الاستلاب الحضاري

نشهد حالياً في مجتمعاتنا العربيَّة والمسلمة إشكاليَّة هوية خاصة في أوساط شبابنا، على الرغم من الدعوات البناءة التي تسعى إلى حفظ الهوية والشخصيَّة العربيَّة والمسلمة من الذوبان في ثقافات أخرى ومنها الغربيَّة، لكن صيت هذه الدعوات يبقى محدوداً مادام الإعلام والتعليم يسيران ضد التيار، ويبين هذا المقال مدى مساهمة التعليم في البلدان العربيَّة في الاستلاب الحضاري الذي تعانيه شعوبها.



بعض المفاهيم الأساسيَّة:

  • الاستلاب الحضاري: هو الانصهار في الثقافة الغربيَّة والابتعاد عن ثقافته الأصلية.
  • الاغتراب الثقافي والحضاري: هو انسلاخ الفرد من ثقافته وهويته وقوميّته نتيجة تعلقه وانبهاره بثقافة أجنبية دخيلة على واقعه.
  • الاغتراب النفسي: وهي حالة نفسيَّة تتمثل في الشعور بضعف الانتماء إلى مُؤسَّسات المجتمع وهو عدم تكيف الشخص نفسياً واجتماعياً مع البيئة التي يعيش فيها ومع التغيُّرات التي تطرأ على مجتمعه.
  • الانكفاء الوطني: وهو التقوقع والانزواء الوطني بمعنى النزعة الإقليميَّة أو العنصريَّة مثل الدعوة إلى القوميَّة اللبنانيَّة أو الكرديَّة أو المصريَّة.

مظاهر الاستلاب الحضاري:

  • التبعية للمجتمعات الغربيَّة في عاداتها وتقاليدها.
  • فصل الدين عن الدولة.
  • فصل الدين عن القوميَّة وضعف الواعظ الديني.
  • ضعف الشخصيَّة الوطنية والقوميَّة.
  • الانكفاء الوطني كظهور دعاة الإقليميَّة والعنصريَّة.

عوامل الاستلاب الحضاري:

أولاً: العوامل الداخليَّة:

  1. الجمود الفكري والتخلف العلمي والثقافي، ويتمثل في الآتي:
    • جمود البحث العلمي وقعود العلماء عن البحث.
    • إخفاق المصلحين.
    • انتشار الأميَّة.
  2. موجات التعصب الديني والطائفي والعرقي، مثل الانقسامات الطائفية في لبنان.
  3. التعلق بالعلمانيَّة في كافة نظم الحياة وفصل الدين عن الدولة. وفساد الحكم وغياب الحرية والعدالة والمساواة، وهذا ما أدى إلى، التمسك بالتراث أو الاغتراب.
  4. تخلف الفكر السياسي والممارسات السياسيَّة.

 
ثانياً: العوامل الخارجيَّة:

  1. الاستشراق: ويتمثل في الكتاب والمُفكِّرين المستشرقين وعن طريق المسوح الجيولوجية وغيرها.
  2. الترويج لبعض الإيديولوجيات.
  3. إثارة النعرات الطائفية والعرقية.
  4. إبراز جوانب الضعف في التاريخ العربي الإسلامي.
  5. تشويه التاريخ العربي الإسلامي.
  6. التبشير: ويتمثل في البعثات التبشيرية والمدارس التبشيرية ووسائل الإعلام الموجهة إلى الوطن العربي والناطقة بالعربيَّة وعن طريق المساعدات الاقتصاديَّة والفنيَّة والاجتماعيَّة المقدمة إلى الحكومات العربيَّة.
  7. تحطيم قدسية الإسلام في نفوس أبنائه.
  8. نشر الأكاذيب والافتراء على الدين الإسلامي.
  9. إثارة النزعة الطائفية والعرقية والمذهبية في البلدان العربيَّة.
  10. إثارة الفتنة بين البلدان العربيَّة والتي تتعدد فيها الطوائف الدينية.
  11. نشر الثقافة الغربيَّة والدين المسيحي في المجتمعات العربيَّة.

