العمل التشاركي والجماعي في العملية التعليميَّة

لقد كان لظهور أساليب التدريس وطرائقه الحديثة أسباب ودوافع كثيرة، لعل أبرزها الحاجة إلى مسايرة التطوُّر السريع والتسارع المعرفي الكبير، فصار ينتظر من المؤسسة التربويَّة أن تقدم مخرجات علميَّة وإنسانيَّة قادرة على تيسير اندماج المُتعلِّم في الواقع، وتيسير وتوسيع طرائق الاستيعاب والتخطي والإبداع، وهو ما أدّى إلى ظهور ما يسمى ضرورة التعلُّم مدى الحياة وضرورة التعلُّم الفعَّال وضرورة التعلُّم بالمشاركة وغير ذلك، فلم يعد يكفي المُتعلِّم أن يتعلَّم بل لا بد من تعلمه كيف يتعلَّم.

 



وما يعنينا هنا هو ما يسمى التعلُّم التشاركي الذي فرضته ضرورات كثيرة منها، ضرورة التواصل وتبادل المعلومات لنيل خبرات تعود على الجميع بفائدة عظيمة في وقت أقصر وتنمي لدى المتشاركين مهارات وقيماً يصعب على الطرائق التقليديَّة تأديتها وخصوصاً بعد التطوُّر التكنولوجي الهائل في مجال الاتصال، هذه التقنية التي جعلت المهتمين في العالم ينظرون إلى إمكاناتها على تقدير أنها فرصة سانحة ينبغي استثمارها لإحداث تحول نوعي في العملية التربويَّة بجميع مدخلاتها وعملياتها ومخرجاتها.

إذاً لا بد من التعلُّم التشاركي أمام ما ذكر ليكون التعليم للتغيير وتطوير الوعي، ولجعل التعليم أكثر واقعيَّة وجاذبيةً وقبولاً وفائدة، ولاكتشاف مهارات وإمكانيات متنوعة وليكون التحفيز أكثر فاعليَّة وشموليَّة. ثم إن هناك مميزات كثيرة تولي هذا الأسلوب من أساليب التعلُّم أهمية كبيرة، من هذه المميزات اشتراك الطالب وتفاعله فيه بشكل إيجابي نشط مثيراً الأسئلة مستكشفاً باحثاً عن إجابات، عاملاً ومتأملاً ومتفاعلاً، ومعللاً مُفكِّراً ومستنتجاً وصولاً إلى المعرفة.

كل هذا يتحقق من خلال التعاون الفعلي والتفاعل الإيجابي المتبادل لتحقيق أهداف مرسومة في إطار اكتساب معرفي يعود على المتشاركين بفوائد تعليميَّة جمة متنوعة أفضل مما يعود عليهم تعلمهم الفردي، وقد يضيق مجال هذا النمط من التعلُّم أو يتسع تبعاً للإطار المرسوم للهدف المراد تحقيقه، فقد يقتصر التشارك على مجموعات صغيرة في قاعة صفيَّة تتعاون مع بعضها في نشاط صفي أو غير صفي قائم على البحث والتجربة وتوليد الخبرات، وقد يتسع أكثر لتتشارك فيه صفوف مختلفة في مدرسة واحدة أو مدارس متقاربة. وقد يتسع أكثر وأكثر لتتشارك فيه مجموعات متباعدة مكاناً وزماناً، وهذا ما يسمى التعلُّم التشاركي من بعد أو "مشروع تشاركي من بعد".

هذا النمط الذي يقوم على رسم هدف أو إطار مرن لتحقيق خبرة أو خبرات متنوعة ويوضح هياكل أنشطة يتم من خلالها ذلك، وعناصر هذا النمط مجموعات وأفراد متباعدون يتواصلون عبر وسائل وأدوات الاتصال الحديثة: (البريد الإلكتروني، المسنجر، المدونة، الرحلات المعرفيَّة، غرف المحادثة الصفيَّة، والمنتدى) .ومن خلاله ينهمك المُتعلِّمون في قراءات وكتابات ومناقشات أو حل مشكلة أو عمل تجريبي، متطلباً منهم استخدام مهارات تفكير عُليا كالتحليل والتركيب والتقويم. فالمُتعلِّم قد بات مشاركاً نشطاً في العملية التعليميَّة، يتعلَّم أكثر من المحتوى المعرفي، إنه يتعلَّم كيف يعمل مع آخرين يختلفون عنه، كما يتعلَّم أيضاً استراتيجيات التعلُّم نفسه وطرائق الحصول على المعرفة.

 

فوائد التعليم التشاركي

من أهم الفوائد التي يقدمها التعليم التشاركي تنمية المسؤوليَّة الفرديَّة والمسؤوليَّة الجماعيَّة، وتنمية روح التعاون والعمل الجماعي بين المُتعلِّمين، الأمر الذي يساعدهم على تبادل الأفكار واحترام آراء الآخرين وتقبلها. ويدربهم على حل المشكلة أو الإسهام في حلها، ومن ثم تنمو لديهم المقدرة على اتخاذ القرار، وتنمو لديهم الثقة بالنفس والقدرة على التعبير عن المشاعر والأفكار من خلال الأنشطة والزيارات الميدانيَّة والحوار مع المتخصصين والمناقشة بين الزملاء، ويذلل من لديهم صعوبات العمل بروح الفريق.

ويكسبهم أيضاً مهارات القيادة والاتصال والتواصل مع الآخرين، لأنها تبعدهم عن روتين تلقي المعلومات، ويتم من خلاله تعرُّف الواقع المحيط وملامسته والتفاعل معه، وإن القيام بالنشاط على شكل مجموعات يؤدي دوراً كبيراً في توطيد العلاقات بين المُتعلِّمين من جهة وبينهم وبين المدرسة من جهة أخرى، ومن ثم يتم تبادل الخبرات والمعلومات عبر الحوار البناء والمناقشة، وقد أثبتا أنهما أكثر فائدة ومتعة من التعلُّم الفردي، لأنه يختصر الوقت والجهد ويبعد المُتعلِّمين عن الأنانية، ويقوي لديهم روابط الصداقة ويطور علاقاتهم الشخصيَّة، ويساعد على ربط بطيئيْ التعلُّم بأعضاء المجموعات ويطور اندماجهم.

 

إعداد: هدى الصغير

المصدر: مجلة الأفكار الذكية