التعليم عن بعد

يطلق التعليم عن بُعد Distance Teaching))
على كل أنواع التعليم الذي يتم بتقانات التعليم الذي لا يلتقي فيه المُعلِّم مع المُتعلِّم، لينقل المعلّم البرنامج التعليمي إلى المُتعلِّم سواء في المدرسة أم في البيت. ويفضل بعضهم استخدام عبارة (التعلُّم عن بُعد) بالتركيز على التعلُّم الذاتي بالتقانات التعليميَّة. إلا أنّ تسمية (التعليم بالمراسلة) كانت شائعة في عهد الصناعة خلال أكثر من مئة عام مضت، لأنّ البرنامج التعليمي كان ينقل بالبريد، وبالمراسلة التقليديَّة ليفيد منه المحتاجون من الذين فاتتهم فرص التعليم النظامي لأسباب عدة.

ولذلك انتشر التعليم بالمراسلة في بلدان مثل كندا، وأسترالية، والصين، والباكستان، والاتحاد السوفييتي (سابقاً)، وتطوَّر إلى تعلم مفتوح في البلدان الصناعيَّة مثل المملكة المتحدة
 (الجامعة المفتوحة)، وألمانية، والولايات المتحدة، وكندا، وإيطالية، والاتحاد السوفييتي (سابقاً).



وأفاد المحرومون ثقافياً كالنساء، والأقليات الثقافيَّة، من التعلُّم المفتوح في برامج تعليميَّة بالإذاعة والتلفزيون أو التقانات الأخرى، كما استفاد منه المعوقون جسدياً، وبصرياً، وسمعياً، إذ صمم لهم برامج مناسبة لإعاقتهم، تمكنهم من اكتساب المعلومات والمهارات ليكون شأنهم كشأن الأصحّاء.

وشاع تبسيط العلوم، وتيسير المعلومات في التعليم بالمراسلة والتعليم المفتوح التقليدي باستخدام التقانات المُتعدِّدة، المطبوعة كالكتب والنشرات المبرمجة خصيصاً للتعليم الذاتي، والمواد المسموعة كالإذاعة والمسجلة، والمسموعة المرئيَّة، كما في برامج التلفزيون والفيديو والتقانات المُتعدِّدة الذاتي بالحقائب والرزم التعليميَّة.

ويبدو أنّ (الجامعة البريطانية المفتوحة)، كانت من أهم الجامعات التي أعدّت مثل هذه البرامج، وطورتها بأساليب تجريبية وميدانية مكنت من نشرها وتداولها في الجامعات الناطقة بالإنكليزية في كندا والولايات المتحدة وغيرها من الجامعات المفتوحة والتقليديَّة.

وجرّاء تشتت عرب فلسطين، وضعت دراسة جدوى لجامعة فلسطينية مفتوحة في بيروت، مالبثت أن دمرتها إسرائيل في مرحلة التصميم في أثناء اجتياحها لبيروت عام (1982)، واستولت على وثائقها، فانتقلت إلى عمان ثم إلى القدس تحت اسم (جامعة القدس المفتوحة)، التي تطوَّرت في بنيتها، وبرامجها، وأدخلت البرامج الحاسوبية في تقنياتها، ومازالت تعمل في ظروف الاحتلال والتشريد في منطقة القدس.

وفي عصر المعلومات، وخاصة في أواخر الثمانينات من القرن العشرين، بدأت الإلكترونيات تدخل حياة الناس، وفيها يسهم الحاسوب الرقمي بتحويل جميع إشارات ورموز المعلومات إلى العد الثنائي (1 و0) وبالعكس مما يسّر جعل الحاسوب آلة تعليميَّة تعلميَّة متكاملة. وبتفاعل الحاسوب مع أنظمة الاتصالات الحديثة، صار في الإمكان تجاوز جميع العوائق الزمانيَّة والمكانيَّة والجسديَّة والتعلُّم عن بُعد، في المنازل والمكاتب. فظهرت الشبكة العالميَّة للمعلومات والمسماة الإنترنت، وموقعها المُميَّز المُتعدِّد التقانات والمسمى (الشبكة العالميَّة واسعة النطـاق)
(WWW) (World Wide Web) وصار لهذه الشبكات دور فاعل في التعليم والتعلُّم عن بُعد، بكلفة أقل من التعليم التقليدي في المدارس أو بالمراسلة.

ولذلك ظهر التعلُّم الافتراضي (الخائلي) virtual learning)) الذي يتم بشبكات الحاسوب، محاكياً الجامعات ومُؤسَّساتها التعليميَّة والإداريَّة والماليَّة لتعليم الراغبين في هذه الجامعات الخائلية، التي لاتوجد بالواقع، بل ببرامج الحاسوب الشبكية. ويمتاز هذا النوع من التعليم الخائلي بأنّه يُركِّز على الجودة في التعليم، أي الإتقان في تحقيق أهداف التعلُّم، وإذا انتسب إلى هذا التعليم عدد كبير من المُتعلِّمين يصبح أرخص كلفة على المُتعلِّم، لأنّه لا يحتاج إلى مصاريف الإقامة والسفر التي يحتاج إليها في التعليم التقليدي، ولا إلى المباني والمرافق الشائعة في التعليم النظامي العام أو في الجامعات التقليديَّة.

