التعلم الإلكتروني وأدواته - نحو تعلم إلكتروني عصري وفعال...

يتحدَّث الأستاذ رواد حماد عن بعض الأدوات والتقنيات الحديثة في عالم التقنية والإنترنت، وكيف لنا أن نستفيد منها في العمليَّة التعليميَّة الإلكترونيَّة.



غالباً ما يُتاح الحديث عن استخدام التقنيات الحديثة في التعليم أو التعلُّم الإلكتروني عندما نتحدَّث عن تطوير التعليم وتجويد مخرجاته، ويعود ذلك إلى أسبابٍ عدة أهمها: إنّ تحسين العمليَّة التعليميَّة ورفع جودتها هو من أهم أهداف التعلُّم الإلكتروني كما أن أدوات التعلُّم الإلكتروني حققت نجاحات ملحوظة في هذا المجال وكانت هذه النجاحات مشفوعة بأدلة ساقها باحثون ومهتمّون بمختلف قضايا التعليم.

وفي ظل هذا الزخم الهائل من تقنيات التعلُّم الإلكتروني المتوافرة ينبغي على المُؤسَّسات الأكاديميَّة أن تنظر ببالغ الأهمية للتقنيات الحديثة وتتابع المُتغيِّرات المتسارعة وتحللها كي تخرج بتوصيات حول الكيفيَّة المثلى للاستفادة منها. فضلاً عن أنّه لم يعد في إمكان المُؤسَّسات التعليميَّة الآن استبعاد استخدام التكنولوجيا، فليس في مقدورها أن تقصر استخدامها على برمجيات أو نظم معينة في حال أرادت هذه المُؤسَّسات المنافسة واللحاق بركب المُؤسَّسات المُتميِّزة.

فعلى سبيل المثال تستخدم العديد من الجامعات نظم إدارة التعلُّم

(Learning Management Systems) أو ما يوازيها من نظم مثل بيئات التعلُّم الافتراضيَّة كأداة للتعلُّم الإلكتروني. وهنا يجب أن نسجل أن هذه النظم سيطرت على سوق التعلُّم الإلكتروني فترة طويلة نسبياً، لكن ظهور بعض الأدوات والتقنيات الأخرى فتح الباب على مصراعيه لتطوير التعلُّم الإلكتروني وتنويع الأدوات المُستخدَمة لتحقيق أهداف المُؤسَّسة بشكلٍ أكثر فاعليَّة وهي على سبيل المثال لا الحصر: بيئات التعلُّم الشخصيَّة (Personal Learning Environment)، ويب (web 2.0) الحوسبة السحابيَّة (Cloud Computing) بيئات التعلُّم السحابيَّة (Cloud Learning Environment) الخ.

لم تكن بدايات ظهور هذه الأدوات التقنية مقنعةً بشكل كاف -على الأقل للمُؤسَّسات التعليميَّة-لاستخدامها ولكن التطوُّرات الهائلة والتحسينات التي تطرأ عليها تجعل من تجاهل استخدامها أمراً صعباً. حيث يصعب أن تجد هذه الأيام مُؤسَّسة تستبعد استخدام الحوسبة السحابيَّة، ولو في نطاق محدود في ظل الخدمات الهائلة المتوافرة من مزودي الحوسبة السحابيَّة مثل جوجل، أمازون، IBM)) وغيرهم (1).

الحوسبة السحابيَّة:

يمكن تبسيطها من خلال النظر إليها على أساس أنّها تقنية تُمكِّن المستخدم من الاستفادة من مصادر أو منصات أو برمجيات بشكلٍ افتراضي، ما يعني أن هذه البرامج مثبتة على سيرفرات وخوادم تابعة لشركات معينة وليس على جهاز المستخدم الشخصي، واتصال المستخدم بالإنترنت هو ما يُمكِّنه من الوصول إلى هذه الخدمات. هذا النمط من النظم المُوزَّعة يتيح للمستخدمين العديد من المزايا مثل تجاوز قدرات أجهزتهم حيث يتم نقل عبء تنفيذ البرامج وتخزينها وما إلى ذلك إلى خوادم الشركات التي تُقدِّم هذه الخدمات بدلاً من جهاز المستخدم، كما أنّ الاحتفاظ بالبيانات وصيانتها سيكون من مسؤوليات الشركات المزودة وليس المستخدم. بالإضافة إلى ما ذكر، هناك العديد من المُميِّزات الأخرى مثل توفير مصادر المُؤسَّسات البشريَّة والماديَّة من أعمال إداريَّة وجهد ومصادر ماليَّة (2).

