التعلُّم السريع يرفع قيمة المُتعلِّم ويعيد التقدير لإنسانيته

إن الغرض من التعليم والتدريب في يومنا هذا هو تحضير الناس لعالم مُتغيِّر باستمرار، عالمٍ يحتاج فيه الجميع إلى إطلاق طاقاتهم الكاملة العقليَّة والروحيَّة، والتصرُّف انطلاقاً من إبداع عقلي وليس انطلاقا من روتينٍ خالٍ من التفكير.



لم نعد اليوم في حاجة إلى تحويل المُتدرِّبين إلى  نسخ كربونيَّة كما كنا في القرن التاسع عشر، بل نحن في حاجة إلى إنتاج"نسخ أصلية" قادرة على ممارسة الطاقة الكاملة لإمكاناتها وطاقاتها الواعدة. ونحن في حاجة إلى إطلاق العبقرية الخاصة لكل مُوظَّف (مُتعلِّم) بدلا ًمن قمعها ومحاولة مسحها تحت شعار أو ثقافة المُؤسَّسة. لذلك كانت الحاجة إلى النظر إلى عمليَّة التعلُّم بشكل أكثر شمولية.

إن النظرة الكلية هي من المفاتيح الذهبية في التعلُّم السريع. إذ لابد من النظر إلى كلية المعرفة، كلية الشخص، وكلية المُؤسَّسة، وحتى كلية الحياة ذاتها. إن هذه النظرة في تناقض تام مع مبدأ التقسيم إلى أجزاء الذي طالما كان سائداً. فقد اهتم العلم الغربي منذ أيام أرسطو بتجزئة و تحليل و تصنيف عناصر الوجود ، وقد أدى ذلك إلى بعثرة الحياة، وبعثرة التعليم .نحن اليوم في حاجة ماسة إلى العودة إلى كليتنا. نحتاج إلى أن نفهم أن التعليم ليس عمليَّة معرفيَّة بحتة، وإنما هو عمليَّة تشمل الشخصيَّة بأكملها، العقل والجسد والروح، هذه الثلاثة هي التي تكون العبقرية الخاصة لكل شخص.

لم تعد النظرة إلى المُتعلِّمين بوصفهم مستهلكين سلبيين لمعلومات تردهم من غيرهم بل هم منتجون فعَّالون لمعارفهم الخاصة. وهنا تكمن ثورة التعلُّم.لهذا فان الهدف من التعلُّم السريع هو إفساح المجال للمُتدرِّبين لإدراك إمكانيتهم وتوسيع أفاقهم، وإعادة الشعور بمتعة التعلُّم إليهم، والإحساس بالانجاز والسعادة و الذكاء والنجاح، كمُتدرِّبين مُتعلِّمين وكبشر أيضاً.

واستحضر هنا تجربتين شخصيتين عشتهما كأستاذة، مع طالبات معهد تكوين القابلات، الأولى مع طالبات السنة الثالثة وبالتحديد في مادة  التسيير، أما الثانية فمع طالبات السنة الأولى في مادة صحة الطفل.

التجربة الأولى:
كان موضوع الحصة عمل الفريق. بدأنا الحديث بالإجابة عن السؤال:كيف يتعلَّم الطفل الصغير؟ وخلصنا إلى نقطتين أساسيتين: أن الطفل في أثناء تعلمه إحدى المهارات، يستعمل كل حواسه، وانه يُركِّز الاهتمام تماما على ما يتعلَّمه؛ ولذلك فهو يتعلَّم بسرعة وبشكل كبير. وبعد ذلك طلبت منهن أن يكن طفلات ليتعلَّمن أساسيات عمل الفريق من خلال شريط الفيديو الذي سأعرضه عليهن و لم أزد على ذلك شيئا. الشريط يعرض طيورا مهاجرة في أثناء عمليَّة الطيران. ومن دون أي تعليق.
ثم فوجئت في نهاية العرض أن المُتعلِّمات استنتجن أكثر من90 بالمائة من معاني عمل الفريق. لقد كن سعيدات جدا بذلك وكذلك حين أخبرتهن بأنهن كن "طفلات" بشكل جيد.

 

التجربة الثانية:
أشهر قليلة كانت تفصلنا عن امتحانات آخر السنة حين اتصلت بي إحدى الزميلات تخبرني بأن جزءاً مهماً من مادة صحة الطفل يجب تدريسه لطالبات السنة الأولى.
قبل الامتحان وطلبت مني أن أفعل ذلك نيابة عن إحدى زميلاتنا التي تعرضت لوعكة صحية. فكرت ملياً في الأمر.
الوقت ضيق، والمادة مهمة، والطالبات بدأت تظهر على معظمهن آثار التوتر السابق للاختبار.
ثم جعلت كل طالبة تتخيَّل نفسها في المستقبل وهي تمارس مهنتها بوصفها مسؤولة عن صحة غيرها. ثم طلبت، منهن ضمن مجموعات، حل مشكلة مستقاة من الواقع، ولهن الاختيار في كيفيَّة تقديم الحل: تقديم عرض، أو تشخيص الحالة.
هذا طبعاً غير الجو التقليدي داخل الصف ليصبح مفعما بالتفاعل والنشاط والتعاون.
فكانت النتيجة أن المُتعلِّمات طورن مهاراتهن  و قمن بالعمل بكثير من الحماسة وفي وقت قصير وفي درجة كبيرة من الاستيعاب والتمكن، والإحساس بالانجاز أيضاً.....درجة.... اعترف أنني.......... أنا نفسي...... لم أكن أتوقعها.


المرجع: التعلُّم السريع .  لدايف ماير.