الدافع إلى التعلُّم لدى طلبة التعلُّم الإلكتروني

إن أهم عنصر في التعليم الإلكتروني هو الدافع الذاتي، والدافع الشخصي وراء إكمال هذا التعليم، والمشكلة تكمن في أن الطالب عندما يكون في الصف (الصف الدراسي) فإنه يشعر بمراقبة الأستاذ له، مما يدفعه إلى إكمال ما بدأ به في التعليم، هذا الأمر غير ممكن في التعليم الإلكتروني لأن الأستاذ بعيد عن عينيّ الطالب مما يتوجب على الأستاذ تنميَّة الدافع الذاتي لجعل الطالب يدرس وحده، هذا ما تخبرنا به الورقة البحثية بقلم الدكتور محمد مقداد الأستاذ في قسم علم النفس، التابعلكليَّة الآداب في جامعة البحرين



مُقدِّمة
تتضمَّن أدبيات الدافعيَّة الكثير من التعاريف التي تحاول أن تشرح مفهوم الدافعيَّة وتفسره. وكغيره من مفاهيم علم النفس الأخرى، لمفهوم الدافعيَّة العديد من التعاريف التي تختلف باختلاف الباحثين ومدارس علم النفس المختلفة.

وفيما يأتي بعض هذه التعاريف: يعرفها فؤاد أبو حطب وآمال صادق (1996)"أنها تحقيق شيئاً صعباً في الموضوعات الفيزيقية أو الأفكار، وتناولها وتنظيمها وأداء ذلك بأكبر قدر من السرعة والاستقلالية والتغلُّب على العقبات، وتحقيق مستوى مرتفع من التفوق على الذات والمنافسة للآخرين والتفوق عليهم، وتقدير الذات عن طريق الممارسة الناجحة القادرة، والطموح والمثابرة والتحمل". ويعرفها محي الدين وعبد الرحمن (1990): "بأنها مجموعة الظروف الداخليَّة والخارجيَّة التي تحرك الفرد من أجل إعادة التوازن الذي اختل".

وكما هو معروف، لا يتمكَّن الإنسان من القيام بعمل من الأعمال إلَّا إذا توافرت لديه القدرة على القيام بالعمل، والرغبة في القيام به. وإذا كانت القدرة على العمل تتحقق بالاختيار والانتقاء والتدريب، فإن الرغبة في العمل تتحقق بالدافعيَّة. وكلما كانت الدافعيَّة عالية، ازدادت الرغبة في قيام الفرد بالعمل. وفي مجال التعليم تؤدي الدافعيَّة دوراً بالغ الأهمية. وهي تُعَدُّ شرطا من شروط نجاحه. ولا يتعلَّم من يفتقر إلى الدافعيَّة.

يقسم علماء النفس الدافعيَّة إلى نوعين هما: الدافعيَّة الخارجيَّة وهي نوع الدافعيَّة الذي يرى عند من يقوم بعمل ما بضغط خارجي. والدافعيَّة الداخليَّة وهي نوع الدافعيَّة الذي يرى عند من يقوم بعمل ما برغبة ذاتيَّة في العمل. وعلى الرغم من أن الدافعيَّة الخارجيَّة مهمة للقيام بالعمل المعين، إلا أن الدافعيَّة الداخليَّة هي ما يرغب المربون والمشرفون على العمل وغيرهم في الوصول إليه لأنهم على دراية أن من يمتلك الدافعيَّة الداخليَّة يعمل بدون كلل أو ملل ويثابر على العمل ولا يتوقف أبداً.

وبما أن مجال هذه الورقة هو العمل الإلكتروني، فلا بد من تسليط بعض الضوء على هذا النوع من العمل. يعرف التعليم الإلكتروني بأنه ذلك النوع من التعليم القائم على شبكة الحاسب الآلي (World Web Wide)، وفيه تقوم المُؤسَّسة التعليميَّة بتصميم موقع خاص بها ولمواد أو برامج معينة لها. ويتعلَّم المُتعلِّم فيه عن طريق الحاسب الآلي وفيه يتمكَّن من الحصول على التغذية الراجعة. كما يعرف بأنه نوع من أنواع التعلُّم عن بُعد يتم باستخدام الوسائل الإلكترونيَّة الحديثة والإنترنت (Mokdad, 2001). وأن ما يُميِّزه من التعلُّم العادي هو الوساطة أو الوسيلة التي يُقدَّم بها وهي تكنولوجيا المعلومات حيث يكون جل تعامل الطالب المُتعلِّم في موقف التعلُّم الإلكتروني مع الكمبيوتر في تلقي الدروس وفي تقويم ما يتعلَّم وفي التفاعل مع اساتذته ومع الطلبة الآخرين.

إذا كان موقف التعليم العادي يتضمَّن كلا من الأستاذ والطالب مع ما يوجد بينهما من تفاعل وديناميكية أخذاً وعطاء، فإن موقف التعلُّم الإلكتروني يتضمَّن طرفاً واحداً فقط من أطراف العمليَّة التربويَّة وهو الطالب نفسه. أما الأستاذ فقد حل محله الكمبيوتر وبقدر ما يؤدي الكمبيوتر من أدوار الأستاذ يكون الموقف التربوي ناجحاً.

لهذا فإن موضوع الدافعيَّة ومنه الرغبة في التعلُّم يطرح بحدة. وإذا كان من مهام الأستاذ في موقف التعليم العادي العمل على زيادة دافعيَّة الطلبة إلى التعلم، فإن غياب الأستاذ في موقف التعلُّم الالكتروني، ووجود الطالب المُتعلِّم بنفسه قد يجعله في حاجة ماسة إلى من يساعده على رفع دافعيته والحفاظ عليها عالية. وهذا ما جعل مهندسي تكنولوجيا المعلومات العاملين في المجال التربوي يُطوِّرون برمجياتهم لتؤدي أكبر ما يمكن من أدوار المُعلِّم في الموقف التربوي الذي يكون فيه غائباً كما هو حال موقف التعلُّم الإلكتروني كإمكانية  التفاعل مع الأستاذ، ومع زملاء العمل، واعتماد الصوت والصورة والحركة في الدرس.

لكن هل حلت مشكلة الدافعيَّة في العمل الإلكتروني؟ لقد بين كثير من الباحثين (Zvacek, 1991; Rowntree, 1992; Visser, 1998; Keller and Suzuki, 2004) أن  واحدة من المشكلات التي تواجه التعلُّم الإلكتروني هي الدافعيَّة إلى التعلُّم ذلك أن المُتعلِّمين إلكترونياً في أشد الحاجة إلى الدافعيَّة القوية التي تمكنهم من العمل كما يتعلَّم أقرانهم في التعلُّم العادي دون انسحاب من موقف التعلم.

