي، ويستشهدان كبرهان على هذه الحجّة، بنقد اليسار السياسي ضدّ العولمة كونها هيمنة وإمبريالية غربية، بينما ينطلق اليمين بمديحها لكونها نصراً للحضارة الغربية والديمقراطيَّة التحرُّرية. وجوهرياً، يُؤكِّدان أنّ الرأي حول العولمة يستند إلى منظور الرائي للأشياء. وبهذا يُؤكِّدان أيضاً أنّ مفهوم العولمة واسع وشمولي ومُتعدِّد المنحى ومتنازع عليه (غير منجز).

 

وكبُرهان على هذا التنازع، يشيرون إلى ضعف في ثلاثة مناحٍ في الأدبيات المعاصرة حول العولمة والتعليم:

  1. إنّ سوء استعمال مفهوم العولمة كحشو منطقي مُقَدَّم في كثير من الأحيان دون تفسير واضح للصلات، وتدفق عملياتها، ويمثلون على ذلك: تُسبّب العولمة إعادة هيكلة التربية، لأن إعادة هيكلة التربية ميزة العولمة (ص498).
  2. تقديم العولمة كقوة مستقلة توثر في القوى المحليَّة والقوميَّة، ولذا فإن ردود الفعل على ضغوطاتها ستتركَّز على المستوى ذاته (المحلي والقومي).
  3. خطر الخَلْط بين العولمة والتوجهات الدوليَّة المُعاصرة على الرغم من كونها لا تدخل في نطاق العالميَّة، ولا تشتركَ في عمليات العولمة.

 

مدركو هذا الضعف، اختاروا أن يتبنوا رؤيا "مارغينسون" (1999) كما هو مقتبس من قِبَلِ "مونكمان وبيرد"(2002) للعولمة، من خلال توصيف مُتعدِّد الأبعاد مستند إلى معايير كالماليَّة والتجارة، وتقنيات المعلومات والاتصال، وحركات الناس عبر الدول، وتشكيل المجتمعات العالميَّة، والتقارب الأيديولوجي والثقافي واللغوي، والأنظمة الدوليَّة للإشارات والصور.

 

باستعمالهما نموذج مارغينسون مُتعدِّد التنويعات للعولمة، يفترضان في المراجعة أنّ الكتب الثلاثة تسقط أحياناً في الضعف ذاته. على الرغم من هذا، يَدّعيان أنّها تساهم في الفَهْم الأعمق للعولمة، كما يحاولان تحليل عملياتها خلال النماذج الأمثولية (التوأميَّة) للخطاب السياسي، والمشاركة والشراكة، ويمثلان على ذلك بالآتي:

  • "الخطاب، في كل من السياسة والثقافة، يُشكّل الممكنات والمحدودات فيما نعدُّه النموذج الأعلى، وعلى الرغم من كونه يُؤطّر القضايا، ويؤسس أرضية مشتركة للنقاش، فإنّه في الوقت ذاته يستثني المنظورات الأخرى. المشاركة تقع في صميم عملية التعليم والتنمية، لكن أموراً كطبيعة الناس والمجموعات والكيانات المشاركة، وكيف يتم تدخلهم، يَجِبُ أَنْ تتم مناقشتها بموازاة مع الديناميكيات الكبرى مثل: سياسات البنك الدولي أَو التدفقِ العالميِ للرأسمالِ الدوليِ، هذا التأطير الأكثر شموليَّة للمشاركة يُمْكِنُ أَنْ يكشفَ عن منظور أكثر توازناً عن الكيفيَّة التي تتفاعل فيها العولمة مع التعليم" (ص499).
  • إنّ الكتابين الأولين (العولمة، والتحوُّل التربوي والمجتمعات الانتقاليَّة، وإعادة هيكلة التربية ضمن سياق العولمة والسياسةِ القوميَّة) يُوضّحان دراسة حالة آنية وحديثة للتغير في التعليم، والتحوُّل الاجتماعي في كثير من الدول، وكذلك مجموعة من الأطر النظرية حول العولمة، وصورة شاملة عن المواضع المعاصرة في الخطاب. وبالتحديد، فإنّ نظرية "داون" لإعادة بناء التعليم في مجال العولمة والسياسة الدوليَّة ونطاقها، تناقش العولمة وأبعادها الاقتصاديَّة، والتغيُّرات والتأثيرات المصاحبة للعولمة على الدولة والأمة، وكذلك التقارب والتشعب الثقافي، ومجموعة متعارضة من المطالب في التعليم. وتقول هذه الدراسة أنّ درجة الدمج بين المجتمع "الدولة" والتعليم قد تختلف من دولة إلى أخرى ومن وقت إلى آخر (ص 500).