ثالثاً: التعليم بوصفه أهم عامل من عوامل الاستلاب الحضاري:
استغلال التعليم بوصفه أداة لتغيير سلوك الفرد العربي وتغيير معارفه وقيمه ومعتقداته ويؤدي إلى تغيير حياة المجتمع العربي وشخصيته وثقافته مما يجعله أكثر قبولاً للأفكار والقيم والثقافة الغربيَّة. وقد كرس الاستعمار جهده لتغيير الثقافة العربيَّة من خلال إقامته لأنواع مُتعدِّدة من المدارس تختلف في فلسفتها وأهدافها ومناهجها ومستوى التعليم فيها، ومن هذه المدارس:

  1. المدارس الخاصة: والتي أعدت لأبناء المستعمرين وهي ذات فلسفة وأهداف وطرائق تدريس ومناهج تتلاءم مع مدارس البلد المستعمر، ويمنع دخول أبناء العرب باستثناء فئة قليلة من أبناء أعيان البلاد والمتعاونين مع الاستعمار.
  2. مدارس الإرساليات والبعثات التبشيرية، ويغلب عليها الطابع التبشيري بالدين المسيحي وهي موجهة إلى أبناء العرب وأبناء المسحيين التابعين لغير مذهب الكنيسة التي تشرف على مثل هذه المدارس.
  3. مدارس الجاليات الأجنبية ومدارس الطوائف الدينيَّة والأقليات، وهي موجهة إلى أبناء الجاليات.
  4. المدارس الحكوميَّة العامة: وهي التي تهيئها الإدارة الاستعمارية لأبناء البلد الأصليين لخدمة أهدافها وأغراضها الاستعمارية.
  5. المدارس العصريَّة الحديثة: وهي المتمثلة في المدارس الأهليَّة وهي قليلة في عددها ومحدودة في إمكانياتها وتقليديَّة ونظريَّة في مناهجها وهي تقع تحت رقابة الاستعمار.
  6. المراكز التقليديَّة (المساجد والكتاتيب والزوايا، التي تقوم بتعليم وحفظ القرآن الكريم والعلوم الدينيَّة واللغويَّة بالطريقة التقليديَّة).

 

جوانب الشخصيَّة القوميَّة التي شملها الاستلاب الحضاري عن طريق التعليم:

  1. محاربة الاستعمار للتاريخ العربي المشترك.
  2. محاربة اللغة العربيَّة المشتركة:
    • إضعاف المُقرَّر الخاص بها.
    • إسنادها إلى مدرسين غير مؤهلين للغة.
    • جعلها مادة اختيارية بدلا من كونها مادة أساسيَّة.
    • إسقاط بعض قواعد اللغة.
    • استبدال الحروف اللاتينية بالحروف العربية.
    • العناية باللهجات العامية.
    • دعم الدراسات الاستشراقية المغرضة للدين الإسلامي.
    • دعم الحركات التبشيرية في البلاد العربيَّة.
    • ما تكتبه الصحافة عن أشياء منافية للدين.
    • فصل الدين عن الدولة.
    • نشر كتب تشكك في الدين الإسلامي.
    • إثارة النعرات الدينيَّة والطائفية.
    • تشجيع الحركات الصوفية التي لا تمت بصلة إلى الدين الإسلامي.
    • تحويل بعض المساجد إلى كنائس.
    • تضييق الخناق على الكتاتيب والزوايا والمعاهد والمدارس الأهليَّة التي تهتم بالدين.
    • إضعاف مادة الثقافة الإسلاميَّة في مناهج المدارس.
  3. محاربة الاستعمار للدين الإسلامي:
    • منع دراسة جغرافيا الوطن العربي.
    • دراسة جغرافيا الدولة المستعمرة.
    • تقسيم البلاد العربيَّة إلى مناطق ناطقة بلغة الاستعمار.
    • استخدام مفاهيم ومصطلحات كالشرق الأوسط والأدنى بدلاً من مفهوم العالم العربي والإسلامي.
  4. محاربة الاستعمار للوحدة الترابية للوطن العربي.
  5. محاربة الاستعمار للثقافة العربيَّة المشتركة:
    • إضعاف اللغة العربيَّة الفصحى.
    • محاربة الثقافة العربيَّة المشتركة.
    • جعل أسماء الشوارع والميادين والمحلات بلغة المستعمر.
    • إحلال العادات والتقاليد الغربيَّة محل التقاليد العربيَّة.
    • استمرار الاستلاب الحضاري حتى بعد انتهاء الاستعمار المباشر.