لهذا جاءت هذه الورقة لتسلط الضوء على الدافعيَّة إلى التعلُّم لدى مُتعلِّمي التعلُّم الإلكتروني، ولتقدم الإحسان كطريقة تعمل على إتقان العمل ليس لدى مُتعلِّمي التعلُّم الإلكتروني فقط، بل عند كل المُتعلِّمين.

خصائص التعلُّم الإلكتروني: زيادة على بعض خصائص التعلُّم عن بُعد، كالمسافة الفاصلة بين المُعلِّم والمُتعلِّم، والعمل المتمركز حول المُتعلِّم حيث تقع مسؤوليته على عاتقه، والتعلم الذي يتم على مدى مراحل الحياة المختلفة، فإن التعلُّم الإلكتروني يتسم بما يأتي:

  1. استخدام التكنولوجيا: يعتمد التعلُّم الإلكتروني اعتماداً كبيراً على التكنولوجيا الحديثة وخاصة تكنولوجيا الكومبيوتر وتكنولوجيا الاتصال والإنترنت.
  2. التفاعل: يسعى التعلُّم الإلكتروني إلى تحقيق التفاعل سواء بين الطالب والأستاذ أو بين الطالب والطلبة الآخرين. وقد أصبح هذا التفاعل أو شيءٌ منه على الأقل، ممكنا بفعل التقدُّم التكنولوجي في مجالي الكمبيوتر والاتصال. إن ظهور الإنترنت جعل في وسع العاملين تحقيق هذا التفاعل والحصول على التغذية الراجعة السريعة حول أدائهم من جهة، والعمل بالسرعة التي يرغبون فيها من جهة أخرى.

 

العوامل المؤثرة في فعاليَّة التعلُّم الإلكتروني: تتوقف فعاليَّة هذا النوع من التعلُّم على عدد من العوامل أهمها:

  1. التكنولوجيا، ومنها:
    • الجانب الصلب: يجب تصميم مكان التعلُّم تصميماً جيداً يمكّن أولا من تحقيق أعلى مستويات التعلم. وثانياً من التقليل من المخاطر التي يمكن أن تصيب المُتعلِّم مثل مشاكل الجلد في منطقة الوجه خاصة، والتعب البصري والتهابات المفاصل(Repetitive Strain Injuries) التي تصيب رسغ اليد والأصابع (Shneiderman, 1992).
    • الجانب اللين (البرمجيات): يجب أن يضع مُصمِّمو البرمجيات في الحسبان القدرات الذهنيَّة والادراكيَّة والحسيَّة للمُتعلِّمين لأن جهلهم لها وعدم وضعها في الحسبان يمكن أن يؤدي إلى إخفاق العمل الإلكتروني (Galitz, 1993).
  2. المُعلِّم، ومن خصائصه المؤثرة في التعلُّم الإلكتروني ما يأتي:
    • الاتجاهات: لا بد من الإشارة إلى أن الطلبة الذين يتعلَّمون على أيدي مُعلِّمين يحملون اتجاهات موجبة نحو العمل الإلكتروني, تكون النتائج التي يحققونها مشجعة جدا (Woodrow, 1991).
    • التحكُّم في تكنولوجيا المعلومات: سيكون التعلُّم الإلكتروني فعَّالا إذا كان المُعلِّمون يمتلكون الحد الأدنى على الأقل من تكنولوجيا المعلومات (تشغيل الكمبيوتر، واستخدام برنامج الووردWord، واستخدام برنامج الإكسلExcel، واستخدام برنامج البور بوينت Power Point) وكانوا متمكنين من بعض القضايا الأساسيَّة ومنها مثلا مساعدة المُتعلِّم على تذكر الكلمة المفتاحيَّة التي نسيها، وفتح ملف لم يتمكَّن من فتحه واستعادة ملف ضائع.
  1. الطالب، ومن خصائصه المؤثرة في التعلُّم الإلكتروني ما يأتي:
    • يجب أن يمتلك الطالب جهاز الكمبيوتر الذي يكون مرتبطا بالإنترنت، ويمتلك المعلومات الأوليَّة التي تمكنه من العمل على الكمبيوتر والتفاعل معه.
    • يجب أن تكون اتجاهات الطالب موجبة نحو هذا النوع من العمل لأن عدم وجود مثل هذه الاتجاهات أو وجود اتجاهات سالبة لا يساهم في تحقيق أهداف هذا العمل.
    • يجب أن يمتلك الطالب دافعيَّة قوية للتعلُّم بوساطة العمل الإلكتروني.
    • يجب أن يمتلك الطالب الرغبة في العمل المنفرد مع الكمبيوتر.

 

زيادة الدافعيَّة في التعليم العادي

الحقيقة أن الباحثين بذلوا جهوداً طيبةً في هذا المجال، وتمكنوا من التوصُّل إلى نتائج مهمة جداً. وباختصار، فإن الباحثين بينوا أن الدافعيَّة في التعليم العادي تتوقف على مسائل أربع هي:

  • الطالب المُتعلِّم الذي يجب أن يكون مُتحمِّلاً لمسؤولية التعلُّم،
  • والمُعلِّم الذي يجب أن يتمتع بعدد من الصفات التي تساهم في زيادة دافعيَّة المُتعلِّم مثل الفعاليَّة في التدريس والقدوة الحسنة ورعاية التلاميذ والتوقعات الإيجابيَّة حول تعلُّم التلاميذ.
  • والمناخ التعليمي المشجع على زيادة الدافعيَّة وخاصة ذلك الذي يتسم بالنظام والأمن والذي يكون شعاره طوال الوقت تحقيق النجاح في المهام التي تبعث على التحدي والقدرة على الإنجاز.
  • وعمليات التدريس التي تبعث في نفوس الطلبة الرغبة في التعلُّم واضعاً في الحسبان اهتماماتهم وميولهم والعمل على إدماجهم في الموقف التعليمي وتزويدهم بالتغذية الراجعة.

وقد استفاد الباحثون كثيرا من نظريات الدافعيَّة في زيادة دافعيَّة المُتعلِّمين في موقف التعلُّم. وعلى الرغم من أن نظريات الدافعيَّة كثيرة جدا، إلا أن أهم ما يمكن تطبيقه منها في المجال التعليمي هي:

  1. نظريات الحاجات: تعتقد هذه النظريات أن الدافعيَّة إلى العمل تتحدَّد بمقدار ما تكون المُؤسَّسة التعليميَّة قادرة على إشباعه من حاجات العاملين مثل الحاجات البيولوجية (طعام، شراب) والحاجة إلى الأمن والاعتراف والتقدير. وقد مكنت نظريات الحاجة المُؤسَّسات التعليميَّة من تحقيق نتائج لا باس بها في زيادة دافعيَّة المُتعلِّمين.

