الصعوبات والتحديات التي تعترض سبيل التعليم العربي

إن التعليم طوال العقود الماضية حقق إنجازات إنسانيَّة كبيرة لا يستهان بها، ولكنه لا يزال متدنياً من حيث النوعيَّة والكيف وهو أقل مستوى مما أنجزه التعليم مثلاً في كوريا الجنوبية وبلدان شرق آسيا التي بدأ نموها بعد كل البلدان العربيَّة، ولكن الفارق بينها أي بلدان شرق أسيا وبين البلدان العربيَّة كبير جداً، هذا على مستوى البلاد الناميَّة، أما إذا أردنا موازنة واقع التعليم في البلدان العربيَّة بواقع التعليم في أوروبا الغربيَّة أو البلدان الصناعيَّة عموماً فليس هناك وجه للموازنة خاصة من النواحي الكميَّة والنوعيَّة، وإنجازات البحث العلمي والاختراع والاكتشاف، وهنا يجب البحث بعمق عن أسباب هذا الوضع المتدني لنوعيَّة وكيفيَّة التعليم العربي على الرغم من الأموال الطائلة التي صُرفت عليه طوال العقود الماضية.

 



أهم الصعوبات والتحديات التي تعترض سبيل التعليم العربي في المرحلة الحاليَّة:

أولاً: التعليم قبل المدرسي:

إن البلاد العربيَّة متخلفة جداً عن بقية دول العالم بما في ذلك البلدان الناميَّة عن نسبة التسجيل المرغوبة في رياض الأطفال، ولهذه المرحلة أهمية خاصة، فإن رياض الأطفال في معظم البلدان العربيَّة تعامل وكأنها مرحلة تعليميَّة، والواقع يجب أن تكون مرحلة تربويَّة تعد للدخول في المدرسة الابتدائيَّة.

 

ثانيا: تدني نوعيَّة التعليم العربي:

إذ تشير معظم الدراسات الميدانيَّة التي أُجريت في مختلف البلاد العربيَّة إلى تدني نوعيَّة التعليم، وضعف كل من المُتعلِّم والمُدرِّس على السواء، والمقصود هنا بنوعيَّة التعليم ضعف القدرات التي يبنيها التعليم في عقل وشخصيَّة التلميذ، حيث تظل مسألة نوعيَّة التعليم أقل بكثير من دول العالم خاصة الصناعي منه، فالتعليم العربي لا يزال يهتم بالكم ويهمل النوعيَّة والكيف.

 

ثالثا: نمطيَّة التعليم العربي:

إن التعليم العربي يتبع البرامج نفسها خاصة في التعليم الثانوي والجامعي على أساس أن التعليم الأساسي موحد ومتشابه إلى حد كبير، ولكن المشكلة تكمن في التعليم الثانوي والجامعي، فالتعليم الثانوي خلال نصف القرن الماضي لا يخرج عن فرعي الآداب والعلوم، وبالنسبة إلى الجامعات العربيَّة فإن الأقسام العلميَّة تكاد تكون هي نفسها في كل جامعة أو كلية، فهي متكررة ومزدوجة، وهذه التقسيمات الأكاديميَّة تتناسب وحقيقة المجتمع العربي في الماضي، أما الآن فهناك ضرورة لتنويع شعب التعليم الثانوي وأقسام الجامعات بحيث تستجيب للتطوُّر الاجتماعي والاقتصادي والتكنولوجي الحاصل في المجتمع العربي، فالتقسيمات الأكاديميَّة قديمة وكانت تتناسب مع بساطة المجتمع العربي، أما الآن بشكل أو آخر فقد تطوَّرت الحياة في المجتمع العربي وبنيته الاقتصاديَّة، لذلك لابد أن تؤسس شعب وتقسيمات أكاديميَّة جديدة تستجيب لبنية المجتمع العربي الاقتصاديَّة، ويمكن في الوقت ذاته أن توفر أيدِ عاملة للتخصصات وتقسيمات العمل الجديدة التي ظهرت في الحياة العربيَّة المعاصرة.

 

رابعاً: المناهج الدراسيَّة:

إن المناهج الدراسيَّة في الوطن العربي يغلب عليها صفة الجمود وتركيزها على الكم أكثر من الكيف، وغلبة الجوانب النظريَّة دون الجوانب التطبيقيَّة.