 

الكتاب الثالث "لإدوارد واوشر" العولمة وعلم أصول التدريس:

الفضاء، المكان، والهوية، فإنّه لا يعول على تغير معين في ذاته: فالتعليم المفتوح، والتعليم عن بُعد يُعَدَّان من القوى المُحرِّكة للعولمة، ويضعان مؤسسة أنظمة التعليم الحديثة: المدرسة والجامعة، والأنظمة الأكاديميَّة على المحك. وهما (أي التعليم المفتوح والتعليم عن بعد) يُؤسّسان نواة المجتمع الافتراضي أو ما يسميه الكاتبان (حيز الشتات)، إذ تنخرط البنى الاجتماعيَّة القائمة على العقلانيَّة الغربية في شبكات جديدة تتواصل من خلال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

وبالعودة إلى "واشر وادوارد"، نرى أنّهما يوضحان أنّه من خلال نظام التعليم عن بعد تكون علاقات القوة والتحكُّم في التعلُّم ومصادر المعرفة أخف وقعاً، إذ يساهم هذا الشكل من التعليم في تجاوز الحدود القائمة بين التعليم الرسمي والتعليم غير الرسمي، بين المُعلِّم والطالب، الصف والبيت، النص المطبوع والنص الإلكتروني، التعليم والترفيه، وجدلاً يتوصلان إلى أنّ التعليم عن بعد يعزز مكانة الطالب، ويقلل من سطوة البنى الهرمية والأنظمة الصارمة، عن طريق شرعيّة طرائق سرد وأنظمة معاني مُتعدِّدة ومتشعبة. ويستطردان بالقول إنّه بما أنّ التعليم المفتوح والتعليم عن بعد يعطيان الطلاب مصادر مختلفة لنيل المعرفة ويمكنانهم من تكوين رؤيا ذاتيَّة للواقع، فإنهما يضعان سلطة المُعلِّم أمام تحدٍّ حقيقي.

وبالتّركيز على موضوعة الخطاب السياسي، فإنّ "مونكمان وبيرد" يقولان إنّ خطاباً كهذا لا ينبع من أمّة أو دولة واحدة، وإنّما ينبع مما وراء حدود أغلب الدول، وأنّه يحل محل الخطاب السياسي الأسبق الذي كان يستند إلى عوامل داخلية وقوميَّة كانت تقود الأجندة التعليميَّة سابقاً.  ويضيفان أنّ الأجندة العالميَّة تؤثر في توجهات الإصلاح التربوي عبر تأطير الخطاب، ما يكسبها صبغة تسلطية (إمبريالية) في محيط الفاعليات والمُنظَّمات المنخرطة في التعليم والتنمية.

وفي الوقت نفسه، فإنّ هذا الخطاب يؤثر في كيفيَّة توزيع الأدوار على اللاعبين في هذا المجال.  وبالرجوع إلى كيت واطسون في (مبراهتو) فإنّ "مونكمان وبيرد" يشيران إلى أنّ المُنظَّمات مُتعدِّدة الأطراف والوكالات المانحة ذات دور مركزي في إحداث التقارب في مجال الإصلاح السياسي والمبادرات، كاللامركزيَّة، والخصخصة، وإصلاح المنهاج. ويلاحظان أنّ مثل هذه الإصلاحات غالباً ما تترجم إلى اشتراط تعديلات هيكلية للسياسات أو لظروف الترتيبات الماليَّة الأخرى، وهذا جميعه ينبثق من احتكار الوكالات الداعمة والممولين للأجندة.