    من نظريات الحاجة يمكن الإشارة إلى:
    • نظريَّة هرم الحاجات لماسلاو (Maslow's Needs Hierarchy ): هذه النظريَّة من أشهر نظريات الدافعيَّة إلى العمل. يعتقد صاحبها أبراهام ماسلاو (1908 – 1970ميلادية) أن للعاملين خمس مستويات من الحاجات إذا أشبعت تزداد دافعيتهم إلى العمل. وأن هذه المستويات مرتبة ترتيباً تصاعدياً حيث إن حاجات المستوى الأدنى يجب أن تشبع قبل أن يصبح المُتعلِّم مهتما بإشباع حاجات المستوى الأعلى. أما مستويات الحاجات فهي أولاً الحاجات البيولوجية، وثانياً حاجات الأمن، وثالثا الحاجات الاجتماعيَّة، ورابعا حاجات احترام الذات، وخامسا حاجات تحقيق الذات (Maslow, 1954).
    • الحاجات البيولوجية: يعتقد ماسلو أن الفرد يسعى أولاً إلى إشباع حاجاته البيولوجية مثل الحاجة إلى الطعام والحاجة إلى الهواء والحاجة إلى الماء والحاجة إلى المسكن. إذا كان ثمة فرد بدون عمل، وبدون مسكن وكان يعاني ويلات الجوع، سيكون مدفوعاً إلى القيام بأي عمل شريطة أن يمكنه من إشباع حاجتي الجوع والسكن.
    • حاجات الأمن: بعد إشباع حاجات الأكل والشرب والسكن، فإن العمل الذي لا يشبع حاجات الأمن لا يكون قادراً على زيادة دافعيَّة الفرد، الذي يصبح مشغولاً بهذه الحاجات الجديدة. يمكن للفرد أن يعمل في منجم لاستخراج الفحم والحصول على ما يمكنه من إشباع حاجات المأكل والمسكن. وإذا شعر بأن العمل يمكنه من إشباع هذه الحاجات، فلن يكون سعيداً في العمل إلا إذا رأى أن مكان العمل آمن، وأن العمل يمكنه من إشباع حاجات الأمن. تشمل حاجات الأمن، حاجات الأمن الفيزيقي والأمن النفسي كذلك. أما المقصود بالأمن النفسي فهو الشعور بالاطمئنان في العمل. والمُتعلِّم الذي يشعر بأنه مهدد بالطرد من العمل لن تكون دافعيته إلى العمل قوية. لهذا فإن العاملين في القطاع العمومي يشعرون عموما بالأمن النفسي مقارنة بالعاملين في القطاع الخاص الذين يشعرون طوال الوقت بأنهم مهددون بالفصل.
    • الحاجات الاجتماعيَّة: إذا تمكن الأفراد من إشباع الحاجتين سالفتي الذكر، فإنهم لن يكونوا راضين عن عملهم إلا إذا شعروا بأن حاجاتهم الاجتماعيَّة مشبعة. وتشمل الحاجات الاجتماعيَّة العمل مع الآخرين، وبناء أواصر الصداقة والعلاقات الاجتماعيَّة معهم. وتحاول المُؤسَّسات أن تشبع الحاجات الاجتماعيَّة لأفرادها بعدد من الطرائق، منها إقامة النوادي التي يلتقي فيها الأفراد، وتنظيم الرحلات الترفيهية التي تمكن العائلات من الإلتقاء وتجاذب أطراف الحديث، كما أن للأنشطة الرياضية أدواراً بالغة الأهمية في إشباع الحاجات الاجتماعيَّة للأفراد.
    • حاجات احترام الذات: عندما يشعر الفرد بأن حاجاته الاجتماعيَّة قد أشبعت، فإنه يضع في الحسبان حاجات احترام الذات. تشمل هذه الحاجات الحصول على الاحترام والتقدير والترقية والشكر والتنويه بالجهود المبذولة، وغيرها. تشبع حاجات احترام الذات بعدد من الطرائق منها كتابة اسم الفرد في قائمة الحاصلين على الجوائز والشهادات، وتخصيص مكان في مرآب السيارات لسيارته، وتجهيز مكتبه بأجهزة خاصة وأثاث محترم.
    • حاجات تحقيق الذات: قد يشبع الفرد حاجاته الاجتماعيَّة بأن يتمكَّن من الحصول على عدد من الأصدقاء، وقد يشبع حاجات احترام الذات بأن يحصل على عدد من الجوائز والمكافآت، ويحصل على زيادة في الأجر، ومع ذلك فقد لا يكون راضياً تماماً عن عمله، لأن حاجات تحقيق الذات قد لا تكون مشبعة. تشكل هذه الحاجات المستوى الخامس وتقع في قمة الهرم. أما ما يقصد بتحقيق الذات فهو أن يحقق الفرد ما يتمنى أن يحققه ويحصل على كل ما يرغب فيه.

      والفرد الذي يجاهد في سبيل تحقيق الذات، هو شخص يرغب في أن يصل إلى كل إمكاناته في كل مهمة يقوم بها. ومن ثمَّ، فان من يعمل مع آلة مدة 20 سنة قد يصبح غير راض عن تلك الآلة وهو الآن يبحث عن تحد جديد. إذا لم يحصل على شيء ما، فقد يصبح تعيساً. في بعض الأعمال، يكون من السهل إشباع حاجات تحقيق الذات كما هو الحال في التدريس الجامعي، فأستاذ الجامعة يملك دائماً بحثا جديداً للإنجاز ومقرارات جديدة للتدريس وعملاء جدداً لتقديم الاستشارة إليهم. إن هذه التحديات وهذه المشكلات الجديدة هي التي تجعل أستاذ الجامعة يشبع حاجات تحقيق الذات.

      وفي المقابل، فإن ثمة أعمالاً أخرى لا تمكن الفرد من إشباع حاجات تحقيق الذات وأحسن مثال لهذه الأعمال، من يلحم  قطعا وأجزاء في خط التجميع. فلمدة 8 ساعات يومياً، و5 أيام أسبوعياً، يقوم الفرد بالمهمة نفسها. ماذا تكون النتيجة؟ ستكون النتيجة هي الملل وإدراك أن العمل لا يتغير مهما طال الزمن. ومن ثمَّ، فليس من الغريب أن يكون العاملون القائمون بمثل هذه الأعمال يعانون الملل والاغتراب. لتمكين هؤلاء العاملين من إشباع حاجات تحقيق الذات، لا بد من إدخال بعض التغيير في العمل. ومما يمكن القيام به في هذا الإطار هو تدوير العمل وتوسيعه وإغناؤه.