وهناك عوامل كثيرة قد ساعدت على استمرار التبعية للاستعمار وزادت في اتجاه التغريب والاستلاب الحضاري حتى بعد الاستقلال السياسي قد يكون من أهم هذه العوامل: التعليم الضعيف، والتخلف العلمي والفكري وضعف الوازع الديني وغياب الحكم الصالح في كثير من أجزاء الوطن العربي وغياب الحرية والعدل والمساواة والانقسامات العقائدية والمذهبية والحزبية وغياب الوحدة العربيَّة في أي شكل من أشكالها وتغليب العاطفة والخيال على المنطق والعقل إلى غير ذلك من عوامل استمرار التبعية والاستلاب الحضاري حتى بعد الحصول على الاستقلال السياسي.

 

عامل التعليم:
على الرغم ممّا حققه التعليم في مجال الكم إلّا أنّه يزال ضعيفاً بحيث لا يمكن الاعتماد عليه في صد تيار الغزو الثقافي والتغريب والاستلاب الحضاري ولا في بناء الفرد العربي المستقل فكرياً ولا في صنع الحضارة وتجديدها وبناء الوحدة العربيَّة الشاملة.

وضعف التعليم العربي يشمل جميع جوانبه من فلسفة وأهداف وسياسيَّة واستراتيجيَّة ومناهج دراسيَّة وطرائق التدريس ووسائل تعليميَّة ونظم قبول وامتحانات وإدارة تعليميَّة وخدمات تعليميَّة ومبان وتجهيزات مدرسيَّة وإعداد مدرسين وما ينتمي إلى ذلك.

فقد أخفق التعليم العربي في مجموعه حتى الآن في بناء الفلسفة التربويَّة التقدُّمية الشاملة التي تستمد مبادئها ومنطلقاتها من القيم العربيَّة الإسلاميَّة ومن النظرة الشاملة والسليمة للكون والإنسان والمجتمع والحياة والمعرفة الإنسانيَّة كما أخفق التعليم العربي حتى الآن في تحديد أهدافه بالطريقة العلميَّة السليمة التي تقوم على مسح احتياجات المجتمع العربي والفرد العربي ومُتطلَّبات الحياة الكريمة الناجحة لهما في الحاضر والمستقبل.

وأخفق التعليم العربي أيضاً حتى الآن في رسم السياسيَّة التعليميَّة التي توازن بين الكم والنوع وبين الدراسة النظريَّة والتطبيق العملي، وبين التعليم الأكاديمي والتعليم الفني والمهني، وبين تعليم الذكور وتعليم الإناث وبين تعليم أبناء المدن وتعليم أبناء الريف والبادية وبين من هم في سن المدرسة وتعليم الكبار الذين تجاوزوا سن المدرسة، والتعليم العربي كما أخفق في إحداث التوازن المطلوب بين النواحي المذكورة فإنه أخفق أيضا في تحديد الأوليات ونقاط التركيز والاهتمام التي تقتضيها التنمية العربيَّة الشاملة والتقدُّم التقني وكسر طوق احتكار التقنيَّة الحديثة من قِبَلِ الغرب.

إنّ التعليم العربي في وضعه الحاضر يُعَدُّ عاملاً من عوامل التبعية والاستلاب الحضاري فإنه يمكن أن يكون إذا ما أصلحت جوانبه السابقة عاملا من عوامل الأصالة والتجديد الحضاري ومقاومة الغزو الثقافي والاستلاب الحضاري.

 

علي الهمالي.

http://www.tarbya.net/Participation/View.aspx?PrtcpId=122