وعلى المنوال ذاته، يستمران في أنّ الأدوار المختلفة للمؤثرين في التعليم عالمياً ومحلياً وقومياً تترجم إلى فكرة الشراكة والمشاركة. فمفهوم الشراكة أصبح يعني المقاربة العامة، أو كما تعبر عنه مقاربات القطاع الواسع في التنمية SWAPs) “sector wide-approach”)، التي وجدت لتضمن السيطرة المحليَّة على الأجندة التعليميَّة ولتحقيق مستوى أعلى من التعاون بين المانحين والمُؤسَّسات الأهلية والمجتمع المحلي. وهما في كل الأحوال يشيران إلى أنّ تحليلات البنك الدولي للشراكة والمشاركة تنبع من محاذيره "إذ إنّ الأطراف المعنية كافة أصبحت شريكة ولم يبقَ من تلقي علية اللائمة، الإخفاق مؤسف، فحماسة الشراكة لها نقد خفي، جدل وبدائل، إذ لم تبقِ أحداً خارج اللعبة، أي أنّه لم يتبق من يعارض السياسات والاستراتيجيات ليتحداها" (ص 506).

وبالنظر إلى الكتب الثلاثة، نرى أنّ مونكمان وبيرد يختتمان بالدعوة إلى تحليل أكثر حساسية ونقداً للخطاب في العولمة والتعليم، ويشددان على ضرورة أن تكون تعبيرات مفهوم العولمة أكثر دقة من جوانب عدة، وليس من جانب تأثير العولمة في التعليم فحسب، وإنما أيضاً من جانب الكيفيَّة التي ينظر بها الفاعلون الأساسيون في التعليم للعولمة. وليكن هذا من خلال المشاركات الفعَّالة وتعدديَّة الأصوات كتلك الموجودة في الحقول الأخرى؛ كالحقل الرقمي، أو بإعادة هيكلة الخطاب الذي بدوره يوجه أفكارنا وأعمالنا (ص 508).

 

العولمة والتغيُّر التربوي والمُنظَّمات الإقليميَّة

ينظر كل من "كارنو وروتكن" في مقالتهما الافتتاحية، "ماذا تعني العولمة بالنسبة إلى التغير التربوي دراسة مقارنة"، إلى العولمة من معايير المعرفة، والمعلومات، والبناء الاقتصادي، ونظرية النظم العالميَّة والمفاهيم الأيديولوجيَّة في التعليم. ويشدّد الكاتبان على أنّه لتقويم علاقة العولمة الحقيقيَّة بالتغيُّر التربوي ينبغي أن نعرف كيف تؤثر العولمة ومسوغاتها الأيديولوجيَّة في وضع التدريس بشكلٍ عام، من النماذج الانتقاليَّة إلى السياسات القوميَّة والتطبيقات المحليَّة (ص2). التمويل، وسوق العمل، وجودة أنظمة التعليم الوطني، وتقنية المعلومات، وشبكات المعلومات المعولمة هي من بين المجالات التي تتجلى فيها هذه العلاقة.

ويوضّح "كارنو" الأمر بأنّه لأسباب ماليَّة تكون معظم الحكومات مضطرة إلى تقليص حجم الإنفاق العام على التعليم، وإيجاد موارد بديلة لتمويل الأنظمة التعليميَّة، ولاعتبارات العمل، فإنّ الحكومات تحت ضغط أشد هو جلب رأس المال الخارجي، وتقديم العمال المهرة، ما يعني مزيداً من الضغط لرفع مستوى المعدل التعليمي في سوق العمل، الذي يؤدي بدوره إلى زيادة معدل الإنتاج في سوق العمل. ولمسوغات تعليميَّة، تخضع جودة التعليم الوطني لموازنة حثيثة بجودة التعليم العالمي. ونتيجة لذلك، فإنّنا نلاحظ أن التركيز يكون في مناهج الرياضيات والعلوم، وفي المعايير والفحص، وفي مطابقة المعايير من خلال تغيير ينفَذ في أنظمة التطبيق.