 

  1. نظريات الاختلاف (Discrepancy theories): هذه المجموعة من النظريات تفترض أن الرضا عن العمل يتحدد بمقدار الاختلاف بين ما نرغب فيه ونتوقعه، وما يُقدِّمه العمل فعلا. كلما كان الاختلاف كبيراً، قل الرضا عن العمل. وكلما كان الاختلاف قليلا، زاد الرضا عن العمل. من منظري هذه المجموعة نذكر لولار(Lawler, 1973) ولوك (Loke, 1969). وعلى سبيل المثال إذا كان أحد العمال يحب العمل مع الآخرين، لكن عمله يفرض عليه العمل مع البيانات، سيكون غير راض عن العمل. وبالمثل إذا كان أحد العمال يحب مساعدة الآخرين، وكان العمل الذي يقوم به يقتضي بيع أشياء لا يرغب الكثير من العاملين فيها، سيكون غير راض عن العمل. ويكون الرضا عن العمل عالياً إذا كان ما نتمناه من العمل، يُقدِّمه إلينا العمل والعكس صحيح كذلك.

 

  1. نظريَّة الفروق الفرديَّة (Individual Differences theory): ترى هذه النظريَّة أن ثمة أنواعاً من العاملين يكونون راضين عن العمل ومدفوعين بقوة للقيام به بغض النظر عن نوع العمل الذي يقومون به. ممن نادوا بهذا النظريَّة يمكن ذكر(Weaver, 1978). ومما يؤيد هذه النظريَّة يمكن الاشارة إلى الآتي:
    • ما تظهره الملاحظات من أن أفراداً دائمي الشكوى من أعمالهم وأن أفراداً آخرين متحمسون طوال الوقت للقيام بأعمالهم ومدفوعون بقوة للقيام بها.
    • ما وجده بعض الباحثين من علاقة ارتباطية موجبة بين الرضا في العمل والرضا في الحياة (انظر مثلا Orpen, 1978). فالعاملون السعداء في الحياة يميلون إلى أن يكونوا سعداء في العمل كذلك، والعكس صحيح.
    • ما وجده بعض الباحثين من أن الرضا عن العمل يميل إلى الاستقرار عبر سنوات نمو الانسان. لقد وجد ((Judge and Watanab) (1993 معامل ارتباط دال إحصائياً مقداره (0.37) للرضا عن العمل لدى مجموعتين من العمل بين سنتي (1972) و(1977) ميلادية.
    • نتائج العمل التي أجراها (Arvey, et al) (1989)مع توائم متطابقة انفصل بعضها عن بعضها الآخر لسبب من الأسباب، وتوصلوا فيها إلى معاملات ارتباط دالة إحصائياً بين الدرجات التي حصل عليها التوائم في مقاييس الرضا عن العمل.

 

  1. النظريات المعرفيَّة (Cognitive theories): تضم هذه المجموعة عدداً من النظريات منها:
    نظريَّة العدالة والإنصاف (Equity theory): لقد اقترح هذه النظريَّة أدامس (Adams1965) وهو يعتقد بأن مستوى دافعيَّة الفرد ومستوى رضاه عن العمل يتوقفان على مقدار ما يشعر به من أنه يعامل بصورة عادلة مقارنة بالعاملين الآخرين. إذا شعر الفرد بأنه يعامل بصورة غير عادلة فسيحاول تغيير معتقداته أو سلوكه إلى أن يشعر بأن الموقف يبدو عادلاً. ويتضمَّن هذا الشعور ثلاثة عناصر هي المدخلات والمخرجات ونسبة المدخلات إلى المخرجات.
    • المدخلات: وهي العناصر الشخصيَّة التي يضعها الفرد في العمل. ومن أكثرها وضوحاً الوقت والجهد والمعرفة والخبرة. ومن أقلها وضوحا الأموال التي يتم إنفاقها على رعاية الأبناء وتربيتهم والمسافة المقطوعة إلى العمل يومياً.
    • المخرجات: وهي العناصر التي يحصل عليها الفرد من العمل. ومن أكثرها وضوحاً الأجر والحوافز والمسؤولية. ومن أقلها وضوحا الأصدقاء وزملاء العمل.

وفقا لما جاء في هذه النظريَّة، فإن كل عامل وبطريقة شعورية يستعرض كل هذه المدخلات والمخرجات ثم بعد ذلك يقوم بحساب نسبة المدخلات إلى المخرجات وذلك بقسمة قيمة المدخلات على قيمة المخرجات. هذه النسبة في حد ذاتها لا تكون مهمة، لأن المُتعلِّم لا يتوقف هنا بل يذهب إلى حساب نسبة مدخلات إلى مخرجات الأفراد الآخرين، وتجاربه السابقة إذا كان قد عمل في مكان آخر قبل هذا المكان. بعد ذلك يقوم بعمليَّة مقارنة بين النتائج التي يحصل عليها. إذا كانت نسبته أصغر من نسب الآخرين، يصبح مستاء ويسعى إلى جعل نسبته مساوية لنسبة الآخرين بطريقة أو أكثر مما يأتي:

  1. يمكن للعامل أن يطلب مخرجات أكثر كأن يطلب زيادة في الأجر أو المسؤولية.
  2. يمكن للعامل أن يقلل من المدخلات (اختصار الجهد وتعمد الغياب) لجعل نسبته مشابهة لنسبة الآخرين.
  3. يحاول تغيير نسبة العاملين الآخرين كأن يحاول أن يجعل عاملا آخر يبذل جهداً أكبر لزيادة المدخلات. أو يحاول أن يقلل مخرجات عامل آخر بوساطة الامتناع عن صداقته أو البحث عن طريقة تقلل حصول الفرد الآخر على العلاوات.
  4. إيجاد مبررات لاختلاف النسب بينه وبين الآخرين
  5. تغيير الفرد الذي تتم به المقارنة إلى آخر.
  6. ترك المُؤسَّسة التعليميَّة كاملاً.

 

نظريَّة حرية الإرادة: ترى هذه النظريَّة أن الدافعيَّة تنمو من الدافعيَّة الخارجيَّة إلى الدافعيَّة الداخليَّة. أما مراحل نموها فهي ست، كالآتي:

  1. مرحلة اللادافعيَّة.
  2. مرحلة الدافعيَّة الخارجيَّة ذات الضبط الخارجي.
  3. مرحلة الدافعيَّة الخارجيَّة ذات الضبط الداخلي.
  4. مرحلة الدافعيَّة الخارجيَّة ذات الضبط المتماثل.
  5. مرحلة الدافعيَّة الخارجيَّة ذات الضبط المتكامل.
  6. مرحلة الدافعيَّة الداخليَّة.

 

ما عوامل نمو الدافعيَّة؟ ترى هذه النظريَّة أن عوامل النمو والتدرج من الدافعيَّة الخارجيَّة إلى الدافعيَّة الداخليَّة ثلاثة، وهي الكفاءة (Competence)، والانتماء (Relatedness)، والاستقلالية (Autonomy) (Deci,& Ryan, 1985).

