الصفوف المُتحرِّكة: فكرة تربويَّة فاعلة

إنّ تنمية المجتمع تبدأ من تنمية كل من المُعلِّم والمبنى المدرسي ومهنة التدريس، لأنّ الاهتمام ببيئة العمل من حيث المبنى المدرسي، أو توزيع العمل وإثارة الدافعيَّة وغيرها يؤدي إلى تحسين مستوى الأداء للعاملين، في المدرسة ويزيد في درجة الانتماء والحب للمدرسة، ومن ثم ينعكس ذلك إيجابياً على جميع العمليات في المدرسة مما يؤدي إلى تحسين نوعيَّة التعليم ومخرجاته.

 



لذلك يجب تفعيل أدوار الصفوف (والمبنى المدرسي بكل مرافقه) في أثناء اليوم الدراسي، لتتحوَّل إلى مراكز فاعلة تُوَثَّق فيها إجراءات التدريس، وتُطُّور طرائق وتقنيات المُقرَّرات الدراسيَّة، وتُشجع المُعلِّمين على تطوير مستويات أدائهم في أثناء تنفيذ الدروس، كما تساعد المُعلِّمين على إكساب تلاميذهم آداب المُتعلِّم (الاجتماعيَّة والصحيَّة) والمهارات والمعارف المنهجيَّة المبثوثة والمستترة في المُقرَّرات الدراسيَّة.

 

المراد بالصفوف المُتحرِّكة:

تقوم فكرة الصفوف المُتحرِّكة على أن يكون الصف ثابتاً فتكون الحجرة الدراسيَّة (القاعة الدراسيَّة) خاصّة بمُعلِّم أحد المُقرَّرات الدراسيَّة، وتقوم إدارة المدرسة بتسليمها للمُعلِّم في بداية العام الدراسي بكامل محتوياتها، ليقوم المُعلِّم بتكييفها حسب مُتطلَّبات طرائق تدريس مادة تخصصه وتجهيزها بالمواد والوسائل المناسبة المتاحة، والتلميذ هو الذي ينتقل في بداية كل حصة إلى حجرة المُعلِّم (أستاذ المادة الدراسيَّة) ويغادرها في نهاية زمن الحصة لينتقل إلى حجرة مُعلِّم (مادة أخرى) بمعنى انتقال ملكيَّة الحجرة الدراسيَّة الأدبيَّة من التلاميذ إلى المُعلِّم.

 

لماذا طريقة الفصول المُتحرِّكة؟

تُفَعِّل هذه الطريقة دور المُعلِّم واهتمامه بمظهر الحجرة الدراسيَّة التي يقضي فيها معظم اليوم الدراسي، كما تُحَقِّق مبدأً هاماً ومغيباً بدرجة كبيرة في العمليَّة التعليميَّة في مدارسنا، وهو أنّ العلم يؤتى إليه، وهذا ما أمكن تحقيقه من خلال استقبال المُعلِّم لتلاميذه في بداية الحصة وتوديعه لهم في نهايتها، كما يمكن تفعيل دور فسح خمس الدقائق المحصورة بين كل حصتين في أدوار وجوانب تربويَّة وصحيَّة واجتماعيَّة هامة، وهذا ما يُؤكِّده التربويون، حيث يقول جنسن إرك Jensen, Eric)) على الرغم من أنّ كثيراً من إدارات التعليم تزيد في فترات العمل جلوساً استعداداً للاختبارات، إلا أنّ الكثير من الأبحاث تشير إلى أنّ النشاط والحركة هما الأفضل للتلاميذ، كما يحدد في مقالته المترجمة بعض المُسوِّغات لتحرك التلاميذ ليتعلَّموا أكثر ومن هذه المُسوِّغات ما يأتي:

  1. أنّ الحركة تزيد في نبضات القلب والدورة الدموية، مما يؤدي في العادة إلى تحسن الأداء والاستيعاب.
  2. أنّ الحركة والتغيُّرات المكانيَّة تعطي بُعداً جديداً في غرفة الدرس، مما يساعد على زيادة مستوى الانتباه والاستيعاب للمادة الدراسيَّة.
  3. أنّ الجلوس الزائد للتلميذ يعرضه للمخاطر مثل سوء التنفس، وإجهاد العمود الفقري، وتضرر أعصاب العمود الفقري، وتضرر أعصاب أسفل الظهر، وضعف البصر، والإعياء الجسمي العام.

