البيئة التعليميَّة التي نريد

من المعروف أن المدرسة هي البيت الثاني للمُتعلِّم بعد الأسرة والمنزل، كما تعد أيضا من أهم مُؤسَّسات المجتمع ويتوقع منها أن تقوم بأدوار عديدة في مجال تربية الطلاب تربية سليمة، وشاملة لكافة الجوانب، ولا يقتصر دورها على جانب واحد فقط مثل تزويدهم بالمعارف، والمعلومات؛ فبالإضافة إلى الاهتمام بالجانب المعرفي فهي مسؤولة عن إكسابهم المهارات المختلفة بصورة وظيفية لكي تعينهم على التكيُّف مع مجتمعهم، ومُتطلَّباته المتغيرة، كما أن المدرسة مسؤولة عن إكساب الطلاب القيم السليمة المتوافقة مع القيم الإسلاميَّة، والمواكبة لعادات المجتمع وتقاليده، وهي مسؤولة أيضاً عن تنمية اتجاهات إيجابيَّة لدى المُتعلِّمين نحو الجوانب الحياتيَّة المختلفة، ولذلك فللمدرسة أدوار عديدة ومختلفة، وليس دوراً واحداً يقتصر على تزويد الطلاب بالمعلومات، والمعارف، التي في إمكان الطالب الحصول عليها من مصادر أخرى غير المدرسة، وهنا لا نريد أن تكون المدرسة مكاناً للحصول على المعلومات، والمعارف فقط، دون أن تركز على الجوانب الأخرى.

 



وقد يختلف مفهوم المدرسة عند كثير من الناس عن المفهوم الصحيح لها، فعندما يسمع بعضنا كلمة "مدرسة" فإنّ أول ما يتبادر إلى ذهنه المبنى المدرسي فقط، وهذا فهم غير صحيح، فمفهوم المدرسة أشمل من ذلك، ويشمل كل ما يحتويه البناء المدرسي من هيئة إداريَّة، وموظفين، ومُعلِّمين، ومُتعلِّمين، وإمكانات ماديَّة أخرى كالصفوف الدراسيَّة، والمختبرات العلميَّة، والمكتبة المدرسيَّة، والمناهج الدراسيَّة، ومركز مصادر التعلُّم، وملاعب مدرسيَّة، وغيرها من الإمكانات الأخرى، لذلك عندما نحكم على المدرسة بأنها مقصرة في تحقيق أهدافها، فحكمنا شامل، ويشمل كل الجوانب السابقة، وقد يكون فيه شيء من الإجحاف.

 

وعندما يتأمل الشخص الأدوار العديدة للمدرسة تجاه الطلاب والمجتمع، لا بد له من أن يتساءل عن وضع هذه المؤسسة، والإمكانات المتوافرة سواء البشريَّة، والماديَّة، وهنا تبدو الحاجة واضحة وملحة للتعرُّف على البيئة المدرسيَّة وإمكاناتها عن قرب، ومن ثم الحكم عليها، وعلى مخرجاتها، وعدم توافر هذه الإمكانات في مدارسنا يؤثر بدرجة كبيرة في مستوى أدائها، فلا تقوم بالأدوار المتوقعة منها. وما أكثر ما ننتقد مدارسنا عند إخفاق الطلاب، أو حدوث مشكلات سببها الشباب، ولكي نكون أكثر واقعيَّة، ومنطقية في انتقادنا للمدارس ومخرجاتها، لا بد من أن نتأكد من مدى توافر الإمكانات (البشريَّة، والماديَّة) الضروريَّة لتحقيق المدرسة لأهدافها المختلفة.

 

والسؤال الرئيس هنا يدور حول مواصفات المدرسة بمفهومها الشامل التي نريد، فالمُتعلِّم يريد أن تكون البيئة التعليميَّة مناسبة لعملية التعلُّم من كافة الجوانب، وولي الأمر كذلك يتطلع إلى مدرسة مثالية تتوافر فيها الإمكانات الماديَّة، والبشريَّة التي تسهم في تحقيق أهداف المدرسة، ورسالتها. فالجميع يتطلع إلى إدارة مدرسيَّة حازمة، وجادة ترى مصلحة المُتعلِّم فوق كل مصلحة، وتسعى دائماً إلى إجراء عملية التطوير، والتجديد، والإدارة المدرسيَّة الناجحة هي التي تعمل على جعل البيئة المدرسيَّة بيئة منتجة، ومحببة إلى كل من المُعلِّم، والمُتعلِّم، كما أنها تسعى إلى توفير الإمكانات التي تحتاج إليها العملية التعليميَّة بشكل مستمر. ولا نريد الإدارة المدرسيَّة التقليديَّة التي لا تريد التغيير، أو التطوير في المجالات التربويَّة، ولا تسعى إليه، كما أنّ بعض مديري المدارس لا يهيئ البيئة التعليميَّة المناسبة لكل من المُعلِّم والمُتعلِّم، وليس لديه اهتمام بمخرجات العملية التعليميَّة، ويسعى إلى تحقيق مصلحته الشخصيَّة فقط. وهذا يُؤكِّد الحاجة إلى اختيار مديري المدارس من الذين نريدهم، وتتوافر فيهم السمات الإيجابية السابقة.

