الطفل ...وثقــافة العولمــة؟

يشكل التعرُّف على النظرة الجديدة للطفولة طليعة الأسئلة التي يتصدى لها المتتبعون والمهتمون بالشأن الطفولي. وذلك بحكم أهمية الموضوع من جهة، والنهج الذي سارت عليه أغلب الدراسات السيكولوجية العربية التي نظرت إلى الطفولة في حدود مميزاتها العمريَّة من جهة أخرى. بدأت بمرحلة المهد فالمُبكِّرة فالمتوسطة فالمتأخرة لتنتهي إلى مرحلة المراهقة ثم مرحلة الشباب وما يليها من مراحل.

 



انطلاقا من هذا التصور، ومحاولة التعرُّف على عدد من المعطيات النظرية الحديثة في مجالات الطفولة، وخاصة الجانبين الثقافي والتربوي اللذين يشكلان يُعَدُّ الأساس لبناء وتكوين شخصيَّة متكاملة فذة. من هنا يتبادر إلى ذهننا السؤال أو الإشكالية. ما موقع الطفولة من تيار العولمة؟

يشكل الأطفال في عصر العولمة الفئة الأكثر حساسية وخطورة فيما يتعلَّق بالتأثيرات الثقافيَّة والميديا الحديثة التي يفرضها النظام العالمي الجديد. فالسمات والخصائص الثقافيَّة التي يكتسبها الفرد في مرحلة الطفولة تشكل الشخصيَّة المرجعية لوجوده وحياته في مختلف مراحل الحياة القادمة. فالإنسان يتبلور في مرحلة الطفولة، ويتشكل روحيا وإنسانيا وأخلاقيا بطريقة يصعب معها في المستقبل إحداث أي تغيير أو تبديل مهما كان نوعه. فإدراك الطفل للعالم وموقفه من الوجود ونظامه الإدراكي وعاداته العقليَّة وقدراته الإبداعيِّة جميعها تتحدد بصورة أساسيَّة في مرحلة الطفولة، ولا سيما المرحلة الأخيرة من طفولته. لذا يجب الاحتراس من مطارق ثقافة العولمة الساعية إلى سحق الثقافة العربية والمحليَّة وهدم مُكوَّناتها، وتدمير أسسها الإنسانيَّة.

فالثقافة الموجهة للطفل ثقافة بنائية تتجه إلى بناء الشخصيَّة، وتكوين الذات حسب المقاس المطلوب والمستقبل المنظور، ومن هذا المنطلق الوظيفي تكون وثيقة الصلة بهويته ومن ثمَّ فهي صيرورة إنسانيَّة تولد في الطفل عناصر نمائه وتكامله الإنساني، وتؤدي دورا مركزيا في بناء شخصيته وتكوين هويته المستقبليَّة وليست مجرد منظومة معرفيَّة أو علميَّة أو قيميَّة مكدسة في عقله أو ذاكرته، بل هي فعل تكويني يشتمل على مختلف الجوانب الوجودية في حياته وفي صميم وجوده الإنساني.

ومن هنا يتعين علينا أن نخرج من دوامات التعريفات الكلاسيكية التي ترى في ثقافة الطفل تكديسا لمنظومة المعرفة والقيم، ومنظومات مختزنة من أدب وشعر وموسيقى. فهي في نهاية التحليل تأخذ طابعا تكوينيا معرفيا وأخلاقيا وعقليا مشكلا لوحدة هوية الطفل وشخصيته، ولا يمكن أن نختزلها في ركام من المعارف والمعلومات التي تكدست في كل من الذاكرة والوعي، بل هي أكثر من ذلك. إنها ترمز إلى مختلف القرارات العقليَّة والإنسانيَّة والأخلاقيَّة التي تنصهر في بوتقة التكوين الشخصي للطفل.

 

كيف ننهض بثقافة الطفــــل؟

للنهوض بثقافة الطفل واكسابها مناعة صعوبة الاختراق يجب العمل في اتجاه بناء ثقافة نقديَّة، والتي يمكنها أن تتجاوب مع العصر بتحدياته، وإشكالاته. فالطموحات والأهداف يجب أن تنسجم مع طبيعة التحديات التي يفرضها النظام الفكري الجديد للعولمة والحداثة وما بعد الحداثة. وفي هذا المستوى يجب على التربية أن تشكل نسقا استراتيجيا في التكوين الثقافي للطفل في زمن التحديات الكبرى، مرتكزا على الثوابت الآتية:

  • بناء العقل النقدي.
  • بناء العقل المتسائل.
  • بناء العقل النسبي.
  • بناء العقل على مبدأ الاختلاف.
  • بناء العقل على مبدأ التغيُّر الدائم.
  • توجيه التعليم توجيها إشكاليا.
  • بناء العقل العالمي (فكر عالميا وتصرف محليا).
  • بناء العقل الحداثي.
  • بناء العقل الشمولي.
  • بناء العقل المعقد.
  • بناء العقل المستقبلي.

 

وفي هذا الصدد. يقول "آلفين توفلر": يجب أن نشجع الناس منذ طفولتهم على التأمل البشري الحر. إننا نعطي أولادنا دراسات في التاريخ. فلم لا نعطيهم دراسات في المستقبل واحتمالاته بطريقة منهجيَّة.

وبناءً على ما تقدم، يمكن القول إنّ قدرات الإنسان التقليديَّة على التكيُّف وحل المشكلات، ومواجهة المستجدات فقدت مشروعيتها وفاعليتها في التصدي للمستجدات والاستحقاقات الجديدة التي تفرضها مرحلة العولمة. وبعبارة أخرى، فإن جهاز الإنسان التكيُّفي الذي تطور في بيئة تقليديَّة أصبح غير قادر على الاشتغال في ظروف ثقافيَّة جديدة تتصف بطابع الشمول والتعقد.

 

المصدر: مجلة المُدرِّس