ولذلك يتوقع كثيرٌ من المُفكِّرين أنّ كلفة الجامعات التقليديَّة تجعلها غير ذات جدوى اقتصاديَّة، ولابد لها من أن تكيِّف نفسها وبرامجها لتستفيد من التعليم عن بُعد، وخاصة من الجامعات الافتراضيَّة (الخائلية)، وبأقساط مناسبة لمعظم المحتاجين إلى مواصلة التعلُّم الذاتي لاكتساب المعلومات والمهارات الجديدة، والتي أصبحت تتضخم وتتضاعف كمياً كل سنة تقريباً. ولذلك صار التعليم المستمر للكبار ضرورياً كما أصبح ميسراً في التعليم عن بُعد لجميع الناس في جميع الأعمار.

وبما أنّ البرامج الحاسوبية والشبكية تراعي حاجات كل مُتعلِّم، وسرعته في التعلم، وانتقاله خطوة خطوة في اكتساب المعلومات والمهارات، مستفيداً من نشاط المُتعلِّم، والتغذية الراجعة والتعزيز الذي يلقاه من البرنامج التعليمي الحاسوبي والشبكي، لذلك يعد التعلُّم بها إتقانياً، وذا جودة عالية. وأنّ زيادة المنافسة بين الأفراد والمجتمعات يجعل من الضروري الإفادة من (طريق المعلومات السريع) في سرعة التعلم، وإتقانه وجودته.

ولذلك أعدت برامج تعليميَّة في أقراص الحاسوب لتعليم الإنسان في جميع مراحل عمره، وفي جميع مستويات التعليم في الروضة والابتدائي والإعدادي والثانوي والجامعي، وتعلم الكبار في جميع مستوياتهم، ابتداءً من محو الأمية إلى إتقان أعقد المهارات مثل قيادة الطائرات، وتوجيه الآلات المعقدة، وتشغيل الأفران الذرية، والتدريب العسكري ببرامج محاكاة تقلد الواقع في معظم مُكوَّناته، وفي هذا النوع من التدريب إتقان في المهارة ونقص في الكلفة وسلامة في التدريب، وطبقت فعلاً في الحروب الحديثة في أواخر التسعينات

ومازال التعليم عن بُعد، وخاصة بالإنترنت والويب في أطواره التجريبية في البلاد العربية، وعلى الخصوص في مصر، والإمارات العربية المتحدة، وسورية. يتحسَّن استخدامه كلما تحسَّنت تقانات المعلومات والاتصال وأتاحت التفاعل المستمر بين المُتعلِّم والبرنامج التعليمي. وقد يستفيد الإنسان من مواقع الإنترنت غير التعليميَّة في التعلُّم مثل برامج (الدردشة) التي تمكن من إتقان اللغات الأجنبيَّة، وتبادل المعلومات العلميَّة والطبيَّة والهندسيَّة بين المُتخصِّصين، وأصحاب المهن المتقاربة الذين يستخدمون البريد الإلكتروني الشخصي، إضافة إلى المواقع التفاعليَّة التعليميَّة الأخرى الموجودة في الإنترنت، والتي صارت موسوعة معرفيَّة عالميَّة شاملة.

ولكنّ التعلُّم عن بُعد بالإنترنت مازالت أمامه عوائق عديدة متمثلة في صدق المعلومات وتوثيقها، وثباتها، لأنّها سريعة التغير، وقد يدلج المرء فيها في مواقع قاصرة على الدعاية أو الإغراء المادي والجنسي، ويسيء إلى سرّية القضايا الشخصيَّة للإنسان أو إلى التقانات المغايرة لثقافة منتجي البرامج،المعولمةأوالعالميَّة.

إلا أنّ التقنيات التعليميَّة عن بعد، تبقى فعَّالة ورخيصة، وقد تستخدم لخير الإنسان وتُقدِّمه، كما قد تستخدم لأغراض ضارة، وهي قضايا أخلاقيَّة وفلسفيَّة، قد تُوضَع لها في المستقبل ضوابط لخير الإنسان وسعادته في عصرالمعلومات.

ولكنّها اليوم مازالت في تطوُّر مستمر مفيد في التحوُّل نحو إتقان التعلُّم والتعليم بكلفة قليلة، وفي زمن مناسب، ويزيد من فرص التعلُّم للجميع، ومن تحقيق الديمقراطية لجميع المستفيدين الذين توافرت لديهم إمكانات التعلُّم عن بُعد بالحاسوب والشبكات.

المصدر

الموسوعة العربية لتطوير الذات