ويشير إلى أنّ تقنية المعلومات تنضوي تدريجياً إلى أنظمة التعليم لسببين: الأول، تخفيض نفقة التعليم، والثاني، الوصول إلى مستوى جودة تعليم أعلى بمساعدة الحاسوب والإنترنت.

ويوضح أنّ شبكات المعلومات العالميَّة تعني تبادل ثقافات العالم مع محاذير أنّ كثيراً من الفئات تشعر أنّها مهمشة بسب قيم سوق الثقافة الجديدة، وأنّ مثل هذه الفئات ستقاوم ضد اقتصاد العولمة بالتشديد على قيم ثقافيَّة عالميَّة بطبيعتها، فعلى سبيل المثال، نجد أنّ كلاً من الأصولية الدينيَّة وأنصار البيئة الما بعد حداثيين، وأنصار حقوق المرأة على اختلافهم يقفون ضد السوق.

ويخلص كل من "كارنو وروتن" إلى أنّه وعلى الرغم من أنّ التغيُّرات التعليميَّة على ضوء العولمة ذات مُحدَّدات تعريفية مشتركة، فإنّها تحوي اختلافات مهولة من منطقة إلى أخرى.

ومما يستحضر في هذا المجال ما قاله "ديل وروبرتسون" (2002) في مقالتهما "التأثيرات المختلفة للمُنظَّمات الإقليميَّة في ظل عولمة التعليم"، إذ يناقش الكاتبان أنّ المُنظَّمات الإقليميَّة تحديداً: معاهدة دول شمال أمريكا للتجارة الحرة (NAFTA)، والاتحاد الأوروبي (EU)، والتعاون الاقتصادي الآسيوي (ABEC)، بالقدر الذي تمثله كدفة توجيه لرأس المال العالمي وقوى العولمة، فإنها تخدم في مجال البنى التحتية الاجتماعيَّة، وتشكل الرأسمال الإنساني، وإن كان بشكل مباشر أو غير مباشر، فإنّها توثر في تشكيل السياسات التعليميَّة.

فمن خلال دراستهما لمعاهدة دول شمال أمريكا للتجارة الحرة، وتأثيرها في التعليم، يلاحظان أنّ استراتيجيتها تستخدم التجارة الحرة لتوسيع نطاقها لتشمل احتياطي الموارد التي كانت تحت سيطرة القطاع العام عبر تكتيكات بناء معاهدات تجارية ملزمة مرتبطة بإجراءات مثل: "إجراءات حل النزاع" (ص 23)، ويلاحظان بشكل أساسي أنّ مستوى هذا التأثير في السياسات التعليميَّة القوميَّة في الدول الأعضاء يتجاوز الاستقلاليَّة ليمس السيادة، فمعاهدة دول شمال أمريكا للتجارة الحرة تحدد للدول الأعضاء المجالات التي يمكنها أن تقرر السياسات فيها دون أن تأتي على ذكر الكيفيَّة التي سيتم فيها استخدام ما تبقى من السيادة.

ويوضحان الأمر بأنّه على الرغم من أنّ معاهدة دول شمال أمريكا لا تتطرق بشكل مباشر إلى التعليم، فإنّ للدول استقلاليَّة محدودة في إدارة المدارس، وهي معرضة لفقدان السيطرة في حالة عدم تطبيق قواعد هذه المعاهدة. ويقدّمان برهاناً على ذلك بالأزمات التي تواجهها دول شمال أمريكا في مجال التعليم العالي "تُعَدُّ الجامعات مواقع قوة في مجالات البحث والتطوير في المنطقة، وهي بدورها قادرة على الإسهام في التطوُّر الاقتصادي على الصعيد العالمي. لذا، فهي مواقع استثمار في مجالي البحث والتطوير، وجميع أعضاء معاهدة دول شمال أمريكا، وبخاصة المكسيك، بسبب اختلاف مستويات مصادرها وتنوعها، فإنها معرضة لاحتمال الدخول في مقاومة أزمة إدارة جامعتها في الوقت الذي تم فيه فتحها أمام الاستثمارات الخاصة، وفي الوقت نفسه تصبح هذه الجامعات عاجزة عن إدارة نشاطاتها الخاصة" (ص23).

