التقنية ومدرسة المستقبل: خرافات وحقائق

ورقة عمل مقدمة لندوة: مدرسة المستقبل، كلية التربية / جامعة الملك سعود.

16-17 / 8 / 1423 هـ/  22-23 / 10/ 2002م

د. بدر بن عبد الله الصالح، أستاذ مشارك تقنية التعليم.

كلية التربية / جامعة الملك سعود.



شهد العالم في السنوات الأخيرة جملة من التحديات المعلوماتية ذات أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وتربوية. سياسياً؛ برزت ظاهرة النظام العالمي الجديد وهيمنة القوة الواحدة والتكتلات السياسية ؛ اقتصادياً برزت ظاهرة عولمة الاقتصاد وانفتاح السوق ومحاولات الهيمنة التجارية من خلال التكتلات الاقتصادية ونشوء الشركات القارية؛ اجتماعياً، تتمثل التحديات المعلوماتية بمخاطر العزلة الاجتماعية والاستخدام غير الأخلاقي للمعلومات؛ ثقافياً، برزت ظاهرة الانفتاح الحضاري أو عولمة الثقافة والدعوة لحوار الحضارات وتقبل الرأي الآخر، وتبعات ذلك على الخصوصية الثقافية للأمم؛ وأخيراً، تربوياً، شكلت التحديات المعلوماتية بأبعادها المختلفة منطلقاً لدعوات عديدة بضرورة إصلاح النظام التربوي بجميع مدخلاته وعملياته ومخرجاته، خصوصاً في ضوء عجز النظام الحالي عن مواجهة التحديات التي أفرزتها تقنية المعلومات والاتصال، وتحول العالم من مجتمع صناعي إلى مجتمع معلوماتي. لهذا، تتسابق كثير من الأمم لإصلاح نظمها التربوية بهدف إعداد مواطنيها لعالم موجّه بالتقنية. وقد استقطبت الإصلاحات المعتمدة على (أو الموجهة بوساطة) التقنية (Technology -Based Educational Reforms) دعماً سياسياً ومالياً ضخماً في العديد من دول العالم المتقدمة والنامية على حد سواء، وشاعت خطط التقنية لإحداث التحول في النموذج التربوي. في الولايات المتحدة – على سبيل المثال – صرف حوالي (6.9) بليون دولار في عام واحد فقط (1999م) لتوفير الشبكات والحواسيب في مدارس التعليم العام (Kleiman, 2001, p.1 ). العالم يبحث عن تحــــول (جوهري) في النموذج التربوي: من نموذج موجّه بوساطة المعلم (أو المدرسة) ومعتمد على الكتاب كمصدر وحيد للمعرفة، إلى نموذج موجّه بوساطة المتعلم ومعتمد على مصادر متعددة. وإذا كان التربويون عموماً يتفقون على ضرورة هذا التحول، إلا أن الجدل والاختلاف يتركزان حول الكيفية التي ينبغي أن تستجيب بها مدرسة المستقبل لإحداث هذا التحول، وما هذه الندوة إلا واحدة من بين منتديات متواصلة في هذا السبيل.



التربية على مفترق طرق (Zanker, 2000،p.xi)، التربويون (والتقانيون)، كل منهم يحاول رسم معالم صورة مدرسة المستقبل من منظوره الخاص. ومع ذلك، تركزت أغلب وجهات النظر حول الإصلاح التربوي عل استثمار معطيات التقنية المعلوماتية لإحداث التحول في النموذج التربوي. هذا اتجاه إيجابي ومرغوب، ولكنه غير مستغرب، فهو حدث يتكرر مع كل تقنية جديدة: الأفلام في الثلاثينات والأربعينات من القــرن الماضي، والتلفاز في الخمسينات والستينات من القرن نفسه، والفيديــــو في السبعينات، فالحواسيب الدقيقة في الثمانينات الماضية، وأخيراً، الشبكات في أواسط العقد الماضي وأوائل الألفية الثالثة (Jonassen, et. La, 1999, p.11).  ولكن مع هذا كله، الذي يتغير في نظر الكاتب هو التقنية فقط، أما الفكر التربوي فيبقى تقليدياً في طرحه برغم مرارة وقساوة دروس الماضي البعيد والقريب الخاصة بتوظيف التقنية في التعليم. فالملاحظ أن التقنية دائماً ما تحتل الصدارة في التخطيط التربوي، على حساب المنظور الشامل للتغيير التربـــوي (systemic Change) الذي يعني بجميع مكونات المشروع التربوي. إن تأسيس الإصلاح التربوي المعاصر على التقنية ليس خطأ بحـــد ذاته، ولكن الخطأ الذي يتكرر مع كل تقنية جديدة هو النظر إلى أن التقنية (لوحدها) قادرة على إحداث التغيير المنشود، حتى أصبح أمراً شائعاً أن " تملئ العربة بالعتاد قبل إعداد الحصــان التربــوي " (Kleiman, 2001, p.1)، وأصبحت التربية والتقنية " مشكلـة ملاحقــة مستمــرة " (فوستر، 1990م، ص 135) في غياب الرؤية الواضحة والتخطيط الاستراتيجي. ولذا لا غرابة أن تصبح المدرسة ميداناً لتجارب مكلفة، القليل منها فقط كان له بعض التأثيرات الإيجابية، ولكنها تأثيرات لم تصل إلى جوهر المشروع التربوي (التعلم الصفي)، ولذا، لم تكن قادرة على إحداث تحول ملموس في النموذج التربوي. لا يتسع المجال هنا إلى مناقشة هذه القضية مناقشة مستفيضة، فهذه الورقة ليست سوى "صيحة من أجل الاستيقاظ" حول عدد من القضايا الجوهرية المرتبطة بطبيعة العلاقة بين التقنية ومدرسة المستقبل.

 

هدف الورقة:
هدفت هذه الورقة إلى إثارة عدد من القضايا (الجوهرية) المرتبطة بصميم دور التقنية في مدرسة المستقبل والعلاقة بينهما، وهما دور وعلاقة يكتسبان أهمية خاصة في نظرنا، لأن مفهومنا وتصوراتنا عنهما، سيؤثران حتماً بالكيفية التي نريد أن تكون عليها مدرسة المستقبل، وما يتبع ذلك من تأثير على كافة مكونات المشروع التربوي: طلاباً ومعلمين، منهجاً وتقويماً، إدارة وإشرافاً. إن تحليل القضايا التي تثيرها هذه الورقة، يمكن أن يساعد على توفير قدر من الإجابات المطلوبة للإجابة عن أسئلة مهمة مثل: كيف ينبغي أن تستجيب المدرسة لتحديات المستقبل؟ وكيف ينبغي أن توظف التقنية في مدرسة المستقبل؟ وعلى أي أساس فلسفي أو نظري؟ وما دور المعلم والطالب فيها؟ إلخ.


تستطيع تحميل الملف المرفق