السمات المميزة للطفل المبدع وأساليب رعايتها

محمود طافش

يعد علماء النفس والتربية التلميذ مبدعاً إذا برهن أو استطاع أن يبرهن على مقدرة فائقة في واحد أو أكثر من المجالات الدراسيَّة. وهو يحتاج إلى معارف وخبرات تفوق ما يقدمه المُعلِّم في الحصة الدراسيَّة العادية. ويجب أن يظهر قدرات استثنائيَّة تدل على الابتكاريَّة
(الحوراني 1998). فما أهم القدرات التي تميز التلميذ المبدع من غيره من الأقران الذين يجلسون معه على مقاعد الدراسة؟

 



مميزات التلميذ المبدع:

حدد "جيلفورد" (Gill Ford) أهم القدرات المميزة للإنسان المبدع القـادر على التفكيـر الإبداعي وهذه السمات هي:
(العزة، 2000)

  1. الطلاقة (Fluency)

في التفكير وفي التعبير حيث يكون المبدع قادراً على توليد الأفكار أو البدائل أو المترادفات عند الاستجابة لمثير معين، والتعبير عنها بوضوح. وقد تمّ التوصُّل إلى عدة أنواع للطلاقة منها:

  • الطلاقة اللفظيَّة أو طلاقة الكلمات (Word Fluency)، مثل: اكتب أكبر عدد من الكلمات التي تبدأ بحرف "الضاد".
  • الطلاقة الفكريَّة (Ideational Fluency) ومن الأمثلة عليها: اكتب جميع الاستخدامات الممكنة لقلم الرصاص.
  • طلاقة الأشكال (Fluency Figural) مثل: ارسم أكبر عدد من الأشكال باستخدام الخطوط المتوازية.

 

  1. المرونة (Flexibility)

وهي القدرة على تحويل مسار الأفكار حسب ما يقتضي الموقف موضوع النقاش والبحث، والتخلي عن الأفكار القديمة إذا ثبت بطلانها، وقبول الأفكار الجديدة البناءة إذا ثبتت صحتها. أي ينظر إلى الأمور من زوايا مختلفة، ويمكن التمييز بين نوعين من المرونة هما:

  • المرونة التلقائية (Flexibility Spontaneous) وهي قدرة المُتعلِّم على توليد عدد كبير من الأفكار المتنوعة لمواجهة مشكلة طارئة.
  • المرونة التكيُّفيَّة (Flexibility Adaptive) وهي القدرة على تغيير مسار الأفكار باتجاه إيجاد حل سليم للمسألة المطروحة.

 

  1. الأصالة (Originality)

أي أن تتسم الأفكار المولدة بالجدة والابتكار والتفرد.

 

  1. الإفاضة (Elaboration)

أي القدرة على التفصيل والتوضيح للأفكار المطروحة لحل المشكلات، والتعامل والمواقف الطارئة التي تواجهه في حياتـه العمليـة.

 

  1. الحساسية للمشكلات (Sensitivity to Problem).

وهي القدرة على التنبؤ بالمشكلات قبل حدوثها ورفضها إذا حدثت.

 

  1. الخيال الواسع

الذي يمكن المُتعلِّم من اكتشاف العلاقات الجديدة بين الأشياء، ويهبه القدرة على تركيب أشياء جديدة من عناصر قديمة.

 

  1. الحريَّة

حيث إن العبيد لا يبدعون، والمبدع في حاجة إلى الحريَّة ليتحرر من قيود القديم والروتين، ولينطلق محلقا في آفاق جديدة ويشاهد ما يشاهده الآخرون.

 

وهناك سمات شخصيَّة مميزة للطالب المبدع يمكن أن يلاحظها الزميل المُعلِّم أو ولي الأمر بسهولة منها:

  1. الشعور بالرضا والسعادة في أثناء قيامه بأعماله.
  2. الثقة العالية في النفس والاعتماد عليها.
  3. قوة العزيمة والإرادة.
  4. القدرة على إدراك العلاقات بين الأشياء.
  5. القدرة على التفكير في حلول بديلة للمشاكل.
  6. القدرة على تحمل المسؤوليَّة.
  7. المثابرة وممارسة الأعمال بحزم وثبات.
  8. اجتناب الروتين والتقليد الأعمى.
  9. الميل إلى المغامرة والرغبة في تحدي الصعاب.
  10. مثقف يوظف ثقافته في التعامل وقضايا الحياة.
  11. القدرة على الإقناع.
  12. يتقن العمل الذي يوكل إليه بسرعة وإتقان.
  13. التفاؤل والإحساس المرهف.