نظريَّة الاشتراط الإجرائي (Operant Conditioning): ترى هذه النظريَّة أن الفرد يواصل القيام بالأفعال التي تم تعزيزها. ومن ثمَّ، فإن من يتم تعزيز سلوكه لعدم ارتكابه الأخطاء في العمل (جودة الإنتاج) من الممكن جداً أن يواصل الإنتاج الجيد الخالي من الأخطاء. والفرد الذي يتم تعزيز سلوكه لانتاجه كميَّة كبيرة من الإنتاج لا يكون جل همه هو جودة الإنتاج ولكن كميَّة الإنتاج. وبالمثل، فإن المُتعلِّم الذي لا يعزز لديه أي من الاثنين، سيبحث عن السلوك الذي يتم تعزيزه. في هذا الصدد قد يتغيب المُتعلِّم عن العمل، والتعزيز هنا يكون بالذهاب إلى الصيد، وقد يظهر نوعاً من اللامبالاة في العمل والتعزيز هنا يكون بقضاء وقت أطول مع الزملاء (Skinner, 1938).

كما هو واضح يكون من المفيد إثابة السلوك المنتج الذي يبدو من العاملين. لكن يجب أن يكون واضحا أن العاملين المختلفين يرغبون في أنواع مختلفة من الحوافز. إذا كان بعض العاملين يرغب في الإطراء، فبعض آخر يرغب في المكافآت، وبعض ثالث يرغب في العمل الممتع، وآخرون يرغبون في المال، وهكذا.

لا بد من الإشارة إلى أن نظم الحوافز يمكن أن تؤدي إلى زيادة الإنتاج إذا كانت جيدة التصميم. وفي حالة إذا ما كانت ضعيفة التصميم، فإنها لا تؤدي فقط إلى خفض الإنتاج فحسب ولكن إلى زيادة الإجهاد، وتدهور نظام الأمن الصناعي.

جدول رقم 1 يبين المحفزات ودرجة تفضيل كل منها.

المحفز

المكافآت الماليَّة

فرص الترقية

تقليل ساعات العمل

زيادة أيام الراحة

توزيع البريد

تنظيف الماكينة

التفضيل

1

2

3       

4

5

6

 

ومن تقنيات التعزيز الأخرى، نذكر تحديد الأهداف (Goal setting): في هذه الطريقة، يحدد لكل عامل هدف، قد يكون مستوى معينا من الجودة أو كميَّة معينة من الإنتاج، أو جمعا من الاثنين. حتى يكون الهدف ناجحا، يجب أن يتصف بعدد من الصفات منها:

  • يجب أن يكون ملموساً ومُحدَّداً. وأن هدفاً مثل "أن ينتج المُتعلِّم أكبر كميَّة ممكنة" لا يكون فعَّالا، وبدلا من ذلك يمكن أن يصبح الهدف "ينتج المُتعلِّم 10 قطع في الساعة".
  • يجب أن يكون الهدف صعباً ولكن بصورة معقولة. فلا يكون مستحيلا يسبب العجز ولا سهلا يسبب الملل. فإذا كان المُتعلِّم ينتج في العادة 10 قطع في الساعة، وتم تحديد هدف جديد هو إنتاج 8 قطع في الساعة فلن تكون ثمة زيادة في الإنتاج.
  • وأخيراً، يكون من المفيد أن يشارك المُتعلِّم ولو جزئيا في تحديد الهدف. صحيح أن الهدف يُحدِّده المشرف، ويؤدي إلى زيادة الإنتاج، غير أن العاملين إذا شاركوا بطريقة أو بأخرى في تحديد الهدف سيكون الإنتاج أكثر.
  • من تقنيات التعزيز أيضاً، نذكر التغذية الراجعة. إن تزويد العاملين بالتغذية الراجعة حول تقدُّمهم في طريق تحقيق الهدف، تساهم في زيادة فعاليَّة عمليَّة التعزيز وتحقيق الهدف. مع العلم أن التغذية الراجعة قد تكون لفظية تُقدَّم شفوياً إلى العاملين، كما قد تكون كتابية تُقدَّم مكتوبة إليهم. وكلاهما شديد الأهمية.

زيادة الدافعيَّة في التعلُّم الإلكتروني: كما هو واضح، فإن الموقف التعليمي الإلكتروني مختلف عن موقف التعليم العادي، ذلك أن هذا الموقف يضم طرفا واحدا من طرفي العمليَّة التربويَّة وهو المُتعلِّم وحده. ومن ثمَّ، فإن العناصر الأربعة سالفة الذكر في موقف التعليم العادي، لا تنطبق على موقف التعلُّم الإلكتروني. ومن ثمَّ، فإن استراتيجيات زيادة الدافعيَّة في موقف التعلُّم العادي لا تكون بالضرورة فعَّالة في زيادة دافعيَّة المُتعلِّمين في موقف التعلُّم الإلكتروني. لهذا، يكون من الضروري التفكير في استراتيجيات أخرى تكون مناسبة للتعلُّم الإلكتروني. هذا ما شرع الباحثون في القيام به. وقد شهد التراث الادبي في هذا الموضوع عدداً من الأنموذجات أهمها:

