التربية والفُرَص

إنّ غرس المفاهيم التربويَّة كغرس النبتة في الأرض، لابُد من تهيئة الأرض المناسبة والزمن المناسب لهذه النبتة، فإن تأخرت في غرسها خسرت هذا الموسم لأنّك لن تجني شيئاً والسبب هو تأخرك في الغرس أي أنّك لم تربط عامل الزمن بجودة التربة، وكل هذا يسمى الفرصة السانحة ونقول فرصة لأنّها نادراً ما تأتي وإذا أتت ذهبت بسرعه وانقضت، وهنا يعلّمُنا المربّي الأول صلى الله عليه وسلم حيث يقول: (إنّ لله في أيام دهركم لنفحات ألا فتعرضوا لها).

 



إنّنا نكثرُ من ربط المنهج التربوي بقانون المزرعة وذلك لتشابه العمليتين إلى حدٍّ كبير ولكن ما لا شك فيه أنّ غرس القيمة التربويَّة أعقد بكثير من غرسة أي نبتة، فنحن الآن كأننا مطالبون بالتربُّص لكل حركةٍ وكل مشهدٍ وكل كلمةٍ نسمعها منهم أو نشاهدها من الآخرين سواءً كان هذا خطأً أم صواباً فإنّنا نستثمر هذه الفرصة التي سنحت لنا لنصحّح مفهوماً لدى أبنائنا وهذه الفرص تكثر في السفر بسبب القرب الذي يحدث غالباً في الأسفار، وهذه الفرص كما قال سيدنا علي ابن أبي طالب رضي الله عنه: الفرصة سريعة الفوت وبطيئة العود، والفرص مربوطةٌ بالزمن وعمر الطفل، لأنّ فرص خمس السنوات يفترض أن تقتنص في خمس السنوات وتستثمر استثماراً صحيحاً، وفرص عشر السنوات يفترض أن تقتنص في عشر السنوات بخصائصها لتتم الفائدة كاملة عندما نستثمر الزمن والفرص في قانون المزرعة، ولأنّ التربية كما هي مربوطةٌ بالفرص كذلك هي مربوطةٌ بالزمن، وبما أنّ العالم متغيرٌ بل في تغير سريعٌ ومتواصل، علينا كآباء أن نعي هذه الأمور حتى لا نُري أبناءنا ولا حتى أمام أنفسنا أنّنا مقصرون وأنّ علينا واجباتٍ أساسيَّة وعاجلة قد جعلناها من الأمور الثانويَّة وتعاملنا معها ببطءٍ شديدٍ حتى فسدت النبتة أي فسد هذا الطفل.

 

هل تعلم أنّ ابنك:

توقع هذا السؤال وتوقّع هذه المفاجأة والتي هي في الأغلب الأعم ليست المفاجأة الجميلة المفرحة التي تتمناها بل هي في الأغلب أمرٌ قد لا تتوقعه وأحياناً قد لا يخطر ببالك أنّ ابنك هذا المعروف بالنسبة إليك بوجه جميل يرضيك دائما، قد لبس هذا الثوب ومشى في هذا الطريق وتشوه بهذه الفكرة، وأعود خطوةً إلى الخلف وأنا أقول إنّه في الأغلب الأعم تكون المفاجأة سلبيَّة وغير مفرحة، نعم لأنّ العكس من ذلك أيضاً في الأغلب الأعم يبنى خطوةً خُطوة حيث لا مكان للمفاجأة وإنّما تأتي المفاجآت من باب الإهمال الذي تعيشه الأسرة وعلى رأسها القبطان ومساعده (الأب والأم).

 

لدينا المثل الشعبي الرائع الذي يقول (حرّص ولا تخوّن) نعم من لا يريد أن يسمع مفاجأة تجعله يعيش في ذهول ويسترجع شريط حياته إلى الوراء لينظر ويبحث عن الثغرة التي فتحها على ابنه، إنّنا مع الأسف في كثير من الأحيان لا ندري أن أبناءنا قد كبروا وأنّ بناتنا أيضاً قد كبرن، ولربّما يأتيك شخصٌ من خارج منزلك ليخبرك بأنّ ابنتك قد كبرت وأنّ عليها أن تتغيَّر مع سنّها، نعم وبهذا النمو تنمو وتكبر أخطاؤهم وكما نعلم أنّ هناك أخطاءٌ يتم حلها في البيت والسّبب هو أنّها مشكلةٌ صغيرة ولكن إذا كبر الابن وكبرت معه مشاكله فستكون هناك المشاكل لاتحل إلّا في مراكز الشرطة وفي المحاكم وخلاصة السبب أنّنا تركنا هذه الأخطاء تنمو إلى أن استفحلت وأصبحنا لا نستطيع حلها وعلاجها، وما أخشاه عندها أن ينطبق علينا مثلُ من أدخل الدجاجة داخل الزجاجة هو المسؤول عن إخراجها، وهنا المسؤولية لن يتحملها الأب فقط أو الأُسرة فقط وإنّما سيتحملها المجتمع وسيكون هذا الابن بهذه المواصفات معولُ هدمٍ لنفسه ولمجتمعه، وأقول للوالدين بأنّ شريعتنا ترى أنّ التربية حقّ للطفل، والأبوين مدينان له، ولا بدّ من أداء هذا الدين، لأنّ التربية ليست من فروض الكفايات التي إن قام بها البعض سقط الإثم عن الآخرين. بل عندما نقوم بهذا العمل يجب أن نقوم به على أكمل وجه لأنّها عبادة لله تعالى، ونُخرّج عبيداً لله تعالى من خلال أداء هذا الواجب الربّاني، ونرفع من بين الناس العقوق والحرمان وهذا أيضاً في ذاته ثغرةٌ لابد من سدّها، ورحم الله ابن القيّم حين قال: الحكمة بكمال النهايات لا بنقص البدايات.