 

ومن السمات الأخرى التي أشار إليها الباحثون

(تقبل التعقيد، وارتفاع مستوى الغموض، وانخفاض مستوى القلق، وعدم الخوف من الوقوع في الخطأ، وتفضيل الاستجابات الجديدة، وروح الدعابة والمرح، والانفتاح الذهني، وسعة الخيال، والاجتهاد والنظام، والشعور بالتحدي في التصدي للصعاب) (منى، 1993).

 

وحيث إن المبدعين يشكلون النخبة التي تقود الأمة في شتى مجالات الحياة، فإن إعداد هذه الفئة ليس بالأمر الهين، وتمر هذه العملية في مرحلتين:

  1. المرحلة الأولى

مرحلة الكشف عن المبدعين والتعرُّف عليهم، وتتم بعدة أساليب أهمها:
(كمال أبو سماحة، 1992)

  • النظر في نتائجهم المدرسيَّة مع مراعاة أن تتسم الاختبارات بالصدق والثبات والشمول والموضوعية والقدرة على التمييز بين المفحوصين.
  • النظر في ملاحظات المُعلِّمين الذين يتفاعلون معهم في المُقرَّرات الدراسيَّة ويشرفون عليهم في النشاطات بمختلف أنواعها، يضاف إليها ملاحظات المشرفين المختصين.
  • اختبارات الكشف عن المبدعين والتي تستخدم لقياس القدرات العقليَّة، ولتحديد المجالات الإبداعيِّة مثل مقاييس الإبداع وغيرها.
  • المقابلات الشخصيَّة التي يقوم بها اختصاصيون في علم النفس.
  • اختبارات القبول والاستعداد، وهذا الأسلوب هو المستخدم الأبرز في المدارس والجامعات اليابانية، ويتم خلالها مقابلة التلميذ وولي أمره، إضافة إلى فحوص طبيَّة، واختبارات معرفيَّة مقننة، تحريريَّة وشفوية.
  • السجل التراكمي للطالب، كما هو الحال في بريطانيا، حيث تقوم السلطة التربويَّة بتجميع المعلومات عن المبدعين من المدارس التي درسوا فيها.
    (زيدان حواشين، 1998)

 

  1. المرحلة الثانية

مرحلة الحفز والتشجيع، فإذا لم يجد الطالب المبدع الرعاية والتشجيع فإن قدراته تخبو وتضعف، وربما تموت، لذلك اهتمت البلدان المُتقدِّمة بأبنائها المبدعين فتعهدتهم بالرعاية، وعزّزت ميولهم وتوجهاتهم.

وقد تباينت وجهات نظر العلماء حول أساليب رعاية المبدعين، فمنهم من يرى الأفضلية في تدريس المبدعين في صفوف خاصة بهم، ومنهم من يفضل بقاءهم في صفوفهم مع تقديم مناشط خاصة بهم. ولكل وجهة نظر مُسوِّغاتها ومحاذيرها.

 

كيف ينمي المنهج الدراسي مهارات التفكير الإبداعي؟

إن المنهج الدراسي الحديث بمختلف عناصره وأدواته، وبما يتضمَّنه من معارف وأنشطة هو أداة التربية لتنمية وصقل مهارات التفكير بوجه عام، والتفكير الإبداعي بوجه خاص، عبر برامج مُحدَّدة من أبرزها:

  1. برامج العمليات المعرفيَّة:

كالموازنة والتصنيف والاستنتاج، وهذه العمليات تعد مُتطلَّبات أساسيَّة لاكتساب المعرفة ومعالجة الموضوعات.

  1. برامج العمليات فوق المعرفيَّة:

كالتخطيط والمراقبة والتقويم، وتسمى بهذا لأنها تسيطر على العمليات المعرفيَّة.

  1. برامج التعلُّم بالاكتشاف:

وتهدف إلى وضع أساليب للتعامل مع المشكلة، وتعتمد على تمثيل المشكلة بالصور والرموز والرسوم البيانيَّة.

  1. برامج المعالجة اللغويَّة والرمزية:

وتهدف إلى تنمية مهارات الكتابة والتحليل والحجج والمُسوِّغات المنطقية وبرامج الحاسوب.