بعض الباحثين قام بتقدير إمكانية توفير ما يقارب من (50%) من التكاليف في حال اعتماد المُؤسَّسة على الحوسبة السحابيَّة وتختلف هذه التقديرات نظراً لاستنادها إلى كثيرٍ من العوامل مثل مدى استخدام المُؤسَّسة للتكنولوجيا، والنموذج التي تستند إليه هذه المُؤسَّسة، وخصائص المستخدمين وكم ونوعيَّة البيانات التي يقومون باستخدامها وتخزينها إلى غير ذلك من العوامل. بيد أن كل ما ذكر لا يمنع وجود بعض المحاذير المرتبطة باستخدام هذه التقنية والتي يجب دراستها بشكل مناسب في حال رغبت المُؤسَّسة في اتخاذ قرار بخصوص استخدام الحوسبة السحابيَّة (3).

يُعدُّ القطاع التعليمي من أكثر القطاعات التي يُتَنَبّأ بتوجهها نحو الحوسبة السحابيَّة مستقبلاً نظراً للمُميِّزات المذكورة آنفاً إضافة إلى أنه يدفع المُؤسَّسات التعليميَّة ومنتسبيها إلى الاستفادة من المصادر التعليميَّة المتاحة على الشبكة العنكبوتية وهو ما يعد رافداً مهماً لهذه المُؤسَّسات. لم يولد هذا التوجه من فراغ بل كان استجابة لظهور هذه التقنيات ولنداءات المُتخصِّصين التربويين لتطوير التعليم وأدواته.

وكما أن هذه التغيُّرات تدفع المُؤسَّسات التعليميَّة إلى مراجعة حساباتها فإنها كذلك تدفع الشركات والمُؤسَّسات التي تقود سوق التعلُّم الإلكتروني للتفكير ملياً في تطوير خدماتها، إن أكثر نظم التعلُّم الإلكتروني انتشاراً هي ((Blackboard ومن ثمMoodle) ). وهما في الأساس نظاما تعلُّم إلكتروني يستندان إلى المساقات (Course-based LMS) ولكنهما طورا بعض الخدمات للانتقال إلى ما يسمى بنظام تعلم إلكتروني مستند إلى الحوسبة السحابيَّة (Cloud-based LMS) وهو ما يتوقع الباحثون تطويره في المستقبل القريب حيث ظهر نظام (Moodlerooms) كما قامت شركة بلاك بورد بتطوير خدمة مشابهة ولكن بمعايير مختلفة تتفق مع توجهات الشركة الربحيَّة.

استخدام الحوسبة السحابيَّة فرض واقعاً تقنياً أكثر حريةً "إن صح التعبير" على المُتعلِّم، فأصبح في إمكان المُتعلِّم البحث عن الكثير من المصادر وإنشاء مواقع شخصيَّة له وعرض ومشاركة الكثير من الملفات والمصادر والخدمات مع زملائه أو مُدرِّسيه، وفي بعض الأحيان يكون لدى المُتعلِّم الصلاحيات نفسها التي يتمتَّع بها مُدرِّس المساق فمثلاً لدى كلٍّ من الأستاذ الجامعي والطالب القدرة على مشاركة أو إنشاء نص معين أو نقاش ما في الشبكات الاجتماعيَّة بالدرجة نفسها تقريباً وهذا ما فرض تحدياتٍ أخرى يجب الاستجابة لها. وتكون الاستجابة هنا عبارة عن مزيجٍ من القوانين والسياسات التي يمكن أن تسنها المُؤسَّسة التعليميَّة بمساعدة الأساتذة والخبراء حيال هذه الأدوات واستخداماتها بالإضافة إلى مهارات التعلُّم الذاتي التي يجب صقلها لدى المُتعلِّمين.

يساند هذا التوجه العديد من الباحثين بل ويُعدُّونه استخداماً أكثر فاعليَّة للأدوات التقنية في التعليم، حيث نجد على سبيل المثال عدداً كبيراً من الأبحاث التي تُركِّز على مفهوم التعلُّم المُنظَّم ذاتياً (Self-Regulated Learning) وهو ما يقصد به التعلُّم المعتمد في إدارته وتنظيمه على المُتعلِّم نفسه. فالمُتعلِّم هنا يقوم بأنشطة التعلُّم مدفوعاً برغبةٍ ذاتيَّة نحو التعلُّم معتمداً على مصادر مُتعدِّدة، وإن كان يعتمد على تدخلات وتوجيهات من قِبَلِ المُعلِّم مثل: توجيهه نحو أنشطة أو مصادر معينة.

