التعليم الأساسي والالزامي

كان التعليم الأساسي والإلزامي (basic and obligatory education):

في بداياته حلاً لمشكلات اقتصاديَّة واجتماعيَّة تعانيها الدول الناميَّة، ولكنه كأي مفهوم جديد خضع لمناقشات بين مؤيدين ومعارضين. فالمؤيدون يرونه صيغة لتعميم التعليم ووصوله إلى الجماهير وتجاوز سلبيات التعليم الابتدائي التقليدي المنفصل عن حاجات المجتمع وحياة الأفراد. وتكتسب صيغة التعليم الأساسي قيمتها من كونها تنظر إلى الفرد واحتياجاته الأساسيَّة في إطار مجتمعه بما يربط بين التعليم والتنمية والعمل المنتج، فهو ليس مجرد إعداد لمرحلة تعليميَّة لاحقة، أو لإعداد حرفي لمرحلة منتهية، بل هو استراتيجيَّة متكاملة لتعليم يحقق التكامل لشخصيَّة الفرد والنماء للمجتمع.

 



وقد أصبح من الثابت أن الهدف الذي تصبو إليه السلطات المسؤولة هو أن تجعل المدرسة الابتدائيَّة وسيلة لتحقيق التكافؤ في الفرص في التعليم، جعله أكثر ديمقراطيَّة لتلبية الاحتياجات الاقتصاديَّة أو الأهداف العقائدية أو الكفاح من أجل التحرير الوطني ويتم ذلك في المدارس الابتدائيَّة.

 

فالقاعدة الأساسيَّة في جميع أنظمة التعليم أن تتاح الفرص لكل طفل ليتعلَّم بالتوقيت الكامل في المدرسة. ولكن الإمكانات الماديَّة والظروف الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة لا تتيح لجميع الأطفال في سن المدرسة الالتحاق بها، أو يتسرب بعضهم منها قبل إنّهاء المرحلة الابتدائيَّة، مما يجعلهم في عداد الأميين، وهنا يأتي دور التعليم الأساسي في معالجة هذه المشكلة، من خلال تعليم هؤلاء المتسربين في مدارس خاصة بهم.

 

أما المعارضون للتعليم الأساسي فيرونه صيغة أعدت للدول الناميَّة للحد من تطلعاتها في تعليم أبنائها، واقتصار ذلك التعليم على إعداد عمالة رخيصة، فهي ستار دخاني لإعاقة الجهود الموجهة إلى ضرورة إقامة نظام اقتصادي عالمي جديد، يهدف إلى عدم إبقاء الدول الناميَّة في موقعها الحالي من مستوى التنمية. فهو يدور حول مهارات العمالة ولا يمنح المعايير الثقافيَّة والاجتماعيَّة قدرها الذي تستحقه.

 

إلا أنّ الدراسات التربويَّة التي تتبناها المُنظَّمات الدوليَّة والإقليميَّة في مجال التعليم الأساسي والإلزامي للصغار والكبار، تشير إلى خلاف ذلك، بل تبدي تفاؤلاً واعداً بأنه يحقق محو الأميَّة الهجائية والوظيفيَّة. وفي هذا المجال يمكن أن يكون التعريف بالتعليم الأساسي والاطلاع على واقع تطبيقه وتطوُّره وتوجهاته المستقبليَّة خير وسيلة للتحقق من أهميته والتعرُّف عليه.

 

مفهوم التعليم الأساسي والإلزامي

جاءت تعريفات التعليم الأساسي متباينة أحياناً بين مُنظَّمة وأخرى: فالمُنظَّمة العالميَّة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو UNESCO) ترى أن التعليم الأساسي (صيغة تعليميَّة تهدف إلى تزويد كل طفل، مهما تفاوتت ظروفه الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة والثقافيَّة، بالحد الأدنى الضروري من المعارف والمهارات والاتجاهات والقيم التي تمكنه من تلبية حاجاته وتحقيق ذاته وتهيئته للإسهام في تنمية مجتمعه)، وتربط بين التعليم والعمل والعلم والحياة من جهة وبين الجوانب النظريَّة والجوانب التطبيقيَّة من جهة أخرى في إطار التنمية الشاملة للمجتمع.