  1. برامج تعليم التفكير المنهجي:

وتهدف إلى تزويد الطلاب بالخبرات والتدريبات التي تنقلهم من مرحلة العمليات الماديَّة في التفكير إلى مرحلة العمليات العقليَّة المُجرَّدة مثل الاستدلال والتعرُّف على العلاقات. "وتُؤكِّد البحوث التربويَّة والنفسيَّة الحديثة التي قام بها كوهن وآخرون (عرفة، 2002) أهمية توظيف الذاكرة لتسخير المعلومات في حل المشكلات، وتشجيع التلاميذ على إتقان فنون التذكر، ومن ثم تدريبهم على مهارات التفكير الأساسيَّة. ويقترح كوهن وجود أربع عمليات تفكيرية مركبة عليا هي: حل المشكلات، واتخاذ القرارات، والتفكير النقدي، والتفكير الإبداعي.

وينهض المُعلِّم بالدور الأكبر في عملية تربية التفكير الإبداعي لدى تلاميذه، بأن يهيئ لهم خبرات تلائم قدراتهم، حيث إنَ مهارات التفكير الإبداعي وحل المشكلات قد أضحت محور التعليم الفعَّال في العصر الحديث الذي يتمحور حول تدريب المُتعلِّمين على مهارات طرح الأسئلة وليس على تدوين الإجابات.

 

ويسعى مخططو المناهج الدراسيَّة إلى المزج بين تعليم المهارات وتعليم المواد الدراسيَّة، وإكساب التلاميذ القدرة على تحويل المجردات إلى محسوسات، وبهذا يتم تنمية عادات التفكير الإبداعي لدى التلاميذ وذلك من خلال:
(عرفة، 2002)

  1. جعل التعلُّم من خلال المنهج نقدياً.
  2. جعل التعلُّم من خلال المنهج إبداعياً.
  3. التنظيم الذاتي من خلال عادات عقليَّة معينة في التعامل والمادة الدراسيَّة.

 

وقد أشار عدد من الباحثين التربويين من أشهرهم "إمابيل" (Amabile) إلى أن العادات التي تؤدي إلى التفكير الإبداعي تتلخص في:
(عرفة، 2002)

  1. أن يتناول المُعلِّم وتلاميذه الموضوعات التي يدرسونها بحماسة وذلك بتهيئة التلاميذ لتقبل موضوع البحث وإثارة قابليتهم للنظر فيه بعمق.
  2. العمل الدائب على تزويد التلاميذ بالمعارف المتنامية وبصورة مستمرة.
  3. تصميم معايير دقيقة لتقويم أداء التلاميذ وتطبيقها بكفاءة عالية.
  4. التجديد المستمر لطرائق التدريس المستخدمة في الموقف الصفي.

 

كما دعا الباحثون التربويون المعاصرون من أمثال (بركنز) إلى استخدام أساليب دقيقة لتربية التفكير الإبداعي لدى المُتعلِّمين عبر المناهج الدراسيَّة ومن أبرز هذه الأساليب:
(عرفة، 2002)

  1. تدريب المُتعلِّم على الإصغاء إلى المُعلِّم وإلى زملائه ومتابعة أقوالهم وأفعالهم بانتباه.
  2. معالجة القضايا والموضوعات المطروحة بعمق وتركيز.
  3. تنمية التفكير لدى التلاميذ من خلال:
    • تعريفهم مُتطلَّبات التفكير السليم.
    • توظيف التقنيات التي تساعد على استغلال الطاقات العقليَّة إلى أقصى حد ممكن.
    • تحديد مشكلات التفكير المنهجي والعمل على تذليلها.
  4. تزويد التلاميذ بالأفكار التي تُمكِّنهم من توليد أفكار جديدة.
  5. تدريب المُتعلِّم على التمييز بين الأنماط المختلفة بدقة وإدراك الفوارق بينها.
  6. تزويد المُتعلِّم بالقدرة على الاستقراء وتوقع أحداث جديدة بناءً على الخبرات التي مرَ بها
  7. تزويد المُتعلِّم بالقدرة على تحليل وتقويم الأدلة والشواهد المستخدمة للتعرُّف على مدى صحتها، وعدم الخلط بين المعارف اليقينية والمشكوك فيها.
  8. تدريب المُتعلِّم على أساليب حل المشكلات، وتزويده بالقدرة على ترتيب الأولويات وإدراك العلاقات.

 

السمات المميزة للطفل والمبدع -محمود طافش