التعلُّم الضار وعلاقة المشاعر بالتعلُّم

يتناول هذا الموضوع واحد من أسوأ أنواع التعلُّم وكيفيَّة التخلص من آثاره ومن المشاعر السلبيَّة المرافقة له. هذا التعلُّم تعرَضنا له جميعاً بعلمنا، وربما بغفلةٍ مِنّا.



يقول العالم الروسي ايفان بافلوف: "لقد بحثت عن السعادة طويلاً فوجدتها في المعرفة والعلم".

أياً كان اختصاصك أو عملك الذي تمارسه فان موقفك من التعلُّم لابد أن يتراوح بين موافقتك التامة ورفضك التام لمقولة بافلوف المذكورة أعلاه، والتي تعني أن بافلوف كان لا يزال عند كتابته لهذه المقولة يشعر بتلك الرغبة الجارفة في التعلُّم والاكتشاف. ونستطيع التأكُّد من ذلك الأمر ببساطة لو راقبنا أي طفل (عمره يزيد عن العامين) لنرى كيف ينهمك وكيف يستمتع باكتشاف ما حوله بذلك الولع غير الاعتيادي من منظور الكبار.

ذلك الصغير يتعلَّم في كل لحظة أشياء جديدة باستخدامه كل حواسه بشكل صحيح وكذلك بشكل خاطئ، ودون أي إدراك لما يفعل، لكن الشيء الثابت والأكيد هو أنّه يفعل ذلك بشغف ومتعة، والدليل على ذلك بكاؤه الشديد عند منعه من الاستمرار في اللعب أو العبث بأي شيء في متناوله. وتستمر مشاعر الاستمتاع بالتعلُّم مع الطفل حتى يدخل إلى المدرسة حيث تبدأ يوماً بعد يوم ارتباطات سلبيَّة جديدة بالتشكل في أثناء التعلُّم الرسمي كالتوبيخ والقسر والزجر والعقوبات على اختلافها، وهنا بالضبط يبدأ تراكم هذه الارتباطات السلبيَّة بتحويل المشاعر تدريجياً وبشكل مستمر من الإيجابيَّة الفطريَّة إلى السلبيَّة المكتسبة حتى تصل بذلك الطفل (في أثناء تحوله إلى فتى راشد) إلى تلك الدرجة من السلبيَّة والكراهية للتعلُّم تؤدي به إلى التوقُّف تماماً عن التعلُّم في أسوأ الاحتمالات، أو في أحسن الاحتمالات إلى الاستمرار في التعلُّم على مضض بغية الحصول فقط على شهادة تعينه على التكيف مع الحياة، مع اتخاذه قرار (واعٍ أو غير واعٍ) بأنه لن يتعلَّم بعد حصوله على الشهادة.

وهذا يعني ببساطة أن المشاعر السلبيَّة التي تنتاب الكثيرين بمجرد ذكر التعلُّم هي في ذاتها مشاعر تم تعلُمها أو اكتسابها من خلال الضغوط الكثيرة والمختلفة التي تعرضوا لها في أماكن التعلُّم الرسمي القسري الذي يتم في المدارس أو الجامعات أو في كليهما معاً. وهذا ما قد يُفسِّر عزوف الكثيرين عن التعلُّم عقب التخرج من الجامعة أو حتى عقب إنهاء أي مرحلة تعليميَّة قبل الجامعة.

وبذلك يكون قد تعلَم أن يكره التعلُّم، وهذا من أسوأ أنواع التعلُّم وأكثرها ضرراً.

 

وبما أن الأمر كذلك، فلنحاول معالجة الأمر بإتباع الخطوات الخمس الآتية:

  • أعد النظر في مدى حاجتك إلى التعلُّم، وتذكَر بأن خبرتك في عملك تزداد بتعلُّم المزيد عن اختصاصك، مما يعود عليك بالكثير من الفوائد الماديَّة والمعنويَّة.
  • بالتركيز على تلك الفوائد الماديَّة والمعنويَّة المتوقعة، حاول أن تجعل مشاعرك إيجابيَّة أو حيادية على الأقل تجاه التعلُّم والمعرفة والعلم.
  • ابدأ بتحديد كيفيَّة توظيف ما يمكن أن تتعلَّمه في حياتك العمليَّة لتتلمَس الفوائد المحتملة بحيث تشكل محفزات دافعة لك من أجل التعلُّم.
  • تذكَر بأن إعادة توليد مشاعر إيجابيَّة تجاه التعلُّم ومن ثم تفعيل التعلُّم هو عمليَّة تراكميَّة لا يمكن أن تتم بسرعة، ومن ثم لابد من الصبر على النتائج.
  • بعد إنجاز هذه الخطوات، من الطبيعي أن تعود المشاعر الطبيعيَّة الفطريَّة الإيجابيَّة المبنية على الاستمتاع بالتعلُّم والاكتشاف.

 

وخلاصة القول أنّنا جميعاً نتعلَّم يومياً فطرياً ورسمياً ونكتسب خبرات وقيماً ومعتقدات جديدة مُتنوِّعة لا تكون كلها صحيحة أو إيجابيَّة، لذلك ينبغي لنا أن ندقق النظر فيما يستجد على أفكارنا ومشاعرنا وسلوكياتنا تجاه ما نفعل، ومن ثم نعمل على تطبيق الخطوات الخمس المذكورة آنفاً فقط إذا اكتشفنا أننا تعلَّمنا ما يضر ويؤذي مسيرة تقدمنا في الحياة التي لن تتاح لنا فيها فرصة أخرى لتطويرها.

ملاحظة هامة: أعتقد بأنّ أي مقال يمكن أن يكون مثل كرة الثلج، تكبر أكثر كلما تدحرجت أكثر، لذلك وبهدف الإثراء، فإنني أدعو كل قارئ لديه إضافة هامة إلى المساهمة في دحرجة هذه الكرة.

 

المراجع: كتاب نظريات التعلُّم، د. عماد الزغول، دار الشروق للنشر والتوزيع، عمان، الأردن.