ورغبة في الاستفادة من هذا النمط في التعلُّم أفضى مشروع

 ((Responsive Open Learning Environment-ROLE إلى نتائج تتعلق بتطوير أدوات تعلم إلكتروني تستند إلى احتياجات المستخدم وتفضيلاته

(needs and preferences)، حيث يبنى ملف لكل مُتعلِّم ويتم النظر إلى مهاراته ومن ثم تزويده بالخدمات التعليميَّة المناسبة له والتي قد لا تناسب زملاءه على الأخذ في الحسبان الفروقات الفرديَّة بين المُتعلِّمين وهذا ما يسمى بـتخصيص التعليم لصالح المُتعلِّم (Personalization)، حيث تُوفر الأدوات المناسبة لشخصيَّة المُتعلِّم.

أمّا عن كيفيَّة الحصول على احتياجات المستخدمين وتفضيلاتهم فهذا مجال بحثي واسع لكن ما تجدر الإشارة إليه هنا هو التطوُّر الحاصل في مواصفات و معايير التعلُّم الإلكتروني

 (e-learning Standards and specifications) حيث لم يعد الاعتماد على معيار (SCORM) وحده كافياً للقيام بتعلم إلكتروني عصري، وتمثل ذلك بإصدار (Tin Can API or Experience API) والتي تسمح بالتقاط التغير الحاصل في خبرات المُتعلِّم وتسجيله  والاحتفاظ به حتى يتم بناء عليه في وقت لاحق تقرير الأنشطة التي ستتاح لهذا المُتعلِّم وكيفيَّة إتاحة هذه الأنشطة له. حيث يتم تخزين هذه البيانات فيما يعرف بـ

(Learning Record Store) (LRS) والتي يمكن لها أن تتعاون مع نظم التعلُّم الإلكتروني من خلال توفير سجلات وخبرات المُتعلِّمين لهذه النظم كما يمكن لها أن تعمل بشكل مستقل أيضاً.

استخدام التقنيات في التعليم والتعلم لا يقف عند برنامج معين أو أداة معينة، بل هناك إمكانية لاستخدام برامج كثيرة في مراحل التعليم المختلفة أو حتى في تغذية قرارات المُؤسَّسة أو أحد مُكوَّناتها (المُعلِّم مثلاً)، وهذه البرامج هي بمنزلة أدوات تطرح حلولاً لتحديات مهمة مثل تقويم الطلبة وتزويدهم بالخدمات المناسبة للمشاكل التي يواجهونها. فعلى سبيل المثال، تستخدم كثير من المُؤسَّسات التجارية أدوات خاصة بتحليل بيانات زبائنها وعملائها لتحدد مستوى الرضى لديهم وتستقرئ إمكانية استمرار هؤلاء الزبائن مع المُؤسَّسة في ظل المنافسة الشرسة أو تسربهم لصالح منافسين آخرين.

وقطاع التعليم لا ينبغي له أن يشكل استثناءً من هذا لكن ليس على قاعدة المنافسة بين المُؤسَّسات وإن كان هذا وارداً بل على قاعدة تحليل بيانات المُتعلِّمين وتحديد مستوى استيعابهم لمختلف مفاهيم التعلُّم أو خصائص تعلمهم. هذا التحليل الذي قد يبدو بسيطاً لبعض المُعلِّمين أو المُؤسَّسات التعليميَّة هو فعلياً عمليَّة في غاية التعقيد خصوصاً إذا ما توافر كم هائل من الأنشطة والمُتعلِّمين وكيفيَّة استجابات هؤلاء المُتعلِّمين لتلك الأنشطة. ويتم هذا التحليل من خلال أدواتٍ متوافرةٍ وباستخدام تقنيات معينة أهمها تنقيب البيانات (Data Mining) أو التحليل الذكي للبيانات.

وغالباً ما يتبع عمليات تحليل بيانات المُتعلِّمين توصيات موجهة إلى المُؤسَّسات التعليميَّة أو إلى المُعلِّمين والتي تهدف إلى إرشاد المُعلِّمين إلى الكيفيَّة التي يمكن من خلالها تكييف أساليب الشرح والتوضيح لميول الطلبة وقد تصدر تقارير تتنبأ بمستقبل الطلبة أو تصنف الطلبة في شرائح عدة (مُتميِّز أو جيد أو متوسط أو ضعيف أو يحتاج إلى مُتابعة، إلخ). ويمثل برنامج

(Course Signal) أحد هذه الأمثلة، بينما تمثل (Student Activity Meter) (SAM) والتي كانت أحد مخرجات مشروع ROLE)) أداة لتحليل تفاعل المُتعلِّم مع محيطه في محاولة لدعمه في اتخاذ قرارات ترتبط بتعلم فعَّال (4).