 

خامساً: طرائق التدريس:

إن طرائق التدريس في الوطن العربي هي تقليديَّة لتركز الاهتمام على الحفظ والتلقين والترديد، بعيداً كل البعد عن الالتفات لمستويات التفكير العليا من فهم ونقد وتحليل واستنباط. فهي تنحصر في دور الطلاب في الحفظ والتذكُّر، وإعادة ما يسمعونه دون أن يتعمقوا في مضمونه واستقبال المعلومات وتخزينها دون وعي، فيتحوَّلون بذلك إلى أواني فارغة يصب فيها المُعلِّم كلماته، ويصبح التعليم نوعاً من الإيداع.

 

سادساً: الإشراف التربوي:

إن مفهوم الإشراف التربوي الذي لا يزال هو الآخر تقليديا يأخذ شكل التفتيش والمساءلة والمحاسبة والمفاجأة، الأمر الذي يجعل المُعلِّمين في حالة من توتر مستمر مع المشرفين الذين عوضاً من أن يكونوا مصدر مساعدة وعون للمُعلِّمين، أصبحوا مصدر قلق وخوف لهم، لعدم إدراك الكثير منهم لمسؤولياتهم وطبيعة رسالتهم وللأسس والأساليب الحديثة التي ينبغي أن يمارسوا مهنتهم على ضوئها.

 

سابعاً: الإنفاق على التعليم:

 إنه من التحديات الكبيرة التي تعترض سبيل التعليم العربي بمختلف أنماطه إيجاد مصادر تمويل، ففي فترة الثمانينيات تكفلت الحكومات العربيَّة بالصرف على التعليم، أما اليوم وبفعل عوامل وظروف مُتعدِّدة فلم تعد حكومات البلاد العربيَّة قادرة على ذلك، وهنا يظهر التحدي الكبير من أين ستأتي الحكومات العربيَّة بالأموال اللازمة للوفاء بالإنفاق المتزايد على التعليم؟

أعتقد أن البلاد العربيَّة إذا أرادت فقط المحافظة على مُعدَّلات نشر التعليم القائمة الآن ونوعيته الحاليَّة فعليها أن تدبر وتفكر في موارد ماليَّة جديدة، وتطرح الكثير من الدراسات حلولاً منها فرض ضرائب ورسوم على السلع الكماليَّة يستثمر دخلها في الصرف على التعليم العالي، وتشجيع القطاع الخاص للاستثمار في التعليم، وأنه مهما كانت الجهود ومصادر التمويل فيجب ألّا يترك التعليم لقوى السوق وعوامل الربح، بل يجب التفكير في أسلوب أهلي تعاوني تشترك فيه الدولة والقطاع الخاص والجماعات المحلية، بل وربما المُؤسَّسات المحلية والدوليَّة، والصناعيَّة وأموال الزكاة والوقف وتبرعات وهبات المقتدرين من الأفراد والمُؤسَّسات العامة والخاصة.

 

ثامناً: مسألة القدرة على تحمل تكاليف التعليم:

الغريب في الأمر أن هذه القضية بدأت تظهر مع الخصخصة وإعادة الهيكلة، ولم تكن مطروحة في الماضي بالطريقة التي تظهر فيها الآن، ففي عقد الثمانينيات كان التعليم مجانياً للجميع، ومهما كانت القدرات والمستويات الاقتصاديَّة للأسرة، ولكن اليوم بدأت هذه المسألة تظهر بقوة وبشكل يؤثر في انتشار التعليم والوصول إليه من قِبَلِ الفقراء والجماعات المهمشة وسكان الأرياف والصحارى والبوادي، وهذه المشكلة في نظري ستؤدي إلى زيادة الفقر وعودة الأميَّة من جديد إلى البلدان العربيَّة، هذا مع العلم بأن عدد الأميين في الوطن العربي الآن يزيد عن (65) مليون.

 

تاسعاً: خلل في العلاقة بين التعليم والتنمية:

ويتمثل هذا الخلل في غياب التنسيق والتكامل بين مُتطلَّبات التنمية المعاصرة، ونوعيَّة التعليم في المدرسة، ولعل هذا الخلل هو الذي رفع من مُعدَّلات البطالة في كل البلاد العربيَّة تقريباً بما في ذلك بلدان الثروة والنفط، فالملاحظ أن التعليم هو الذي يصنع البطالة، فالخطط التعليميَّة لا تأخذ في الحسبان طبيعة التنمية وتطورات سوق العمل العربيَّة.

 

عاشراً: نسبة الاستثمار في البحث العلمي:

وهي لا تزال أيضاً في معظم البلاد العربيَّة ضعيفة جداً، فهي لا تزيد عن (0.05%) من الميزانية العامة ربما باستثناء مصر والأردن التي ترتفع فيها هذه النسبة لتصل إلى (1%).

على الهمالي

 

المصدر