 

وتذكر المُنظَّمة العالميَّة لرعاية الطفولة والأمومة (اليونيسيف UNICEF) أن التعليم الأساسي هو التعليم المطلوب للمشاركة في الأنشطة الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والسياسيَّة، وأن يشمله محو الأميَّة الوظيفيَّة التي تجمع مهارات القراءة والكتابة والحساب مع المعارف والمهارات اللازمة للنشاط الإنتاجي وتخطيط الأسرة وتنظيمها والعناية بالصحة والنظافة الشخصيَّة ورعاية الأطفال والتغذية والخبرات اللازمة للإسهام في أمور المجتمع، ولذلك يسميه بعضهم بمحو الأميَّة الحضاريَّة.

 

ويُركِّز البنك الدولي على التعليم الأساسي الذي يلبي الحاجات التعليميَّة الأساسيَّة للمجموعات الكبرى من السكان الذين لم تتح لهم فرص الحصول على الحد الأدنى من التعليم، فهو مكمل للتعليم النظامي وموازٍ له. وهو يهدف إلى توفير تعليم وظيفي مرن قليل الكلفة للذين لا يستوعبهم التعليم النظامي أو فاتتهم فرصته. ومع أن التعليم الابتدائي هو بداية التعليم الأساسي، إلا أن التعليم الأساسي يوازيه ويكمله.

 

وقد دعت المُنظَّمة العربيَّة للتربية والثقافة والعلوم في تقريرها المسمى استراتيجيَّة تطوير التربية العربيَّة عام (1979) إلى الأخذ بالتعليم الأساسي لأهميته في تحقيق الفرص التعليميَّة وديمقراطيَّة التعليم، ولدوره في التنمية الشاملة لأفراد المجتمع. وتميز الاستراتيجيَّة مفهومين للتعليم الأساسي، الأول: له صفة اجتماعيَّة، وهو يعني الحد الأدنى من التعليم الذي ينبغي توفيره للصغار والكبار الذين لم يحظوا بحقهم في التعليم أو تسربوا منه بحكم القهر الاجتماعي وضعف المستوى الاقتصادي، وهذا الحد يقتصر على الجزء الأول من المرحلة الابتدائيَّة بحيث لا يقل عن السنوات الأربع الأولى منها، وبحيث يوفر تربية وظيفيَّة مرنة.

 

وقد يكون هذا التعليم محدود الصيغة مناسباً من الناحية الاقتصاديَّة بالنسبة إلى بعض الأقطار العربيَّة الناميَّة، وذلك بسبب ضخامة مشكلة الأميَّة لدى الكبار، وعجز هذه الأقطار عن استيعاب جميع الناشئين في مُؤسَّسات التعليم النظامي. أما المفهوم الثاني للتعليم الأساسي في استراتيجيَّة تطوير التربية العربيَّة فله صفة تربويَّة، ويقصد به توفير تعليم مناسب لجميع المواطنين، ويؤلف المستوى الأدنى من نظام التربية المدرسيَّة ويقتصر على التعليم الابتدائي أو يمتد إلى نهاية التعليم الإعدادي وحتى الصف العاشر في بعض الأحيان، ويقوم بإعداد الناشئة للقيام بأدوارهم الأسريَّة والاجتماعيَّة والوطنية.

 

وترى الاستراتيجيَّة أن توفير هذا النوع من التعليم الأساسي رهن بوفرة الإمكانات الماليَّة وبتطوير قاعدة التعليم بصورة يتمكَّن بها من استيعاب جميع الناشئين الذين هم في سن التعليم، وفاعليَّة التربية غير النظاميَّة للكبار والمساندة للتربية النظاميَّة والموازية لها. إذ يعبر مفهوم التربية الأساسيَّة عن تعليم قد يصل بالدارس إلى مستوى يوازي تعليم الصف الرابع الابتدائي لمحو أميته الهجائية بإتقان القراءة والكتابة ومعرفة قواعد الحساب، وذلك إضافة إلى إعطاء الدارس أسس بعض المعارف والخبرات الأوليَّة عن بعض النواحي الثقافيَّة والمهنيَّة التي تمكنه عند استخدامها من النهوض بمستوى حياته العلميَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة لمحو أميته الوظيفيَّة. وهذا يُتَمِّمُ التربية الأساسيَّة للكبار في مدة سنة ونصف، أما إذا ارتفعت إلى ثلاث سنوات أو إلى أربع فإنها توازي التعليم الأساسي للصغار طيلة مدة تتراوح بين أربع سنوات وست سنوات.