  1. أنموذج الانتباه والملاءمة والثقة والرضا (Attention, Relevance, Confidence, Satisfaction) الذي قدمه Keller سنة 1987م. أما  عناصره فهي:
    • الانتباه:تتطلَّب شد الانتباه إدراج المُتعلِّم في الموقف التعليمي باستخدام الرسوم والاشكال والمشكلات التعليميَّة. ذلك لأن المشكلات التي تحث المُتعلِّم على البحث عن الحلول تشد انتباهه. وإذا تبين أن المُتعلِّم يتكيَّف والموقف مع مرور الوقت ويفقد اهتمامه به، فإن المشكلات التعليميَّة تشد انتباهه وتجعله يقظاً.
    • الملاءمة: يقتضي تحقيق الملاءمة تحديد أهداف متسقة تكون مرتبطة بالخبرات الماضية للمُتعلِّم وتكون منسجمة وما يقوم به. وكما هو واضح، يرتبط هذا العنصر بنظريَّة الهدف التي تعتقد بأن تحديد الأهداف والتزويد بالتغذية الراجعة، يثير الدافعيَّة لدى المُتعلِّم. مع العلم أن الأهداف قد تكون أهدافاً تعليميَّة، و قد تكون أهدافاً أدائيَّة. وقد تكون قريبة المدى (تتحق في وقت قصير) وقد تكون بعيدة المدى(تتحقق في وقت بعيد) (Hodges, 2004).
    • الثقة: يتطلَّب بناء الثقة تقديم المساعدة إلىالمُتعلِّمين في أن يبنوا في أنفسهم توقعات النجاح. لهذا العنصر علاقة بنظريتي الفعاليَّة الذاتيَّة والعزو. تُؤكِّد نظريَّة الفعاليَّة الذاتيَّة على اعتقاد الفرد بأنه قادر على الانجاز بطريقة معينة للحصول على أهداف مُحدَّدة. وتُؤكِّد نظريَّة العزو على الكيفيَّة التي يفسر بها المُتعلِّم النجاح والإخفاق. فقد يعزو المُتعلِّم نجاحه أو إخفاقه إلى نفسه أو إلى عوامل خارج نفسه. يرى أنموذج الانتباه والملاءمة والثقة والرضا، أن من واجب العمليَّة التربويَّة أن تساعد المُتعلِّم على رد نتائج التعلُّم إلى العوامل التي يقدر على التحكُّم بها وضبطها.
    • الرضا: يقتضي تحقيق الرضا تصميم التعليم بطريقة تمكن العاملين من الشعور بالرضا عن التعليم والاهتمام بالخبرات التعليميَّة. وكما هو واضح، فإن هذا العنصر يرتبط بنظريَّة التوقع والقيمة التي تعتقد بأن العاملين يتوقعون بعض النتائج من السلوك الذي يقومون به (يظهر منهم) وكلما كان المُتعلِّم مقدرا للنتائج، كان مستعداً لبذل الجهد المطلوب. علاوة على هذا، فإن الطلبة يجب أن يشعروا بأن مقدار العمل المطلوب كان مناسباً، وأن المجاملات غير موجودة. أما الاستراتيجيات المُستخدَمة لزيادة الرضى عن التعلُّم فهي التعزيز اللفظي والحوافز والاهتمام الشخصي والتغذية الراجعة (Keller & Suzuki, 2002).
  1. أنموذج متصل الوقت لــولودكووسكي (Wlodkowski' model)
    يبنى هذا الأنموذج في واقع الأمر على نتائج البحث في كل من علم النفس المعرفي وعلم النفس اللغوي وعلم نفس الدافعيَّة. وعلى الرغم من أنه يشبه أنموذج الانتباه والملاءمة والثقة والرضا إلا أنه يُركِّز أكثر على الدور الذي تؤديه الدافعيَّة في مراحل عمليَّة التعلُّم المختفلة. يقسم هذا الأنموذج عمليَّة التعلُّم إلى ثلاث مراحل مهمة جداً، وهي مرحلة بداية عمليَّة التعلم، ومرحلة ما يجري في أثناء عمليَّة التعلُّم ومرحلة نهاية عمليَّة التعلم.
    • مرحلة بداية عمليَّة التعلم: في هذه المرحلة، يتم التركيز على بناء اتجاهات موجبة نحو التعلُّم والعمل بقدر المستطاع على إشباع حاجات المُتعلِّم وخاصة الحاجات الفيزيولوجية. ومن اهم الاستراتيجيات التي تستخدم لزيادة الرغبة في التعلُّم تقديم التمهيد المشوق وتحديد اهداف واضحة للدرس ومختلف الاستراتيجيات التي تساعد المُتعلِّم على تطوير فهم واضح لما هو مطلوب للنجاح في الدرس.
    • مرحلة في أثناء عمليات التعلم: في هذه المرحلة، يتم التركيز على الإثارة (إثارة المُتعلِّم وتشويقه). ومن استراتيجيات الدافعيَّة التي تستخدم في هذه المرحلة نشير إلى إشراك المُتعلِّم من خلال الاسئلة والنكت وتنويع أسلوب العرض، واستخدام طرائق التدريس المُتنوِّعة من المحاضرة إلى المناقشة وإلى عمل الفريق.
    • مرحلة نهاية التعلم: في هذه المرحلة، يتم التركيز على الاداء/الكفاءة (competence) والتعزيز. ومن استراتيجيات الدافعيَّة التي تستخدم في هذه المرحلة نذكر التغذية الراجعة التي تُقدَّم من مرة إلى أخرى والاعلان للمُتعلِّم عن تقدُّمه (Wlodkowski, 1985).
  1. أنموذج موشينسكي (Moshinskie' model)
    وهو من الأنموذجات الحديثة التي لقيت شيئا من الترحيب. يعتقد موشينسكيبأن ثمة نوعين من العاملين. أولئك الذين يحملون اتجاهات نشيطة اتجاه الحياة (وعادة ما يمتلك هؤلاء دافعيَّة داخليَّة ولا يحتاجون إلا إلى القليل من الدافعيَّة الخارجيَّة) واولئك الذين يملكون اتجاهات سلبيَّة تجاه الحياة (وعادة ما لا يمتلك هؤلاء الدافعيَّة الداخليَّة ويحتاجون اكثر إلى الدافعيَّة الخارجيَّة).

    ويقدم أنموذجاً يشبه في تقسيمه لعمليَّة التعلُّم إلى ثلاث مراحل أنموذج متصل الوقت سالف الذكر، محاولا تقديم تقنيات دافعيَّة يمكن أن تكمل الدافعيَّة الداخليَّة للمُتعلِّم. بعض هذه التقنيات موضحة في الجدول أسفله:

قبل تقديم الدرس

في أثناء تقديم الدرس

بعد تقديم الدرس

  • اعرف المُتعلِّم.
  • اعرف محيط المُتعلِّم.
  • زاوج بين قيم المُتعلِّم ودوافعه.
  • حضر محيط العمل.
  • طبق كلا من فنيات الجذب و الدفع.
  • قدم موقفا للتعلم.
  • و فر محيط تعلم مناسب.
  • جزء المعلومات.
  • ابن على المالوف.
  • نوع المثيرات.
  • قدم التغذية الراجعة.
  • وفر الجو الاجتماعي المناسب.
  • اعمل على إثارة الفضول.
  • عزز النجاح.
  • دعم المُتعلِّم.
  • عزز التعلم.
  • انظر إلىالتعلُّم على أنه عمليَّة.
  • قس الدافعيَّة إلى نقل التعلم.
   

(Moshinskie, 200)

الإحسان لزيادة الدافعيَّة في موقف التعلُّم الإلكتروني:

 

مفهوم الإحسان

للإحسان معنيان: معنى خاص و معنى عام.

 

أولاً: المعنى الخاص: وهو الذي ورد في حديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "ان تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك".

ثانياً:المعنى العام للإحسان: يقصد بالإحسان الإتقان والتجويد، ومنه إحسان العمل وإتقانه. على الرغم من أن الإتقان قد يكون خالياً من القوة الداخليَّة التي تدفعه وهي مراقبة الله سبحانه وتعالى ومخافته. أما الإحسان فهو إتقان مدفوع بقوة داخليَّة محورها هو مراقبة الله سبحانه وتعالى ومخافته.

 

كما أن للإحسان مرتبتين وهما:

المرتبة الأولى: وهو أن يعيش الفرد وهو مدرك ان الله سبحانه وتعالى ينظر إليه في كل مكان يكون فيه وفي كل عمل يقوم به. وهي مرتبة لا يصل إليها إلا من كان مستقيماً ولا يخاف الإحراج. فإذا تصورنا مُعلِّماً يدرِّس صفاً من الصفوف ودخل إليه مفتش يزوره، فكيف سيكون سلوكه وكيف سيكون عمله التربوي، ألا يبذل قصارى جهده ليراه في الصورة المثلى له؟ إذا كان هذا هو حال العبد عندما ينظر إليه عبد مثله، فكيف سيكون حال العبد عندما ينظر إليه رب العباد.