ويستطردان بأنّ مثل هذا الخلط في الصلاحيات ضمن القطاع الجامعي، وبخاصة عندما يرتبط ذلك بموضوعة الملكية الفكريَّة، فإنّها سوف تُقلِّل من استقلاليَّة الجامعات، وتجعلها مجالاً للمنافسات التجارية بدلاً من منارات استنارة.

أمّا بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، فيقول ديل وروبرتسون (2002) إنّ استراتيجيَّة الاتحاد الأوروبي تقوم على تشجيع تمويل البرامج الصغيرة والتعاون العابر للقوميات بين الجامعات لكي تبلغ هدفها، "وهو البعد الأوروبي، بناء فهم مشترك وعابر للقوميات لأن تكون أوروبياً" (ص28).

ويلاحظ الكاتبان أنّ هذه الاستراتيجيَّة متبعة من قِبَلِ الاتحاد الأوروبي لتحويل المنطقة إلى مجتمع واقتصاد قائمين على المعرفة، عبر تبنّي سياسات أفضل في حقول مُتعدِّدة، من بينها تكنولوجيا المعلومات، والبحث والتطوير. ويرى "ديل وروبرتسون" أنّه على الرغم من أنّ تأثير الاتحاد الأوروبي على السلطة القوميَّة في القطاع التعليمي محدود جداً، فإنّه قد يمس استقلاليَّة الأعضاء في مجال سياسة التعليم.

أمّا في حالة التعاون الاقتصادي الآسيوي، فيشير الكاتبان إلى أنّ دول هذا التعاون ترى أنّ التعليم يساهم وبشكل كبير في تحقيق النجاح الاقتصادي في المنطقة، وبشكل خاص فيما يُعرف "بالنمور الأسيوية" (هونغ كونغ، وسنغافورة، وكوريا الجنوبية، وتايوان). فتدّعي هذه الدول أنّ هذه الرؤيا مركزيَّة لتحويل أنظمة تعليمها إلى مساهم في تشكيل "المجتمعات التعليميَّة" عن طريق التشارك في الأفكار والخبرات والتطبيقات الأمثل في مجال استخدام تكنولوجيا المعلومات، وتعزيز جودة تطوير المُعلِّم، ورعاية الممارسات الإداريَّة العقلانيَّة بين صانعي السياسة، وتشجيع ثقافة التفاعل النشط بين المُعلِّم والطالب لخلق تفاهم في المجتمع الآسيوي.

ويلاحظ الكاتبان أنّ الاستراتيجيَّة المتّبعة من قِبَلِ دول الاتحاد الآسيوي تعتمد على فلسفة "إعدادات أحادية الجانب"، وعلى "خطط العمل الفرديَّة"، فمثلاً يولي أغلبية الأعضاء أهمية بالغة لدور التعليم ولتشكل رأس المال الإنساني في التطوُّر الاقتصادي، ويتبنونه كمحور لسياستهم الكلية إلا أنّ كلاً منهم يصل إلى هدفه بطريقته الخاصة.

ويخلص "ديل وروبرتسون" إلى القول إنّه يجب أن ينظر إلى التعليم في محتواه وسياسته الإداريَّة من مسوغات إقليميَّة المنشأ، ومن الكيفيَّة التي تعدل هذه المناطق سياساتها التعليميَّة تماشياً مع عملية العولمة. ويضيفان أنّ أجندة التعليم ذات المنشأ العالمي تتسع بشكل مطِّرد، في حين أنّ الالتقاء والتوافق بين الممارسات أو السياسات القوميَّة لم يحظَ بالاتساع ذاته.