 

ويمكن تنظيم مفاهيم التعليم الأساسي في تعريف شامل، بأن التعليم الأساسي والإلزامي هو، الحد الأدنى من التعليم الذي يزود الصغار والكبار بالمعارف والمهارات والاتجاهات في المجالات الأساسيَّة  للتواصل والثقافة والحضارة والتقانة والبيئة والصحة والمهنة وتنمية الشخصيَّة وتكيفها، وبحيث يجعلهم قادرين على تحصيل حاجاتهم الحياتيَّة الأساسيَّة، في هذه المجالات وعلى تنمية مجتمعهم وتطويره، وقد يتم في التعليم النظامي وغير النظامي الذي يعد للمجتمع المواطنين المؤهلين للعمل الاجتماعي السليم، ويساعد على استمرار المجتمع وتنميته وتطويره.

 

ومن هذا التعريف يمكن استخلاص ميزات التعليم الأساسي:

  • تعليم للجميع، يساوي بين طبقات المجتمع وفئاته، ويشمل الصغار والكبار.
  • تعليم إلزامي ومجاني.
  • تعليم يعنى بالإنتاج والبيئة ويربط بين العلم والعمل في الحياة.
  • تعليم يضمن عدم الارتداد إلى الأميَّة.
  • تعليم يساعد على الاستمرار في التعليم ومتابعته إلى المراحل الأعلى.
  • تعليم يُعنى بالتعلُّم الذاتي ويعود الدارس التفكير السليم.

 

ويعود التطوُّر في مفهوم التعليم الأساسي إلى عوامل عديدة منها:

  • تزويد الدارس بالمعلومات الأساسيَّة التي تمكنه من مواجهة التطوُّرات العلميَّة والتكنولوجيَّة وفهمها في أبسط صورة ممكنة.
  • تطلع الفرد إلى التزوُّد بالمعارف والخبرات اللازمة لاندماجه في مجتمعه وفهم خصائصه واستخدامات آلاته ومعداته الحديثة نتيجة التطوُّر الاجتماعي المصاحب للتطوُّر العلمي والتقاني.
  • التطوُّر الاقتصادي الذي كان حصيلة للتطوُّر العلمي والتقاني والاجتماعي.

 

وقد تتشابك العوامل السابقة بحيث يصعب الفصل بينها لأنها تشكل منظومة واحدة متكاملة في:

  • ظهور فكرة ديمقراطيَّة التعليم وحق الإنسان فيه صغيراً وكبيراً لتنمية قدراته واستعداداته، بغض النظر طبقته الاجتماعيَّة أو حالته الاقتصاديَّة أو غير ذلك مما استلزم ظهور فكرة التعليم المستمر تحقيقا لمبدأ ديمقراطيَّة التعليم وتعزيزاً له.
  • ظهور فكرة التعلُّم الذاتي، لانفجار المعارف وكثرتها وسرعة تطوُّرها، مما أعجز التعليم التقليدي عن تزويد المدارس بكل ما يلزم من معارف.
  • ظهور فكرة التعاون والمشاركة في التعليم مما أدى إلى إيجاد مفهوم المجتمع المُتعلِّم المُعلِّم.

 

تطبيق التعليم الأساسي والإلزامي:

يختلف واقع تطبيقات التعليم الأساسي والإلزامي من دولة إلى أخرى، وذلك حسب الظروف والإمكانات المتاحة.

