التعليم التعاوني: شراكة بين التعليم وسوق العمل

يزداد الاهتمام العالمي بتعزيز الترابط والتعاون بين المُؤسَّسات التعليميَّة ومُؤسَّسات سوق العمل بهدف توظيف المخرجات التعليميَّة من خلال تلبية احتياجات سوق العمل. وقد أدى هذا الاهتمام إلى ظهور ما يسمى بالتعليم التعاوني.



ويُعَدُّ التعليم التعاوني مساراً تعليمياً ناجحاً في تحقيق أهداف العملية التعليميَّة من خلال تعزيز عملية المشاركة في تنفيذ هذه العملية بين المُؤسَّسات التعليميَّة وسوق العمل. ولقد اتجهت دول عدة نحو البحث عن أفضل السبل للاستفادة من التعليم التعاوني في تحقيق أهدافها التعليميَّة والتوظيفية.

ويعني التعليم التعاوني الشراكة الفعليَّة بين المُؤسَّسات التعليميَّة ومُؤسَّسات سوق العمل من خلال المشاركة في تنفيذ المناهج الدراسيَّة. وهناك تجارب عالميَّة رائدة في هذا المجال. ففي ألمانيا هناك ما يعرف بـالتعليم الثنائي وهو نمط من أنماط التعليم التعاوني أوجد تعاوناً وثيقاً بين المُؤسَّسات التعليميَّة والتدريبيَّة ومُؤسَّسات سوق العمل ليس في فترة مُحدَّدة من مدة الدراسة بل في جميع مراحل الدراسة بدءا من أول سنة وانتهاء بالتخرج.

 

وقد خرج هذا التعاون بنتائج طيبة حيث يكتسب الطلاب قدرات ذات مستوى عال الأمر الذي يضمن لهم وظائف دائمة في الصناعة كما أنه يقلل نسبة البطالة بين الشباب. والتعليم الثنائي نمط من أنماط التعليم التعاوني تشترك فيه شركات القطاع الخاص والمُؤسَّسات التعليميَّة الحكوميَّة في تنفيذ الخطة الدراسيَّة للطلاب لتلبية احتياجات هذه الشركات بهدف توظيف الخريجين، حيث تتحمَّل الشركات مع الأكاديميون في المُؤسَّسات التعليميَّة مسؤوليَّة تصميم المناهج والإشراف الأكاديمي على الطلاب وتقويمهم.

 

ويهدف التعليم الثنائي إلى إيجاد بديل أكاديمي للطلاب خريجي المدارس الثانوية بدلا عن الدراسة الجامعيَّة التقليديَّة وإعطاء الفرصة لأرباب العمل للمشاركة في العملية التعليميَّة لتعضيد مفهوم ربط المُؤسَّسات التعليميَّة الحكوميَّة بالمجتمع الخارجي

 

وفي أمريكا دفع اتساع الفجوة بين مُتطلَّبات سوق العمل ومخرجات التعليم إلى تبني النظام الذي يعرف بنظام «من المدرسة إلى العمل». ويعمل هذا النظام على تكامل الدراسة الأكاديميَّة مع الدراسة القائمة على المُتطلَّبات الوظيفية بدلاً عن الفصل بينهما وذلك من خلال تعاون وثيق بين المدرسة ومُؤسَّسات سوق العمل. ويؤمن هذا النظام للطلاب عدة مزايا هي: التعليم المناسب لاحتياجاتهم الفعليَّة ، والمهارات المتوافقة مع مقاييس سوق العمل ، والترخيص بمزاولة المهنة والمبني على المقاييس التي تحددها الصناعة .

 

أما في بريطانيا ولتزايد الوعي لدى رجال الأعمال بأهمية وجود عمالة عالية فلقد تم تبني ما يسمى بالمؤهلات المهنيَّة الوطنيَّة وهي نمط من أنماط التعليم التعاوني. والمؤهلات المهنيَّة تتعلَّق بالعمل وهي مبنية على القدرات التي تتطلَّبها المهن وهناك خمسة مستويات لهذه المؤهلات ، وهي مؤهلات مهنيَّة وليست أكاديميَّة. ونظام المؤهلات المهنيَّة هو نظام تقويمي وتدريبي متكامل ويرتكز في مفهومه على جودة المخرجات التدريبيَّة استناداً إلى منهج التقويم التطبيقي والعملي وفق مستويات ومعايير مهنيَّة للصناعات والمهن. ويتم تطبيقها على رأس العمل في المنشآت والمُؤسَّسات التدريبيَّة إذ إنه يتيح للمُتدرِّب فرصة للتدرُّب في المعاهد أو المراكز التدريبيَّة لإكسابه المهارات والمعارف الضروريَّة واللازمة ويتم تطبيقها في مواقع العمل التي يعمل فيها المُتدرِّب في ظل معايير الأداء ومستويات مُحدَّدة للمهنة.

 

إن المتأمل في واقع التعليم التعاوني في الدول النامية بشكل عام يجد أن هناك تركيزاً على جزئية من جزئيات التعليم التعاوني ألا وهي ما يسمى بالتدريب التعاوني ، حيث يتم التركيز فقط على التدريب العملي للطلاب في مواقع العمل الفعليَّة دون ربط ذلك بالتأهيل العام للطالب مع إهمال النواحي التأهيلية الأخرى. لذلك فإن هناك ضرورة لتبني التعليم التعاوني بمفهومه الشامل وبكافة أنماطه من خلال التوسع في الشراكة مع مُؤسَّسات سوق العمل ، وأن تتم من خلال هذه الشراكة مشاركة كافة الجهات المعنية في تنفيذ العمليات التعليميَّة والتدريبيَّة بدءا من عمليات تطوير المناهج وانتهاء بعمليات التقويم والتقويم.

 

د. عيسى الأنصاري