 

الخاتمة

جدائل من الخيوط تتداخل في نسيج واحد، هذه المقالات الثلاث تقدّم وجهات نظر متمايزة، ولكنها مترابطة، عن تعقيدات العولمة، وبخاصة في سياق التعليم. وكذلك تتداخل أفكار "مونكمان وبيرد وكاروني وروبرتسون" حول مُحدَّدات كالتمويل، والتجارة، والاتصال، وتكنولوجيا المعلومات، وسوق العمل، وجودة النظم التعليميَّة الوطنيَّة، وشبكات المعلومات المعولمة. فكلتا المقالتين كذلك تدرك أثر تكنولوجيا المعلومات كآلية ذات أثر ليس على الكيفيَّة التي يتم فيها الآن إيصال التعليم عبر شبكات عالميَّة فحسب، بل، وبشكل أكثر أهمية، على قدرتها على زعزعة نماذج السلطة القديمة وهرميتها بين المُعلِّمين والطلاب. ويشير كل من
 "ديل وروبرتسون" (2002) في تحليلهما لتأثيرات العولمة في الاتحاد الأوروبي إلى أنّ تكنولوجيا المعلومات هي الاستراتيجيَّة الوحيدة التي يأمل الاتحاد الأوروبي من خلالها في تحويل الإقليم إلى مجتمع واقتصاد مبنيين على المعرفة.

 

وكذلك، تشترك المقالات الثلاث في الاعتقاد الذي عبر عنه "كارنو وروتن" بوضوح، وهو أنّ التغيُّرات التعليميَّة في ضوء العولمة ذات مُحدَّدات جوهرية مشتركة، إلا أنّها تحوي اختلافات مهولة من منطقة إلى أخرى. وهذا مُفصَّل في تحليل "ديل وروبرتسون" لمعاهدة دول شمال أمريكا، والاتحاد الأوروبي، والتعاون الآسيوي، كمؤثرات على العولمة من ناحية، وكموضع تأثر بالعولمة من ناحية أخرى. أما "مونكمان وبيرد" فيقتبسان دوان (2002) درجة الدمج بين المجتمع أو الدولة والنّظام التعليمي تختلف من دولة إلى أخرى ومن حين إلى آخر.

 

وجميعهم أجمعوا على أنّ المقالات تتابع عن كثب التعقيدات بين العولمة والتعليم إلى درجة أنه أصبح من الواضح أنّ أكثر طرائق العولمة تجلياً في التعليم هي عبر تكنولوجيا المعلومات، وأيضاً الطريقة الفاضحة التي تتم فيها السيطرة على أجندة السياسة التعليميَّة بين الأمم والدول.  ولعل أهم تشعّبات هذه السيطرة هي المشاركة التي يريد "مونكمان وبيرد" منّا أن ننظر إليها بحذر، فإذا ما كان هنالك مجال من مجالات البحث في التعليم المقارن يستحق السبر، فيجب أن تكون سياسة المشاركة بشكل يجيب عن: من هم اللاعبون؟ وما الأدوار التي يؤدونها؟ ومن ثمَّ إذا ما أصبح اللاعبون كافة شركاء، فمن سيكون القيّم النهائي على حد تعبير البنك الدولي.

 

فضل جبران

مُعلِّم من إذنا

 

الهوامش

  • كاتبة أمريكية، جامعة كولومبيا.
  • تحرير "تيم مبراهو"، و"مايكل جروسلي"، و"ديفيد جونسون اوكسفورد" سلسلة كتب حلقة الدارسات (2000).
  • تحرير "هوجر دون"، نيويورك ولندن، روتلج فالمر، (2002).
  • "رتشارد ادوارد"، و"روبن اوشر"، لندن ونيويورك "روتلج" (2000).
    (in Mebrahtu et al).