 

والحديث عن المُعلِّم قد يطول، ولكن المهم أن يكون المُعلِّم مقتنعاً بعملية التدريس بكونها مهنة، وأن يكون منتمياً إليها، ومخلصاً في تدريسه، ومتمكنا من تخصصه، ومتحمسا لتدريسه، ويتعامل مع الطلاب كأبناء له، أو كإخوة له بعيداً عن التكبر، والمعاملة القاسية، كما نريد المُعلِّم الذي إذا غادر الصف، أو غادر المدرسة تمنى الطلاب عودته إليهم في أقرب وقت نتيجة لعلمه، وخلقه، وحسن تعامله، ولا نريد المُعلِّم الذي يفرح طلابه بغيابه، أو بنقله من المدرسة إلى مدرسة أخرى. وفيما يتعلَّق بالمبنى المدرسي نريد أن يكون هذا المبنى صحياً، وحديثاً، ومبنياً حسب المواصفات المطلوبة التي تناسب عمليتي التعليم والتعلُّم، وأن تكون القاعات الدراسيَّة فسيحة، ومزودة بالأدوات، والأجهزة التعليميَّة المختلفة، والحديثة المواكبة للعصر الذي نعيش فيه، وأن يشمل ملاعب مدرسيَّة، وقاعات أنشطة، ومختبرات علميَّة، ومكتبة غنية بالمصادر العلميَّة الحديثة، ويتوافر في المدرسة مطعم يقدم وجبات صحية للطلاب، وأن يكون موقع المبنى المدرسي مناسباً بالنسبة إلى جميع السكان، ولا نريد مبنى مدرسياً مستأجراً يحتوي على غرف صغيرة، وضيقة، وغير مناسبة للسكن، فكيف تكون مناسبةً لعمليتي التعليم، والتعلُّم؟ كما لا نريد مبنى مدرسياً خارج إطار الصيانة الدورية الشاملة.

 

العنصر المهم، بل الأهم في البيئة المدرسيَّة الذي يتم تقديم كافة الإمكانات، والتجهيزات لخدمته هو المُتعلِّم (الطالب)، فلو لم يكن هناك طلاب، لما كانت هناك ضرورة لوجود المدارس، لذا من الضروري أن يتم الاهتمام بالطلاب، ولا بد من تعويدهم النظام، واحترام مُعلِّميهم، والمحافظة على الممتلكات العامة في المدرسة، وخارجها. كما يجب أن تكون معاملتهم، والتعامل معهم مبنيين على التقدير، والاحترام المتبادل بين المُعلِّم، والمدير، والطالب، ولا بد من بث روح الحماسة فيهم، والتنافس الشريف بينهم، فإذا كان الطالب غير متحمس للتعلُّم، فإن ذلك قد يؤثر في أداء المدرسة بشكل أساسي، ويحول دون تحقيقها لأهدافها. كما نريد الطالب الذي يذهب إلى المدرسة ليتعلَّم كيف يتعلَّم، ويتعلَّم بهدف التعلُّم لا بهدف الحصول على الشهادة فقط ، لأن الطالب الذي يلتحق بالمدرسة لكي يحصل على الشهادة، ومن ثم يحصل بها على عمل لا يهتم بالتعلُّم، ولا بالتعليم، فالذهاب إلى المدرسة هنا وسيلة من خلالها يحصل على الشهادة، وبذلك يتخرج كثير من هذا النوع من الطلاب، وهم يفتقرون إلى الأساسيات المعرفيَّة.

 

الجانب الآخر الذي يجب أن ندرك أهميته في العملية التعليميَّة يتمثل في المنهج الدراسي، وفي هذا المجال نريد أن يكون المنهج حديثاً، ومطوراً، ومواكباً للعصر الحاضر، وموظفاً للتقنيات الحديثة، ومرتبطاً بحياة المُتعلِّم، ومُتطلَّباته، كما نريد أن يقدم إلى الطالب بصورة تطبيقيَّة، ووظيفية بعيداً عن التنظير، والإلقاء، والحفظ، والاستظهار. كما نريد المنهج الذي يشجع على التعلُّم الذاتي، والاكتشاف، والوصول إلى المعلومة بيسر وسهولة بعيدا عن الغموض.

 

وهنا يجب أن ندرك أنه في حالة توافر الإمكانات البشريَّة، والماديَّة في مدارسنا وبالشكل، أو بالمواصفات التي نريدها فإنها ستكون بيئة تعليميَّة جاذبة للمُتعلِّمين، تحقق طموحاتهم، وتلبي رغباتهم، وعند ذلك يكون الذهاب إلى المدرسة محببا لدى المُتعلِّم، ويريد أن يذهب إليها كل يوم؛ لأنه يجدها بيئة توفر له مُتطلَّباته التي يحتاج إليها في هذه المرحلة.

 

وهناك سؤال دائما أبحث له عن إجابة، وأنا على يقين من أنّ هناك كثيراً يوافقني عليه، وهذا السؤال ينص على " متى يأتي اليوم الذي أعاقب ابني، أو ابنتي فيه بمنعهم من الذهاب إلى المدرسة؟ " وهذا لن يتحقق إلا في حالة توافر الإمكانات السابقة التي نريدها، وهذا يتطلَّب من المسؤولين عن التعليم أن يطوروا خطة، أو استراتيجيَّة لكي تكون مدارسنا بيئة محببة إلى الطلاب، وجاذبة لا طاردة لهم، وتعمل على بقائهم حتى إكمال مراحل تعليمهم، والاستفادة مما يتعلَّمونه، وبذلك نضمن نسبة متدنية من التسرب، أو الهدر التربوي في مراحل التعليم العام على الأقل، ونستطيع أن ننافس على مستوى عالمي.

 

كتاب اليوم

عامر بن عبدالله الشهراني