والمرتبة الثانية: وهي ألَّا يغيب عن ذهن الفرد أن الله سبحانه وتعالى يراقب كل ما يقوم به وما يفعله. وما يؤكد هذا المعنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته ليريح ذبيحته" (صحيح مسلم وأصحاب السنن).

والحقيقة أن هدف الدين هو إكساب الأفراد عادة إتقان العمل مهما كان نوعه ومهما كان هدفه. ذلك ان إتقان العمل يسمو بالفرد ويرتقي به إلى أعلى المراتب. ثم إن العمل المتقن هو أساس البناء وأساس تشكيل الحضارة. وقد علمنا التاريخ أن الحضارات التي بناها بنو البشر، إنما كان العامل المشترك بينها هو إتقان العمل. وفي هذا الإطار جاء الحديث النبوي الشريف حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه" (رواه مسلم في صحيحه).

لهذا فإن إرضاء الله سبحانه و تعالى، ما دام يحب العمل المتقن يتم بإتقان العمل وتجويده. وإذا كان الدين الاسلامي قد طرح مسألة إتقان العمل وتجويده منذ أكثر من 14 قرناً، فإن البشر لم يطرحوها إلَّا في العقود الأخيرة من القرن العشرين . فقد نشأت مُنظَّمات للجودة، وقامت مُؤسَّسات بأكملها لتحققها في العمل البشري. كما استحدثت شهادات وجوائز تعطى لمن يحقق الجودة في العمل.

إذا كان هذا هو الإحسان في الدين الإسلامي، فماذا عن عكسه أو عدم الإحسان؟ لا شك في أن لعدم إتقان العمل الكثير من الآثار السلبيَّة على الفرد وعلى المجتمع. ولا غرو في أن يكون عدم الاتقان عاملاً من عوامل انحطاط الحضارات وفنائها. فعلى مستوى الفرد، يكون عدم الاتقان مضيعة للوقت والجهد والمال. وعلى مستوى المجتمع، يكون لعدم الإتقان آثار سلبيَّة كبيرة منها تخلف المجتمع وعجزه عن القيام بمهامه.

لهذا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم عَدّ عدم الإتقان سرقة. ففي مسند أحمد عن ابي سعيد الخدري، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن اسوأ العاملين سرقة الذي يسرق صلاته. قالوا يا رسول الله و كيف يسرقها؟ قال: لا يتم ركوعها و لا سجودها". صحيح أن الحديث يتكلم عن الصلاة، لكن يمكن أن ينسحب ما ورد فيه على كل أنواع العمل. مع العلم أن المقصود بالعمل عند الحديث عن الإتقان هو العمل المفيد للفرد وللمجتمع معاً، أو العمل الذي يشبع حاجات الأفراد المختلفة (الحاجات الفيزيولوجية وحاجات الأمن وحاجات الاجتماع وحاجات تقدير الذات وحاجة تحقيق الذات).

لأن الاجتهاد في إتقان العمل غير المفيد للفرد وللمجتمع معاً مضيعة للوقت والجهد. ومما يروى عن موقف المسلمين تجاه العمل غير المفيد قصة المأمون الذي كافأ شخصا لقيامه بعمل من الأعمال وعاقبه في الوقت نفسه لقيامه به. يحكى أن شخصاً حمل إلى الخليفة العباسي المأمون ذا مهارة كبيرة في رمي الإبر تجاه سَمّ الإبرة التي يغرسها في الأرض فرمى أمام المامون مئة إبرة تجاه سَم الإبرة المغروسة في الأرض وما أخطأ واحدة منها. ولما انتهى من عرضه كافأه بمئة دينار على مهارته الفائقة وجلده مئة جلدة على تضييع الوقت في عمل من هذا النوع.

 

بناء الإحسان/ الفرد المحسن:

كما هو معروف، فإن شخصيَّة الراشد تبنى في الصغر، وخاصةً في سنوات الطفولة المبكرة. كثير من علماء النفس وخاصة المنتمين منهم إلى مدرسة التحليل النفسي (سغموند فرويد وأنا فرويد وكارين هورني وأريك فروم وستيك سوليفان وأريك أريكسون)، قد اجمعوا على أهمية مرحلة الطفولة المبكرة وبينوا أنها في غاية الأهمية. ففرويد مؤسس مدرسة التحليل النفسي يُركِّز على هذه المرحلة تركيزاً بالغاً، وهو يرى أن شخصيَّة الفرد تتكون خلال خمس السنوات الأولى (وخاصة ثلاث السنوات الأولى) إذ إن خبرات الطفولة فيها تشكل شخصيَّة الفرد. كما اهتمت أنا فرويد ابنة فرويد بهذه المرحلة غير أنها تَعُدٌّ أن خبرات الطفولة مشكلات حاضرة بالنسبة إلىالأطفال. أما هورني وفروم وسوليفان وأريكسون فهم يرون أن المراهق السوي هو الطفل الذي مر خلال طفولته بنمو سوي (عبد الرحمن، 1998 م) .وبشكلٍ عام، يمكن القول إن الطفولة المبكرة هي الأساس الذي يتم بناء الشخصيَّة السليمة عليه. فكلما كان أقرب إلى السواء، كانت الشخصيَّة في المستقبل أقرب إلى السواء والعكس صحيح.

لهذا، فإن بناء الإحسان في الفرد يجب أن يبدأ من الصغر. وعليه فإن الأسرة مطالبة بزرع الإحسان في أبنائها منذ نعومة أظفارهم. وإذا كان جل نشاط الطفل الصغير هو اللعب فإن عليه أن يتعود الإتقان في كل ما يقوم به من نشاط حتى وإن كان اللعب الذي يلعبه، واللهو الذي يلهوه. وإذا ما تعود الطفل الإتقان في سنوات العمر الأولى فسيكبر معه ويصير جزءاً لا يتجزأ من شخصيته. يمكن للوالدين وهما يربيان الطفل على الإحسان استخدام مبادئ الثواب والعقاب لتثبيت مبادئ الإحسان في الطفل.

ومما يساعد أيضاً على اكتساب الطفل مبادئ الإحسان القدوة الصالحة. فإذا كان الأبوان محسنين للأبناء والأقارب والجيران وعامة العاملين، وكانا محسنين لما يقومان به من عمل، فإن الأبناء يتعلَّمون منهما عن طريق الملاحظة (Bandura, and Walters, 1963) إلى جانب الأسرة والأبوين، فإن للمدرسة دوراً مهماً لا يمكن إغفاله في تعليم الاطفال والتلاميذ مبادئ الإحسان وقيمه المختلفة.