ويكاد لا يوجد مُؤسَّسة تعليميَّة لا ترغب في الانضمام إلى التصنيفات العالميَّة للجامعات المرموقة، ومن المسلم به أنّ أحد معايير هذه التصنيفات هو نسبة الأساتذة إلى الطلبة في الجامعات على أساس أن تقارب هذه النسبة (أستاذ لكلِ عشرين طالباً أقرب من أستاذ لكل 80 طالباً) يعطي فرصة أكبر للأستاذ للتواصل مع طلابه عن كثب والاطلاع على مستوياتهم بشكل أفضل. وإذا ما تم استخدام هذه الأدوات التحليلية بشكل مناسب فقد يتيح ذلك للمُؤسَّسات التعليميَّة الفرصة لتقديم أفضل ما لديها إلى مُتعلِّميها.

ختاماً، هناك تغير مستمر يحدث في كل جوانب التعليم يبدأ ببيئة التعلم، والتقنيات المطروحة، وحاجات المُتعلِّمين ورغباتهم، ومواصفات ومعايير أدوات التعلم. لذا يجب على المُؤسَّسات التعليميَّة السعي وبكل قوة للتكيُّف مع هذه المُتغيِّرات وتضمينها بشكل استراتيجي ضمن خططها لتكون في طليعة المُؤسَّسات التعليميَّة. وهذا الأمر ليس سهلاً لكن هناك العديد من العوامل التي يمكن أن تساعد على ذلك، مثل:

توفير الأرضية الأساسيَّة للتعلُّم الإلكتروني مثل وجود نظام تعلم إلكتروني في الجامعة.
المرونة في اختيار أدوات وبيئات التعلم.
تشجيع المبادرات الفرديَّة ووضع مُحدَّدات ومعايير تساعد على نجاحها.
التخلي عن سياسة خيار واحد لجميع المُتعلِّمين أو البرامج (one size fits all) فما يصلح لطلبة كليَّة التمريض قد لا يصلح لطلبة كليَّة الهندسة أو طلبة قسم الصحافة.
تحليل التجارب الناجحة والاهتمام بها.
العمل بالتوازي وعن قرب مع كافة مفاصل العمل الأكاديمي.
تضمين أهداف التعلُّم الإلكتروني ضمن خطط الكليَّات والأقسام أو بالأحرى ضمن أنشطتهما بهدف تبني الأسلوب اللامركزي في التعاطي مع نشر الممارسات الإيجابيَّة للتعلُّم الإلكتروني، والتقويم المستمر والاستفادة من ملاحظات الأساتذة والمُتعلِّمين.

المراجع:

[1] Mikroyannidis, A., Connolly, T. & Law, E. (2012): A Survey into the Teacher’s Perception of Self-Regulated Learning. International Workshop on Enabling Successful Self-Regulation in Open Learning Environments, 12th IEEE International Conference on Advanced Learning Technologies (ICALT 2012).

[2] Mikroyannidis, A. (2012). A semantic framework for cloud learning environments.

[3] Pocatilu, P., Alecu, F., &Vetrici, M. (2010). Measuring the efficiency of cloud computing for e-learning systems. WSEAS Transactions on Computers, 9(1), 42-51.

[4] StenGovaerts, KatrienVerbert, and Erik Duval (2011): Evaluating the student activity meter: two case studies. Proceedings of the 9th International Conference on Web-based Learning- ICWL 2011, volume 7048, pages 188-197, Springer.

 

المصدر

أشار الكاتب في هذا المقال إلى استخدام التقنيات الحديثة المعاصرة في التعليم الإلكتروني، حيث عرض منها نموذجاً وهو الحوسبة السحابيَّة وكيف يمكن الاستفادة منها في التعليم. وحتى نظم إدارة المعلومات وكيف لها أن تضيف بعداً آخر إلى التعليم الإلكتروني، وبما ان المقال يتحدَّث عن (أدوات) فيجب عليه سرد بعض الادوات وأسماء الصفحات والمواقع، الشيء الذي لم يفعله الكاتب مما يجعلها مقالاً ناقصاً لنقص سرد أسماء الادوات المشهورة عبر الإنترنت.