 

أهداف طريقة الصفوف المُتحرِّكة

  1. بالنسبة إلى الطالب:
  • تنمية شخصيَّة المُتعلِّم من خلال تحمله لمسؤولية وجوده في الزمن والمكان المُحدَّدين مما يجعله يشعر بقيمة الوقت.
  • المُتعلِّم في مرحلة المراهقة أو على أعتابها يعجُّ بالطاقة والنشاط الذين إن لم يستنفدْهما بطريقة حركيَّة تحولاً إلى طاقة تتفاوت آثارها في التدمير والمشاكسة، ولما كان نظام الصفوف المتنقلة يهيئ للتلميذ الانتقال من قاعة إلى قاعة فالنتيجة هي الإقلال من طاقته.
  • الرتابة من أعداء الإنسان وما يصدر عن الطلاب من تخريب وعدوان ما هو إلا تنفيسٌ عما يعانونه من رفض واحتجاج ومن هنا كان في نظام الصفوف المتنقلة ميزة التغيير وتنوع البيئات.
  • تتوافر في القاعة الدراسيَّة كل الوسائل المعينة للمُدرِّس من أجهزة عرض وأجهزة تسجيل فينعكس ذلك على مستوى المُعلِّم وأدائه مما يرتفع بمستوى المُتعلِّم ويزيد في إقباله على الدرس.
  1. بالنسبة إلى المُعلِّم:
  • زرع التنافس بين المُدرّسين في قضية الاهتمام بصفه ونظافته وتزيينه باللوحات المعبرة والمفيدة في مجال التعليم المنهجي.
  • حرص المُعلِّم على تطوير مستواه وتقديم الأفضل لطلابه من خلال سعيه إلى استخدام الوسائل التعليميَّة المناسبة.
  1. بالنسبة إلى المبنى المدرسي:
  • المحافظة على ممتلكات المدرسة من مقاعد وطاولات وتجهيزات داخل الحجرة الدراسيَّة والتي كانت تتعرض للعبث بها من قبل بعض الطلاب في ظل غياب المراقبة الفاعلة من بعض المُعلِّمين.
  • نظافة الصفوف الدراسيَّة حيث ستكون من مسؤولية المُعلِّم بحكم انتقال ملكيَّة الصف الأدبيَّة إليه ومن ثم سيحرص بشدة على نظافتها بصورة دائمة.

 

إيجابيات طريقة الصفوف المُتحرِّكة

  1. التحسُّن في التحصيل الدراسي.
  2. القضاء على الظواهر العدوانية المتمثلة في الآتي:
    • حالات اعتداء التلاميذ بعضهم على البعض الآخر في أثناء الفسح الصغيرة والكبيرة وفيما بين الحصص بسبب غياب رقابة المُعلِّمين.
    • حالات اعتداء وإتلاف التلاميذ لممتلكات المدرسة (كراسي، طاولات، أبواب، شبابيك، أدوات كهر بائية) والكتابة على الطاولات الدراسيَّة وجدران الصفوف.
  3. تفعيل دور الوسائل التعليميَّة بسبب وجودها داخل الحجرات الدراسيَّة وفي متناول يد المُعلِّم في أثناء التدريس.
  4. زيادة حرص المُعلِّمين على تنويع طرائق التدريس وتحسينها، وتهيئة المُعلِّم لصفّه بالأدوات واللوحات وإعداد الدروس على السبورة بشكل يجعل الصّفّ يترجم المادة وأهدافها.
  5. التغلُّب على ظاهرة تأخير البدء بالدرس من أول زمن الحصة بسبب تواجد المُعلِّم داخل الحجرة الدراسيَّة قبل التلاميذ.
  6. زيادة تفاعل التلاميذ في أثناء التدريس ومشاركتهم مع المُعلِّم.
  7. استفادة المُعلِّم من صفه في أوقات الفراغ لإعداد الدروس، ومتابعة الأعمال التحريريَّة للطلاب، وتجهيز المواد والوسائل التعليميَّة.
  8. إبراز دور العلماء والرواد في المجالات المختلفة من خلال تسمية القاعات بأسمائهم.
  9. كسر حاجز الملل والسأم لدى التلاميذ وتنشيط ذهن وحيوية المُتعلِّم من خلال حركته بين الصفوف خلال اليوم الدراسي والقضاء على سلبيات النظام التقليدي في بقاء الطلاب في حجره دراسيَّة واحدة طول اليوم الدراسي.

 

الصعوبات التي تواجه طريقة الصفوف المُتحرِّكة:

  1. زيادة العبء الإشرافي على المُعلِّمين من جراء تنقلات التلاميذ بين القاعات وحاجة المدرسة إلى مراقب طلبة من غير المُعلِّمين يقوم بمهام متابعة التلاميذ.
  2. نقص التجهيزات التعليميَّة في الحجرات الدراسيَّة (فيديو أوفر هيد) وعدم صلاحيَّة بعض التجهيزات الأساسيَّة من كراسي وماصات وخلافه.
  3. ارتفاع عدد التلاميذ في الصفوف الدراسيَّة.
  4. عدم وجود مكان مخصص داخل المدرسة ليحفظ التلميذ أدواته ومستلزماته التعليميَّة في أثناء تأدية الصلاة والفسح.
  5. عدم توافر القاعات الكافية بحيث تكون هناك قاعة لكل مُعلِّم.