وفي هذه الحالة، يجب أن يكون ما في المدرسة قد وضع في الحسبان الإحسان. فالمناهج الدراسيَّة يجب أن تتضمَّن ما يشير إلى الإحسان. كما أن المُعلِّمين يجب ان يكونوا قدوةً حسنةً تزرع في الاطفال مبادئ الإحسان قولاً وعملاً. وبقدر ما سيكون هؤلاء المُعلِّمون محسنين بالقدر نفسهفسيؤثرون في تلاميذهم. إلى حانب المُعلِّمين فإن أفراد الطاقم الإداري في المدرسة منوط بهم تعليم التلاميذ مبادئ الإحسان ولو من خلال تصرفاتهم ومدى انضباطهم وتجسيدهم هم أنفسهم تلك المبادئ.

 

الإحسان و العمل في الموقف التعليمي:

يقول المثل العربي "من شب على شيء شاب عليه". إذا ما تم غرس الإحسان في الطفل، فإن هذا الطفل عندما يذهب إلى المدرسة التي تتجسد مبادئ الإحسان في كل ربوعها، سيجتهد ليتقن العمل الذي يقوم به. هذا الطفل نفسه إذا ما شب ووجد نفسه في أيَّة مُؤسَّسة تعليميَّة أخرى وبغض النظر عن نوع التعليم الذي يتعلَّمه (التعليم العادي أو التعليم الإلكتروني) فسيتقن العمل الذي يقوم به، وسيبذل الجهد المطلوب منه بذله.

ففي مجال إتقان العمل والإخلاص فيه، سيواظب التلميذ على الحضور، وسيحرص على إنجاز ماهو مطلوب منه وربما أكثر من ذلك. كما سيبذل قصارى جهده في استيعاب الدروس وفهمها كما ينبغي. وفي عمليَّة تقويم تحصيله سيبتعد بقدر المستطاع عن الغش الذي ابتليت به الكثير من المُؤسَّسات التعليميَّة في القرن الحادي والعشرين.

وفي مجال الإحسان إلى  العاملين، سيحترم التلميذ مُعلِّميه وسيخفض لهم جناح الذل من الاحترام والتقدير لأنه يعرف ويدرك ما قاله العرب السابقون "من علمني حرفا كنت له عبداً". كما سيحترم  زملاء العمل، وسيقدم إليهم كل أشكال المساعدة التي يقدر عليها علاوة على ذلك، فسيكون الابن المطيع لكل أفراد الإدارة التي تحرص على تعليمه وبناء شخصيته.

وفي مجال مراقبة الله سبحانه وتعالى، سيكون مجسداً لمحتوى الآية التي يقول فيها الله سبحانه وتعالى :" قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ". (الأنعام: 162-163) والتي يبين فيها أنه لم يخلق المكلفين من عباده في هذه الأرض، جنهم وإنسهم إلَّا لعبادته، وليس لشيءٍ آخر، كما قال تعالى: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون. ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون. إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين" [الذاريات: 56-58]. 

ومما يجسد معاني الإحسان كاملةً لدى الأطفال قصة الطفلة التي أخرجها أبو نعيم في الحكاية عن عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده أسلم قال: "بينما أنا مع عمر بن الخطاب وهو يعس المدينة إذ أعيا واتكأ على جانب جدار في جوف الليل وإذا امرأة تقول لابنتها يا ابتناه قومي إلى ذلك اللبن فامذقيه بالماء فقالت لها يا أمتاه أوما علمت ما كان من عزمة أمير المؤمنين اليوم. قالت وما كان من عزمته يا بنية قالت إنه أمر منادياً فنادى ألَّا يشاب اللبن بالماء. فقالت لها يا بنية: قومي إلى اللبن فامذقيه بالماء فإنك في موضعٍ لا يراك فيه عمر ولا منادي عمر. فقالت الصبية لآمها: يا أمتاه ما كنت لأطيعه في الملأ وأعصيه في الخلاء. وعمر يسمع كل ذلك فقال يا أسلم علِّم الباب واعرف الموضع ثم مضى في عسسه حتى أصبح فلما أصبح قال يا أسلم امض إلى الموضع فانظر من القائلة ومن المقول لها وهل لهم من بَعْلَ. فأتيت الموضع فنظرت فإذا الجارية أيّم لا بَعْلَ لها وإذا تيك أمها وإذ ليس لهم رجل. فأتيت عمر بن الخطاب فأخبرته فدعا عمر ولده فجمعهم فقال: هل فيكم من يحتاج إلى امرأة أزوجه. ولو كان بأبيكم حركة إلى النساء ما سبقه منكم أحد إلى هذه المرأة. فقال عبد الله لي زوجة، وقال عبد الرحمن لي زوجة، وقال عاصم يا أبتاه لا زوجة لي فزوجني، فبعث إلى الجارية فزوجها من عاصم فولدت لعاصم بنتاً وولدت البنت وولدت الابنة عمر بن عبد العزيز"..

 

الخاتمة:

بما أن موقف التعلُّم الإلكتروني يتضمَّن عنصراً واحداً من عناصر العمليَّة التربويَّة وهو الطالب المُتعلِّم، فإن التركيز في زيادة الدافعيَّة يتم على الأساليب التي يمكن أن تجعل الطالب يرفع دافعيته بنفسه، لأن الطرف الآخر، كما هو حال التعلُّم العادي وهو المُعلِّم، غير موجود. ومن ثمَّ، فمن يعمل على زيادة دافعيَّة المُتعلِّم؟ لهذا، جاء التركيز في هذه الورقة على الإحسان لكونه المحرك الداخلي الذي يجعل الفرد يشعر بأنه من الواجب عليه أن يتقن العمل الذي يقوم به.

 

 المصدر

كان هذا البحث كاملاً وشاملاً لكل ما يمكن أن يتعلَّق بالدوافع نحو التعلُّم، وكيف أن للنظريات التقليديَّة تأثيراً في الدوافع نحو التعليم الإلكتروني، ذلك لأن الحاجات الإنسانيَّة تبقى واحدة (في أغلب الأحيان) ويمكن تطبيقها أيضاً على الحاجات نحو التعلم.

بيد أن هناك بعض الاختلافات والتي وضحتها المقالة بشكل مستفيض في الحاجات الإنسانيَّة نحو التعليم الإلكتروني مما جعل الكاتب يتحدَّث عن بعض النظريات الأخرى والتي يمكن تطبيقها في مضمار التعلُّم الإلكتروني. والجميل في الموضوع إدخال الدافع نحو الإحسان في الحياة تجاه رب العالمين والذي يمكن أن يشكل عاملاً مهماً في تنميَّة الدافع نحو التعليم.

المقال مهم ويشكل مبدأً نظرياً نحو تنميَّة الدافع للتعليم الإلكتروني، حبذا لو ذكر (العمل المشترك) و(التعليم الجماعي) حيث يعد هذا دافعاً ممتازاً للطالب من أجل التنافس بين أقرانه للوصول إلى درجة عالية في مسيرة العلم والتعلم.