أما من ناحية المضامين فقد حرصت على التوازن بين المواد النظريَّة والمواد التطبيقيَّة وتأجيل التفريعات المدرسيَّة إلى أبعد مدة ممكنة، على أن كل تفرقة بين الدارسين مضرة بالمجموعات المحرومة. ويسعى المنهاج الدراسي إلى المحافظة على مستوى راقٍ من التعليم في كامل البلاد، فيشتمل على مجموعة من المواد العلميَّة والاجتماعيَّة واللغويَّة والفنيَّة واليدوية.

 

وتستمر الدول العربيَّة في تطبيق استراتيجيَّة تطوير التربية العربيَّة في مجال التعليم الأساسي والإلزامي منذ عام (1979). وهناك دول عربيَّة تبنت التعليم الأساسي بصيغة جديدة ومتكاملة لمجابهة قضايا التعليم الابتدائي والإعدادي معاً، كما فعلت الأردن والجزائر والكويت ومصر واليمن وسورية. وقد ركزت الدول التي تبنت الصيغة الجديدة لمفهوم التعليم الأساسي على:

  • ضمان الإلزامية وتوحيد التعليم الذي يقدم إلى كل الأطفال.
  • مفهوم الإعداد للحياة وحب العلم والعمل.
  • مفهوم الانفتاح على البيئة ووضع أساس الوعي للتربية البيئيَّة والسكانية والصحيَّة.

 

ويُشار هنا إلى أنّ التجارب العربيَّة تُؤكِّد في تصوُّراتها للتعليم الأساسي والإلزامي جملة من الأهداف الفرديَّة والمؤسسية والاجتماعيَّة ما يجعله تعليماً شاملاً منتهياً، وفي الوقت نفسه، مرناً ومفتوح القنوات على المراحل التعليميَّة اللاحقة. وتسعى هذه الدول العربيَّة إلى تعديل المناهج الدراسيَّة وتهيئة الأطر التعليميَّة والمباني المدرسيَّة، وتأكيد أهمية المدرسة الريفية ودورها الحضاري في الأرياف، بما يتناسب وتطبيق التعليم الأساسي والإلزامي وفقاً لظروف كل قطر عربي. وذلك لتأصيل الإنسان العربي في محيطه الجغرافي والاجتماعي والثقافي والحضاري من ناحية، وإعداده للتكيف مع مُتطلَّبات العصر والإسهام الفعَّال في التنمية الشاملة والاستفاضة من العلوم والتكنولوجيا العصريَّة والمشاركة في بناء الحضارة الإنسانيَّة من ناحية ثانية.

 

مستقبل التعليم الأساسي والإلزامي

التعليم الأساسي نظام فرعي من النظام التعليمي الشامل لمختلف مراحل التعليم وأشكاله وأنواعه، فالتعليم الأساسي يؤلف المرحلة الأولى من مراحل التعليم للصغار والكبار. ويبين الشكل (1) وضع التعليم الأساسي، من حيث هو نظام له مُدخلاته وعملياته ومخرجاته وأطره.

 

وتبقى هناك مشكلات تحتاج إلى حل منها:

  • إيجاد المعادلة التربويَّة، مع إيلاء مردود المناهج التعليميَّة والعوامل المحيطة التي تؤثر في الأداء التربوي، اهتماماً كبيراً.
  • ربط نظام التعليم الأساسي مع أنظمة نظيرة وأكبر في التخطيط الاجتماعي والاقتصادي والتنموي، وإقامة الروابط العمليَّة مع التخطيط للتطوير العام الشامل أو ما يسمى بالتخطيط للتنمية الشاملة.
  • منح مسؤوليات وصلاحيات أكبر للسلطات المحلية، ووضع خطط محلية ضمن الخريطة التربويَّة المدرسيَّة.
  • جعل المعلوماتيَّة أدق وأيسر من أجل تخطيط أفضل، لتحسين الكفاية الداخليَّة والخارجيَّة نظام التعليم الأساسي، وهذا يتطلَّب جعل نظام المعلومات إلكترونياً وشاملاً ومفيداً في التنمية.
  • تبني نظرة شاملة نظمية في التخطيط والإدارة والمراقبة والتنفيذ والتقويم بوصفها عمليَّة مستمرة ومتكاملة.

 

المصدر: الموسوعة العربيَّة لتطوير الذات