 

كيفيَّة تطبيق طريقة الصفوف المُتحرِّكة والتغلُّب على الصعوبات التي تعترضها:

  1. توفير كادر إداري (مُراقب طلبة ومُدخل بيانات) وتفريغ المُعلِّمين للعمليات التربويَّة والتعليميَّة.
  2. توفير وتجديد التجهيزات التعليميَّة الأساسيَّة (كراسي وطاولات التلاميذ، كراسي ومكاتب المُعلِّمين).
  3. اختيار نوعيَّة مُتميِّزة من المُعلِّمين تكليف المعلمين دورات تدريبيَّة لتفعيل طريقة الصفوف المُتحرِّكة.
  4. تخفيض عدد التلاميذ في الصف الواحد بحيث لا يزيد عددهم على (30) تلميذاً كحد أعلى، ليتسنى للمُعلِّم الإشراف وبذل المزيد من العناية بتلاميذه وتفهم مشكلاتهم المختلفة.
  5. زيادة في نسبة حصص الترفيه في المدرسة خاصة التربية الرياضيَّة، وإنشاء صالات مُتعدِّدة الأنشطة كالجُمباز وكمال الأجسام والألعاب المختلفة، لنتمكن من جذب وتشويق التلاميذ إلى المدرسة، ومن التصدي المؤثرات الأخرى المحيطة بالتلميذ في عصر الفضائيات والإنترنت.
  6. تطوير الصفوف والمرافق المدرسيَّة وتزويدها بالتقنيات والأجهزة اللازمة.

 

أثر تطبيق طريقة الصفوف المُتحرِّكة في مستوى التحصيل الدراسي للطلاب

طريقة الصفوف المُتحرِّكة لها أثرٌ كبيرٌ على الرفع من مستوى تحصيل الطلاب الدراسي ويشهد على ذلك التجارب التي طبقت على هذه الطريقة في بعض المدارس. ومن العوامل التي أسهمت في تحسين مستوى تحصيل التلاميذ ما يأتي:

  1. تفعيل دور الوسائل بسبب وجودها داخل الحجرات الدراسيَّة وفي متناول يد المُعلِّم في أثناء التدريس.
  2. استفادة المُعلِّم من كامل زمن الحصة (45) دقيقة في العمليَّة التعليميَّة والتربويَّة بحكم تواجده الدائم في الحجرة الدراسيَّة.
  3. تحسن وتنوع طرائق التدريس وحيوية ونشاط التلاميذ في أثناء التدريس وكسر حاجز الملل لديهم وحماستهم للدروس.
  4. انتظام المُعلِّمين في متابعة الأعمال التربويَّة للتلاميذ، والمشاركة المُنظَّمة للتلاميذ في
  5. الأنشطة المنهجيَّة، وهذا نتاج تهيئة وتكييف المُعلِّم لأجواء الحجرة الدراسيَّة بما يتناسب مع تدريس مادة تخصصه.
  6. وجود قاعات دراسيَّة مُتخصِّصة لتدريس كل مادة من المواد الدراسيَّة.

 

أثر تطبيق طريقة الصفوف المُتحرِّكة في استخدام الوسائل التعليميَّة: يُلاحظ في المدارس التي طبقت هذه الطريقة الزيادة في استخدام الوسائل التعليميَّة من المُعلِّمين مع الحرص على نوعيَّة هذه الوسائل وحسن اختيارها وتصميمها. ومن العوامل التي ساعدت على حصول هذا المجال على هذه المرتبة المُتقدِّمة ما يأتي:

  1. وجود الوسائل التعليميَّة داخل الحجرة الدراسيَّة وفي متناول يد المُعلِّم في أثناء التدريس.
  2. استقلالية المُعلِّم بحجرة دراسيَّة (خاصة به لتدريس مادة تخصصه) أسهمت في تفعيل أدواره في أثناء اليوم الدراسي، ومن هذه الأدوار ما يأتي:
    • تنظيم وتهيئة أجواء ومناخ الحجرة بما يتناسب مع طبيعة مادة تخصصه.
    • تنظيم الملخص السبوري ومن ذلك تتحقق للمُعلِّم العديد من الفوائد التربويَّة والتعليميَّة.

استغلال حصص الفراغ في أعمال تخصصية مثل: (متابعة الأعمال التحريريَّة للتلميذ أو تصميم وإعداد بعض النماذج) حيث يلاحظ في النظام التقليدي الساري أنّ جُلَ وقت المُعلِّم يُهدر في أحاديث جانبية مع بقية المُعلِّمين تُفرض علية غالباً بحكم وجودهم في غرفة واحدة.